الإصلاح الإداري.. إصلاح من جديد.. كفاءاتنا الإدارية أغلبها هاجرت ومن بقي منها محارب.. فرض التخصص الإداري كمهنة والكفاءة والجدارة الإدارية على المديرين المتخصصين
|غزل إبراهيم
مرتكزات عديدة لعمل الحكومة الجديدة حددها السيد الرئيس بشار الأسد خلال لقائه مع الوزراء الجدد، وعلى رأسها تصحيح الخلل في المنظومة الإدارية والاقتصادية، والتي اعتبرها السيد الرئيس ألف باء الواقعية.
ولمعالجة هذا الخلل يجب تغيير السياسات الاقتصادية والإدارية بالاعتماد على الإدارة كمهنة وتخصص في مفاصل المؤسسات، في ظل الحاجة للعمل الجاد بعد كل التخريب والدمار الذي حصل في سورية، بعيداً عن التنظير والمزايدات والمحسوبيات.
كما يجب أن يلاقي موضوع مهنية الإدارة وتخصصاتها الإدارية وشروطها في المؤسسات، انتباهاً واهتماماً من المسؤولين وأصحاب القرار، بحيث يصبح التخصص الإداري والكفاءة والجدارة الإدارية للمديرين المتخصصين في الإدارة المعيار الذي يتم على أساسه اختيار القيادات الإدارية القادرة على استيعاب التقنيات المتطورة والفن الإداري الحديث في مختلف مفاصل الدولة ومختلف المستويات الإدارية (-الإدارة العليا- الإدارة الوسطى- الإدارة الدنيا التنفيذية).
الإدارة محرك التطور والنمو
يشهد العالم الآن تغيرات جذرية، سريعة ومتتابعة، وأصبح تقدم الشعوب وتطورها الحضاري لا يتم بمجرد توافر الثروات أو استيراد أحدث الأجهزة والتقنيات، بقدر ما يعود إلى الإدارة العلمية والكفؤة القادرة على حسن استثمار واستغلال هذه الثروات والتجهيزات التقنية بالشكل الأمثل، فهناك شعوب ومجتمعات لا تملك إلا موارد نادرة ومحددة، لكنها تمكنت بفضل الإدارة من تحقيق وتائر نمو عالية، وارتقت إلى أعلى درجات سلم التطوير والحضارة، وإن خير مثال عليها اليابان وهولندا وسويسرا وماليزيا وغيرها، ويكفي دلالة على أهمية الإدارة ودورها في عملية التنمية المستدامة ما قاله مدير إحدى كبريات الشركات الأميركية، «… خذوا منا كل أموالنا وتجهيزاتنا وممتلكاتنا، واتركوا لنا إدارتنا، سنعيد كل ذلك خلال بضع سنوات»، حسب الأستاذ الدكتور في كلية الاقتصاد- جامعة دمشق سامر المصطفى.
سورية تخرّج آلاف الإداريين للخارج
الإدارة علم وفن بأن واحد، وليست استعراضاً لبطولات شخصية وفردية أو ركوباً للسيارات الحديثة أو للتباهي بالتكنولوجيا أو استخدام السكرتيرات الجميلات، وعلينا أن نؤسس الإدارة في سورية على العلم والتخصص والمهنية، وخاصة أن الإدارة تحتاج إلى عناصر ذات خبرة إدارية أكاديمية نظرية وعملية، ولدينا كليات ومعاهد متخصصة في الإدارة في سورية تخرّج آلاف الإداريين للسوق الخارجية، في حين لا يتم الاعتماد عليهم في مواقع الإدارة وفقاً للمصطفى، وهذا لا يساهم في التخلص من كل الذين يكتبون (مع الموافقة أصولاً – يرجى الاطلاع والتوجيه – يرجى إجراء ما ترونه مناسباً – للتريث…) نتيجة عدم تخصصهم ومهنيتهم في الإدارة.
الإدارات الكفؤة محاربة
ولهذا تتنافس الدول المتقدمة وشركاتها المختلفة فيما بينها وتتسابق لتقديم أفضل الإغراءات المادية والمعنوية لاجتذاب أصحاب المهارات والكفاءات الإدارية المتميزة، وتدفع لهم ما يريدون في حين نجد في سورية يتم السعي والتسابق في ابتكار أفضل الأساليب للتضييق على أصحاب التخصصات الإدارية والمهارات والكفاءات الإدارية ووضع العراقيل والصعوبات أمامهم لتهميشهم وإخراجهم من دائرة الضوء والمنافسة أو وضعهم في الأماكن غير المناسبة لهم.
إذ يتم الاعتماد على تخصصات بعيدة عن تخصص الإدارة وعلمها ومضمونها (الإدارة بالتجريب) في مواقع القيادية الإدارية كافة يؤكد المصطفى.
التحول في إدارة المنظمات ضرورة ملحة
الإدارة اليوم علم وفن للوظائف الإدارية ومهنة ولغة أجنبية وحاسوب وبريد إلكتروني وإنترنت وخبرة اختصاص إداري بحت بوظائف الإدارة (تخطيط وتنظيم وتنسيق وقيادة ورقابة) وهذا يفرض التحول الناجح في إدارة المنظمات كضرورة ملحة وحتمية، ومن دونها لا يمكن النجاح بعمليات التطوير الإداري الحديث في سورية.
ويشمل التحول الناجح للمنظمات إعادة تصميم كروموسومات المنظمة البيولوجية (الأنظمة) وجينات تلك الأنظمة (الإدارة) في وقت واحد، وإن اختلفت سرعات الإعادة، وهذا يتطلب العمل على أن يتم التصميم في أربع نقاط متناغمة ومتكاملة ومترابطة وهي إعادة تشكيل عقل المنظمة، وإعادة بناء جسم المنظمة، وإعادة إحياء بيئة المنظمة، وإعادة تجديد (بعث) روح المنظمة.
التعامل مع الإدارة كمهنة
ويفرض هذا على القيادة السياسية والجهات المختصة وأصحاب القرار فرض الإدارة كمهنة وتخصص بعد الفشل الكبير في الإدارة للمؤسسات العامة والخاصة من غير المختصين في الإدارة.
كما تحتاج وفق رؤية المصطفى إلى ترخيص مزاولة مهنة مثل مهنة الطب والصيدلة والهندسة، وأن تشكل لها جمعية للإدارة تحدد شروط وأخلاقيات مزاولة مهنة الإدارة، وخاصة أن الإدارة المتخصصة والمؤهلة هي العمود الفقري لإعادة إعمار سورية بشكل فعال.
إستراتيجيات التولي والتخلي
وعلى القيادة الإدارية في المؤسسات السورية اعتماد إستراتيجية التولي والتخلي وهما ليسا بضدين يتنازعان سيادة فكر المنظمة، بل هما خطان متوازيان تعبر فوقهما قاطرة النمو والتطور. فإذا تخلت المنظمة عن أحدهما أو غلبته على الآخر خاصمها النجاح. وليس التولي والتخلي برنامجاً للتغيير، بل وصف للقوى المؤثرة في التغيير مع شرح لكيفية التفاعل بينها والأسلوب الصحيح للتحكم أو التكيف مع هذه القوى، بحيث يحقق التغيير نتائجه المستهدفة.
فالتولي هو التحديد الدقيق للخطوط العامة والأطر الإستراتيجية لعمل المنظمة، حيث يستلزم التحول أن تكون المنظمة صارمة حيال الأهداف، وأن تحدد اختصاصات العاملين على وجه الدقة، بحيث تتولى الإدارة مسؤوليتها الإستراتيجية، ويتولى العاملون تحقيق الأهداف المنوطة بهم، أما التخلي فهو تأهيل العاملين وحثهم على التصرف الفعال بحيث تتخلى الإدارة عن الاهتمام بالتفاصيل من خلال التمكين الإداري، والتمكين المهاري.
التركيز على مهنية الإدارة
وعلينا أن ندرك أننا على أعتاب تحول اقتصادي كبير في العالم، يضع عبئاً كبيراً على قادة منظماتنا المنوط بهم قيادة التغيير المطلوب، الذين يجب أن تتوافر فيهم مهارات وقدرات متميزة لم تكن تتوافر لدى أقرانهم فيما سبق، ومنها القدرة على إدارة تكنولوجيا المعلومات، والتعامل مع الهياكل التنظيمية الجديدة، ومع نوعية جديدة من العاملين.
والتحول من الاعتماد على المهنيين والموظفين إلى الاعتماد على التجاريين والإداريين المبدعين، فالتحول من الاقتصاد الصناعي إلى اقتصاد المعلومات والذكاء الاصطناعي لن يكون الأول، ومن دون شك لن يكون الأخير.
فالإدارة مهنة تشمل جميع النشاطات الإنسانية في المؤسسات وهي تقف خلف كل نشاط أو إنتاج أو خدمة في الأسرة – المدرسة – المصنع – الجامعة – المؤسسة -وغيرها. وهي السبب في النجاح أو الفشل والأساس في تحقيق التفوق والتقدم في تحسين استخدام الموارد المتاحة لها.
وهناك عناصر إنتاج داخل كل منظمة أو مؤسسة أو شركة (قوى بشرية – عمال مواد – معدات – مبانٍ -…….) هذه العناصر لا تعمل وحدها، بل تحتاج إلى إدارة متخصصة بالعلم والفن هي التي تجمع وتفاعل بين هذه العناصر لتحقيق الإنتاج والأهداف بأقل تكلفة وأقصر وقت.
ووجود مستويات للإدارة ومتطلبات لها من المهنية والتخصص (الإدارة العليا- الإدارة الوسطى- الإدارة الدنيا التنفيذية) والشروط بأخلاقيات الإدارة وأسلوب عملها.
فالإداري المتخصص يستطيع أن يقوم بجميع وظائف الإدارة بغض النظر عن المستوى الإداري الذي يشغله ومجاله، ولا توجد دول متقدمة ودول متخلفة بل توجد إدارات متقدمة وأخرى متخلفة يؤكد المصطفى.
ما وسائل الإصلاح الإداري؟
يمكن حصر الوسائل التي يمكن أن تلجأ إليها الدول لتحقيق الإصلاح الإداري في العصر الحديث في ثلاث وسائل رئيسية، وهي إنشاء لجان مؤقتة لدراسة عيوب الجهاز الإداري واقتراح وسائل إصلاحه، والاستعانة بالخبراء الأجانب ولفترة محدودة، وإنشاء هيئات فنية دائماً متخصصة في مسائل التنظيم الإداري، وفقاً للأستاذ في قسم إدارة الأعمال في كلية الاقتصاد في جامعة دمشق زكوان قريط.
رسم سياسة عامة للدولة
غير أنه من الثابت أيضاً أن التنظيم العلمي للجهاز الإداري في الدولة يعتمد في تحقيق أهدافه على دعامتين أساسيتين، وهما:
رسم سياسة عامة سليمة للدولة وتشمل جميع نواحي الحياة في المجتمع وبصفة خاصة الناحية الإدارية، ومن ثم يتبعها رسم سياسات اقتصادية شمولية وإستراتيجية (تحديد الهوية الاقتصادية) لفترات مستقبلية طويلة الأمد مع وضع خطط تنفيذية قابلة للتطبيق ووضع خطط بديلة خيار ثانٍ.
ويمكن تحقيق ذلك عن طريق تنظيم سلطة القيادة في الدولة تنظيماً علمياً سليماً، يكفل حسن قيام هذه السلطة بوظائفها على أكمل وجه.
الموظفون الأكفاء
أما الخطوة الأساسية الثانية في سبيل تحقيق الإصلاح الإداري فهي توفر الموظفين الصالحين لتولي وظائف الإدارة العليا والإدارة التنفيذية في نطاق سلطة القيادة والسلطات الإدارية، وتحقيق هذا الهدف يتطلب اتخاذ إجراءين أساسيين وهما إعداد الموظفين الذين يعهد إليهم بتولى وظائف القيادة الإدارية إعداداً خاصاً يضمن تأهيلهم لتولي هذه الوظائف بكفاءة وجدية، والثاني هو تدريب الموظفين الذين يعهد إليهم بوظائف الإدارة التنفيذية وفقاً لإحداث وسائل التدريب العلمية المعروفة في الوقت الحاضر بغية ضمان تأهيلهم للقيام بأعباء وظائفهم على أحسن وجه، وهذا ما ركزت عليه وزارة التنمية الإدارية، وعملت عليه طوال الأعوام السابقة.
وكل ذلك سيقود إلى إحداث التغيير السريع الذي تحدث عنه السيد الرئيس وعدم التأخير، لأنه سيوقف عملية الإصلاح، وتصبح شبه مستحيلة.