العناوين الرئيسيةشؤون محلية

الاستثمار الزراعي «الضعيف» بين وفرة المقومات وندرة التنفيذ…!!…ماذا يتطلب الاستثمار الزراعي اليوم لإنعاش الاقتصاد الوطني وتحريك عجلته؟

| أمير حقوق

تعتبر الزراعة من أهم مقومات الاقتصاد الوطني، لأهميتها في الناتج المحلي ولتوفير فرص العمل، إضافة إلى تأمين المواد الغذائية والمواد الخام لعديد من الصناعات الأساسية، ومساهمتها الكبيرة في تحقيق الأمن الغذائي الذي يعتبر من أساسيات تحقيق النمو الاقتصادي من حيث الاكتفاء الغذائي في المجتمع وتوافر الاحتياجات والسلع الأساسية واللازمة من خلال الزراعة المحلية، وتصدير الناتج منها للخارج.
وبما أن الاستثمار يشكل عنصراً مهماً في تطور الاقتصاد، فيعد الاستثمار الزراعي من أفضل أشكال التنمية الاقتصادية لارتباطه بالصناعة والتجارة، فضلاً عن توفير السلع الأساسية بأسعار منافسة، وتنشيط عملية التصدير، ولتوفيره آلاف فرص العمل ما يحد من ازدياد البطالة وإنعاش مهن أخرى مرتبطة به.
وفي الفترة الصعبة التي تعصف بالبلاد، يشكل الاستثمار الزراعي أحد أهم العوامل التي تسهم في إنعاش الاقتصاد بنسبة جيدة لما يحققه من إيرادات ضخمة وخفض نسبة البطالة وخفض سعر المواد الأولية لعدد من الصناعات، وبما أن مقوماته الأساسية متوافرة في سورية بشكل كبير ومتوزع بكل المحافظات مثل الماء والتربة الخصبة والأيدي العاملة.

وبناء على أهمية ودور قطاع الاستثمار الزراعي وأولويته في المرحلة الحالية بسورية بتحسين وتقدم وتطور الاقتصاد الوطني الضعيف والمتدني، فتحت «الاقتصادية» هذا الملف وحاولت التوسع في معطياته ومحاوره بخبرة الباحثين والخبراء ورجال الأعمال لمعرفة واقع الاستثمار الزراعي في سورية اليوم، ومعرفة كيف يتم التعاطي معه، وكيف يجب الاعتماد عليه في إنعاش الاقتصاد وتحريك عجلته؟ وما هي متطلباته ومتطلبات المستثمرين مع العوامل المتغيرة لتحريك دوران عجلته لتحقيق منافعه الاقتصادية والاجتماعية وغيرها، مع تقديم الحلول والمقترحات التي يجب العمل بها باعتباره أحد أهم القطاعات في تحسين الاقتصاد الوطني.
وفي حوار خاص مع «الاقتصادية» أوضح الأستاذ في كلية الاقتصاد بجامعة حماة الدكتور عبد الرحمن محمد أن القطاع الزراعي يعتبر من القطاعات الحيوية والمهمة في سورية، وأغلبية سكان سورية كانوا يعتمدون في دخلهم على الزراعة التي كانت تشكل تقريباً قبل الحرب نحو 19-20 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي في سورية.

انخفضت بنسبة60 بالمئة
وتابع: لكن الحرب التي تعرضت لها سورية ساهمت بتدمير البنى التحتية المهمة لهذا القطاع، وشهدنا توقف الزراعة في معظم المناطق لأسباب أمنية ومنها النزوح وهجرة الفلاحين وخبراء الزراعة أيضاً والتكاليف التي أصبحت مرتفعة جداً وصعوبة توفير متطلبات الزراعة وتربية الحيوانات والدواجن التي انخفضت بنسبة قد تصل لأكثر من 60 بالمئة، وهذا يدل على أهمية الاستثمار الزراعي في الوقت الراهن.

معوقات
واعتبر الدكتور محمد أن الأسباب التي تحد من الاستثمار الزراعي في سورية بالوقت الراهن، تتلخص في غياب الرقابة عن المبيدات والأسمدة، ومحدودية التسويق وارتفاع تكاليف مستلزمات الإنتاج والرداءة في جودتها وارتفاع أسعار الوقود، بالإضافة إلى ضعف ومحدودية إدارة المصادر المائية وضعف تنسيق العمل الزراعي بين المؤسسات الحكومية والمجالس المحلية والمنظمات، بالتوازي مع غياب دور الجمعيات الفلاحية والجفاف والظروف المناخية وضعف الإرشاد الزراعي.

سياسات وخطط!
أما عن الآلية التي يجب أن يسير بها الاستثمار الزراعي، فأفاد الدكتور محمد أن الآلية يجب الاعتماد فيها على سياسات وخطط صارمة لمراقبة المدخلات الزراعية المستوردة والتحول لطرق ري حديثة ودعم المستثمرين في الحصول على قروض ميسرة، والتحول لاستخدام الطاقة الشمسية، كذلك دعم مشاريع الري الإستراتيجية، وإنشاء جمعيات فلاحية تعاونية وتعزيز عملها، ودعم زراعة المحاصيل الإستراتيجية مثل القمح، وأخيراً يجب دعم مربي الثروة الحيوانية بالأعلاف المركزة، ودعم مشاريع إنتاج المحاصيل العلفية.

الخروج من العقلية التقليدية
بدوره، أفاد الصناعي عاطف طيفور أن الاستثمار الزراعي بكافة أنواعه الإستراتيجية والموسمية غير مستقر وغير متوازن مع الاكتفاء الذاتي، ولعدة أسباب وأهمها عدم استقرار التوريدات ومستلزمات الإنتاج من محروقات وسماد وأدوية، ما يدفع جميع المزارعين إلى الاستعانة بالسوق السوداء والقطاع الخاص وشراء المواد بالسعر العالمي المستورد، في حين سعر التسويق للمؤسسات بالسعر المحلي وغير متناسق مع السعر العالمي، علماً أن العرف الزراعي بتاريخ سورية الحديث تلتزم المؤسسات بشراء المحاصيل الإستراتيجية بالسعر العالمي، بالإضافة لنسبة حوافز، والحل الوسط للطرفين هو الخروج من العقلية التقليدية للدعم الزراعي وتحويل الدعم من المدخلات إلى المخرجات وشراء المادة بسعر مغرٍ لمكافحة التهريب وتوسيع الرقعة الزراعية.
نسبة الهدر الزراعية والمردود الزراعي للهكتار من أهم الملفات الاقتصادية التي تحتاج إلى معالجة، التي تستنزف المساحات والموازنات والتوريدات بإنتاج غير مكتمل كماً وجودة، كمحصول القطن والتي تتجاوز نسبة المردود الزراعي للهكتار 40 بالمئة ومحصول الشوندر التي تتجاوز نسبة هدر استخلاص السكر ٦ بالمئة، برأي الصناعي طيفور.
وبيّن الصناعي طيفور أن شروط استثمار الأراضي الزراعية غير مقبولة، ومنها صعوبات الزراعة والإنتاج بمكان واحد لأسباب إدارية، ومنها التأخير بمنح عقود الاستثمار لأسباب مزاجية.

تأمين 84 بالمئة
وأرجح الصناعي طيفور أن الإنتاج الزراعي قابل ليوفر وسطيا 84 بالمئة من المواد الأولية الصناعية، ويحقق الاكتفاء الذاتي الغذائي والصناعي والفائض التصديري، مما ينعكس على انخفاض فاتورة المستوردات وتخفيض الضغط على القطع الأجنبي ورفع نسبة الإنتاج الصناعي وتخفيض نسبة التضخم والبطالة.

تغيرات جذرية
النجاح بالزراعة ليس بحاجة لاختراع الدولاب، برأي الصناعي طيفور، متابعاً حديثه: في حين تشتهر سورية منذ عقود بالاكتفاء الذاتي والمردود الزراعي والصناعي للهكتار والفائض التصديري، وتحقيق هذا الهدف بحاجة لتغيير العقلية التقليدية، بما يتناسب مع المرحلة الاستثنائية وتغيرات جذرية بالمناصب الزراعية بما يتناسب مع المتطلبات الإدارية والفنية.
أما الخبير الاقتصادي أكرم عفيف، فأوضح في حديثه لـ«الاقتصادية» أن سورية بلد زراعي، وقاطرة النمو فيها هي الزراعة، ومثال على أهمية الاستثمار الزراعي بإنعاش الاقتصاد، أن سورية تحوي 3600 نوع من النباتات الطبية والعطرية، وإذ اشتغِلَ على كل نوع على حدة، من تجهيز الأرض إلى الزراعة لخدمة الحقل ولاستخراج المواد الفعالة لوضعها في منتج طبي وتجميلي ودوائي وتصديرهم، وهذه العملية تحتاج لعشرات آلاف فرص العمل، وهذا بدوره يساعد في تنشيط وإنعاش الاقتصاد.

حجج الوزارة!
وأكمل عفيف: واقع الاستثمار الزراعي معيب جداً، ومثال على ذلك، كيلو الليمون العصائري سعره كان بـ400 ليرة سورية وليتر الكولا بـ٢٥ ألفاً، فهل هذا ينبئ بواقع استثمار جيد؟ هل يوجد معمل عصائر في سورية؟ وحجج وزارة الزراعة بأنه لا يوجد برتقال عصائري، وهو بحاجة طعم فقط، وهناك مئات آلاف الأطنان التي تفسد من التفاح والبرتقال سنوياً، فلا يوجد شيء يوحي بالاستثمار الزراعي في سورية،
سياسة التسعير!
ومعوقات الاستثمار برأي عفيف، تتلخص في تكاليف الإنتاج المرتفعة والتي منعت من زراعة أكثر من موسم واحد للأرض، والذي بدوره يؤثر في الأمن الغذائي السوري، وسياسة التسعير الحكومية التي أدت لخسارة كل المحاصيل بما فيها القمح والشوندر وغيرها، وعدم تعويض الخسائر للمستثمرين وللمزارعين وهذه المخاطر يجب أن تدرس قبل عملية الاستثمار الزراعي، وسياسات الاستثمار الزراعي في سورية غير فاعلة وخجولة وغير مجدية، وبما أن الاستثمار بالقطاع الزراعي هو جزء من عملية الوضع الاقتصادي والسياسات الاقتصادية المدمرة التي قتلت المنتجين لمصلحة المستوردين وشركائهم من المسؤولين الفاسدين، وهذا ينطبق على كل الاستثمارات كالزراعي والصناعي وغيره وفي كل الاتجاهات بسورية التي أدت إلى توقف جميع المشاريع والخطط والإنتاج في سبيل استيراد البعض من المسؤولين.

يفكرون بالاستثمار خارجاً
أما متطلبات المستثمرين، فتستوجب أن تتوافر عوامل الأمان وأن يكون عملهم مثمراً بالربح، وأن تقدم الحكومة لهم كل التسهيلات والرعاية وتحقيق جلّ مطالبهم، فاليوم إذا قدم أي مستثمر طلباً لحفر بئر ارتوازية، يأتي الرفض بحجة استنزاف المياه، واليوم أغلبية المستثمرين يفكرون بالسفر للاستثمار خارجاً بسبب الوضع الراهن وقوانين الاستثمار والتي صدرت وماتت بأرضها، فالمشكلة تكمن في إدارة الموارد وتدمير المنتجين لمصلحة المستوردين من الحكومة، بحسب ما أشار إليه عفيف.

فتح الحدود
واقترح عفيف أنه يجب أن تدار سورية بالوفرة وليس بالأقلية، وتحسين ريعية الإنتاج من خلال وحدة المساحة ونوعية المحاصيل وإيجاد فرص وطرق تصديرية لإنعاش الإنتاج الزراعي واستثماره، ويجب على الحكومة تسهيل التراخيص والموافقات وضبط الجودة، والأهم فتح الحدود أمام المستثمرين، وبالتالي ينشط الحركة الاقتصادية من خلال العائدات والضرائب.
ومما سبق نلاحظ أن للاستثمار الزراعي أهمية كبيرة ودوراً أساسياً في تطور وتحسن الاقتصاد الوطني، فبالإضافة إلى دوره في توفير وتأمين سلع الغذاء الضرورية والأساسية وأيضاً المساهمة في رفد الصناعات الأخرى بالمواد الأولية، كالسكر والقطن والمنسوجات والزيوت وغيرها الكثير، ويسهم أيضاً في تحريك عجلة التجارة الخارجية لسورية، لكون الصادرات الزراعية من أهم المواد التجارية التي تصدرها الدول، والتي بدورها تنعش حركة التصدير والنقل وبزيادة كمية القطع الأجنبي لدى الخزينة.
وأهمية الاستثمار الزراعي تتجلى في زيادة الدخل والإيرادات وزيادة رأس المال وتقليل الاعتماد على الاستيراد لبعض المنتجات والسلع والذي بدوره خفض أسعار المنتجات الزراعية، كما أن تنمية الاستثمار الزراعي تحتاج إلى رأس مال أقل من باقي الاستثمارات والصناعات، بالإضافة إلى ذلك فإن الصادرات الزراعية تعد مصدراً أساسياً في تنشيط عجلة الاقتصاد الوطني وتحقيق نسب عالية من إيرادات الخزينة، وأيضاً المساهمة في زيادة الأراضي الزراعية وتوسيع انتشارها والحفاظ على خصوبة تربتها، وتحقيق نسب الأرباح بوقت قياسي ومحدد وتنمية رأس المال السوري والتشجيع على زيادة الاستثمار بهذا القطاع.

عدم تجاوب.!
حاولت «الاقتصادية» أخذ رأي مدير الاقتصاد الزراعي حول إخفاق الاستثمار الزراعي وعدم تحقيقه أي نتائج إيجابية نظرا للمقومات المتاحة، إلا أنه كان يؤجل متذرعاً بكثرة الارتباطات والجولات خارج دمشق.!

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى