هل واقع الاستثمارات والمستثمرين في المدينة الصناعية بحسياء جيد؟…أصحاب مشاريع قيد الإنشاء: الإلزام بعقود المقاولة غير محق ولا مسوغ له… الخليل لـ«الاقتصادية»: 70 بالمئة من المساحة مبيعة بواقع 1032 منشأة منها 332 منتجة
|شادية إسبر
نجاح المدن الصناعية في سورية، أساس لا يمكن بناء الاقتصاد الوطني دون تمكينه، هذا العمود الاستثماري الصناعي التجاري الاجتماعي، حامل جسر التنمية للعبور إلى المنطقة الآمنة اقتصادياً، وعلى المنطق السليم والفكر الإستراتيجي تم إحداث المدن الصناعية بالمرسوم 57 لعام 2004، فإلى أي مكان وصلت؟ وما دورها في هذه المرحلة الصعبة وفي إعادة الإعمار وتحريك عجلة الاقتصاد؟ وما الصعوبات والحلول وفق المستثمرين؟
بعد 20 عاماً على المرسوم، ماذا تقول الأرقام عن واقع الاستثمارات في المدينة الصناعية بحسياء؟ وماذا يقول الصناعيون؟
للوقوف على الواقع، أجرت «الاقتصادية» حواراً موسعاً مع المدير العام للمدينة المهندس محمد عامر الخليل، ومع أصحاب منشآت فيها، فكان الواقع شبيهاً بالحالة الاقتصادية العامة من حيث الجهود الكبيرة والمصاعب التي تثقل كاهل المصانع والشركات، إذ تركز معظمها حول ارتفاع أسعار الطاقة، وإلزام صاحب المشروع بإبرام عقد مقاولة لتنفيذ أي رخصة، إضافة إلى النقل التي يعتبره الصناعيون تكلفة إضافية على الإنتاج تضعف المنافسة.
1032 منشأة منها 332 منتجة
عن واقع حجم الاستثمارات في المدينة، أكد الخليل أنها وصلت 385 ملياراً و914 مليون ليرة سورية، معتبراً أنه من شأن هذه الاستثمارات توفير منتجات ذات قيمة عالية، إضافة إلى توفير نحو 28 ألف فرصة عمل تنوعت بين عمال المنشآت الصناعية وآخرين يعملون في البناء وتجهيزات المنشآت، حيث وصل عدد المنشآت إلى 1032 منشأة، منها 332 منتجة، و700 أخرى قيد الإنشاء.
وعن توزعها وأنواعها؟ أفاد الخليل بأن العدد موزع بواقع 241 مقسماً في المنطقة الغذائية، و413 مقسماً في المنطقة الهندسية، و282 مقسماً في المنطقة الكيميائية، و54 مقسماً في المنطقة النسيجية، و42 مقسماً في المنطقة الخدمية، لتبلغ بذلك نسبة المساحة المبيعة 70 بالمئة.
الخليل رأى أن النمو في عدد المستثمرين يعكس حجم الجهود والتسهيلات لاستقطاب الاستثمارات ومنها خدمة النافذة الواحدة وحجز المقاسم عبر الإنترنت وتحسين البنية التحتية، وأن هذه المنشآت في القطاعات الصناعية المختلفة سيكون لها الدور الكبير في دعم الاقتصاد الوطني من خلال المنتجات التي سترفد السوق المحلية، إضافة لتوفير القطع الأجنبي من خلال تصدير الفائض إلى الأسواق الخارجية.
من وجهة نظر الصناعيين الذين تواصلت «الاقتصادية» مع عدد منهم فإن التصدير من أهم روافد دعم الاقتصاد الوطني وتخفيض تكاليف الإنتاج من أبرز عوامل تشجيعه ورفع القدرة على المنافسة.
وعن الصعوبات، أجاب «مستثمر في المدينة» أن أولاها هي الطاقة والمشكلة ليست في عدم توافر الكهرباء بل بغلاء أسعارها الذي يرفع التكاليف، كما أن عدم توافر الوقود وغلاء أسعاره مشكلة تعوق الأعمال حيث تكلفة النقل سواء لجلب المواد الخام التي تحتاجها المعامل في العملية الإنتاجية أم على صعيد نقل العمال والمواد المصنعة للتسويق، لافتاً إلى أن مجال عمل الرخام كان سابقاً يركز على التصدير وخاصة للأسواق السعودية، واليوم باتت المنافسة أكثر صعوبة بالنسبة للمعامل السورية، حيث قلت قدرتها بسبب تكاليف النقل العالية، إضافة للتكاليف الأخرى كالضرائب والوقود.
ولفت اليوسفي إلى مشكلة كبيرة يعانيها الصناعيون في المدينة، وهي النقص الكبير باليد العاملة وخاصة الخبيرة.
الأمر ذاته أكده الصناعي محمد إحسان محمد حالو مدير مؤسسة للصناعة والتجارة أن من أهم المعوقات حالياً على الإطلاق هو تسرب اليد العاملة ذات الخبرة والكفاءة، إضافة إلى عدم توافر حوامل الطاقة وغلائها، كما أن منصة تمويل المستوردات أثرت في سعر الصرف ورفعت تكلفة المواد بين 40 إلى 50 بالمئة.
ولفت حالو إلى نقطة مهمة تتعلق بتمويل المستوردات وهي موضوع المصارف الخاصة التي تقوم بعملية تحويل القطع، حيث حددت القرارات مدة تسليم الحوالة بثلاثين يوما كحد أقصى، لكن أحياناً لا يتم دفع التمويل للشركات إلا بعد نحو خمسة وأربعين يوماً، ولا نعرف من الذي يتأخر، المركزي أم المصارف الخاصة؟
للمدن الصناعية
دور محوري بإعادة الإعمار
عن الدور الذي يمكن أن تلعبه المدينة الصناعية بحسياء في إعادة الإعمار؟ قال الخليل: باعتقادنا ستلعب المدينة إضافة إلى المدن الصناعية الأخرى دوراً محورياً فيه؛ حيث أغلب مواد البناء والسلع الأساسية والضرورية تنتج في المدن الصناعية، ومنها مجابل الإسمنت ومجابل الإسفلت وكابلات كهرباء والبلوك والانترلوك والقساطل الإسمنتية والبلاستيكية والألمنيوم ومعامل الحديد بكل أنواعه والقرميد والمنجور والدهان… إلخ وبالتالي سوف يتم تشغيل المعامل والمنشآت بطاقات كبيرة وخلق فرص عمل جديدة، كل ذلك من خلال تضافر جهود رجال الأعمال والصناعيين وكل فئات المجتمع للإعداد بشكل جيد لإعادة الإعمار لتحقيق النمو الاقتصادي المطلوب.
التشغيل بكامل الطاقة يحتاج لتذليل الصعوبات، الصناعي اليوسفي أعاد التأكيد على أن الصعوبات الأكبر اليوم بالمدينة هي في تأمين النقل، فهو غير متوافر من حمص إلى حسياء، سوى بعض السرافيس غير الملتزمة ولا تكفي، وتساءل: لماذا لا توفر الدولة باصات نقل داخلي وخاصة خلال فترة الدوام وفق جدول مواعيد معلنة ومنتظمة يسهل العمل ويخفف الكثير من المعاناة.
بذات الإطار أوضح الصناعي حالو: نحن بعيدون عن المدينة بنحو 60 كيلو متراً ونحتاج يومياً للذهاب والإياب أي نقطع مسافة 120 كيلو متراً يومياً كحد أدنى لذا نحتاج إلى كميات أكبر من البنزين للتنقل ونقل الموظفين وما يتم تخصيصنا به لا يكفي، كما تكلفة نقل البضائع مرتفعة جداً، فتكلفة حمولة سيارة من المدينة الصناعية إلى دمشق تصل أحياناً إلى 3 ملايين ليرة وهذا يومياً، وأضاف: هناك مشروع لقطار يتم العمل عليه، وتلقينا وعوداً بأن يتم تشغيله نهاية العام لنقل البضائع والركاب أيضاً، وفي حال تم تنفيذه سيحل مشكلة كبيرة.
إنفاق 28 ملياراً للبنى التحتية
وعن مشاريع البنية التحتية التي تعد مهمة في المدن الصناعية، قال الخليل: تعاقدنا مع القطاعين العام والخاص على تنفيذ العديد من مشاريع البنى التحتية، حيث بلغ حجم الإنفاق السنوي على المشاريع المنفذة في العام الجاري ثمانية وعشرين ملياراً وعشرة ملايين ليرة سورية، في حين بلغت الإيرادات السنوية المحققة في العام الجاري أربعة وعشرين ملياراً وستمئة وخمسة عشر مليون ليرة، لافتاً إلى أنه في ظل الحجم المتنامي للاستثمارات فأعمال البنى التحتية مهمة جداً، وينعكس تنفيذها وتطويرها على أعمال المستثمرين بما يعزز العملية الاستثمارية ودورها في تعزيز الإنتاجية، وخلق فرص العمل وتوفير السلع للأسواق الداخلية والخارجية.
ووفق حالو فإن الصناعة السورية وقعت بمنزلقات الأزمة وتأثرت بها كثيراً ما أدى إلى خروج بعض الصناعات السورية عن المنافسة العربية والعالمية، لافتاً إلى أن الصناعة السورية اسم وفي حال استطعنا تخفيف التكاليف والاقتراب من السعر العالمي يمكننا استعادة الأسواق.
بدوره أشار الصناعي اليوسفي إلى جانب آخر يرفع التكاليف ويضعف القدرة على المنافسة وهو الرسوم الضريبية، فقطاع صناعة الرخام مثلاً يعاني إضافة لضرائب المالية ارتفاع ضرائب الجيولوجيا، لافتاً إلى أن المواد الأولية لصناعة الرخام موجودة في أراضي البلاد ولا يتم استيراد أي شيء، وبعد التصنيع يتم تصديره، بالتالي هي رافد للقطع. والأحرى بالجهات الحكومية أن تمنح تسهيلات تشجيعية ليكون التصدير أنشط والبضاعة أكثر تنافسية، وهذا يجلب القطع ويشغل يداً عاملة أكثر.
أصحاب منشآت قيد الإنشاء فضلوا عدم ذكر أسمائهم تحدثوا عن قرار صدر قبل أكثر من عام يرونه غير محق وهو إلزام صاحب المشروع بالتعاقد مع مقاول بموجب عقد مقاولة لتنفيذ أعمال المشروع، حيث لا يتم السماح بتنفيذ أي رخصة بناء دون عقد المقاولة هذا، لافتين إلى أن معظم الشركات في المدينة بحسياء كبيرة لديها مئات العمال والمهندسين والآليات اللازمة لتنفيذ ما يلزم منشآتها، وهي أصلاً عندما تقوم بالحصول على رخصة البناء تسدد رسوم نقابة المهندسين، فبأي مسوغ يتم إلزامها بعقد مقاولة؟ مؤكدين أن حل هذا الموضوع لدى نقابة المهندسين.
مستثمرون آخرون متوقفون عن الاستثمار بسبب أن المقاسم المخصصة لهم لا تسمح بإشادة المعامل التي يريدون إحداثها، علماً أن ما يفصل بينها كتلة مقاسم وأخرى قد يكون شارعاً واحداً، ولكن لم يسمح لهم بترخيص صناعات ما لم يتم الموافقة على ذلك من قبل الإدارة المحلية الرافضة منذ سنوات لتبديل خصوصية المقاسم.