هل الركود أجبر التجار والباعة على خفض الأسعار بحدود بسيطة؟… اقتصاديون لـ«الاقتصادية»: الركود من نتائج التضخم ونخشى الكساد وانخفاض الأسعار يرافقها نقص بالمبيعات
| أمير حقوق
تشهد الأسواق السورية حالة من الركود الاقتصادي، الذي يعني هبوطاً في النمو الاقتصادي وإلى ضعف كبير في الأنشطة الاقتصادية بمختلف مجالاتها وتبعاتها، وهذا ما يبدو جلياً وواضحاً في سورية، وبالتالي أثر الركود في كل الأنشطة والقطاعات الاقتصادية، وهذا بدوره ولّد وفرض تأثيراً كبيراً في عملية الإنتاج بكل أنواعه، وخاصة الصناعي منه، الذي يعد ركيزة أساسية في إنعاش الوضع الاقتصادي المتردي من خلال تأمين احتياجات السوق المحلية وتصدير الفائض من الإنتاج للأسواق الخارجية.
وفي الأسبوع الماضي شهدت الأسواق السورية حالة من خفض الأسعار لبعض المنتجات والسلع سواء المنتجات الغذائية أم غيرها، كالزيت مثلاً، انخفضت عبوة الليتر منه من ٢٨ ألفاً إلى ٢٥ ألفاً، والسكر أيضاً انخفض سعر الكيلو من ١٤٥٠٠ ليرة إلى ١١٥٠٠ ليرة، والأرز أيضاً انخفضت بعض الأصناف بحوالى ٣ آلاف ليرة سورية، وبالرغم من الانخفاض الذي طرأ إلا أن الإقبال على التسوق والشراء لم يتحسن وبقيت حركة الأسواق ضعيفة حسبما أكده بعض الباعة لـ«الاقتصادية»، الأمر الذي استهجنه بعض الاقتصاديين واعتبروه أمراً خطيراً قد يؤدي إلى مرحلة الكساد، التي تمثل ظواهر التضخم الأكبر.
«الاقتصادية» حاولت تحليل واقع الركود في الأسواق السورية، ومعرفة سبب الانخفاض الذي تشهده بعض المنتجات، وهل الركود أرغم التجار والباعة في الأسواق على خفض الأسعار؟ أم لأسباب أخرى؟ والتطرق إلى الحلول والاقتراحات التي تسعف واقع الأسواق اليوم.
أحد الباعة، «فضل عدم ذكر اسمه» كشف لـ«الاقتصادية» أنه في الآونة الأخيرة لوحظ في الأسواق حركة ركود خطيرة، لم تشهدها الأسواق السورية قبل وذلك بسبب انعدام القدرة الشرائية بسبب غلاء الأسعار بالترافق مع راتب دخل لا يكاد يكفي يوماً واحداً، متابعاً: انخفاض أسعار بعض المواد ربما يكون بسبب الركود أو ربما بسبب انخفاض بعض التكاليف للتجار، ولكن حتى هذا الانخفاض لم يسهم بتحريك الأسواق أو زيادة الإقبال.
أجبرهم على التنازل على جزء من أرباحهم
الركود الذي تشهده الأسواق السورية الآن هو من نتائج التضخم الذي كانت أسبابه انعدام القدرة الشرائية للمواطن وارتفاع الأسعار وشح المواد ما أدى إلى التضخم الحاصل، والتضخم أدى إلى الركود، والركود سيؤدي إلى الكساد، وحالياً نخشى من الكساد وعواقبه، حسبما أشار إليه أمين سر جمعية حماية المستهلك والخبير الاقتصادي عبد الرزاق حبزة في حواره مع «الاقتصادية».
واعتبر أن الركود لم يجبر الباعة والتجار على خفض الأسعار بشكل مناسب أو كبير، لكون أرباحهم عادية ولكن أجبرهم بالتنازل على جزء من أرباحهم، فإذا لم يحصل دعم لمدخلات المواد الأولية للمعامل والمصانع ولإنتاج الفلاح ولعوامل الطاقة، وبذلك دعم الإنتاج المحلي، فلم يرتفع دخل المواطن الذي بدوره يحرك الأسواق عبر ضخ العملة المحلية، والإقبال على الاستثمار من الخارج لم يلقَ أي نتيجة فيما يخص حالة الأسواق وواقع التضخم الآن، وكذلك موضوع حوامل الطاقة لها تأثير كبير على الركود، وواقع الإنتاج حالياً منخفض رغم التشجيع الحكومي وافتتاح المعامل الجديدة.
مقاصد ضريبية واقتصاد شاذ
ووفق توصيف حبزة، فالاقتصاد في سورية شاذ، ففي كل الدول توجد قوانين اقتصادية، وللأسف لدينا لا تطبق هذه القوانين، والوضع الاقتصادي غير منتظم، فيجب أن يكون هناك حلول للأزمة الحالية، فالحكومة الحالية لا تلجأ لمقاصد ضريبية إلا للضرائب المباشرة، وهذا بدوره يؤثر في حركة الأسواق بشكل كبير، فالسياسات الاقتصادية المتتابعة والقرارات الصادرة أدت إلى التضخم والركود، وهذا دليل على ضعف الخطط الاقتصادية.
الركود واقع طبيعي
واقع الركود في الأسواق السورية حالياً هو واقع طبيعي، لأنه في ظلّ غلاء الأسعار أصبح متوسط دخل الفرد بتأمين احتياجاته ضئيلاً جداً، ولا يستطيع تأمينها بالشكل المطلوب، فبعض العائلات التي كانت تتسوق بنسبة مئة بالمئة انخفضت لـ٥٠ بالمئة وأقل، ما أدى لتقسيم مستوى الشراء وضعفه، وإن ارتفاع الأسعار يؤثر بشكل كبير على الفرد ودخله، فالعائلة التي تتألف من ٤ أشخاص فالمصروف الوسطي لها يتجاوز أضعافاً مضاعفة للمدخول بسبب الوضع الاقتصادي غير المتزن وفق رؤية الخبير الاقتصادي الدكتور هاني حداد في أثناء حديثه مع «الاقتصادية».
خطوة إيجابية غير كافية
وأردف الدكتور حداد: وخفض الأسعار من التجار والباعة نتيجة الركود هو خطوة إيجابية بتشجيع التسوق ولكن في الوقت نفسه هذا غير كاف، فعند حصول التسوق من الأهالي والعائلات بنسبة مئة بالمئة تتولد حركة نقدية كبيرة داخل السوق ما يؤدي لتحريك عجلة الاقتصاد بشكل إيجابي، ولكن عند حصول الضعف بالأسواق فإنه يؤدي لركود كبير ويؤثر في الاقتصاد سلباً، وخفض الأسعار ناحية إيجابية للأهالي لأننا شاهدنا في الفترة الأخيرة زيادة في الأسعار بنسبة كبيرة تتراوح بين ١٥ إلى ٣٠ بالمئة، وهذا شيء غير طبيعي.
ولفت الدكتور حداد إلى أن واقع الركود هو حالة وهذه الحالة تعتبر سلبية وليست إيجابية وليس لها متطلبات، والركود الاقتصادي يؤثر في الاستثمار والشراء والبيع واستهلاك المواد الغذائية والعقارات، وبالتالي هذه الحالة يجب أن تعالج.
تنظيم وتثبيت الأسعار
الحلول تبدأ من عملية تنظيم وتثبيت الأسعار وهي عملية جداً مهمة، فحتى لو انخفضت الأسعار فإنها بعد فترة قصيرة جداً ستعاود الغلاء، وبالتالي الأفراد لجؤوا للعمل في أكثر من مهنة وأكثر من وردية عمل، وأصبح هذا شيئاً أساسياً، وأيضاً من الحلول تحسين وزيادة دخل الفرد لتحريك عجلة الاقتصاد، ولا شك أننا داخلون بعصر الرقمنة وهذا نوع من الحلول لكونه أمراً إيجابياً ويمكن أن يخفف من عملية الركود الاقتصادي، وأيضاً وجود «الكاش» ضروري وأساسي لزيادة حركة التدفق وإنعاش الاقتصاد من أجل استمرارية دوران العجلة الاقتصادية على مختلف الصعد، وفقاً لتوصيف الدكتور حداد.
خلل ظاهر
من جانبه، أوضح عضو مجلس إدارة في غرفة تجارة دمشق لـ«الاقتصادية» أن الركود الاقتصادي الحالي الذي تشهده الأسواق له عدة أسباب، منها التريث في الأسواق للوضع السياسي وخاصة بتشكيل الحكومة الجديدة، وهناك استقراء لما سيحدث إن كانت حكومة انفتاح اقتصادي أم تتبع الطريقة السابقة نفسها، وثاني الأسباب العلاقة بين الدخل والصرف وأصبحت لا تحتمل، فالأسعار تزداد والدخل قليل وبالتالي صار يوجد إحجام عن الشراء، وثالثها: كان من المتوقع انفراج سياسي وسياحي، وفي الفترة الماضية أثر افتتاح المدارس في عملية الإنفاق، فاتجه الإنفاق لحاجات المدارس لكون العلم والتعليم ما زالا أولوية أساسية لدى الشعب السوري، وأيضاً عملية المؤن الموسمية أصبحت تستهلك جزءاً جيداً من الإنفاق، فهناك خلل ظاهر بين الدخل والإنفاق.
قلة حركة الأسواق
تخفيض الأسعار يمكن أن يكون بسبب ثبات سعر الصرف، ولكن السبب المحرك لتخفضيها قلة حركة الأسواق، فبعض التجار والباعة لجؤوا لتخفيض بعض الأسعار بالترافق مع ارتفاع التكاليف، كالكهرباء والمشتقات النفطية والنقل، خشية أن تكون أسعارهم مرتفعة لاسترجاع حجمهم الطبيعي من السوق، ولكن في الواقع تخفيف الإنفاق أدى لتخفيف المبيعات، والتجار يطمعون في وجود قرارات تشجيعية للعمل، ولكن كان العكس في المرحلة الأخيرة عبر قرارات ضبط الضرائب والمداخيل، وبالتالي قللت من الاستثمارات الجديدة وبناء الأعمال إضافة إلى انخفاض بأسعار العقارات وجميع أنشطة المال المستثمر.
دراسة كلف التشغيل
وبرأي عضو إدارة مجلس غرفة دمشق: المتطلبات صعبة جداً لأنه من الجيد أن تكون الأسعار منخفضة، وتوجد حركة سياحية ونشاط تصديري ما يساعد على الإنتاج، ولكن اليوم التصدير مغلق بوجه التجار والعلاقات لم تستعد واقع الاقتصاد الصحيح والتبادل التجاري الصحيح مع دول الجوار والدول العربية وبالتالي تكون مشكلة في الركود، فالمتطلبات تتمثل في الحاجة لدراسة كلف التشغيل من الطاقة والمشغلين ومن النقل، وبالتالي يجب فتح الاستيراد لتأمين المواد الأولية التي نحتاجها في التصنيع، ويجب أن تكون صفرية الضرائب وصفرية الزمن لكون الزمن أهم عامل في الإنتاج الاقتصادي، فيجب تسريعه إن كان في الاستيراد أو في التصنيع أو في التصدير، وإعطاء القروض للمشاريع المنتجة إضافة إلى قوانين مستدامة غير قابلة للتغيير بعد شهرين، كقانون التعامل بالعملة الأجنبية وخاصة للمستثمرين وتسريع الاستيراد عبر المنصة وحرية التسعير للمنتجين.
انخفاض يرافقه نقص بالمبيعات
وأعتقد: أن الركود الذي تشهده الأسواق اليوم لم ينفع بكل أشكاله، فهو يحجم عن استثمارات جديدة، وبالتالي بعض المؤسسات والشركات تلجأ لتخفيف عدد الموظفين والعمال وإنتاجيتها وبالتالي لإغلاقها، وانخفاض الأسعار اليوم في الأسواق لو كان نتيجة قلة التكاليف يجب أن ترافقه زيادة المبيعات في حين نقص المبيعات مؤشر سلبي جداً.
قوانين مستدامة لا تجريبية
وأشار إلى أن الحل يتمثل في تشكل حكومة اقتصادية بوجوه اقتصادية فعالة تعتمد على الخبرات العالمية وبقوانين مستدامة لا تجريبية، بل قوانين عالمية صحيحة يجب أن تكون مستدامة ونسير عليها وبالتالي النتائج ستكون مضمونة، وهذا ما يفرض أن نتطلع لحكومة اقتصادية.