مجالس الإدارة المحلية مبادرات خجولة واستثمارات ضعيفة… رئيس مجلس محافظة ريف دمشق لـ«الاقتصادية»: مشاريعنا تأخذ سمة الصغيرة وأكبر تكلفة لأي مشروع لا تتجاوز 300 مليون ليرة
| بارعة جمعة
تحفيزٌ وتحقيقٌ للتنمية الاقتصادية، عبر توسيع المشاركة في صنع واتخاذ القرار الإداري والخدمي والاقتصادي، مهام ليست بالجديدة في منظور عمل مجالس الإدارة المحلية المُنتَخبة من الشعب أولاً ولخدمته وتطوير سبل الارتقاء به ثانياً، عبر مبادرات ومشروعات استثمارية، من المُفترض أن تكون الحامل الأول لكل محافظة، من خلال تقديم ما يلزم من مشاريع تُنقذ ما تبقى من بنية تحتية، قاومت الكثير جراء الحرب الأخيرة، ولاسيما في محافظة ريف دمشق، الأكثر تعرضاً للضرر، فما خطط المجالس المحلية ضمن هذه المحافظة؟ وهل المُبادرات الاستثمارية لا تزال رهن المنفعة الشخصية على حساب المصلحة العامة للدولة والمجتمع؟!! وما مجالات التعاون بين المجالس المحلية والمجتمع المحلي في المحافظة؟
تساؤلاتٌ فرضت نفسها، وسط حالة من العجز بإيجاد الحلول لمشكلاتنا اليومية، بدءاً بالقمامة والمواصلات، وصولاً إلى خدمات البنية التحتية كلها، لتبدو أهمية التشاركية بين المجتمع ومجالس الإدارة المحلية ضرورة حتميّة لا بل اقتصاديّة أيضاً، ليبدو نموذج محافظة ريف دمشق الأمثل لهذه الناحية.
قانون عصري
يعدّ القانون رقم 107 لعام 2011 الخاص بمجالس الإدارة المحليّة قانوناً متطوراً وحضاريّاً، لما يحمله من ميزات أهمها تطبيق مبدأ اللامركزية، أي الخوض ضمن مشاريع عمل بموازنة مستقلة وقرار حر من إدارات هذه المجالس، ممن أبدوا نقاطاً مهمة في القانون ذاته، لجهة الحق بتنفيذ مشاريع خاصة لكل منطقة، إلا أنه وبالرغم من ذلك، لم يأخذ القانون حقّه بالتطبيق، نتيجة الحرب على سورية، ما جعل هناك ضرورة لتحديث بعض مواده، ولاسيّما الخاصة بوسائل التمويل من المواد 134 إلى 142 لزيادة وسائل التمويل، ولكي تناسب الأوضاع الحالية.
كما أن ما نعيشه اليوم من تضخّمٍ وانعدامٍ للاستقرار الاقتصادي والغلاء، ساهم بنقص التمويل لهذه المشاريع، وبالتالي تحجيم المشروعات الاستثمارية، هنا تأتي أهمية توسيع المشاركة بين القمة والقاعدة في تنمية المجتمع المحلي، عبر تحديد احتياجاته وموارده وتثقيف المواطن بحقوقه وواجباته ودوره في عملية الرقابة على أداء المجالس، وتصويب أي خلل فيها، إضافة إلى عدم اعتماد الحلول التكتيكية المقترحة ليس من المسؤول فقط، وإنما المواطن أيضاً، عبر اجتماعات دورية من المجلس الأعلى للإدارة المحلية أكثر من مرتين في السنة حسب المادة 5 الفقرة 1 من القانون 107 لعام 2011، بغية المتابعة المستمرة للخطة الوطنية اللامركزية ومعرفة نتائج تنفيذها والمعوقات والعمل على حلّها بأسرع وقت ممكن.
واقع العمل
إلا أن لمحافظة ريف دمشق خصوصية نوعاً ما، من حيث حجم الدمار الحاصل في بنيتها التحتية، وحجم المشاركة من المجتمع المحلي في إعادة تأهيلها من جديد وفق توصيف رئيس مجلس محافظة ريف دمشق الدكتور إبراهيم جمعة، الذي أكد ضمن حديثه لـ«الاقتصادية» الجهود الكبيرة من المجالس في المحافظة لتنمية مشاريع الوحدات الإدارية فيها، عبر تقسيمها لعدة مجالات، منها ما يخضع تمويله للموازنة الخاصة بالوحدة الإدارية، إلى جانب إيرادات خاصة للوحدة الإدارية، من خلال الرسوم والتكاليف التي تفرضها على المواطنين، والتي تؤمن من ضمنها إيراداتها لتنفيذ مشاريعها التي تعد من ضمن خطتها السنوية.
أما عن الموازنة المستقلة الخاصة بالمحافظة، التي وفق حديث د. إبراهيم عبارة عن مبالغ تستقبلها المحافظة كإيرادات لها، عن طريق الرسوم التي يقوم مجلس المحافظة بفرضها على أنها رسوم إضافية على رسوم الدولة والوحدة الإدارية، بالإضافة لتكاليف غير مباشرة، فتصدر بقرار من مجلس المحافظة نهاية كل عام، وتنفذ بالعام الذي يليه.
وعن مصير هذه الإيرادات، يعود د. إبراهيم للتأكيد أنها تعود لمجلس المحافظة، حيث يوزعها بنفسه على الوحدات الإدارية، بمنزلة تمويل لمشاريع عدة، مثل: مشاريع صيانة الصرف الصحي الطرقات، ترحيل القمامة، بناء المشافي، والأعمال الطارئة، التي تعد صاحب النصيب الأكبر من هذه الإيرادات.
عدالة التوزيع
يتساءل البعض فيما لو كانت هذه الإيرادات قادرة على تغطية الحاجة الملحة للمشاريع، ولاسيما أنها كثيرة، ليجيب جمعة شارحاً أسس ومعايير توزيع الإعانة المالية، بما يحقق العدالة بين الوحدات الإدارية كافة في المحافظة، وذلك من خلال توزيعها وفق الأولويات.
من يتابع هذه الأولويات؟
يضيف د. جمعة بالقول: جرى إعداد برنامج محاسبة، بحيث يتم وضع كل معيار بعد اعتماده بصيغة نقاط، وبالتالي فإن كل المشاريع الواردة لمالية المحافظة، يتم إخضاعها للبرنامج، بحيث يتم ترتيب المشاريع تباعاً.
هنا يأتي دور الوحدة الإدارية، التي يتم تخصيصها لمتابعة مشروع ما، وفق قانون العقود والقانون المالي، من حيث الإشراف عليه.
وفي إشارة منه إلى طبيعة المشاريع التي يتم الأخذ بها وعن ارتباطها بمرحلة إعادة الإعمار، يشير جمعة إلى أن كلمة إعادة إعمار هي أكبر من المشاريع الخدمية المُنفّذة، إذ إن الأخيرة تقتصر على الاضطراري منها والآني، أي المطلوب تنفيذه لدعم البنية التحتية بالمحافظة، مثل مشروع تعبيد طريق يصل إلى «دوما» كمثال، يأتي ذلك ضمن الاجتماعات الدورية للمجلس كل شهرين، مع اللجوء لجلسات استثنائية إن اضطر الأمر، بهدف توزيع الإعلانات الواردة.
وفي إشادة منه بدور المجتمع المحلي في المحافظة، يصفه د. جمعة بالمُتميز، والذي يتمثل بلجان التنمية المحلية، وما تقدمه من مشاريع داعمة لمشاريع الوحدات الإدارية، وأحياناً يتم تقديم بعض المشاريع عن طريق المنظمات.
أما عن فاعلية المجتمع المحلي في التواصل مع المسؤول، يعود الدكتور جمعة ليؤكد أن التعاون هو لمصلحة الطرفين، نظراً لصعوبة الإمكانات الحكومية والموازنات المعتمدة من الوزارات وحتى الموازنات المستقلة فهي غير كافية لتحقيق 20 بالمئة من الاحتياجات والمهام المنوطة بها بأحسن الأحوال، كما أن للوحدات الإدارية تحصيلات مالية خاصة عبر جباية أموال من الرسوم وإعانات الوزارة، وأمام كل ذلك يكون التقصير نتيجة عدم المتابعة، ويأتي دور المحاسبة وتفعيل ثقافة الشكوى بالإشارة إلى مكامن الخطأ وتصحيحها، فالمجالس التنفيذية حكومات محلية بصلاحيات مستقلة مالياً وإدارياً، ولهم حرية التصرف وفرض التكاليف واستثمار وإبرام عقود تشاركية للنهوض بالمجتمع كله.