العناوين الرئيسيةشؤون محلية

المشاريع الصغيرة والمتناهية الصغر والضرورة الاقتصادية… قاطرة الاقتصاد والاتجاه الأمثل لتوفير المواد الأولية .. د. محمد لـ«الاقتصادية»: 5 بالمئة فقط من إجمالي التسهيلات الممنوحة من مصارف التمويل الأصغر تتجه إلى هذه المشروعات

| بارعة جمعة

يتنامى دورها شيئاً فشيئاً، واليوم ثمة حاجة ملحة لرفد سوق العمل بمنتجات محلية أولية، تعد الركيزة الأساسية لصناعات كبرى، هي المشروعات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة، المنقذ الأول لاقتصادنا، والآخذ به إلى بر الأمان، ولا سيما بعد تشكيلها نسبة 90 بالمئة من الأعمال، كما تشغل بنسبة 60 بالمئة – 70 بالمئة من العمالة وتوفر الـ50 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي في جميع أنحاء العالم، واليوم، يبرز الاهتمام الأكبر بها بعد تأكيدات سيادة الرئيس بشار الأسد في خطابه الأخير أمام مجلس الشعب على ضرورة الانطلاق منها، والعمل بها أيضاً كعنوان للمرحلة القادمة، بصفتها الرافعة الأولى للاقتصاد المحلي.
من هنا اكتسبت أهميتها، كما باتت العمود الفقري للمجتمعات في كل مكان، والمساهم الأكبر في الاقتصادات المحلية والوطنية، ولا سيما بين العاملين الفقراء والنساء والشباب والفئات الأكثر هشاشة بالمجتمع، فما أهمية دعم هذه المشروعات؟ ولماذا تولي مؤسسات المجتمع المدني الأهمية لها؟ وما الأثر المرجو منها في المجتمع؟

خطوات جادة
يأتي الاهتمام الحكومي في دعم المشروعات الصغيرة والمتناهية الصغر ضمن إطار إصدار دليل تعريف عنها، يتيح لهذه المشروعات حسب حجمها أن تكون أساساً في تقديم الدعم اللازم، هذا ما أكدته الدكتورة ثريا إدلبي مدير عام هيئة تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة في حديثها لـ«الاقتصادية» سابقاً، إلى جانب إصدار القانون رقم /8/ لعام 2021 وتعديلاته، الذي سمح بتأسيس مصارف التمويل الأصغر، وقدم مجموعة من التسهيلات والإعفاءات لأصحاب هذه المشروعات، بما يعزز الخدمات التمويلية المقدمة من تلك المصارف، كذلك توجيه المصارف العامة والخاصة لإطلاق برامج تمويلية نوعية للمشروعات الصغيرة والمتوسطة ضمن القطاعات ذات الأولوية.
لم يقتصر الاهتمام في مسألة المشاريع الصغيرة والمتناهية الصغر على الحكومة فحسب، بل نادى به الخبراء والأكاديميون، ومنهم الدكتور علي محمد، الذي أكد الاهتمام الحكومي الجاد بهذا التوجه في حديثه لـ«الاقتصادية» بقوله: لطالما كان «دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة» شعاراً رناناً في كل الخطط الحكومية في سورية نظراً لأهمية هذه المشاريع «عالمياً» من الناحية الاقتصادية من جهة، ولما تمثله من إجمالي شركات الاقتصاد السوري ومساهمتها في المؤشرات الاقتصادية السورية من جهة أخرى.

الرقم كمؤشر للأداء
لكن بالنظر لتقييم الواقع، سنجد بأن لغة الأرقام تفصح وتؤكد ضرورة هذه المشروعات في سورية، لكونها تشكل نسبة 99 بالمئة من إجمالي الشركات في كل قطاعات الاقتصاد السوري حسب تقديرات د. محمد، وبأنها كانت تسهم في عام 2010 بما لا يقل عن 60 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي و75 بالمئة من الضرائب والرسوم المباشرة، وتشغّل نحو60 بالمئة من اليد العاملة، وهو ما يعد مؤشراً مهماً إلى تأثير وشمول هذه المشروعات وقدرتها على التطور والاتساع، بما يلبي حاجة الاقتصاد السوري من منتجات وخدمات كل القطاعات صناعيةً كانت أم زراعية أو تجارية وخدمية.
إلا أن الاهتمام شيء والواقع شيء آخر، فقد بقيت هذه المشروعات بإطار محاولة التشريع لجهة أو هيئة وتأطيرها بدءاً من الهيئة العامة للبرنامج الوطني لمكافحة البطالة (2001-2006) ثم هيئة التشغيل وتنمية المشروعات (2006-2016) انتهاءً بهيئة تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة (2016 لغاية الآن)، لنجد أن الخطوات على أرض الواقع لم ترتقٍ إلى درجة التنمية الفعلية لهذه المشروعات وتذليل معوقاتها المتعددة وفق د. علي محمد، بدءاً من المشكلة التمويلية، وانتهاءً بالتسويقية مروراً بالإدارية والتنظيمية سواء ذات العلاقة بالتراخيص الرسمية أو التنظيم الإداري الداخلي لهذه المشروعات والتدريب والاستشارات عدا غياب أي إستراتيجية دقيقة لعمل هذه المشروعات وأسس توزعها قطاعياً بناءً على دراسات حاجة الاقتصاد السوري وأولويات كل مرحلة على حدة، عدا كوننا لم نلحظ دوراً وازناً لغرف التجارة والزراعة والصناعة في ذلك، سوى بعض الخطوات ومنها المتعلقة بتأسيس بعض المعارض على سبيل المثال.

خطوات متممة
ونظراً للواقع «غير الصحي» لهذه المشروعات، صدر القانون رقم 8 تاريخ 20/2/2021 الخاص بتأسيس مصارف التمويل الأصغر في سورية، بغية المساهمة بخلق وتنظيم مؤسسات مالية تضخ كتلة التسليفات لديها لهذه المشروعات حصراً دون غيرها، لتبدأ بالفعل المصارف بمنح القروض المتعددة لهذه المشاريع وسواها من أصحاب الدخل المحدود ومعدومي الدخل، وبنظرة سريعة لواقع التسليف الممنوح خلال عام 2020 و2021، يسرد د. محمد قيم حجم المحفظة التسليفية الممنوحة من مصارف التمويل الأصغر، التي نمت بنسبة 83 بالمئة، بزيادة 30 مليار ليرة إلى 55 مليار ليرة، ليبدو لنا عند تدقيق أرقام التسليف الممنوحة في عام 2020 من مصارف التمويل الأصغر (4 مصارف) والمصارف الخاصة في سورية (14 مصرفاً)، عدم تجاوز ما تم منحه من قروض لهذه المشروعات قيمة 74 مليار ليرة من أصل حجم محفظة ائتمانية بالغة نحو 1.493 مليار ليرة، أي ما يقارب 5 بالمئة فقط من إجمالي التسهيلات الممنوحة، تتجه إلى المشروعات المتناهية في الصغر والصغيرة والمتوسطة، وهذا الرقم بحد ذاته يظهر ضعف التمويل لهذه المشروعات كرقم مجرد، وهنا يتساءل محمد: ما الذي سنستنتجه في حال قمنا بمقارنته مع نسب التضخم التي أصابت الاقتصاد السوري خلال الحرب؟ وارتفاع السقوف المطلوبة لقروض هذا النوع من المشروعات؟، لتظهر العقبة الأكبر الخاصة بالتمويل المتمثلة بالضمانات المطلوبة، والتي من المفترض أن يكون حلها جاهزاً وهو الضمان المقدم من مؤسسة ضمان مخاطر القروض الصغيرة والمتوسطة التي أحدثت بالقانون رقم 12 لعام 2016، والتي تم الانتهاء من اكتتاب رأسمالها من المصارف الخاصة ومصارف التمويل الأصغر، إلا أنها بعد 5 سنوات على تأسيسها لم تقم بأي خطوة من الخطوات التي تأسست لأجلها، وهو سؤال نضعه برسم المعنيين.

إزالة العقبات
ما ذُكر آنفاً يُحاكي ناحية التمويل، أما عن واقع التنمية، فالمراقب لوضع هذه المشروعات لا يرى تطوراً واضحاً في عملها وفي القيمة المضافة التي تحققها على أرض الواقع، حسب توصيف الدكتور علي محمد، حيث إنه وإلى جانب العقبة التمويلية، تواجه هذه المشروعات العقبة التسويقية وعقبة التدريب والمتابعة، والأحرى بهيئة تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة العمل الحثيث على تنظيم هذه المشروعات، بالتعاون مع غرف الزراعة والصناعة والتجارة، والمساعدة في الترخيص الرسمي لهذه المشروعات، بما يمكن من إيجاد إحصائيات دقيقة تمكن من استهداف هذه المشروعات بعينها وتقديم كل المساعدة الإدارية واللوجستية والتدريبية لها، بما يضعها على سكة الإنتاج الفعلي بعيداً عن التجريب وعن احتمالية التعثر والاندثار والفوضى.
فالغاية اليوم تكمن في تحقيق قيمة مضافة للاقتصاد الوطني وتلبية حاجة السوق المحلية وتخفيف الاستيراد، بما ينعكس مستقبلاً إيجاباً على الميزان التجاري السوري الخاسر في عام 2021، بنحو 3.5 مليارات يورو، هذا الأمر يُحتم على الهيئة برأي د. علي محمد مسؤولية إعداد تقارير دورية منتظمة، توضح فيها تطور هذه المشروعات، على أن تشمل هذه التقارير تطورها أفقياً وإنتاجياً، مترافقاً مع دراسة فعالية التمويل الممنوح من المصارف مجتمعةً، وما حقق من عوائد مباشرة وغير مباشرة للاقتصاد الوطني سواء من حيث زيادة الإنتاج أم من حيث امتصاص البطالة وغيرها من المؤشرات المهمة.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى