إندونيسيا تجربة نجاح وثقل اقتصادي أهّلها لتكون في قائمة الكبار … سفير سورية في إندونيسيا لـ«الاقتصادية»: ركزت على التنمية والإنسان فحققت قفزات إنتاجية وصناعية متقدمة … في المرتبة ١٦ عالمياً في صناعة السيارات وتوقعات لتكون بموقع متقدم اقتصادياً
| نور يوسف
أدركت إندونيسيا منذ نهاية تسعينيات القرن الماضي وقيام منظمة التجارة العالمية عام 1995 أن بناء الاقتصاد يستلزم تغيير المنظور والاتجاه إلى تعزيز قطاع الصادرات كمحرك أساسي للتنمية الاقتصادية وزيادة النمو، لذلك اتجهت لبناء قطاع صادرات فريد قادر على المنافسة عالمياً من جانبيّ الجودة والسعر، وتبِعَ هذا.. الاتجاه إلى تصنيع المواد الخام بدلاً من الاكتفاء بالتصدير.
وهذه السياسة وجدت صداها مؤخراً في تقليل تصدير النيكل، الذي تملك إندونيسيا الاحتياطي الأكبر له عالمياً (41 بالمئة من الاحتياطي العالمي) لمصلحة استخدامه في صناعة البطاريات الخاصة بالسيارات الكهربائية.
فقد دشن الرئيس الإندونيسي جوكو ويدودو عام 2022 مصنعاً جديداً لصناعة البطاريات في إقليم جاوا الشرقية هو الأكبر ربما على مستوى شرق آسيا بـ٣٠ مليار دولار.
كان لـ«الاقتصادية» لقاء مع سفير سورية في إندونيسيا عبد المنعم حسين عنان الذي بين المكانة التي استطاعت إندونيسيا الوصول إليها، محققة قفزات إنتاجية وصناعية متقدمة، أهلتها تلك الإنجازات لتكون في قائمة الكبار، وأشار عنان إلى أن التقديرات تلك سترفع من العوائد الحكومية من /2/ مليار دولار في العام إلى نحو /30/ مليار دولار في العام خلال السنوات العشر القادمة، وذلك اعتماداً على الزيادة الكبرى في الطلب العالمي على السيارات الكهربائية ومدى النجاح الذي حققته في هذا القطاع المهم.
إندونيسيا الحاضر…
واليوم إندونيسيا حسب السفير «عنان» هي دولة صناعية بامتياز في مجالات عدة ومناح صناعية، وركزت على الجودة، ونهجت منهاج إتقان صناعة الماركات العالمية المعروفة في مجال الألبسة والعطور والإلكترونيات والورق وإطارات السيارات…إلخ، الأمر الذي أهّلها بقوة إلى دخول مجموعة العشرين G20 عام 2008، فهي تصنع الطائرات المدنية وباعت نحو 12 طائرة مؤخراً إلى ليبيا، كما تصنع عدة أنواع فاخرة من السيارات مثل تويوتا بأنواعها المختلفة، وهي اليوم الدولة رقم 16 على مستوى العالم في صناعة السيارات. وإندونيسيا هي أيضاً المنتج الأول في العالم لكل من زيت النخيل والفحم والأخشاب والأسماك والبهارات، والمنتج الرابع للقهوة… كما أنها تحتل اليوم مركز الاقتصاد العاشر على المستوى العالمي، وتشير التقديرات إلى أنها ستكون على قائمة مرتبة خامس الاقتصادات على مستوى العالم خلال الـ15 سنة القادمة.
نجاح الاقتصاد والثقل السياسي
برأي السفير عنان، نجاح الاقتصاد الإندونيسي ووصوله إلى مراتب ملحوظة ساهم في صنع الثقل السياسي للبلد بين دول العالم الكبيرة، إندونيسيا تستضيف اليوم مقر اتحاد دول شرق آسيا (آسيان)، وغني عن القول: إن القوة الاقتصادية تشكل قوة سياسية، وهذه النظرية تنطبق على القوة الاقتصادية الصينية أيضاً، وببساطة يمكن القول: إن سنغافورة لديها من القوة السياسية بحكم قوتها الاقتصادية ما يفوق بأضعاف دولة بنغلاديش، على سبيل المثال، التي تتفوق عليها بحجم السكان والجغرافيا. كما توظف إندونيسيا الدبلوماسية الإنسانية، من خلال المساعدات في أثناء الكوارث، لتعزيز مكانتها السياسية، لكنها تحافظ على إرثها السياسي في عدم الانحياز للأحلاف السياسية والعسكرية، وما زالت محافظة على اتباع سياسة مستقلة ونشطة منذ أيام مؤسسها أحمد سوكارنو وعلى التركيز على التنمية كخيار أساسي.
الاكتفاء الذاتي
برمجت إندونيسيا حسب كلام السفير عنان كل خططها نحو تحقيق التطور والتنمية، وبالتأكيد تعمل منذ بداية القرن الجديد على تحقيق الاكتفاء الذاتي في كل المجالات، وقد نجحت بتحقيقه في مجال الطاقة على سبيل المثال، كما أعلنت منظمة الأغذية الزراعة (الفاو) عام 2019 أن إندونيسيا حققت الاكتفاء الذاتي في المجال الغذائي، وبصورة خاصة في مجال إنتاج الأرز، وأصبحت دولة مصدرة له… ولدى إندونيسيا قوة عمل تمثل رأسمالاً اجتماعياً ضخماً قوامه 100 مليون شاب في سن العمل، إذ استثمرت إندونيسيا رأس المال البشري الكبير هذا في الإنتاج الزراعي والصناعي والتجاري والتسويق السياحي، ونظمت كل قطاعات العمل، بما في ذلك حماية العاملات المنزليات في الخارج، ما ساهم في زيادة دخل الفرد بصورة ملحوظة خلال العقود الماضية، فانخفض الفقر من نحو 60 بالمئة عام 1960، إلى نحو 9 بالمئة عام 2020، ولتنتقل إندونيسيا إلى مصاف الدول ذات الدخل المتوسط، ولتضع خطة عشرية جديدة للوصول إلى مصاف الدول ذات الدخل المرتفع.
مفهوم التشاركية بالتجربة الإندونيسية
شرح السفير عنان تجربة التشاركية، إذ عملت الحكومة الإندونيسية خلال العقد الماضي لتحقيق وتعزيز التشاركية من خلال تنفيد خطة ثلاثية الأبعاد:
-ترسيخ ونشر الرقمنة في قطاعات الدولة كافة، وعبر آلاف الجزر الإندونيسية.
-تعزيز دور الوزارات المنسقة، إذ يوجد وزير منسق لكل أربع أو خمس وزارات ذات المهام والاختصاصات المتقاطعة، ويشرف الوزير المنسق على عمل هذه الوزارات ويتابع مع كادر مؤسساتي متخصص لديه تنفيذ ومتابعة المبادرات والمقترحات والبرامج والمشاريع المختلفة،
-الاستثمار الكثيف والواسع في البنية التحتية (بناء المطارات والطرق والسكك الحديدية والجسور)،
وبطبيعة الحال، فإن هذه الخطة قد ساهمت إلى حد بعيد في تعزيز التشبيك المؤسساتي والرؤية والآلية القائمة على قواعد من الفهم المشترك بين القطاعات كافة، بما يحقق التأثير الإيجابي وفق مرجعيات تشريعية وضوابط تنظم العلاقة بين مختلف أصحاب المصلحة في تنفيذ الخطط والبرامج التنموية المختلفة.
مستقبل سورية من منظور تجربة إندونيسيا
اليوم ونحن على أبواب مرحلة انتقالية كما بين السفير عنان، وكما قال السيد الرئيس بشار الأسد مؤخراً ، وهذا يتصل بالإدارة وإعادة النظر بهياكلها التنفيذية والموارد البشرية وآليات العمل، فإنه يجدر بنا ربما دراسة تجارب الدول الأخرى الناجحة في مجال التنمية، ومن المؤكد أنه لا يمكن تطبيق تجربة في بلد ما على بلد آخر بظروف مختلفة، نظراً لأن سورية لها ظروفها، وعليها حصار جائر وعقوبات، ولكن العالم اليوم مترابط وتأثيرات العولمة أمر لا مفر منه، ليس فقط الآن بل عبر العصور، والتطور الذي وصلت إليه البشرية حالياً في شتى المجالات هو بالتأكيد نتيجة حالة تراكمية عبر العصور.
وإن العصر الحالي جعل التأثيرات المتبادلة ونقل التجارب والاستفادة منها أمراً لا مفر منه، بل ضرورة عصرية، وقد يكون من المناسب إذاً إجراء دراسة أكثر دقة وشمولية للتجربة الإندونيسية، ومحاولة الاستفادة منها، حيثما كان ذلك ممكناً ومناسباً للسياق السوري.