الواقعية تعني أنك لا تعيش على مساعدة الآخرين، هي تعني واقعاً مستنداً إلى معطيات وأرقام دقيقة ذات مغازٍ وأهداف كبرى، الواقعية هي برامج عمل حكومية و«داتا» متكاملة ذات مؤشرات تخص كل منحى أو قطاع حكومي، الواقعية تعني أن هناك حراكاً ومحاولات جادة، وتعني خطوات عملية ومراجعات دورية لكل المؤشرات التي على أساسها وضعت آليات العمل والتنفيذ، وتعني قبول أن هناك حالة من الوعي والتعاون مع الحكومة، وخاصة عندما تتم من منطلق أساسات لأرقام ونتائج عمل الحكومة تكون مقنعة للمواطن قبل أي جهة أخرى… ولكن في المقابل عندما تكون عكس ذلك عبر عدم الوضوح في السياسات والخطط وتفاوت وتناقض بالأرقام، وربما قصور وفشل في إيجاد قاعدة بيانات عريضة لكل القطاعات، عندها تضيع الأهداف ولا تتحقق، وتذهب الجهود هباء منثوراً، وتزداد المخاطر وتتعقد الأزمات وتتضاعف فاتورة تراكم المعالجات الخطأ..!
من هذا المنطلق أرى أن هناك حاجه لمراجعة الأهداف والأولويات الاقتصادية وصولاً لوضع قاعدة بيانات شاملة مبنية على أسس صحيحة، لا بيانات جوفاء يغلفها التناقض والقصور والسرية الفارغة..!
وكما يقال: أفضل الطرق للاستعداد للغد أن تعمل عمل اليوم بطريقة جيدة.. لكن شديد الأسف أنه لم نصل بعد لحالة تقنية رقمية تضمن جودة مقبولة بمخرجات الأهداف بعد، هناك ما يشبه قصوراً وشللاً بـمسألة تعد غاية في الأهمية، بغض النظر عن الجهود الحكومية في الوصول إلى قاعدة بيانات أساسية لكل الأنشطة الرسمية، وبعيداً عن التشاؤم أو التفاؤل المنتظر بالنتائج المباشرة لوضع ركائز لمؤشرات رقمية شفافة ودامغة، فإن أمراً جوهرياً بات واضحاً للعيان لا يمكننا أن نتجاوزه وهو ضعف التخطيط لدى الإدارات وانعدام وجود الرقم الصح، وانعدام صوابية التخطيط ورؤيته الواضحة في اقتصادنا نحو أهم الملفات التي تمس رفاهية الإنسان، ليكون مجرد موضوعات وأرقام لاجتهادات وزارات وجهات حكومية لا تتجاوز بمعظمها رؤية الرجل الأول الذي إذا رحل يرحل الرقم والخطة معه!.
كما أن هيئة التخطيط والجهات المعنية الأخرى كالمكتب المركزي للإحصاء لا تزال تعمل وفق نمطية «خائفة» مع الرقم والتخطيط السليم للغد، تفتقر لحسابات دقيقة عن أي منحى، وحين لا تكون متصلة بمراكز دراسات وأبحاث وقواعد بيانات إحصائية تحدّث باستمرار هي مجرد جهات بلا عمل ولا إنتاج مهم… أعتقد أن الوقت قد حان لتصحيح شامل يبدأ بهيئة التخطيط ودوائره بالوزارات والمؤسسات كافة، ويمنحها دوراً بارزاً في قراءة التحديات ورسم طريق المستقبل وفق الواقع والإمكانات والظروف، وإذا لم تبدأ خطوة إصلاح التخطيط والرقم الدقيق وتعزيز سلطته وتوسيع صلاحياته فإننا سنستمر بحاجة إلى المزيد من حملات التصحيح التي لا تنتهي!
هناك كفاءات وهناك بنى تحتية، فلماذا التقصير في رسم منهجية رقمية تضمن الجودة في اتخاذ القرارات الصح..؟ فالتخطيط السليم المستند إلى أرقام وحسابات منطقية، سيعطي ثماراً صحيحة، فهناك آلاف من المهندسين وغيرهم قادرون على تصميم الجسور، والآلاف مثلهم قادرون على تحديد مواصفات تلك الجسور وكيف تبنى، لكن يجب البحث قبلهم عن المهندسين البارعين القادرين على تحديد أهمية بناء الجسر من عدمه ومتى وأين سيبنى؟ وكم سيكلف من اعتمادات مالية بدقة..!! اليوم ما أحوجنا إلى «داتا» كاملة بكل المعطيات والأرقام الواقعية، عندها نتجاوز عقبات كثيرة، ونرسم خطوط العبور بكل ثقة وأمان إلى بر النجاح الكامل!!