التشاركية والقطاع المشترك… لماذا لا يصدر قانون عام للقطاع المشترك يوحّد أسس التعاقد بين العام والخاص في المشاريع الربحية؟
| الدكتور نبيل سكر
كنت قد كتبت حول الموضوع أعلاه مرات عدة في جريدة الوطن (تواريخ 15، 16، 21 و22 شباط 2017 و5 تشرين الأول 2017)، ولكن يبدو أن الرسالة لم تصل بعد إلى العديد من أصحاب القرار والاقتصاديين ورجال الأعمال، كما تبيّن في الاجتماع الطويل الذي تم عقده بتاريخ 30 أيار، في مبنى هيئة الاستثمار بحضور الأكارم أعلاه لدراسة السياسات التجارية والنقدية والمالية في البلد وسبل تحسينها.
بيّن العديد من الحضور عدم إقامة أي مشروع تشاركي بين العام والخاص في ظل قانون التشاركية رقم 5 الصادر في عام 2016 أي قبل 8 سنوات، ولكن التفسيرات التي ذكرت لم تكن صائبة في اعتقادي، كما لم تكن صائبة الآراء كافة التي صدرت عن بعض أساتذة الاقتصاد عن التشاركية بعد الاجتماع. لذلك أردت هنا إعادة توضيح ما قلته سابقاً عن التشاركية والقطاع المشترك والفرق بينهما في مقالاتي المشار إليها أعلاه.
لماذا التشاركية ولماذا قانون للتشاركية؟ وهل التشاركية خصخصة؟
التشاركية أصبحت كلمة شعبية للكثيرين، وكل يفسرها على هواه، حتى أن بعضهم اعتبرها مرحلة من مراحل التطور الاقتصادي الفكري في سورية، أي مرحلة تتلو مرحلة اقتصاد السوق الاجتماعي. لكن الصحيح أن التشاركية وفي تعريفها هي علاقة تعاقدية بين القطاع العام والخاص، ويمكن أن تكون في أي قطاع اقتصادي، صناعي أو زراعي أو سياحي يهدف إلى الربح (القطاع المشترك)، ويمكن أن تكون بين العام والخاص في مجال البنى التحتية والمرافق العامة، كالمواصلات والكهرباء والمياه وغيرها، وهي المشاريع غير الهادفة إلى الربح.
وبينما لا حاجة لقانون ينظم هذه العلاقة في المشاريع الهادفة إلى الربح، هناك حاجة لقانون ينظم هذه العلاقة في مشاريع المرافق العامة التي هي بين طرف يسعى إلى الربح (القطاع الخاص)، ما كان ليدخل هذه المشاريع غير الربحية وعالية المخاطر، وطرف آخر يهدف إلى ضمان المصلحة العامة (الدولة)، وقد اتجه هذا الطرف لمشاركة القطاع الخاص لتخفيف العبء عنه وللاستفادة من خبرات وقدرات القطاع الخاص الإدارية والمالية. ويتحمل المستثمر الخاص في هذه المشاريع جميع التكاليف اللازمة للمشروع، كما يتحمل عبء أي قروض يحتاج إليها لتنفيذ مشروعه.
وقد أصدرت كل من مصر وتونس ولبنان وغيرها من الدول مثل هذه القوانين في مشاريع المرافق العامة التشاركية، أما في سورية فقد جرى إعداد مسودة لقانون على هذا المنوال في عام 2015 تم رفعه إلى السلطات العليا، ولكن حين عاد جرى تشويهه من المستشارين الفوقيين والعقائديين. فجاءت المسودة الجديدة لتشمل المشاريع التشاركية في القطاعات الاقتصادية كافة، ربحية وغير ربحية، فيما عدا مشاريع النفط والغاز. وقد تضمن القانون متطلبات موحدة من المستثمرين، متطلبات ضرورية بالنسبة لمشاريع البنى التحتية والمرافق العامة، ولكنها غير ضرورية ولا يمكن قبولها من القطاع الخاص في المشاريع الربحية.
وقد انهالت المشاريع المرشحة للتشاركية من مؤسسات الدولة كافة، وكانت في معظمها مشاريع متعثرة، ظناً منها أن التشارك مع القطاع الخاص سينقذها من تعثرها، وكأن القطاع الخاص هو المنقذ من الضلال.
ولا بد أن نذكر المستشارين العقائديين أعلاه أن التشاركية ليست خصخصة، لأن المرافق العامة المشمولة بالتشاركية تعود إلى الحكومة في نهاية العقد الذي قد يمتد إلى 20-30 سنة، ولكن في اعتقادي أنه حتى إذا كانت خصخصة فما العيب في ذلك ما دمنا قد فتحنا الباب للقطاع الخاص منذ 30 سنة، ووسعنا هذا الباب حين اعتمدنا مبدأ اقتصاد السوق الاجتماعي في عام 2005. وأصبح القطاع الخاص قبل الأزمة يسهم بحوالي 70 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي.
هذه هي التشاركية
فما القطاع المشترك؟
القطاع المشترك هو كذلك علاقة تعاقدية بين القطاع العام والخاص، تشمل الملكية وتنفيذ وإدارة مشاريع صناعية وسياحية وزراعية وغيرها بهدف الربح لكلا الطرفين، وقد دخل القطاع المشترك إلى سورية في منتصف الثمانينيات، ليشمل قطاع الزراعة في ظل القانون رقم 10 لعام 1986، ثم صدرت قوانين منفردة خاصة للقطاع المشترك تشمل السياحة والصناعة بأشكال مختلفة، من دون منطق في الاختلاف في التعاقد وفي الحوافز الممنوحة في كل حالة. وعادة ما لا يتوجب إصدار قوانين لتحديد العلاقة التشاركية في المشاريع الهادفة إلى الربح، ولكن في الحال السورية صدرت مثل هذه القوانين لخضوع القطاع العام لأنظمة معينة في سورية، وخضوع القطاع الخاص لقوانين مختلفة، فاختلفت مكونات وحوافز هذه القوانين الصادرة من دون منطق في الاختلاف.
لذلك أعتقد أنه من الضروري إصدار قانون عام للقطاع المشترك يوحّد أسس التعاقد بين العام والخاص في المشاريع الربحية ليشمل كافة القطاعات الاقتصادية وضمن القطاع الاقتصادي الواحد، حتى لا يكون التعاقد على قياس مستثمر دون الآخر.
وأخيراً، لا بد من التأكيد أننا بحاجة ماسة للتشاركية في مرحلة إعادة الإعمار، وبحاجة لقانون جديد لها يشمل فقط مشاريع البنى التحتية والمرافق العامة، وبحاجة لقانون آخر يشمل المشاريع الربحية بين العام والخاص تحت مسمى «قانون القطاع المشترك».
ولكي تنجح التشاركية لابد من رفع قدرات وخبرات الدولة على طرح مشاريع التشاركية طويلة الأمد ومتعددة المخاطر (مستفيدة من تجارب الآخرين)، وعلى دراسة جدواها الاقتصادية بمنهجية تختلف عن دراسة الجدوى الاقتصادية للمشاريع الربحية كالصناعة والزراعة والسياحة نظراً لتعدد مخاطرها، كما أنه في الحالتين (التشاركية والقطاع المشترك) لابد من رفع كفاءة القطاع الخاص للدخول في هذه المشاريع، وتحسين مناخ الاستثمار، بما فيه تقليص تكلفة الإنتاج وتكلفة الأعمال، وتحسين القضاء حتى يتشجع القطاع الخاص لدخول هذه المشاريع. كما أنه من الضروري رفع كفاءة القطاع المصرفي وإدخال أدوات التمويل طويل الأجل إليه، والتي من دونها لن يستطيع القطاع الخاص وحده تمويل هذه المشاريع.