دفع متقدم في عجلة الاقتصاد 46.1 مليون حساب إلكتروني للتسديد هذا العام… الدفع الإلكتروني بين الضرورة والتعقيدات وتراجع الاقتصاد .. وزيرة سابقة لـ«الاقتصادية»: الحل يكمن برفع قيمة رواتب الموظفين ومن ثم توطينها في البنوك
| بارعة جمعة
تكمن أهميتها بتوثيق التعاملات التجارية والمالية بين الأفراد لدى الجهات الرقابية عبر تسجيلها بأرقام حقيقية على المخدمات الإلكترونية، بما يحقق توثيق هذه المعاملات أكثر من التسليم العادي للعقد، هي الثقافة الإلكترونية في عالم يتجه بخططه المستقبلية لإلغاء الورقيات، وتطبيق الخدمات الإلكترونية في مختلف أنواع الأنشطة الاقتصادية، سعياً منه لإدارة الخدمات بين الحكومة والمواطن، ضمن قاعدة توفير المال بطرق مدروسة قادرة على مواجهة كل التبدلات والتغييرات السياسية والاقتصادية العالمية، بما يحقق التوازن بين الإيرادات والنفقات بذكاء عال يضمن تطبيق نظام الدفع الإلكتروني بوسائل مرنة أيضاً.
إلا أن ما تقدمه المصارف وشركات الدفع الإلكتروني، لم ترقَ لمستوى الدفع الإلكتروني بمفهومة الفعلي، كل ذلك يترافق مع ضحالة ثقافة الدفع الإلكتروني وتعثره، على الرغم من الإعلان الرسمي نهاية حزيران 2024 عن 46,1 مليون حساب إلكتروني للتسديد، بالمقارنة مع مشتركي الخلوي فقط (16 مليون) حساب وباقي مشتركي الكهرباء وغيرها نجد أن الرقم قليل، بينما بقي عدد الحسابات الإلكترونية المفتوحة للتجار 10863 حساباً، إلى جانب صعوبات جمّة تواجه قطاع الأعمال اليوم، المعني الأول بتطبيقه وتعميم ثقافته ضمن هذا الاتجاه، يجعل من زمن وتكلفة سحب ونقل وعد وكشف تزوير وتخزين الأوراق تحدياً كبيراً له، بسبب التضخم الكبير في سنوات الحرب مع نقص عدد المنافذ التقليدية المتاحة (فروع، مكاتب، معتمدين) للسحب والإيداع والتحويل، عدا كون الإحصاءات الرسمية غير متوافرة منذ سنوات، وبالتالي تعثر الدفع الإلكتروني والشمول المالي نتيجة نقص القدرة الشرائية.
شبكة مالية
تعنى منظومة الدفع الإلكتروني بدراسة العناصر المحيطة في عملية حساب نفقات الخدمة، كعنصر الزمن والجغرافيا في الخطة المالية، كما تهدف إلى إيجاد التوازن النقدي، بين التمويل الضريبي، والإنفاق العام، ومن ثم تقديم الخدمة، أي بمنزلة البوصلة المالية في السير نحو تطبيق الحوكمة الإلكترونية في البلاد، حيث سينتهي نظام الأرشيف الورقي البسيط القائم على ترقيم وتسلسل المعاملات الورقية ضمن الدائرة، إلا أنه بالرغم من ذلك، ما زال مبدأ العمل به يلقى ممانعة وتحديات فرضتها الظروف والواقع من جهة، ومدى تقبل المجتمع لهذه الثقافة الجديدة من جهة أخرى.
اتجاه حكومي جديد يلبي حاجة طرف على حساب طرف آخر، معادلة أجمعت أغلبية المتابعين للشأن النقدي والتقني والاقتصادي على عدم توازنها، في وقت ما زال قطاع الأعمال متخوفاً من المضي به، تحت وطأة الضغوط والنفقات التي تلاحقه بطرق غير واضحة، ولا يمكن التعامل معها بشفافية مطلقة من قبل الأطراف المعنية بهذه العملية، فعملية الدفع الإلكتروني أمر في غاية الأهمية والحساسية، في وقت لم تنتظر دول العالم التحاقنا بركب هذا الاتجاه بل سبقتنا إليه وفق رؤية عضو غرفة تجارة دمشق محمد الحلاق، كما أنها خرجت من مفهوم الاحتفاظ بالنقد بواسطة الكاش، واستبداله بعمليات الدفع بجميع أنواعها، بدءاً بأبسط الأنواع وانتهاء بأعقدها.
مسألة معقدة
إلا أنه كما في كل اتجاه جديد، تبرز التعقيدات بداية كنوع من المواجهة للعثور على الحلول المناسبة ضمن بيئات وظروف غير مستقرة، كالتي نعيشها اليوم في سورية، ما يجعل من الدفع الإلكتروني مسألة معقدة برأي الحلاق، نتيجة ظروف المجتمع التي جعلت من مبدأ الدفع عبر الدخل وبواسطة البنوك والتسديد عبر المصرف بشكل أو آخر يتطلب فائضاً من الكتلة النقدية، بما يضمن توزيعها لجميع الأطراف، مع ضرورة التزام كل حلقات البيع واستعداداها للتعامل بمبدأ الدفع الالكتروني، وهو الأمر الذي بتنا نفتقده اليوم لدى الكثير من الجهات.
فالواقع يقول إن90 بالمئة من المستهدفين من العملية غير قادرين على تطبيق هذا الأسلوب حسب تأكيدات الحلاق، وذلك لصعوبة العمل بطريقة الدفع الإلكتروني والتسديد اللاحق بصيغة قرض على الشخص كما هو حال الدول الأخرى، عدا كون المصارف غير قادرة على تحمل ذلك خوفاَ من وقوعها بالعجز، وباعتبار أن هذه الأموال هي بمنزلة ودائع لديها ومن الواجب حمايتها لكونها استثماراً من قبل قطاع المصارف، لذا يؤكد الحلاق مجدداً بأن العملية تحتاج الكثير من المرونة وكتلاً نقدية فائضة، داعياً جميع الفعاليات التي يتم إثبات ارتفاع دخلها كالمطاعم مثلاً، بكل مستوياتها (نجمتان فما فوق) بالإقبال على التعامل بصيغة الدفع الالكتروني.
رفض متعمد
البعض يلجأ لمقاومة التغيير، إيماناً منه بأن الواقع السوري لا يحتمل هذه الأعباء الإضافية، والأسباب كثيرة، أورد الحلاق أهمها والتي تأتي نتيجة وجود تهرب ضريبي وجهات لا تزال ترفض ثقافة الدفع وتعمل ضمن اقتصاد الظل، هذه الأطراف لا تقبل صيغة الحوالة المصرفية، لنجد أن هذه التشابكات تشكل إعاقة بمجملها، آخذاً من فكرة توطين الرواتب التي يعدها البعض حلاً اليوم بوصفها كتلة كبيرة من أموال الموظفين، ممن ما زالوا يرفضون تحويل رواتبهم للمصارف ومن ثم سحبها، كل ذلك يأتي ضمن العوائق، إلى جانب استمرار قطاع الأعمال حتى يومنا هذا بتسديد الرسوم الجمركية والمالية بواسطة «الكاش» لتحقيق التوازن، هنا يعود الحلاق مطالباً بضرورة التشجيع على تنفيذ الدفع الالكتروني لجعل الحكومة قادرة على تطبيق هذا الأمر على الأنشطة كافة كما في دول الخارج، ما يؤكد أن ثقافة الدفع الإلكتروني هي علاقة تمارس من قبل الحكومة وقطاع الأعمال وكل المعنيين، كما أن الأمر إيجابي لقطاع الأعمال.
ثقافة ليست جديدة على الاقتصاد العالمي، لكون الأمر يتعلق بإتاحة وسائل استخدامها وآلية تحويل الأموال إلى جانب المرونة، التي بدورها تعزز هذه الثقافة برأي عضو غرفة تجارة دمشق محمد الحلاق، عازياً بطء العمل به لتوسع مساحة اقتصاد الظل، مع وجود جهات فعاليات اقتصادية منظمة تتعامل مع أفراد لا يقبلون الدفع الإلكتروني ويطالبون بالكاش الفوري، كأي عامل يقدم خدمة لمعمل فرضاً، وبالتالي سنجد أن النفقات كافة ستتم بالظل ولن تسجل بالفاتورة، عدا غياب الملاءة المالية لدى الناس، وصعوبة تطبيق مبدأ الإقراض كما في الخارج، لانعكاسه على الفرد بإغراقه بالفوائد، وبالتالي انهيار الاقتصاد، نعم هي علاقة صعبة برأي الحلاق وتحتاج إلى توزيع الأجهزة في كل نقاط البيع في سورية لتعزيز الثقافة أكثر لدى الفئات الأخرى.
تعارض السياسات
اعتماد مبدأ القياس لأي تجربة من الطرق الأكثر تحوطاً للمخاطر، لما تحمله تجربة الدفع الإلكتروني من الأخطار التي تواجه منظومة العمل بها، كالخلل الحاصل في سلسلة الإمداد والتوريد المحلية، ولاسيما بعد اعتماد الحكومة على تأمين المنتج عبر استيراده بعد أن كانت عملية تصنيعه محلية سابقاً حسب رؤية رئيس مجلس إدارة الجمعية السورية للشحن والإمداد الوطني وعضو مجلس إدارة اتحاد المصدرين والمستوردين العرب محمد رياض الصيرفي، الذي بين في حديثه لـ«الاقتصادية» تحميل الحكومة عبئاً مضاعفاً في مراحل لاحقة، في محاولة إعادة اللحاق بالخطط المالية الطويلة المدى، فبات واضحاً في الوقت الحالي، أنه لا مجال لوضع أي خطة على مدى عشر السنين القادمة، دون تفعيل المنظومة المالية في تحصيل الضرائب بشكل فعال.
هنا يبرز عامل الشفافية، الذي بات من الصعب تحقيقها دون إيجاد مناخ صحيح، لكون المناخ الحالي غير قادر على استيعاب آلية الدفع الإلكتروني، متسائلاً بالوقت ذاته.. هل بإمكان التاجر قبض ثمن بضائعه بالدفع الالكتروني ومن ثم دفع محصلة بيعه ثمن مستورداته بالدفع الالكتروني للبنوك؟ الأمر الذي يتعارض مع سياسة المصرف المركزي، هنا تبرز لدى الصيرفي حقيقة الحاجة للدفع الإلكتروني، شرط تمهيد وتعبيد الطريق إليه، بدءاً من تطوير المنظومة والمناخ لضرورتها الملحة في تدعيم سياسة الدفع والربط الالكتروني.
اتجاه حديث العهد
مع تطور النظام الاقتصادي العالمي ونمو التجارة الإلكترونية ولتلبية الحاجة إلى تسديد المدفوعات في تلك التجارة، نشأ الدفع الإلكتروني كطريقة لتسديد مستحقات المعاملات التجارية الإلكترونية، وبالرغم من أن طرق الدفع كانت تتم عن طريق التقاص بين الحسابات البنكية في البنوك المختلفة عن طريق المحول الوطني، تلاشى الدفع النقدي (الكاش) في كثير من الدول وبات هو الاستثناء والتعامل به أصبح في أضيق الحدود، في وقت ما زال يعد فيه الاقتصاد السوري اقتصاداً نقدياً بأكثر تعاملاته وفق قراءة وزيرة الاقتصاد سابقاً الدكتورة لمياء عاصي لهذا الاتجاه، بالمقابل، مازال الدفع الالكتروني عملية حديثة العهد ومتأخرة كثيراً ربما بعشرات السنين، عما هو سائد في دول العالم، وسط محاولات الحكومة تشجيع الدفع الالكتروني من خلال الفواتير الحكومية، كهرباء، مياه، اتصالات.. وبعض الخدمات الأخرى، أما بالنسبة للمؤسسات سواء مؤسسة المياه أو الكهرباء والاتصالات وكذلك المالية لدفع الضرائب ومؤسسة التأمين وغيرها، فإن تطبيق الدفع الإلكتروني برأي د. عاصي سيكون له تأثير إيجابي جراء تحويل الأموال إلى الحساب البنكي الخاص بالمؤسسة مباشرة دون المرور بعملية جمع الأموال بشكل يدوي في عملية باتت من الماضي، إضافة إلى أن الدفع الإلكتروني يعتبر أحد أهم الأدوات لرفع كفاءة العمل ومحاربة هدر الوقت والمال واختلاس الأموال، كل ذلك مع بقاء نظام الدفع الكتروني في سورية يواجه صعوبات وتحديات كبيرة.
تتصدر هذه التحديات كما يعلم الجميع مشاكل البنية التحتية، ولاسيما ما يتعلق بالكهرباء والاتصالات والأمور اللوجستية، إضافة إلى التجهيزات والبرمجيات المتعلقة بالدفع الإلكتروني في ظل العقوبات الغربية، ولاسيما أن استقرار وتوفر الكهرباء بشكل دائم هو التحدي الأساسي، بينما رأت د. عاصي أن ضعف الدخول الشهرية والقدرة الشرائية للمواطنين لها تأثير سلبي على تطبيق الدفع الالكتروني أيضاً، وتقلل من فاعليتها، لذا ما ينبغي فعله اليوم وكما يحصل في الدول الأخرى أن يتم توطين راتب الفرد ببقائه في البنك لتغذية رصيده منه لدفع الفواتير وغير ذلك، لكن ما يحصل حالياً أن المواطن يقوم بتغذية رصيده عندما يريد دفع فاتورة ما، وبالرغم من المزايا الكثيرة التي يقدمها الدفع الالكتروني أهمها السرعة وتوفير الوقت والجهد، فإن الأولوية القصوى بالنسبة للمواطن هي تحسين دخله الشهري وزيادة قدرته الشرائية برأي عاصي، فمن لا يكفيه راتبه إلا بضعة أيام في الشهر.. كيف له أن يضع رصيداً له في حسابه يمكنه من استخدام الدفع الإلكتروني؟!
قيود رسمية
غياب المؤسسات المالية عن بعض المدن أو الأحياء دفعها لتطبيق عمولات باهظة، حيث بلغت عمولة التحويل «الدنيا» بشركات الحوالات كما يلي: 1 بالمئة عمولة لا تفيد إلا من يحول أكثر من 1 مليون خارج المناطق الشرقية، أما في المناطق الشرقية فلن يحلم بأقل من 1,5 بالمئة، غموض بعض القرارات، بمثل هذه الإجراءات وغيرها الكثير باتت قيود السحب النقدي الموضوعة من قبل البنك المركزي، تجعل التجار والمنتجين يفضلون التعاملات النقدية (الكاش) وفق حديث د. عاصي لـ«الاقتصادية»، لكونها أداة تساعدهم على عدم الإفصاح عن مبيعاتهم، كما أنها تمكنهم من الاحتفاظ بها بشكل نقدي لديهم ومن ثم استخدامها حسب احتياجاتهم، دون الاضطرار لزيارة البنك مرات عديدة والخضوع لضوابط وسقوف السحب اليومي من البنوك.
وأمام تأكيد الكثير من الخبراء والاقتصاديين أن الدفع الإلكتروني ضرورة قصوى للشمول المالي، ترى د.عاصي أن مستوى الشمول المالي مازال ضعيفاً في القطر، أي إن الوصول إلى المنافذ والخدمات البنكية ليست متوافرة في كل المناطق والقرى والوحدات الإدارية بالمستوى ذاته، لذا علينا التحول إلى الدفع الالكتروني بشكل تدريجي مع مراعاة ظروف كل منطقة، ولاسيما أن الحكومة مستمرة بتشجيع الدفع الإلكتروني وإزالة المعوقات التي تعترضه، وخاصة ما يتعلق بعمليات الربط بين البنوك العامة والخاصة وزيادة منافذ الوصول إلى الخدمات البنكية التي يمكن للمواطن من خلالها من تغذية الرصيد أو سحب الأموال الموجودة بالرصيد، الذي بدوره سيساعد في انتشار هذه الثقافة ويساهم بتوثيق عمليات مبيعات التجزئة، عبر النظام الالكتروني، ما سينعكس حتماً على زيادة التحصيل الضريبي، نتيجة تقدير الضرائب بشكل واقعي وصولاً إلى مكافحة التهرب الضريبي بكل أنواعه.
وفي دعوة منها لتطوير آلية العمل، قدمت الدكتورة لمياء عاصي رؤيتها الخاصة في تطبيق الدفع الإلكتروني، داعيةً المؤسسات المملوكة للدولة مثل «السورية للتجارة» والتي من المفترض أن تقدم فروعها أسعاراً منافسة للمواطنين، وبالتالي يمكنها تطبيق الدفع الإلكتروني مقابل حسومات خاصة على الأقل في البداية وبشكل تدريجي، من مبدأ أنه وإن تأخرنا بتطبيق الدفع الإلكتروني، فلا بد من التأكيد أن العمل بهذا النظام على نطاق واسع سينعكس إيجابياً على رفع كفاءة الأنشطة التجارية والصناعية والخدمية كلها في القطر، وكل ما يخص المواطنين أو الدولة، لكنه بحاجة إلى نظام تحويل وتقاص كفؤ وسريع وربط بين البنوك العاملة خاصة وعامة.