بانتظار الحكومة القادمة.. قائمة مطالب طويلة ومقترحات واقعية .. ما المطلوب من الحكومة السورية المنتظرة؟ وكيف لها أن تكون مختلفة عن سابقاتها؟.. هيئة أركان للاقتصاد.. ولا بد من الانتقال من سياسة الوزير إلى سياسة الوزارة … تحسين الرواتب والأجور وعودة رؤوس الأموال والمهاجرة
| أمير حقوق
بعد صدور المرسوم المتضمن أسماء الأعضاء الفائزين في انتخابات مجلس الشعب للدور التشريعي الرابع، تعد الحكومة السورية انتهت ولايتها وأصبحت بحكم المستقيلة واعتبارها حكومة تسيير أعمال وفقاً للقانون السوري، ومع قرب إعلان تشكيل الحكومة المنتظرة تكثر الآمال والطموحات نوعاً ما مع تبديل طاقم الحكومة، ووضع وزراء جدد يستحقون هذا المنصب ويعملون لتحسين الواقع بكل جوانبه.
«الاقتصادية» فتحت ملف الحكومة المنتظرة، لآخذ أراء الأكاديميين والمختصين بالحكومة المنتظرة وما المطلوب منها؟ وكيف لها أن تكون مختلفة عن سابقاتها؟ وما الآلية التي يجب أن تعمل بها وترسم فيها سياساتها وخططها؟ وكيف تعيد ثقة المواطن السوري بها؟
معالجة الأزمة الاقتصادية
وفي حوار خاص مع «الاقتصادية»، أوضح نائب عميد كلية الاقتصاد الدكتور إبراهيم العدي أن المطلوب من الحكومة المنتظرة
بالمرتبة الأولى معالجة الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها سورية، وبالتالي إذا تعالجت فستنعكس إيجاباً على جميع مناحي الحياة الأخرى، ولذلك إذا كان هناك رؤية لدى الحكومة الجديدة منذ البداية، يجب تأسيس فريق اقتصادي يملك خبرة كبيرة في مجال الاقتصاد، وليس كما هو الحال في سورية أي وجود لجنة اقتصادية لم يكن لها دور خلال سنوات الأزمة، واللجنة الاقتصادية مختلفة كلياً عن الفريق الاقتصادي، فالاقتصاد يحتاج إلى هيئة أركان، فلا يستطيع وزير ما أن يدير شؤون الاقتصاد بل يحتاج إلى كلّ القوى الفاعلة.
«سياسة التصفير» كارثة
والحكومة السابقة تفتقر إلى الفريق الاقتصادي بكل معنى الكلمة، فكان لديها لجنة اقتصادية وهي لا تمثل الفريق الاقتصادي، ويجب التخلص من سياسة الوزير إلى سياسة الوزارة، فكل وزير جديد يتبع «سياسة التصفير» ويبدأ العمل من جديد، وهذه السياسة كارثة فعلاً، ففي كل دولة يأتي الوزير ليكمل سياسة الوزارة إلا في سورية، ينهي ما قبله ويبدأ بسياسته الجديدة، وفقاً للدكتور العدي.
رسم السياسات
قائلاً: «لا أدري كيف سارت الأمور، فوزارة التجارة الداخلية ووزارة الاقتصاد كان دورهما شبه محدود، وهذا يتطلب الحاجة لحكومة كفاءات، متمنياً من القيادة المركزية بحزب البعث العربي الاشتراكي القيام بدور فعال برسم السياسات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وغيرها، والوزراء يقومون بتنفيذ هذه السياسات من خلال إجراءات حكومية معينة ومناسبة، والحكومة تصبح سلطة تنفيذية مراقبة، ولحدّ الآن المعترف به هو «إن لم تفعل شيئاً فأنت لم تخطئ» وبالتالي هناك العديد من الوزراء لم يقوموا بأعمال تترك لهم أثراً.
كفاءات
وكشف الدكتور العدي أنه كي تكون الحكومة المنتظرة مختلفة عن سابقاتها، يعود ذلك إلى آلية تعيين الوزراء، حيث يجب أن يكونوا من الكفاءات، وإذا كان لهم أثر إيجابي فسينعكس حتماً على أثرهم العملي.
يجب مساءلة الحكومة السابقة
وعن آلية عمل الحكومة المنتظرة، بيّن الدكتور العدي أنه لا يوجد هوية اقتصادية للبلد حتى الآن، فالسيد الرئيس بشار الأسد وضع هوية للاقتصاد السوري وهي اقتصاد السوق الاجتماعي، هو اقتصاد سوق إذاً، ولكن فعلياً كل وزير يرسم سياسات وزارته وحده، والوزارة وحدها لا تفعل شيئاً، يجب أن يكون هناك تكامل بين عمل الوزارات، والحكومة يجب أن توجه المراقبة والمساءلة لها، وبالتالي هذا يزيد من فاعلية وكفاءة الحكومة، ويجب مساءلة الحكومة السابقة وزيراً وزيراً، فإذا لم يتم تقييم تجربة الحكومة السابقة وأفعالها وتصرفاتها وأعمالها فلن تنجح الحكومة الجديدة، وفق توصيف الدكتور العدي.
إصدار قطع نقد جديدة
وحسب الدكتور العدي، كي تكسب الحكومة المنتظرة ثقة المواطن بها يجب أن تظهر مبادرات تحسين الواقع الاقتصادي من خلال الانفتاح الاقتصادي، ومعالجة أمر «عصر الصرف للعملة الأجنبية»، والخطوة الأولى يجب أن تكون إصدار قطع نقد جديدة تبدأ بـ50 ألفاً أو 100 ألف، فقبل الأزمة السورية كانت فئة الألف ليرة أكبر قطعة نقدية وتساوي 20 دولاراً، واليوم التعامل مع العملة الورقية مشكلة كبيرة وخاصة فئة الخمسمئة القديمة المهترئة، ومن يتحجج بالتضخم فالتضخم موجود، وبالإجراءات الاقتصادية الناجحة والعملية تستطيع الحكومة الجديدة كسب ثقة المواطن بها وأن تكون سياستها الاقتصادية وتوجيهاتها وقراراتها موجهة لأفقر مواطن سوري وتعمل على تحسين الطبقة الفقيرة.
القطاعات
عن القطاعات التي يجب أن تولي لها الاهتمام الحكومة المنتظرة، شرح الدكتور العدي أن الأزمة السورية خلقت اقتصاداً سورياً مرعباً يقوم على الريع، وأكثر الأثرياء في سورية جمعوا ثروتهم جراء الريوع، وهذا عبارة عن مضاربة واحتكار فيجب أن تعمل الحكومة الجديدة على كسر حلقات الاحتكار في التجارة الخارجية، وثانياً العودة إلى الزراعة، فيجب أن تكون من أهم اهتمامات الحكومة.
وختم حديثه مع «الاقتصادية» متحدثاً: يجب ألا تكون النظرة تشاؤمية ولكن لا نكذب على أنفسنا، فيجب أن تراعي الحكومة المنتظرة الاقتصاد أولاً وثانياً وثالثاً، وإذا لم تستطيع الحكومة تشكيل فريق اقتصادي متكامل ومتجانس فلن تنجح.
مختلفة عن سابقاتها
من جانبه، أوضح الخبير الاقتصادي والأستاذ الجامعي الدكتور عابد فضلية لـ«الاقتصادية»: المطلوب من الحكومة المنتظرة أن تكون في عملها وإدارتها وأدائها مختلفة عن سابقاتها؛ بما فيها الحالية، باعتبار أن تقوم به الحكومة الحالية، وفيما يخص معيشة المواطن على سبيل المثال لم يرق إلى الحد الأدنى الممكن، بل ربما العكس، حيث إن كل ما نتذكره من قرارات وإجراءات حكومية كلها دونما استثناء أعباء إضافية على الاقتصاد والمواطن، وبالتالي فإن أي حكومة منتظرة لا بد أن يكون أداؤها أفضل لسبب جوهري هو أن الجهات الرسمية الأعلى صارت خلال الفترة الأخيرة تتدخل رقابياً على أي قرار إستراتيجي.
آلية عمل
وأكمل الدكتور فضلية: باعتبار أن السيد الرئيس أعلن عن أن سورية تنتقل إلى مرحلة أفضل، وهذا يتضمن بالطبع طبيعة الحكومة المنتظرة، التي يجب أن يكون من أولوياتها تحسين معيشة المواطن ليس فقط من خلال زيادة الرواتب والأجور بل ضبط العمل وزيادته وزيادة إنتاجيته في منشآت القطاع الاقتصادي والخدمي من جهة، واستصدار تشريعات جديدة وتعديل التشريعات النافذة بما يساعد القطاع الخاص على مزيد من الإنتاج وعلى مزيد من الاستثمارات بحيث تزداد فرص العمل أي خلق مصادر دخل جديدة وفرص مجدية لزيادة الدخل، الأمر الذي يؤدي إلى تحريك الطلب الفعال في السوق، وبالتالي تحريك عجلة الإنتاج التي ستحتاج إلى المزيد من قوة العمل.
الثقة
وعندما يلمس المواطن ذلك على أرض الواقع وليس فقط على شاشات التلفزيون ستزداد ثقته بالعمل الحكومي، وهذه الثقة ستتحول إلى محفزات إضافية لرفع مستوى الأداء الحكومي، بل ستتحول إلى الشعور أكثر بتحمل المسؤولية لدى الجهات الحكومية، وبالتالي فإن الثقة يجب أن تكون متبادلة بين الجهات الحكومة والمواطن، وبالقطاع الخاص لكي يحفز ويساعد كل طرف الأطراف الأخرى ولكي يتحول هذا التحفيز إلى واجب ومسؤولية تحت غطاء من الثقة المتبادلة، وفقاً لقراءة الدكتور فضلية.
تقصير حكومي!
ومن أهم القطاعات التي يجب الاهتمام بها من قبل الحكومة المنتظرة برأي الدكتور فضلية هو أولاً القطاع الزراعي بشقيه النباتي والحيواني (وهنا نشير إلى تقصير الجهات الحكومية ذات الصلة بذلك)، والاهتمام بالتوازي (أولاً وثانياً) بقطاع الصناعة التحويلية، ولاسيما منها ذات الأنشطة التي تنتج بدائل ما يتم استيراده وتلك التي تعتمد في إنتاجها على مستلزمات ومدخلات الإنتاج المحلية قدر الإمكان، مع توفير ما يلزم لها من بنى تحتية وأساسية وتسهيل وتشجيع جميع الأنشطة ذات الصلة مثل مشاريع الري والشحن والتمويل، وطبعاً قبل ذلك إجراءات وتكاليف استيراد مستلزمات الإنتاج وإجراءات تصدير المنتجات الجاهزة ونصف المصنعة.
خلق اقتصاد سوري أخضر
المطلوب من الحكومة السورية المنتظرة يتمثل في إلغاء أي تجربة فاشلة، والحث على زراعة معظم الأراضي الزراعية، والاهتمام بالصناعة الوطنية وتوفير بيئة مناسبة للاستثمارات، وأيضاً دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة وتحويل كل المشاريع والشركات إلى شركات مساهمة، وكذلك معالجة التهرب الضريبي وتطوير التعليم وربطه بسوق العمل، وخلق اقتصاد سوري أخضر متنوع وتطوير قطاع المصارف والتأمين، حسب رأي الأستاذ في كلية الاقتصاد بجامعة حماة الدكتور عبد الرحمن محمد.
آلية الانتقاء والاختيار
واعتبر الدكتور محمد، أن الحكومة المنتظرة تكون مختلفة عن سابقاتها بآلية الانتقاء والاختيار لها من لحظة تأسيسها، وبآلية عملها من خلال وجود مراقبة صارمة وجادة، ومن خلال وضع خطط تناسب الوضع الراهن وإمكانية النهوض به، وأن تعتمد في وضع سياساتها وخططها على فرق عمل مختصة أكاديمية ومهنية وفنية.
بعيداً عن الشخصنة
أما الآلية التي يجب أن تعمل بها الحكومة المنتظرة، فهي العمل بشفافية تامة وتكريس الثقة من جديد بينها وبين الشعب، والاعتماد على عمل مؤسساتي جماعي بعيداً عن الشخصنة، وأن يضع كل وزير خطة عمل مناسبة لوزارته وتحديد فترة زمنية لإنجازها، والأهم تحسين حياة المواطنين، بحسب ما أشار إليه الدكتور محمد.
تعزيز النمو الاقتصادي
ووفقاً لتوصيفه، فإنه يجب أن تكون أولويات الحكومة المنتظرة تتركز على تحسين الرواتب والأجور وحياة المواطنين، ووضع حلول جذرية لكل المشكلات وأيضاً التركيز على أن المواطن أولاً وأخيراً، وضمن المجال الاقتصادي يجب أن تعمل على تعزيز النمو الاقتصادي، والمساهمة في محاولة عودة رؤوس الأموال المهاجرة، والاعتماد على البدء بالإنتاج وتحسين رواتب ذوي الدخل المحدود، وفي النهاية توفير وإيجاد مناخ استثماري مناسب، وأن تكسب ثقة المواطن بها من خلال تطوير الأداء الحكومي واعتبار المواطن شريكاً أساسياً له حق الاهتمام والتقدير ورعاية مصالحه.
أما أهم القطاعات التي يجب أن تولي الحكومة المنتظرة اهتماماً بها فهي قطاعات الزراعة، الصناعة والتعليم، والاهتمام بقطاعي المصارف والتأمين، والتركيز والتنسيق مع المصرف المركزي بالسياسة النقدية لضبط أسعار الصرف، وفقاً للدكتور محمد.
مكافحة الفساد
بدوره، أكد الخبير السياسي وعضو مجلس الشعب سابقاً الأستاذ مهند الحاج علي لـ «الاقتصادية» أن الوضع المعيشي
الضاغط يعتبر من أولى اهتمامات الحكومة المنتظرة، وأمام الحكومة المنتظرة العديد من الأولويات التي تعتبر أساسيات في المرحلة القادمة، وهي الاستمرار في مكافحة الفساد من خلال البدء بسد ثغرات فساد التشريعات التي تسمح لبعض المتنفذين بالمرور منها وتحقيق أرباح من خلال الاستفادة من هذه الثغرات.
تفعيل نظام الفوترة
وأردف: ثانياً متابعة هيكلة الدعم وتبسيط الإجراءات، حيث إن تحويل الدعم من عيني إلى نقدي هو أولوية كبرى في المرحلة اللاحقة والأهم إيصاله لمستحقيه وفق آليات سهلة ومتاحة للجميع وخاصة كبار السن والجاهلين بالتكنولوجيا، كما أن موضوع ضبط الأسواق عامل مهم وحاسم في تحقيق أهداف تحويل الدعم من عيني لنقدي، لأنه من دون ضبط للأسعار لن يحقق الدعم الاستفادة المرجوة منه، ويجب البحث في آليات الأتمتة لضبط الأسعار والتحصيل الضريبي وتفعيل نظام الفوترة الحقيقي، لكي يحصل الجميع على حقه المواطن والحكومة، ويجب العمل على تبسيط الإجراءات بحيث يصبح المواطن يتعامل مع الحواسيب الآلية في التحصيل الضريبي وضبط الأسعار وإبعاد المواطن قدر الإمكان عن التعامل مع الموظفين الفاسدين حماية لحقوقه.
تذليل العقبات
واعتبر الحاج علي أن المرحلة القادمة مرحلة انفتاح على دول الجوار والدول العربية لذلك يجب تذليل كل العقبات أمام الفرص الاستثمارية القادمة، لتشجيع رؤوس الأموال العربية والأجنبية على القدوم والاستثمار في سورية، وهذا يخلق فرص عمل جديدة تريح قليلاً القطاع العام من الضغط الحاصل عليه.
رغم أننا نملك قانون استثمار جديداً وعصرياً، ولكنه يتعرض لهجمة قوية جداً من الأطراف المعادية لتخويف الاستثمارات من القدوم لسورية، لذلك يجب دعم هذا القانون بتوضيح إعلامي وشرح مفصل كبير في داخل سورية وخارجها وفي بعثاتنا الدبلوماسية، بحيث تكون نشطة في هذا المجال لشرح الحقيقة أمام المستثمرين الأجانب وتعريفهم بالفرص داخل سورية، بحسب الخبير الحاج علي.
أولوية
وبيّن الحاج علي أن تأمين حوامل الطاقة هو الأساس من كهرباء ونفط، ونحن نعلم طبيعة الحصار على سورية ومدى الضغط الذي تتعرض له اقتصادياً، ولكن الاهتمام بالمشاريع الصغيرة التي تحتاج إلى إمكانيات أقل وتشغل أكبر عدد ممكن من الشباب يعتبر أولوية لدى الحكومة، وترك المشاريع الإستراتيجية الكبرى للتشاركية، هذا يخفف الكثير من الأعباء على الحكومة الجديدة، وأيضاً زيادة كتلة الرواتب والأجور أصبحت أمراً ملحاً وضرورياً، لأن الفجوة بين الدخل والإنفاق أصبحت كبيرة جداً، وتؤدي إلى هروب الكثير من الخبرات والأيدي العاملة إلى خارج البلاد، لذلك لا بد من معالجة هذه الفجوة لتحسين الظروف المعيشية.