بوح الاقتصاد

الفساد ومسؤولو الثقة!!

| هني الحمدان

إنه لأمر يبدو طبيعياً، تزامناً مع إعفاء أي مسؤول أو مدير أو شخص بموقع قيادي ما، تبدأ ترشح الأخبار والتقارير حول ثمار سرقاته وألاعيبه، وماشابه ذلك، أي تصبح الأجواء مهيأة لتمرير وتبيان ما كان مخفياً، والبعض منها يأتي إجراء مراجعات رسمية لكل القيادات وأعمالها، وهي ضرورة لا شك، توضح على وجود أخطاء وسرقات!
بعيداً عن الطرق التي يتم حالات الخلل، فإنه ليس بذاك الاستكشاف الخطير، ولا يحتاج الفساد لوقائع، هو موجود، لكن إلى متى سنبقى نعاني من ويلاته وعرقلاته للاقتصاد؟!

الفساد هو العدو الأول للتحول الاقتصادي، هو عدو لدود للاستثمار، ويعرف بأنه استغلال السلطة العامة لأهداف ومكاسب شخصية. وبحسب اختلاف الدراسات، فإن الفساد في الحكومات ينحصر تقريباً في ثلاثة أنواع، فهو إما فساد عن طريق الرشوة، سواء كانت الرشوة مباشرة أن غير مباشرة، أو فساداً يتمثل في الاستيلاء على الممتلكات العامة، أو فساداً يكون على هيئة محاباة، أو بما يعرف بـ«الواسطة».

وللفساد بجميع أشكاله تأثيرات سلبية كبيرة في الاقتصاد ومعدل النمو. فوجود البيروقراطية من جهة، والمحاباة من جهة أخرى، يسبب كثيراً من التعطيل لإجراءات وتصاريح الاستثمارات، وفي كثير من الدول النامية، فإن هذه البيروقراطية تكون المغذي الرئيسي للرشى، وذلك لتسريع الإجراءات. وفي حال وجدت الرشى (وهي من أكبر مؤشرات قياس الفساد)، فإن تكلفة الاستثمار تزيد بشكل كبير، ما قد يضعف الجدوى الاقتصادية للاستثمار.

إن رؤوس الأموال قد تحجم عن الاستثمار في الدول ذات معدلات الفساد العالية. وعلى الرغم من أن الخطر مقبول في الاستثمارات بشكل عام، فإن الخطر الناتج عن الفساد لا يمكن التنبؤ بتأثيره، وقد يؤدي هذا الخطر لفشل الاستثمارات بشكل كلي. وبهذا التأثير السلبي للفساد على الاستثمارات، يؤثر الفساد بالتالي في النمو الاقتصادي، وتشير إحصائيات البنك الدولي إلى أن ضعف النمو الاقتصادي في كثير من دول أميركا الجنوبية يرتبط ارتباطاً وثيقاً بانتشار الفساد.
الفساد فساد، ولكن الصدمة عندما يمارسه الكبار الذين أتوا إلى كراسي المسؤولية من باب الأمانة والثقة، على عكس الصغار الذين ربما تسللوا بالفساد، وتقلدوا بعض المناصب، هنا تكون الصدمة قاسية، الصدمة هنا لا تتعلق بالتكسب غير المشروع والحصول على المال الحرام بقدر ما هي صدمة بخيانة الأمانة، فأصحاب المراتب العليا لا يترقون في وظائفهم عبر سلم وظيفي، بل يعينون ويمنحون رتبهم بقرار مهم، أي أنهم حازوا ثقة قيادة بلدهم، ولا شيء أعظم في الخدمة العامة من أن يخون المسؤول أمانة مسؤوليته أو يخذل ثقة من جاء به!

وإذا كان هناك من لم يستوعب الرسالة، فتلك مصيبة، لأن الرسالة باتت واضحة اليوم بأن زمن لصوصية المال العام قد انتهى، ويجب أن ينتهي، وأن لا أحد يملك حصانة من المحاسبة مهما بلغت رفعة مكانته أو درجة وظيفته، فكف اليد بالخفاء لم يعد على لائحة محاسبة سكان الطوابق العليا، بل محاسبة في العلن وعقوبة على الملأ.
وكنت دائماً أعجب من جرأة الإنسان على كسب المال الحرام، وخيانة الأمانة، فالفطرة الإنسانية السليمة تنفر من الغش والخداع والظلم، كما أن الإنسان السوي ينشأ على معايير أخلاقية عالية، ترخص فيها مكاسب الدنيا أمام عقوبات الدنيا والآخرة!

أذكّر جميع اللصوص بأن أحد أهم عناوين هذا الزمن مكافحة الفساد ومحاسبة الفاسدين قولاً وفعلاً، ومن لم يعتبر مما أعلن ويعلن، فلا يعميه سمعه وبصره عما عمي عنه ضميره وبصيرته.. فمن كان يخطب بمحاربة الفساد وأهمية الحفاظ على المال العام، كشفه نفاقه، وعرته سرقاته وفنون أكاذيبه اللصوصية!!
الفساد كالسرطان القاتل الذي يستنزف الإنفاق الحكومي، ويدمّر الاقتصاد، ويؤدي إلى رداءة المخرجات التنموية وإفشال برامجها المهمة. وهي أموال عامة كان من المفترض أن تعزِّز التنمية، وتوجه لتحسين معيشة المواطنين، إلا أنها ذهبت إلى حسابات الفاسدين.

إن التعافي بالنزاهة شعار يجب أن يتحول إلى إستراتيجية وطنية لتعزيز النزاهة وتحويلها إلى ثقافة مجتمعية، وهو أمر يفترض أن تشارك فيه جهات مختلفة وفي مقدمها وزارة التربية ونظيرتها التعليم، والأسرة، والإعلام، وكل المؤسسات والمجتمع.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى