سوق العمل.. اختلالات عميقة ومعالجات قاصرة..!! … معاون وزير الشؤون الاجتماعية: سوق مشوّه وفجوة كبيرة بين الاحتياجات والمخرجات !.. التشوهات دفعت لإنشاء المنصة ولتكون بوابة لسوق واعد
| غزل إبراهيم
«نحن آسفون، نتمنى لك التوفيق، لم يتم قبولك للعمل لدينا»..عبارة تتردد بشكل دائم لكل باحث عن فرصة للعمل في سورية بسبب الصعوبات الاقتصادية الكبيرة التي تعانيها البلاد ونسب البطالة المتزايدة في ظل التطور التكنولوجي الهائل وتغير اتجاهات وشروط ومتطلبات سوق العمل.
ولمواكبة هذه التطورات ومساعدة أصحاب العمل للحصول على المهارات المتوافرة من جهة والباحثين عن عمل من جهة أخرى، أطلقت وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي منصة معلومات سوق العمل بعد العديد من الإجراءات لتنظيم سوق العمل وامتصاص الأيدي العاملة.. لكن.!!
فجوة كبيرة
حول هذه المنصة المحدثة جديداً، وسماتها وآلية عملها تواصلت «الاقتصادية» مع معاون وزير الشؤون الاجتماعية والعمل أنس الدبش الذي أكد أن سوق العمل السوري مشوّه وهناك فجوة كبيرة بين احتياجاته ومخرجات مؤسسات التعليم والتدريب، إذ لا توجد معلومات كافية حول الفرص المتاحة لكون معظم الأنشطة الاقتصادية تندرج تحت ما يسمى اقتصاد الظل (القطاع غير المنظم)، مبيناً أن هذه المشكلات دفعت الوزارة للبحث عن صيغة لتنظيم السوق ورصد واقعه ومتغيراته من أجل التخطيط الصحيح له وتصحيح الاختلالات التي أصابته سابقاً وتراكمت وتفاقمت خلال فترة الحرب عن طريق إطلاق منصة معلومات سوق العمل.
معلومات صحيحة!
وأوضح الدبش أن المنصة عبارة عن نظام معلومات يمكّن أصحاب المصلحة (حكومة- أصحاب عمل- باحثين عن عمل) من الوصول إلى معلومات صحيحة وموثوقة في الوقت المناسب حول سوق العمل الوطني بجانبي العرض والطلب.
وعن أهمية المنصة بيّن الدبش أن الوزارة وانطلاقاً من دورها في رسم سياسات التشغيل والتدريب في سوق العمل، تعمل على بناء نظام معلومات «سوق عمل» ليكون بمنزلة أداة علمية منهجية تستخدم لتمكين الجهات ذات الصلة بالسوق من تحديد الاحتياجات الأساسية له ابتداءً من الخبرات والمهارات الأكثر طلباً إلى الأنشطة الاقتصادية الأكثر نمواً، موضحاً أن هناك الكثير من البيانات المتعلقة بمعلومات حول السوق لكنها غير كافية، إضافة إلى أنها غير مؤطرة ومستثمرة ولا توجد ضمن برمجية واحدة، لذا من الصعوبة معرفة خصائص سوق العمل ورصد متغيراته.
وأشار الدبش إلى أن المنصة تساعد على إعداد المعلومات والتحليلات الخاصة بالسوق وتحديد وفهم القضايا المتعلقة به ومراقبة أدائه وتطوره، إضافة إلى اتخاذ قرارات مبنية على الأدلة فيما يتعلق بالمهنة والتدريب والتعليم وخيارات الاستثمار الأخرى، ووضع السياسات والتدخلات المتعلقة بالعمل والعمالة القائمة على الأدلة ومراقبة تنفيذ سياسات سوق العمل وتقييمها من خلال رصد ومتابعة عدد من المؤشرات لتمكين أصحاب القرار من اتخاذ القرار المناسب ورسم سياسات التشغيل والتدريب أي التخطيط الأمثل للموارد البشرية.
التحديات التي تواجه بناء المنظومة
أما عن التحديات والمعوقات التي تعترض بناء المنصة فقد لفت معاون وزير الشؤون الاجتماعية والعمل إلى أن أبرزها يكمن في صعوبة جمع البيانات الواردة «بيانات العرض والطلب» من مصادر ومؤسسات مختلفة في نظام واحد، إضافة إلى حاجة المنصة لتجهيز البنية التحتية المناسبة للنفاذ إلى النظام واستخدامه لدى الجهات المستفيدة ولاسيما مؤسسات التعليم والتدريب، ما يتطلب توافر المهارات والقدرات البشرية والكفاءات والاختصاصات اللازمة للاستفادة من المعلومات كوسيلة لتحليل المعلومات.
بوابة لسوق العمل
وبالنسبة لأهم ميزات المشروع كشف الدبش أن المنصة ستكون بمنزلة بوابة لسوق العمل في سورية ومكان للمشاركة من خلال الحصول على معلومات وتوفيرها عن العرض والطلب على العمالة بشكل دقيق ومحدد، كما أنها ستساعد المخططين والمديرين وأرباب العمل والشباب وغيرهم من أصحاب المصلحة على اتخاذ قرارات أكثر استنارة حول سوق العمل وفهم طبيعة ومدى النقص في المهارات والفجوات في السوق وفي الدولة، ومن جانب آخر ستتيح المنصة لأرباب العمل الإعلان عن الوظائف وستفتح المجال أمام الباحثين عن عمل وخاصة الشباب لتقديم إرشادات حول كيفية البحث عن العمل المناسب بنجاح..
كما ستقدم المنصة حسب الدبش خدمة العثور على مدربين مناسبين وتتيح لهم أيضاً إمكانية الإعلان عن خدماتهم، موضحاً أن المنصة ستتولى في هذا السياق مهمة إنتاج معلومات موثوقة في الوقت المناسب عن سوق العمل للحكومة والمخططين وأصحاب المصلحة الآخرين، ومساعدتهم على اتخاذ قرارات مستنيرة واستثمار المهارات والتوظيف.
منصة متكاملة
وعن الشكل العام للمنصة كشف الدبش أنها تتكون من صفحة رئيسية landing page والتي تتضمن الترويسة والتقديم والعرض ويتفرع منها ست منصات فرعية مترابطة وهي:
1- منصة العمل: هي منصة الوظائف التي تجمع بين الأشخاص الذين يبحثون عن عمل وأصحاب العمل الذين يبحثون عن عمال لتوظيفهم.
2- منصة التوجيه المهني: تقدم المشورة المهنية ولاسيما للداخلين الجدد لسوق العمل أو الذين يتحضرون للدخول، مثل إعداد ملف سيرة ذاتية.
3- منصة التدريب: توفر معلومات حول فرص التدريب المتاحة والتي تعرضها مؤسسات التدريب المهني.
4- منصة البحوث: تمكن الباحثين والمؤلفين من تقديم المقالات ونشرها.
5- منصة المدونات: تستخدم في نشر التقارير والوثائق ذات الصلة بسوق العمل وتتضمن القوانين والتشريعات والاتفاقيات الدولية ذات الصلة.
6- منصة إحصائيات سوق العمل: تولد مؤشرات العمل بناء على البيانات المتاحة.
المنصة.. هل ستحل المعضلة..؟
من جانبه أوضح مدرب الموارد البشرية والمستشار الإداري سامر بيازيد أن وجود المنصة في سوق العمل السوري وبرعاية وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل مهم جداً لكن القطاع الخاص كان سبّاقاً في هذه الخطوة منذ ما يزيد على أربع سنوات «منصة فرصة مثالاً»، وتساءل بيازيد عن الجدوى الفعلية من هذه المنصات، وهل ستحل المعضلة الأساسية وهي انخفاض الرواتب والأجور؟
وأكد بيازيد أن هناك شكوكاً حول مصداقية وشفافية المنصة وهل ستبتعد عن المحسوبية والوساطة وخاصة أن هناك تجربة سابقة مشابهة لها وهي (التسجيل في مكتب العمل)، مستطرداً هل ستنال هذه التجربة ثقة الباحثين عن عمل وثقة الشركات الطالبة للوظائف؟ وهل سيتم التسويق لها بالشكل الصحيح؟ موضحاً أن الحكم على نجاح هذه التجربة المهمة مازال مبكراً قبل ظهور ومعرفة النتائج لكون المشكلة الأكبر تتعلق بضعف الرواتب والأجور وليس توافر فرص العمل.
واستغرب بيازيد من عدم دعوة القطاع الخاص للمشاركة والأخذ برأي المختصين فيه عند التجهيز والإعداد لهذه المنصة لتبادل ونقاش المشاكل والحلول والتحديات التي ستواجه هذا المشروع.
محسوبيات في سوق العمل!
ولفت بيازيد إلى أن سوق العمل في سورية تأثر كثيراً بالأزمة الاقتصادية التي تعصف بالبلاد والتي تسببت بنقص الفرص الوظيفية وارتفاع معدلات البطالة، الأمر الذي أبرز أهمية البحث عن فرص العمل المناسبة وتطوير مهارات جديدة لزيادة إمكانية الحصول على وظيفة في هذا السوق التنافسي.
وأشار بيازيد إلى أن أبرز العوامل التي تشل حركة السوق تتمثل في ضعف الحد الأدنى للرواتب والأجور واستغلال أصحاب العمل الحاجة المادية للناس إضافة إلى المحسوبية والوساطات بعمليات الاختيار وعدم وضع الشخص المناسب بالمكان المناسب الأمر الذي انعكس بشكل سلبي على سير العملية الإنتاجية والتطور في مختلف المجالات، وولّد مخاوف كبيرة لدى كفاءات البلد من عدم تقدير عملهم وخبراتهم.
واستطرد بيازيد قائلاً: إن هجرة العقول والكفاءات للبلاد العربية والأجنبية أثرت بشكل كبير أيضاً على سوق العمل، على الرغم من ضعف الرواتب هناك مقارنة بالرواتب الحقيقية التي من المفروض أن تكون عليه بسبب استغلال أصحاب العمل هناك لحاجة السوريين ومقارنة أجورهم بالرواتب داخل سورية، ناهيك عن عدم وجود خبرة فنية أو عملية بالمجال المطلوب أيضاً من الباحثين عن عمل لعدة أسباب منها ضعف المخرجات التعليمية وعدم توافر القدرة المالية عند الشباب من أجل عمل تدريب أو دورات بمجال الاختصاص.
نصائح لعمل مناسب!
وفيما يخص المقترحات والحلول لتنشيط السوق في سورية ومساعدة الشباب لإيجاد فرص عمل جيدة أكد بيازيد ضرورة استثمار أكبر وقت في التدريب وتطوير المهارات والتعليم المستمر لزيادة فرص الحصول على وظيفة مرموقة، و«هناك عدة طرق غير مكلفة نسبياً لتحقيق ذلك مثل الدورات المجانية المتوفرة عن طريق اليوتيوب أو بعض المنصات المعروفة»، إضافة إلى الاهتمام بما يدعى المهارات الناعمة (SOFT SKILLS) مثل مهارات التواصل الفعال، مهارات العمل الجماعي، مهارات اتخاذ القرار، مهارات التأثير والإقناع والمرونة والتكيف مع جو العمل.
كما لفت بيازيد إلى أهمية البحث عن فرص التدريب المهني لزيادة الخبرة العملية والتعود على جو العمل، والتطوع في المؤسسات الأهلية أيضاً لكسب الخبرة العملية وإعداد السيرة الذاتية (CV) بطريقة واقعيّة واحترافية لكونه الوسيلة الأولى للتعريف عن الشخص والتسويق لمهاراته وخبراته، إضافة إلى توسيع دائرة المعارف والعلاقات الاحترافية الحقيقية والافتراضية (عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي) لاكتساب فرص عمل جديدة، والاطلاع على المواقع الإلكترونية المتخصصة في نشر الوظائف وتقديم طلبات التوظيف، والاستعداد لمقابلات العمل بشكل جيد والتدرب على الأسئلة الشائعة والثقة بالنفس والاهتمام بالمظهر الخارجي.
وختم بيازيد بالقول إنه في كل محنة توجد فرصة وخاصة أن الشباب السوري يبدع بكافة المجالات في الخارج سواء العلمية أم الأكاديمية أو المهنية ويتفوق على الجميع، لكن علينا أن نتحلى بالصبر وألا نفقد الأمل.
مطالبة بالنزاهة والحياد!
وطرحت «الاقتصادية» سؤالاً حول المنصة وهل بالفعل ستجد حلاً لمشكلات سوق العمل السوري، حيث أكد حسين وهو طالب في كلية الهندسة المعلوماتية أن فكرة المنصة جاءت متأخرة كثيراً في ظل انتشار مواقع التواصل الاجتماعي ووجود منصات أخرى خاصة في سورية، مبيناً أنه يعمل كثيراً على تطوير خبراته ولغته لكنه لا يرغب في العمل حتى في القطاع الخاص السوري بسبب تدني الأجور مقارنة بالفرص التي سيحصل عليها عبر الإنترنت من الخارج.
أما أحمد (موظف لدى إحدى الدوائر الحكومية) فرأى بأن تنشيط المنصة يتطلب زيادة وتفعيل الإنتاجية حيث إنه كلما زادت المشاريع الاقتصادية زادت معها فرص العمل، متسائلا هل سيعرض القطاع العام شواغره الوظيفية على المنصة، وهل ستلقى استجابة لدى المعنيين ولدى الباحثين عن فرص العمل الذين باتوا يفضلون القطاع الخاص بسبب شح الدخل في القطاع العام؟
فيما أكدت ملك ضرورة المساعدة في تأمين فرص عمل لدى القطاع الخاص حتى يكون مسؤولاً أمام الجهات الرسمية لضمان حقوق موظفيه، إضافة إلى التعامل مع جميع المتقدمين عبر المنصة بشكل نزيه وعادل.
بقي القول: إن الحكومة كانت تؤكد في بياناتها الرسمية أن خطتها كل عام استقطاب وتوفير قرابة 60 ألف فرصة عمل، بوقت كان هناك أكثر من 200 ألف طلب للعمل، بمعنى أنه يدخل لحلبة طالبي العمل بين 200 ألف إلى 225 ألف طلب للعمل.. ولكن تغيرت المؤشرات خلال السنوات الأخيرة لجملة من الاختلالات، ودخول هجرة الشباب والكفاءات الموظفة حتى انقلبت الموازين، والحكومة لم تستطع بعد أن تعطي رقماً دقيقاً، حسب المتوافر من الطاقات الراغبة في سوق العمل، ولا حتى الخارجة من السوق.. وكل تجاربها وخطواتها تجاه تنظيم وهندسة سوق العمل كانت هشة وانتابها الكثير من السلبيات والمساوئ وخير دليل على ذلك مكاتب التشغيل..!
المأمول اليوم أن تكون منصة سوق العمل متكاملة وذات أهداف وتحقق كل الطموحات وتبتعد كلياً عن أي أخطاء وتجاوزات، فهو في ذلك طريق سليم ومفيد للمئات الحالمة بسوق عمل وعمل ناجح.!