العناوين الرئيسيةشؤون محلية

لماذا يستقيل الموظفون من القطاع العام بعد أن كان حلماً؟ … الاستقالات وسيلة الاحتجاج على ضعف الرواتب

| بارعة جمعة

الكثير منا قد يتعب من سنوات العمل الطويلة، ويتمنى تقديم أوراق استقالته في مرحلة عمرية معينة، لكن عدم الوصول للاستقلالية المادية قد يمنعنا من فعل ذلك، وإن كنت من هؤلاء فاستمع إلينا للنهاية.. فأنت لست الوحيد من فكرت بالتقاعد المبكر»، هو فحوى دراسة علمية أكدت أن أبناء جيل الألفية يسعون للتقاعد المبكر، لعلها لم تكن البداية في حديثنا عن واقع الخلل الإداري في مؤسسات، اتسمت بالجاذب الأول لموظفيها في فترات كثيرة، أمام التسرب الكبير اليوم في أعداد كبيرة من الموظفين من الوظيفة العامة، بشكل أثار حالة من الذعر بين الأوساط الإدارية والمجتمعية، تناولته وسائل التواصل الاجتماعي بطرق تحتمل الكثير من التأويلات، التي أجمعت في أغلبيتها على تدني الأجور مقابل الغلاء الكبير والمتواصل في مقومات المعيشة للمواطن، ناهيك عن الهجرة الكبيرة للكوادر البشرية خارج البلاد، نحو بيئات مشجعة أكثر من حيث العمل والتطوير، والنهوض بقطاعات بعيدة عن واقع العمل الحكومي، الذي عانى ما عاناه في سبيل ترميم العجز الحاصل وضعف الكفاءات وانتشار الفساد الإداري، العامل الأبرز بتراجع أدائه.

تشكل هذه الظاهرة تحدياً كبيراً لواقع العمالة السورية في قطاعات كثيرة، خدمية، صناعية، مصارف، وكل أنواع الأنشطة الاقتصادية، من خلال الازدياد المفاجئ بأعداد المتقاعدين على حساب عدد العاملين، الذي يقود بدوره لاختلال المعادلة التي تقوم على أن العاملين والاقتطاعات التي تستوفى منهم ومن صاحب العمل هي مصدر لتمويل رواتب المتقاعدين وفق مبدأ التأمين في سورية، لتبقى جميع الأرقام المعلنة سابقاً غير دقيقة أمام عدم الإفصاح عنها بشكل رسمي ومن مصدر حكومي.

محرك العمل

ينطلق مبدأ عمل المؤسسات الحكومية على تحقيق الأهداف ضمن سياسات معينة تقوم بشكل رئيس على المحرك والرافع الأول لها وهم الموظفون، رأس المال البشري لأي مؤسسة، من هنا اتسم موضوع الاستقالة بأهمية كبرى لكونه من أهم المواضيع الواجب التركيز عليها لجملة من الأسباب، أهمها فقدان إحدى الركائز الخاصة بالمؤسسات، إثر النزيف المتواصل عبر استقالة العاملين وهي حالة تستوجب التعامل معها بأهمية بالغة وبأسرع وقت ممكن وفق رؤية خبير إدارة المخاطر الدكتور ماهر سنجر، الذي عرض ضمن حديثه مع «الاقتصادية» الموضوع ضمن بوابتين، الأولى على المدى القصير والثانية على المدى الإستراتيجي البعيد، لكون اعتباره هذا التسرب نزيفاً آنياً أو طويل الأجل، يرتكز لجملة من العوامل أهمها مكانة القطاع ومكانة المؤسسة ضمن الاقتصاد الوطني وتأثيرهما في رفد الناتج المحلي الإجمالي للدولة، إضافة إلى موسمية العمليات في هذه المؤسسات ومتطلبات استقرار العملية الإنتاجية برأي سنجر.

والغريب اليوم هو حالة التركيز في الاستقالات، بمعنى أن تكون الاستقالات من منصب معين أكثر من باقي المناصب، أو أن تكون الاستقالات مرتبطة بمؤسسة أكثر من غيرها أو بقطاع صناعي أو مالي أو خدمي على وجه التحديد وفق رؤية سنجر، عارضاً نسبة المستقيلين إلى عدد العاملين المستمرين في العمل ونسبته إلى عدد الملتحقين الجدد بالوظائف، بوصفه دوراً بالغ الأهمية في تصنيف نزيف رأس المال البشري، حيث أن فقدان المهارات والخبرات وقابلية التعويض عنهم وسرعة تنفيذ حالة الإحلال بدلاً عنهم من دون تكبد المزيد من التكاليف والخسائر بكل أشكالها المعنوية والمادية والاجتماعية، كلها عوامل لا يمكن إغفالها أبداً برأيه.

آثار اقتصادية للتسرب

تشكل مسألة مواجهة الضائقة بالبحث عن اتجاهات ومسارب استثمارية لتعويض العجز الحاصل في الجانب الاقتصادي مطلباُ لدى الإدارات كافة، وإذا ما نظرنا للموضوع من زاوية الاقتصاد، فسنجد حتماً خسائر كبيرة ضمن مؤسسات تعليمية وخدمية فقدت الكثير من كوادرها أمام تراجع القدرة على الاستهلاك وضعف الدخل، وتالياً تراجع الإنتاج، ما يُحمل الحكومة أعباءً كبيرة في تهيئة جيل جديد وبالخبرة نفسها، ومن وجهة نظر إدارة المخاطر لا يمكن الوقوف فقط على أسباب الاستقالة برأي الخبير سنجر، بل يجب الوقوف على آثارها المالية والاجتماعية والاقتصادية ومخاطر السمعة وأسبابها في أن واحد، فالاختلاف كبير بين شخص مستقيل من قمة الهرم التنظيمي للمؤسسة وبين مستقيل من مكان آخر من الهيكل التنظيمي، ولكل واحد منهما آثاره، على الرغم من أهمية الإثنين بأن معاً، كما أن الاختلاف كبير بين الاستقالة من مؤسسة ذات طابع إستراتيجي وبين الاستقالات من مؤسسات لا تحمل الأهمية الإستراتيجية نفسها، على الرغم من الدور الإيجابي والمؤثر لكل مؤسسة منها.

بالطبع، هناك ظروف اقتصادية عامة عادةً ما تؤثر في معدل وسرعة وكم الاستقالات، كما هو الحال في الارتفاع السريع في معدل التضخم الذي يلتهم الرواتب أو حالة عدم الأمان الوظيفي نتيجة للظروف القاهرة في محافظة ما أو مكان ما، حيث أن الظروف الاقتصادية غير الملائمة المحيطة بالمؤسسة التي واجهت الاستقالات منها تفاقم آثار الاستقالة برأي سنجر، إضافة إلى بيئة العمل نفسها.

حق شرعي

من حقوق الموظف أيضاً أنها واردة في القانون الأساسي للعاملين بالدولة، والسؤال اليوم ليس حول شرعية الفعل أم لا، بل عن مسببات الفعل ذاته وفق حديث الاستشاري والخبير في الإدارة والتدريب الدكتور عبد الرحمن تيشوري مع «الاقتصادية»، عازياً الأمر بالدرجة الأولى لضعف الدخل والاتجاه لتحسينه دائماً، متسائلاً لماذا يغادر السوريون البلاد؟

يبدو أن الإجابة باتت واضحة وتعود لإطالة أمد الحلول، ومن ثم عدم وجودها، لذا يغدو توصيف المشكلة الإدارية ومعرفة المشكلات بتقدير تيشوري هي نقطة الانطلاق لحل المشكلات التي تعانيها الوظيفة العامة.

هنا تبرز لدينا ثلاثة مستويات من الموارد البشرية لدى كل وزارة ومؤسسة، إدارة عُليا المسؤولة عن صنع القرار، والوسطى، والصغرى أي الوحدات العاملة والإدارة أونلاين أي المباشرة، وفي العودة للحديث عن الإدارة الوسطى التي تقع على عاتقها مشكلة الاستقالات، لكونها المسؤول الأول، لأنه يقع على عاتقها تفسير القرارات التي تصدرها السلطة التشريعية والحكومة والإدارة العليا وفق توصيف تيشوري، كما أن مهمتها اليوم التنفيذ.

وفي العودة لأصل المشكلة، نجد أن لدينا معهدين للإدارة، إلا أن قرابة الـ600 خريج من المعهد الوطني للإدارة العامة مهملون وفي حالة إقصاء، كما أن الوظائف هامشية، ما يدل على أن طريقتنا في معالجة المشكلات لا تستند لإدارة الأزمات، بل تقوم على ردود أفعال إلى جانب عدم وجود إدارات ترغب بالتطوير.

عدوى الاستقالات

تختلف حدة التسرب الوظيفي بين مؤسسة وأخرى، كما قد تأخذ الاستقالات شكل الموجات أيضاً، حيث يمكن للجميع ملاحظة كمية المستقيلين والعدوى بين المؤسسات من ناحية اتباع مبدأ الاستقالة كبوابة لتحقيق منافع أكبر في مكان آخر أو في عمل آخر، وقد تكون التغيرات الاقتصادية هي المؤثرة في ذلك وفق قراءة الخبير سنجر لواقع المؤسسات، كما في حالة الانتقال المفاجئ وغير التدريجي لإحلال الذكاء الاصطناعي بديلاً عن العمال.

ويضيف الخبير سنجر شارحاً أسلوب التعامل مع المشكلة قائلاً: «في حال النظر للحلول وإستراتيجيات التعامل مع مشكلة الاستقالات، يجب النظر على مستوى الأسباب والأثر بأن معاً، بمعنى آخر على مستوى آني ومرحلي ومستوى إستراتيجي، حيث لا يمكن لنا وضع الحلول من دون العودة لمراجعة بيئة العمل الخاصة والعامة في وقت واحد»، مطالباً النظر ببناء مخزون من الخبراء، بناء على تصنيفات عامة وخاصة لكل مؤسسة، فمن غير السليم برأيه النظر إلى المؤسسة والعاملين فيها على أنهما طرفان، بل الصحيح هو التعامل على أنهما فريق واحد لتحقيق الأهداف المشتركة، فاتباع المنهجيات التي تحقق التوازن بين العاملين والمؤسسات ستقدم حلولاً مرضية نوعاً ما للطرفين، وتحسن من بيئة العمل وتجنب المؤسسات حالات انقطاع الأعمال الناتجة عن الدوران الوظيفي المرتفع.

مفهوم إدارة المخاطر في المؤسسات

التشخيص في مفهوم إدارة الأزمات هو بداية المرحلة للعلاج، لذا من الضروري اليوم الإسراع في تطبيق مفهوم إدارة المخاطر واستمرارية الأعمال في المؤسسات الحكومية وغير الحكومية كافة، ومن ثم الاهتمام بمفهوم رفع المنحنى التعليمي للعاملين، من خلال تفعيل عملية التدريب للجميع، لتجنب حالات عدم العدالة الوظيفية والاستفادة الشخصية من أشخاص معينين، وليس انتهاء بالنظر بتعديل القوانين الناظمة لساعات العمل، بغاية تقليل الفجوة بين المتطلبات الاجتماعية وحجم الراتب الممنوح للموظف وفق اقتراحات خبير إدارة المخاطر الدكتور ماهر سنجر، إضافة إلى النظر بحوكمة المؤسسات بموجب منهجيات الحوكمة التي تعتبر العامل شريكاً بالتفاصيل كافة، وتعتبر مديري هذه المؤسسات مسؤولين عن نجاح ومتابعة أعمالها، ويقيمون وفقاً لمؤشرات محددة ووفقاً لنتائج هذه المؤسسات وحجم المعوقات التي تواجهها، كموضوع العدد المرتفع للاستقالات والنظر بإعادة دراسة القوانين، بحيث يسمح بتخفيض ساعات أو أيام العمل وفقاً لظروف المؤسسات والظروف الاقتصادية العامة. قد يكون موضوع منح مزايا غير مباشرة للعامل أحد الحلول السريعة لحين تطبيق الحلول طويلة الأجل ومن هذه الحلول بدلات ثابتة مضافة للراتب غير خاضعة للضريبة، ولو أخذت صفة التكرار، وبدلات موسمية كبدلات المدارس وتطبيق نظام الحوافز الذي صدر، ورفع قيم التأمين الصحي الممنوح، وتوسيع التغطية التأمينية للعاملين، وزيادة معدلات وموازنة التدريب للعاملين وإعداد خطط الإحلال لكل مؤسسة.

معالجة المشكلات الإدارية

«أدعو لحماية القطاع العام وتحسين أدائه، برفع الرواتب ومحاسبة الفاسدين»، من هنا انطلق الخبير في الإدارة العامة عبد الرحمن تيشوري في علاج المسألة، التي بات يعرفها الجميع، داعياً الجميع إلى التزام مبدأ تعيين الإدارات ضمن مؤشرات الكفاءات والمؤهلات وعدم اعتبارها مناقصة أو امتيازاً ومكاسب وتعهدات، كما أن الجميع يؤكد أن الإدارة هي السبب الرئيس وراء نجاح أي مؤسسة، مهما كان نوعها، اقتصادية، اجتماعية، تعليمية، خدمية.

مشروع الإصلاح الذي أطلقه السيد الرئيس بشار الأسد لم يُترجم بشكل صحيح على أرض الواقع، ما جعلنا ندور ضمن حلقة مفرغة برأي تيشوري، داعياً لرفع الوصاية الأمنية والحزبية عند تعيين الإدارات وتسمية المدير، فالإدارة كفاءة، ومسألة تعيين المديرين يجب أن تراعي دور الإعلام ومحاربة الفساد، والأخذ بها مع بعضها، كما أن التوجه لزيادة رواتب مليوني موظف لن يكون أمراً ممكناً، لكن باستطاعتنا زيادة الراتب لـ5000 مدير هو أمر وارد.

منذ عام 2014 نعمل على تعديل قانون، وحتى اليوم لم يتم إقراره، هل من الطبيعي أن يستغرق 10 سنوات لإقراره؟ يتساءل تيشوري، ما السبب وراء التأخير بمشروع الإصلاح الإداري؟!، علينا تحديد هيئة عليا للإصلاح مرتبطة بالسيد الرئيس أولاً، أشخاصها يمتلكون الكفاءة، وهم من حملة الشهادة العليا للإدارة والمعهد العالي للقضاء، يشخصون بشكل دقيق ويقدمون العلاج والدواء للسيد الرئيس مباشرة وللمؤسسة التشريعية التي يجب عليها تعديل التشريعات.

ترميم المؤسسات

في هذه النقطة تحديداً علينا تأكيد ضرورة تفعيل دور تكاملي بين الجهات المعنية كافة بهذا الأمر برأي الخبير الإداري د. عبد الرحمن تيشوري، من بينها هيئة الرقابة والتفتيش، الرقابة المالية، الرقابة الشعبية، ودور الإعلام، إلى جانب المزيد من التشريعات المحكمة، شرط أن تكون الجهات الرسمية جادة وأمينة لمكافحة الفساد، وهي باتت معروفة، ولها شركاء أيضاً، وما نحتاجه هو الإرادة والقرار والسرعة بالتنفيذ، وهو أمر ممكن.

نعم، يتصدر قانون هيئة مكافحة الفساد والإصلاح الإداري مسألة الحفاظ على الكوادر الأمينة النزيهة، والحفاظ عليها ومنحها رواتب مجزية، إضافة إلى تعيين الشخص المناسب بالمكان المناسب، إلا أنه وحتى اليوم لا نملك رؤية متكاملة لكل المؤسسات والجهات العامة للحفاظ على القطاع العام، إنما الحقيقة الثابتة هي أن الشرفاء بسورية ما زالوا أكثر من الفاسدين برأي د. تيشوري، ويجب إصدار قائمة بالفاسدين ووضع محاكم وقضاة متخصصة بالفساد للوصول إلى نتيجة إيجابية، كما أن الاستقالة قد تكون طوعية أو قسرية نتيجة قضايا فساد وتجاوزات، كما يجب عدم تشميل أي قرار عفو صدر أو قد يصدر لاحقاً قضايا الفساد، ويجب على المشرع والحكومة الجديدة فتح ملفات مكافحة الفساد التي لا تسقط بالتقادم، كما يجب على أي آلية مكافحة فساد أن تشمل سنوات سابقة، فالفساد لدى ملفات الحبوب والمطاحن ووزارة التربية كبير، وهو من عهد وزير التربية هزوان الوز وفق تقديرات د. تيشوري والبالغة 180 مليار ليرة في التربية آنذاك، هذه المليارات يجب إعادتها للخزينة العامة للدولة، فهي أرقام خيالية ويجب فتح كل الملفات التي ما زالت مؤجلة، ويجب النظر إليها بعقول وعيون جديدة للمحافظة على سورية، فالقطاع العام بات طارداً للكفاءات، كما أن إصلاح القطاع العام ومنع انهياره والحفاظ عليه، يحتاج أفعالاً لا أقوالاً وإجراءات فاعلة وسريعة، ويجب زيادة الإنفاق الاستثماري الإنتاجي، وخاصة في الميدانين الصحي والتعليمي.

تقييم التجارب السابقة

في المحصلة، نجد أن الجميع لديه قناعة تامة بأن الفساد يقيم معنا صيفاً شتاءً وينعم بالأمان وحرية التوسع والانتشار، كما أنه قادر على النمو وفق توصيف د. تيشوري، الذي دعا إلى إعادة تقييم تجربة المعهد العالي للإصلاح الإداري، بسبب القضاء عليها بفضل الحكومات المتعاقبة، متسائلاً: لماذا لم نحقق -نحن كسوريين- نتائج إيجابية بهذا الملف؟

مقدماً اقتراحاته بتطبيق العلانية والشفافية ومنح سلطة الإعلام الحضور بكل مؤسسة ووزارة وجهة، وفتح باب الشكاوى المتعلقة بالفساد، وأن يكون الجميع تحت سقف القانون، أي إتاحة المعرفة للجميع عن مصادر أموال المسؤولين، فالجميع قادر ونستطيع محاربة الفساد، لكن ما نحتاجه هو آلية وميكانيزم والسرعة والتعاون للوصول لنتيجة تحافظ على القطاع العام، ليستطيع بدوره الاحتفاظ بكوادره النزيهة، لكون مكافحة الفساد واجبة بكل الأزمنة والمؤسسات، عن طريق إبعاد الإدارات التي فقدت الثقة من الشعب، واستبدالها بأخرى كفؤة نزيهة حريصة على المال العام للوصول للمواقع الإدارية بالإدارات الخدمية والإنتاجية، وعدم إبقاء الساحة مفتوحة لأصحاب الولاءات الشخصية، وإصلاح القضاء والأجهزة الرقابية والعمل الجاد على استثمار البحوث العلمية للشباب السوري، وزيادة الرواتب للاحتفاظ بالكوادر المتبقية، حتى لا نصل إلى حالة الإفلاس الإداري.

يعود الخبير الاستشاري في الإدارة العامة د. عبد الرحمن تيشوري، لتأكيد أن موضوع الأجور والحوافز والرواتب هي مسألة وطنية وضرورة اجتماعية واقتصادية وأخلاقية، وعلى الحكومة والبرلمان الجديدين عدم التأخر بها في إطار رسم سياسة جديدة للأجور بسورية، هي مسالة ترقى لمرتبة الأمن القومي، فاليوم يجب إلا يقل راتب أي موظف عن مليونين ليرة، حتى لو تم ذلك بالاقتراض من الأصدقاء أو من الوفر بالدعم وتحويلها للرواتب لتعود المؤسسات للعمل.

غياب الإحصائيات

لا شك أن معرفة أسباب التسرب أهم من الرقم ذاته في حال أردنا الإصلاح، من هنا انطلق عميد المعهد العالي للدراسات السكانية جمعة حجازي في توصيفه للواقع، مبيناً خسارة القطاع العام لميزاته التي كانت تشكل عامل جذب للموظفين، مثل تدني الأجور، بالمقابل تفوق القطاع الخاص، ما أدى للانسحاب والتسرب الوظيفي منه.

فالأرقام تحتاج إلى مسوحات خاصة، وفي حال أردنا معرفة الحصيلة من الممكن تقديرها كنسبة من الفرق بين أعداد موظفي القطاع العام بين عام وآخر برأي د. حجازي، مع الأخذ بعين الاعتبار أعداد المتقاعدين والإجازات وغيرهم من الحالات الأخرى.

هنا تطالعنا مشكلة الموارد البشرية، التي تعاني اليوم عدم وجود قاعدة بيانات مرنة وشفافة لمعرفة توزع الموظفين والتركيب النوعي والقطاعي وحسب الجنس، وإغفال دورها المهم في رسم سياسات تناسب سوق العمل السوري.

هنا يؤكد حجازي ضرورة الوصول إلى إستراتيجية واضحة عن التشغيل في سورية، لكونها غائبة، ومن خلالها نستطيع معرفة خصائص السوق وعيوبه ومزاياه والعلاقة بين العرض والطلب، وبالتالي معرفة أي القطاعات والاختصاصات الأكثر جاذبية، ومن ثم رصد المهارات وتنسيقها، لذا علينا تفعيل مرصد سوق العمل، لنعلم الاتجاهات والسياق والمسارات التي يريدها السوق، ومن ثم فهم مزاياه أيضاً.

وفي إشارة منه إلى حجم العاملين بالقطاع العام، بين عميد المعهد العالي للدراسات السكانية جمعة حجازي أن نسبة 25 بالمئة من العاملين هم بالقطاع العام، يتمتعون بأنظمة حماية أكثر من الخاص، مثل التأمين الصحي والسلامة المهنية والمزايا الوظيفية، والباقي أي 75 بالمئة من العاملين بالقطاع الخاص، لكن معظمهم ضمن شقه غير المنظم، بمعدل ثلثي العاملين به، لا نعلم مشكلاتهم، لذا يجب معرفتها لضمان الوصول إلى الإنتاجية المطلوبة.

قديمة ومتجددة

حالة التسرب الوظيفي والتقاعد المبكر باتت من الظواهر الأكثر انتشاراً في البلاد، ومهما تعددت الأسباب، ما زلنا نبحث عن الحلول الناجعة لإيقافها وردم الهوة الكبيرة بين القطاعات المنتجة والخدمية على حد سواء، ممن لم تخف خسائرها الكبيرة نتيجة هذا التطور بمسار الانسحاب المبكر من الوظيفة العامة، حيث شهد العام الفائت (2023) أرقاماً ومؤشرات لم تكن مبشرة نوعاً ما، من حيث تراجع أعداد العمالة، الذي سيرخي بظلاله سلباً في المستقبل، أي في مرحلة التعافي وإعادة الإعمار»، عدا الخطر الثالث المتمثل بغلبة المسنين على عمالة القطاع العام، ممن هم فوق الخمسين عاماً، والتي شكلت نسبتهم عام 2023 30 بالمئة من مجموع العمالة، تعبوا وتكلسوا وتراجعت إنتاجيتهم، ولم يعودوا يتقبلون التأهيل أو تعلم التقنيّات والتجديد.

كل ذلك قاد لإطلاق التحذيرات من خطر تفريغ القطاع العام من عمالته، في حال تواصل تقديم موظفي القطاع العام استقالاتهم أو طلبات تقاعد حسب سنوات الخدمة، وليس العمر الوظيفي، والتي بدت واضحة عام 2023 نتيجة تسرب نحو 400 عامل من المؤسسات الخدمية في السويداء عن طريق الاستقالات أو التقاعد.

بقي أن نشير إلى أن أبرز أزمة حصلت نتيجة التسرب من العمل في القطاع الصحي الحكومي، هي خسارة أكثر من 30 بالمئة من أطباء التخدير، حيث يضطر بعض المشافي إلى تأجيل العمليات الجراحية لعدم وجود طبيب تخدير، والسبب تدني أجور أطباء التخدير التي تتراوح بين 150 و200 ألف شهرياً، ما أدى إلى هجرة المختصين إلى خارج البلاد أو إلى القطاع الخاص، مع العزوف عن دراسة هذا الاختصاص.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى