حكومة جديدة.. وآمال السوريين
| هني الحمدان
الجميع بحالة متابعة وتساؤل وربما طرح تكهنات حول ما الشخصية التي ستشكل الحكومة الجديدة، الأغلبية يتابعون الأجواء الغامضة والأخبار السرية والمسربة والتكهنات عن تلك الشخصية التي ستكون رئيس الحكومة الجديد، وبكل شغف واهتمام، ومن سيكون؟ سباق الأخبار مملوء بالأسماء المرشحة لخلافة المهندس عرنوس بحال لم يكلف هو..
وزراء حاليون لا يرغبون في مغادرة مواقعهم، واستبدال وزاراتهم بأخرى أهم وأفضل، ومستزورون يبحثون عن ملاذات ليقرعوا أبواب ومسامع الأسماء المرشحة والمتداولة لتشكيل الحكومة، ومنهم من فضل عدم الظهور لحين معرفة مآلات التشكيل، وما حظوظه في هذا الامتحان الصعب!
وكالعادة مع قرب هذا الاستحقاق بتشكيل أي حكومة في سورية، يرفع السوريون من سقف تطلعاتهم نحو الغد الآتي، وما ستحمله الشخصيات الجديدة من خطط وبرامج علها تسهم في معالجة بعض الملفات العالقة منذ سنوات، وزاد بعضها ثقلاً على كاهل المواطن، ومن أهمها الوضع الاقتصادي وخاصة المعيشي الصعب!
ترى الأغلبية أن خلاص بعض مشاكلهم مرهون بمجيء حكومة جديدة، وينظرون لحالة تغيير الأشخاص طريقاً لمواجهة ملفات كبيرة تنتظر الحكومة المنتظرة ولادتها، والتي لها تماس مباشر بمعيشة السوريين… فلا مجال للغوص في تفاصيل تلك الملفات، إلا أن الوضع المعيشي للمواطن هو الشغل الشاغل عند الجميع، بعد موجات التضخم والغلاء وعدم السيطرة الكلية على مفرزات الغلاء الكبير أمام ضعف القوة الشرائية لقلة مستوى الدخول، والملف الأكثر حداثة هو موضوع الدعم وكيفية هندسته وإيصاله كما يجب وبكل أريحية للمواطن، ومسائل أخرى محل انتظار وترقب وتساؤل من جانب المواطن.. حول مفرزات الحرب بشأن هجرة الكفاءات والشباب وتسجيل مستويات تنذر بمخاطر.. ولعل موضوع محاربة الفساد والترهل الحاصل في عمل الإدارات الرسمية لهو أمر شائك ويحتاج إلى خطوات أكثر حدة، لوقف هذا النزيف المتواصل..!!
وبعيداً عن ترقبات المواطن اليوم، حول الأشخاص وما البرامج المرتقبة.. وما شكل الاقتصاد الذي يجب أن يكون..! كلها مسائل مرتهنة ومن الصعب توقع النجاح الكامل للمهام والبرامج، نظراً لطبيعة الظروف والمرحلة، وهذا يلزمه عمل وإنتاج بإخلاص ونزاهة وتخفيف كل مسارب السرقات والالتزام بوسائل تأدية ودفع الضرائب وعدم التهرب من أي ضريبة لمصلحة الخزينة..!
واقعنا اليوم لا يحتاج فقط إلى كفاءات، إنما لرسم إستراتيجيات ووضع أساسات شفافة تستشرف المستقبل أيضاً، فالدول تتسابق لوضع مسارات عمل لاستشراف المستقبل، وذلك لأمر من الضرورات الملحة في وقتنا الحالي، ولاسيما أن التغيرات التي تحدث يوماً بعد يوم هي متسارعة ومتنامية، وذلك يساعد الجهات على توقع الفرص والتوجهات والتحديات والتداعيات المستقبلية، وتحليل آثارها، ووضع الحلول المبتكرة لها وتوفير البدائل عنها، الأمر الذي يساعد في نهايته على التخطيط الإستراتيجي السليم، الذي يسهم بدوره في توجيه السياسات وتحديد الأولويات بالشكل الأمثل ويساعد على وضع الخطط المستقبلية.
فالحكومة، أي حكومة كانت، عليها أن تضع بحساباتها وأولوياتها تنفيذ عملية منهجية تشاركية تقوم على جمع المعلومات المستقبلية ووضع رؤى متوسطة وطويلة الأجل، تهدف إلى اتخاذ قرارات قابلة للتنفيذ في الوقت الحاضر، حسب كل مشكلة أو أزمة…. تعرف ومن ضمن حساباتها ما وكيف نحافظ على مستقبل رأس المال البشري والشباب ومستقبل التكنولوجيا والأنظمة الذكية ومستقبل الاستدامة والبيئة وتغير المناخ ومستقبل البنية التحتية والمواصلات ومستقبل الصحة والتعليم، ومستقبل التنمية المستدامة وجودة الحياة ومستقبل الطاقة ومستقبل الاقتصاد والأمن الاقتصادي والتجاري ومستقبل الموارد المالية ومستقبل الأمن المائي والغذائي، وغيرها من المسائل الجوهرية.
سورية يلزمها عمل حكومي كبير تقوده شخصيات ذات كفاءة وخبرة وسياسات مرنة جدية.. والحقيقة التي يجب أن نقتنع بها، أننا بحاجة أولاً إلى ثورة إدارية شاملة، وأن تتخلص من كل رواسب الوهن الإداري، وأن تحقق العمل الإداري بقيم مدنية حديثة كالعدل والنزاهة والشفافية، وبتر كل صور الفساد. وثانياً: ثورة تواصلية تعيد هندسة العلاقة بين الحكومة والمجتمع، بحيث يشعر المواطن بأن عين الحكومة عليه وعلى مشاكله وحاجاته، وتشعر الحكومة بأن المواطن يدرك ويعي مدى ما تبذله من جهد من أجل الاستجابة لحاجاته والعمل على حفظ كرامته.. عندها سيقول المواطن ها هي الحكومة.