«خريطة طريق» للاقتصاد السوري
| هني الحمدان
أي اقتصاد بعيد عن التجديد سيضعف وتتراجع مؤشرات نموه في نهاية المطاف، مهما كانت مقوماته وروافده قائمة، فالتجديد صفة ملازمة ويجب أن يكون بهدف ازدهار الإنسان، فتبني بوصلة جديدة للفكر الاقتصادي يستلزم تكوين رؤى أكثر شمولاً لأنواع النشاط الاقتصادي، التي توفر احتياجات الناس الضرورية وتلبي مطالبهم.
اليوم هناك سياسات اقتصادية ومالية وتوجهات لإجراء تغيرات على جلّ القطاعات الإنتاجية والخدمية، وليس الاقتصادية فقط، وأفصحت الحكومة عن بعض عناوينها، أساسها سياسة اقتصادية للمرحلة المقبلة على المستويين الكلي والقطاعي، ومحددات التنمية الاقتصادية والاستثمار الأمثل للمقدرات الوطنية وأولويات التعاطي في القطاعات المالية والنقدية، والاستثمار والإنتاج والتنمية، إضافة إلى توجهات غنية في مضامينها وسعة أهدافها.
بعد حجم التحديات والأعباء، تأتي بلورة مسارات عمل مختلفة عن تلك المعهودة لتلبي واقعاً بات صعبا جداً، ولابد من تصويب الاعوجاجات وتصحيح طريق الاقتصاد لكي يعطي عوائد ويصل إلى مستويات إيجابية. المرحلة تنشد اقتصاداً بميزات ومشجعات تتوافق مع تغيرات الحياة وظروفها، نريد اقتصاداً قائماً على التنافسية وتحقيق قيم مضافة بإنتاجية عالية، لقد خسرنا كثيراً بسبب تأخر الإصلاحات، وإن تأخرنا أكثر سيعزز ذلك من حالة الجمود، ما سيزيد الأمور تعقيداً ويزيد الكلف المترتبة على الإصلاحات ذاتها، أو ربما على إصلاحات أقل طموحاً في المستقبل.
صحيح لا يوجد إصلاح بالمجان، هناك معوقات مقصودة قد تكون، وغير ذلك، وربما تجابه بمقاومة التغيير، لكن المهم هو كسر حالة الجمود وعدم التراجع عن المضي قدماً ببرامج الإصلاح المنشودة، فالمفردات التي تحدثت عنها الحكومة وفق سياسة التصويب المنتظرة: تحفيز النمو الاقتصادي وتحقيق استقرار مستوى الأسعار وتعزيز الاستثمار والإنتاج وتنمية الصادرات وتقليل فاتورة الاستيراد وتحسين مستوى معيشة المواطنين، والتركيز على القطاعات التي تحقق القيم المضافة، وغيرها من الأهداف الأخرى على صعد عدة، توحي بنهج جديد بدأت ملامحه بالتشكل، ما يهيئ منظومة عمل جديدة بأساليب وطرائق من نوع آخر.
فحرص الدولة كان كبيراً على تحقيق التنمية الشاملة للمجتمع، والارتقاء بمكانة الاقتصاد وما سيعكسه على واقع المواطن بعد اعتماد سياسات جديدة، كل ذلك كان بالتوازي مع سن وإصدار واعتماد الأنظمة والقوانين واللوائح الضامنة لعمل مؤسسات الدولة وفق آلية عمل تكاملية تمكنها من تحقيق الأهداف المتنوعة التي ستعتمدها وتنفذها الحكومة بخططها التنموية والإستراتيجية المتمثلة بالتحول، من أجل الوصول إلى تحقيق المنفعة العامة والمصلحة العليا للمواطن والمجتمع والدولة.
إن أول خطوة من خطوات النجاح والبِناء والتنمية والازدهار تبدأ بوضع برامج اقتصادية ومسارات عمل سليمة ومرنة أساسها العمل والإنتاجية، وتحقيق رغبات وطموحات المواطن بأيسر الطرق وأسرعها، وخطة التحولات وعمل الخريطة الجديدة تفرض معاقبة كل من يتجاوز الأنظمة والقوانين، وكل من يسعى لخدمة مصلحته الخاصة على حساب المصلحة العامة، وكل من حنث بالقسم وخان الأمانة التي كلفته بها الدولة، فإما أن تكون تقدماً وتنميةً وازدهاراً ناتجاً عن الالتزام بالأنظمة والقوانين، والعمل بإخلاص وتهيئة الكوادر الإدارية المهنية، وإما انحطاطاً وتخلفاً وتراجعاً واعتماداً على ما يصل من توريدات الخارج!!
لم يعد غائباً على أحد منا ما يواجهه اقتصادنا ومجتمعنا من تشوهات تنموية راهنة، تحولت إلى تحديات جسيمة أعاقت تقدم التنمية الشاملة، بدءاً من ارتفاع معدلات البطالة، وتفاقم أزمة الإسكان، وتعثر تنفيذ المشروعات التنموية، وتلوث كثير من الأعمال برزايا الفساد المالي والإداري وأشكال الاحتكار والتلاعب بالأسعار والتستر والغش التجاري، والتأخير في تنويع قاعدة الإنتاج المحلية، وغيرها من التشوهات المعوقة لأي اقتصاد، ما استوجب تغيير بوصلة العمل والتوجه، فالأوضاع القديمة السابقة للاقتصاد طوال عقود خلت، أنتجت إيجابيات عديدة تنموياً واقتصادياً واجتماعياً، إلا أنها أيضاً أفرزت تشوهات بالغة الخطورة، منها تضاؤل الإيجابيات مقابل تصاعد التشوهات عقداً بعد عقد، الذي اقتضى بدوره ضرورة قصوى لإجراء تغييرات وإصلاحات جذرية لهيكلية الاقتصاد، تستهدف وضعه على طريق آخر أكثر أماناً واستقراراً، وستتصاعد نتائجه الإيجابية على الاقتصاد والمجتمع عاماً بعد عام، وصولاً إلى نهاية مرحلة التحولات. إنه طريق بالغ الأهمية للتحول والإصلاح وإن حمل ذلك في بدايته بعض المشاق على الجميع، إلا أنه سيكون أخف وطأة بدرجات كثيرة من وطأة النتائج المريرة لنهاية الطريق القديم، الذي شكل عقبة كبيرة وسبّب ما سبّب من تراجعات وتعثرات وفشل كلي في السياسات.