أي شخص يحمل بطاقة سيحصل على الدعم نقداً بما يعادل ربطات الخبز … وزير المالية لـ «الاقتصادية»: الدعم ليس قضية اقتصادية فقط بل له بُعد اجتماعي والهدف منه تحسين معيشة المواطن
| بارعة جمعة
توجهٌ حكوميّ جديد، أخذ بكل ما جرى طرحه من سياسات اقتصادية تخص مبدأ الدعم في سورية إلى وجهة واحدة وهي الدعم النقدي، هنا حيث لا مكان للتلاعب أو الهدر أو الفساد، لكل مواطن حقه، والجميع يخضع لقانون واحد هو توزيع المخصصات عبر بطاقات مصرفية، تتناسب مع كل عائلة تستحق الدعم، من هنا انطلقت الحكومة في مناقشة مسألة الدعم ضمن شرائح متعددة منها المستحقة ومنها غير المستحقة، لكن ماذا عن دعم الخبز؟ وما الآلية المتبعة في توزيعه نقداً؟!
تساؤلات لقيت الكثير من الإيضاحات، قدمها وزير المالية الدكتور كنان ياغي لـ»الاقتصادية» ضمن رؤية مفصلة عن آلية تحويل الدعم إلى نقدي والهدف منها، بما يضمن حق المواطن والدولة بآن معاً.
الخبز أولاً
أكد الوزير ياغي أن آلية الدعم الجديدة ستقتصر على مادة الخبز أولاً، والذي وصلت قيمة الدعم المالي له وللدقيق التمويني قرابة الـ11 ألف مليار ليرة سورية، وعملية تحويل الدعم من عيني إلى نقدي لا تهدف لتقليل المبلغ المخصص بقدر ما تعني تحسين مستوى المعيشة للأسر المدعومة من خلال رفع كفاءة الإنفاق على هذه المادة، وبناءً عليه سيتم تحويل هذا المبلغ إلى نقدي في حسابات المواطنين المستحقين للدعم، الأمر الذي سيخفف من الهدر والفساد نتيجة المتاجرة بالدقيق التمويني والمازوت المخصص للأفران الذي هو مطلب الحكومة الرئيسي والغاية الأولى للتحول للدعم النقدي، إضافة إلى تحقيق وفر مالي للعائلات على اعتبار أن المواطن أقدر على إدارة هذا المبلغ وفقاً لأولوياته وحاجياته، كل ذلك يثبت من جديد بأن الإنفاق على الدعم الاجتماعي هو جزء من الإنفاق على تحسين مستوى المعيشة، كما أنه قضية مجتمع بأكمله، وليست قضية اقتصادية فقط.
هذا التحول استدعى الكثير من النقاشات والحوارات شغلت بال المعنيين والمواطنين أيضاً، لما له من انعكاسات على واقعهم من جهة، ولوجود مخاوف كبيرة بإلغاء الدعم من جهة أخرى، لتأتي توضيحات وزير المالية بأن جميع النقاشات التي تم الخوض بها مع جميع فئات المجتمع ومجلس الشعب والنقابات والمواطنين، كشفت وجود الكثير من الجوانب والقضايا المرتبطة بالدعم، التي من الممكن العمل على تحسينها، إضافة إلى وضوح مسألة عدم وصول الدعم إلى مستحقيه بطريقة كاملة. حيث إن الحكومة دعمت السلعة وليس المستحق، وبالتالي اتضح أن هذا الدعم وصل للمستحق وغير المستحق، ما استوجب إعادة النظر بهذه الآلية، ومن ثم قراءة أساليب الدعم الاجتماعي، لتمكين المواطن من الشعور بأن كل قيمة الدعم المخصص تصل إليه، ويديرها وفقاً للطريقة التي تناسبه.
حجم الدعم
منذ إقراره والعمل به، لم يشهد مبدأ الدعم ترشيداً أو تقليصاً، بل على العكس ازداد حجمه منذ عام 2020 بنحو 14 ضعفاً في حين أن اعتمادات الموازنة العامة للدولة لم تزدد سوى تسعة أضعاف ضمن حديث الوزير ياغي، ما يعني أن الدعم يزداد وهو مستمر، وإن كان بطرق جديدة، أكثر ضمانة وعدالة لكل الأطراف.
وكبداية لتحويل الدعم إلى نقدي لا بد من فتح حسابات مصرفية لحاملي بطاقات الدعم، التي يصل عددها لحوالي 4,5 ملايين بطاقة، ولكن يوجد حالياً أكثر من 2,5 مليون مستحق لديهم حسابات مصرفية في القطاع المصرفي (العام والخاص) ومنم جزء كبير يتقاضى أجوره ورواتبه من خلال هذه الحسابات، وستكون هذه الحسابات نفسها معتمدة لتلقي الدعم النقدي عليها، أما لمن ليس لديهم حساب مصرفي فعليه فتح هذا الحساب بأحد المصارف العاملة، ما تم طرحه من طرق وآليات لفتح الحساب هي إجراءات بسيطة، نافياً وجود أي أعباء أو ضغوط من الممكن أن تتحملها المصارف أمام بقية مستحقي الدعم نظراً للمدة الزمنية (3 أشهر) المتاحة لفتح هذه الحسابات. وفي الحقيقة هذا الموضوع دفع الحكومة أيضاً لإعادة النظر بالتوزع الجغرافي للفروع والمكاتب المصرفية بهدف تحسين إمكانية وصول المواطنين للخدمات المصرفية، والعمل على الإسراع بتطوير البنية التحتية للدفع الإلكتروني حسبما أوضح وزير المالية، مبيناً أن هذه البنية سيطرأ عليها تطور مهم خلال مدة زمنية قصيرة (بين 4 إلى 5 أشهر القادمة)، إضافة لوجود مسارات عمل مختلفة تقوم بها كل الجهات الحكومية المعنية بتهيئة البنية التحتية اللازمة، في سبيل تأمين كل ما يلزم لانطلاق برنامج الدعم وفق أسس ثابتة.
أي شخص يحمل بطاقة دعم سيحصل عليه نقداً، وبما يعادل عدد ربطات الخبز التي يحصل عليها سواء استهلكها أم لم يستهلكها، فالغاية من البرنامج تعزيز الحماية الاجتماعية للمواطن وتأدية الحكومة واجبها تجاهه، فالدراسة والتحضير للبرنامج شملا المفاصل كلها، وسيسير العمل بخطوات متلاحقة، ولن تطبق أي خطوة قبل استكمال الخطوة التي تسبقها.
سعر التكلفة وسعر الشراء متغيران، وسيحصل المواطن على الفرق بينهما بمبلغ نقدي في حساب المواطن يستجره وينفقه كيفما يشأ، تأكيدات حملها وزير المالية في توضيح لحالة عدم ثبات السعر، موضحاً ثبات سعر الربطة في الأفران، مبيناً وجود حالات للدعم لا يمكن استبدالها نقداً مثل الكهرباء، فالحديث اليوم عن الخبز كتجربة أولى للتحول إلى نقدي.
متغيرات السوق
القضايا التي يتم الحديث عنها (الخبز) هي مسعرة إدارياً من الدولة، ولن تخضع لقانون العرض والطلب، وسيكون البدل النقدي المحول يعادل قيمة عدد ربطات الخبز مهما تغير سعرها الإداري، يؤكد وزير المالية على هذه النقطة، لعدم تحميل البرنامج الحالي أكثر مما يلزم.
لدينا منظومة بيانات قائمة سيتم استخدامها ضمن منصة إلكترونية، شارك الجميع بوضع آلية واضحة لعدم الخوض ضمن تجارب تحتمل النجاح أو الفشل، فالقرار اتخذ، ولن يتم تنفيذه لحين اكتمال الخطوات، ولا أحد ينكر وجود خلل بنيوي بتحديد الفئات المستحقة للدعم، لتغير البنية الاقتصادية والظروف، فالمستحق للدعم هو الأقل قدرة على الانفاق، وليس العكس وفق تأكيدات الوزير.
المنظومة الخاصة بالدعم تحتاج لإعادة بناء، وحوار بين الشرائح، وما تم أخذه هو آراء اقتصاديين وأكاديميين، والتطوير تم بناء عليها، مع الأخذ بالاقتراحات، وعدم استبعاد فئات جديدة، فالجميع يؤكد الهدر الكبير بالخبز، لذا اليوم استبدال الكمية بالنقد سيخفف الهدر بالقمح أيضاً، عدا استثمار الخبز كسلعة يتم بيعها علفاً للحيوانات.
القرار سيساهم بإعادة التوزيع الإقليمي للثروة، وبالتالي تنشيط المجتمع المحلي أيضاً، البحث المعمق أثبت وجود عبء كبير على الجميع، يقابلها إيجابيات كبيرة للمواطن، فالهم الحكومي اليوم حصول المواطن على حقه بكفاءة.
أربعة ملايين ونصف مليون بطاقة بينها مليونان لموظفين ليسوا بحاجة لفتح حسابات، البقية من الممكن أن يشكلوا ضغطاً على المصارف، لكن اليوم لسنا بوارد العمل بالشكل التقليدي وفق تأكيدات وزير المالية كنان ياغي، علينا الانتقال للدفع الإلكتروني، فالبطاقات المصرفية الممنوحة للمواطن هي بطاقات دفع، وسيتم لاحقاً التوسع بشبكة نقاط البيع على مستوى الجغرافيا السورية، وتطوير البنية التحتية أيضاً. وبالتالي يصبح المواطن أكثر قدرة على استخدام بطاقته المصرفية لشراء احتياجاته، وسيتم الاستغناء تدريجياُ عن الحاجة للكاش في تأمين المستلزمات اليومية.