أي قدرة للصناعة في زمن الأزمات؟!! … معاون وزير الصناعة لـ«الاقتصادية»: بدأت الصناعة بالتعافي والمنتجات السورية تصل إلى 85 دولة
| أمير حقوق
تعتبر الصناعة إحدى ركائز الاقتصاد الأساسية وبنيته الرئيسية، إذ تساهم بشكل ملحوظ بتحقيق التنمية الاقتصادية لأي بلد من خلال تنشيطها للتجارة إثر استيراد موادها الأولية وتصدير منتجاتها، وتوفيرها فرص عمل كثيرة ومحاربتها البطالة وأيضاً مساهمتها في زيادة الدخل، وتحريك عجلة الإنتاجية المحلية، التي بدورها تأمين السوق المحلية بكل السلع والاحتياجات وتصدير الفائض الذي يحقق إنعاشاً للاقتصاد سواء من الضرائب والرسوم أم من خلال تأمين القطع الأجنبي لخزينة الحكومات.
وفي سورية، يمثل القطاع الصناعي في الفترة الحالية أملاً إستراتيجياً مهماً للتعافي الاقتصادي، ولبدء مرحلة تحسن الاقتصاد الوطني وتعافيه، من خلال تأمين احتياجات السوق المحلية وتصدير الفائض والحد من استيراد بعض المنتجات، والمساهمة بالاكتفاء الذاتي بمجمل الصناعات وعودة تصديرها لأغلبية الدول العربية والعالمية، فهل يتم النظر لقطاع الصناعة بهذه الرؤية، وما واقعها اليوم؟ وهل الصناعة السورية اليوم قادرة على التنافس؟
من الركائز المهمة
وفي حوار خاص مع «الاقتصادية» كشف معاون وزير الصناعة أيمن خوري أنه على الرغم من القيود الكثيرة المفروضة على قطاع الصناعة خلال الفترة الماضية، وما تعرض له من التدمير الممنهج والحرب الاقتصادية المتمثلة بالإجراءات الأحادية المفروضة على سورية أو من خلال الاحتلال المباشر على مصادر الطاقة والمواد الأولية، إلا أن قطاع الصناعة بقي من الركائز المهمة الداعمة للاقتصاد الوطني.
فعلى صعيد القطاع الخاص: فقد شهد خلال السنوات الأخيرة تطوراً ملحوظاً سواء على مستوى عدد الشركات الجديدة المرخصة أم عدد الشركات التي تم إعادة تأهيلها وعادت للعملية الإنتاجية، حسب ما أشار إليه خوري.
وأردف: وعلى صعيد القطاع العام: فقد بدأت مؤشرات التعافي بالظهور، من خلال إجراءات عملية إصلاح القطاع العام الصناعي عبر مشاركة القطاع الخاص في تأهيل وتطوير بعض الشركات المتعثرة والمدمرة هذا من جانب، وإعادة هيكلته ودمج المؤسسات من جانب آخر.
تلخيص المعاناة
واعتبر خوري أنه يمكن تلخيص معاناة الصناعة السورية اليوم بما يلي: خارجياً بصعوبة تحويل المبالغ من الخارج وإليه بسبب العقوبات المفروضة على كل المصارف الخارجية التي تتعامل مع سورية، وصعوبة توريد بعض مستلزمات الإنتاج بسبب الحظر المفروض على سورية، وصعوبة الشحن والتأمين وزيادة زمنه وتكاليفه، بالإضافة إلى إغلاق أغلب الأسواق الخارجية في وجه المنتجات السورية.
أما داخلياً فتتمثل معاناة الصناعة في نقص المشتقات النفطية، وصعوبة وتأخر تأمين القطع الأجنبي اللازم لتمويل استيراد مستلزمات الإنتاج، وضعف السوق الداخلية بسبب ضعف القوة الشرائية، وأخيراً قلة اليد العاملة المتخصصة.
كنا نصدر منتجاتنا لـ85 دولة
وفي الحديث عن الصناعات المتقدمة في سورية، كشف خوري أن الصناعات السورية في كل القطاعات الهندسية والكيميائية والغذائية والنسيجية متقدمة ومشهود بجودتها، متابعاً: كنا نصدر منتجاتنا إلى أكثر من 85 دولة، طبعاً تأتي في المقدمة الصناعات الغذائية والنسيجية، وما زلنا اليوم نفتقد الصناعات التي تعتبر عصب الاقتصاد العالمي وهي الصناعات ذات المحتوى التقاني المرتفع والمرتبطة بتكنولوجيا المعلومات، وعلى الرغم من الحظر المفروض علينا لمثل هذه الصناعات إلا أننا نشهد اليوم تحركاً ولو بسيطاً في هذا المجال.
وفق الموارد المتاحة
أوضح خوري أن الحكومة السورية تقوم باتخاذ كل التدابير الممكنة لمعالجة جميع المشكلات التي تعترض سير العملية الإنتاجية، وتقديم كل المساعدات الممكنة لدعم المنتجات المحلية في وجه المنتجات المستوردة، حيث تقدم الحكومة وفق الموارد المتاحة كل الخدمات الممكنة من تأمين حوامل الطاقة بشكل مستمر وتبسيط الإجراءات وتقديم التسهيلات وتجهيز البنية التحتية في المدن والمناطق الصناعية لضمان عودة واستمرار العملية الإنتاجية لكل المنشآت الصناعية والحرفية، إضافة إلى إصدار عدة قرارات جديدة تصب في خدمة الصناعيين والعملية الإنتاجية والتسويقية من تأمين مستلزمات الإنتاج، وحماية المنتج المحلي، واستخدام قطع التصدير في تمويل المستوردات، وتبادل المواد الأولية والمصنعة فيما بين الصناعيين، ودعم الإدخال المؤقت بقصد التصنيع وإعادة التصدير وغيرها.
وتابع: إضافة إلى قيام الحكومة بشكل مستمر وبالتعاون مع اتحاد غرف الصناعة بمراجعة وإلغاء وتعديل العديد من القرارات التي اتخذت في ظروف سابقة، حيث تغيرت حالياً الظروف التي أدت إلى اعتمادها، وذلك كله حرصاً على استمرار عمل الإخوة الصناعيين.
هذه الإجراءات جميعها تؤدي في النهاية إلى تأمين السوق المناسبة للمنتجات من جهة، وزيادة ساعات التشغيل وحجم الإنتاج، وبالتالي تخفيض التكاليف والمنافسة من جهة أخرى.
لتشكيل خلية قوية
لا يمكن تطوير الصناعة من دون تطوير التجارة، لأن الصناعة تحتاج للتمويل، والتجار يملكون هذه الأموال، وكون الصناعة تحتاج إلى مساعدة التجّار بالبحث عن المصادر وشراء المواد الأولية وتصدير بعض المنتجات، فيجب التعاون بين الصناعة والتجارة لأنهما توءم، لتشكيل خلية قوية من الرأسمال والتواصل والاتصال، حسب ما أشار إليه عضو مجلس إدارة غرفة تجارة دمشق الدكتور ياسر أكريم.
واعتبر د. أكريم أن سهولة إدخال المواد الأولية يعطي سهولة إخراج البضائع، وبالتالي أي عقبة باستيراد المواد الأولية سوف تؤدي لتعطيل الحركة الإنتاجية والصناعيّة ما يزيد من تكاليف الإنتاج، ولذلك يجب أن تكون المواد الأولية الداخلة بالصناعات مفتوحة من دون قيد أو شرط، أي بلا المنصة ولا يسأل أصحابها من أين العملة؟ وإلا لم تكن هناك صناعة.
لا تنافس خارجاً
ولتحقيق الصناعة السورية المنافسة، يجب تخفيف تكلفة الإنتاج، فالمنتج الذي تفرض عليه الضرائب وارتفاع حمولة الطاقة، وارتفاع بأجور النقل وتخليص جمركي غال، وهذه العوامل بدورها ترفع سعر المنتج، وبالتالي يصبح لا ينافس خارجاً بسبب سعره، ومثال على ذلك، سورية فقدت نسبة كبيرة من تصدير الكيماويات كالشامبو والمنظفات وغيرها، بسبب ارتفاع تكلفة المنتج الداخلي، وبالتالي اتجهت الأنظار الخارجية للمنتجات الأردنية التي يرأس معاملها الصناعيون السوريون، لأن تكلفة المنتج في الأردن أقل من تكلفة المنتج بسورية، نظراً لأسعار الطاقة والمازوت والكهرباء وصعوبات الاستيراد، وفقاً للدكتور أكريم.
مسؤولية الحكومة
وقال: هناك مسؤولية على الحكومة وهي بناء علاقات إستراتيجية مع الدول، كدول الجوار والصديقة والعربية والعالمية، وهذا يعطي أولوية للاستيراد من بلادنا ويعطينا دافعاً للتصدير، وأن يكون للحكومة أثر في موضوع المال، وأن يتم تقاضي المال عبرها مع الدول، ونظام الأتمتة والإحصاء السوري ضعيف جداً، ولا نملك إحصائيات صحيحة للتصدير أو للاستيراد، ولذلك يجب بناء هذه المنظومة لمعرفة ماذا ينقص الأسواق ونسبتها وإمكانياتها ومعرفة الأسواق الخارجية، ويجب دعم القروض الصناعية لأنها مهمة جداً، لأن الصناعيين إذا زاد عملهم لا يستطيعون تغذية الأعمال هذه بالمال لزيادة الإنتاج، لذلك بكثير من الدول الصناعية يتم صرف قرض مواد أولية وآلات وغيرها بأي شكل من دون فوائد، وهذا ينشط عجلة التصنيع والتصدير، وهذا بناء سياسة الدولة.
والحكومة أصدرت أنه يوجد قطع تصديري، أي الذي يصدر يستطيع بأن يستورد بالقيمة نفسها، هذا تعقيد للصناعيين، يجب أن يكون الموضوع مفتوحاً ولا يكون عنده عقبات، فيتم توجيه الصناعيين لشراء المواد الأولية خارجاً وللتصنيع وللتصدير، وهذا غير صحيح، يجب أن يكون هناك تعاون واشتراك بين الكل في التصدير والاستيراد والإنتاج الصناعي كل حسب موقعه ومقدرته، برأي الدكتور أكريم.
لجنة قضائية
وأكمل: استمرارية القوانين الاقتصادية الصحيحة وعدم تغييرها يعطي ثقة للمشتري الخارجي وللبائع المصنع الداخلي، لذلك لا بد أن تكون القوانين صحيحة ويتوافر فصل بين القضايا، فأكثر التجار الخارجيين يترددون في أثناء شراء المنتجات من سورية بحجة قوانين البلد الضعيفة، والمفضل أن يكون لجنة قضائية خاصة بالاستيراد والتصدير والمعاملات التجارية، تكون قوانينها عالمية، أي تأخذ من بعض الدول العربية والعالمية.
بطء القوانين
وفي سورية يوجد 14 تجمعاً صناعياً، لم يتم الإقرار بها بأنها تجمعات صناعية قائمة، وهذا سببه البطء بالقوننة وحل المشاكل، فيرغبون بأن تكون عدرا فقط المدينة الصناعية، وماذا عن بقية التجمعات هذه؟ وأيضاً الشركات الصغيرة ومتناهية الصغر يجب أن تكون في المدن، لأن من يرغب بإقامة هذه المشاريع يقيمها في بيته وليس في مناطق أخرى، وهذا يوجب إعادة الفكر تجاه هذه العملية، وأن يسمح لأي صناعي بأن يصنع بأي منطقة أو مكان يرغب فيه، بحيث تعطي سرعة في الإنتاج، حسب قراءة الدكتور أكريم.
تشوهات في الرسوم الجمركية
وأيضاً لدينا تشوهات في الرسوم الجمركية، فلكل بند عدة رسوم جمركية، فنرى أن هذا البند مسموح والآخر غير مسموح، وهذه الرسوم في الصناعة لا تصح، ويجب توفير كل المواد الأساسية وكل ما يحتاجه الصناعيون أن يكون متوافراً ومفتوحاً وسهل التداول، وحتى الضريبة يجب أن تكون ضريبة صفرية لتنشيط القطاع الصناعي وجعل البلد صناعياً، والنقل كارثة كبيرة، فمثلاً موضوع نقل الخضار والفواكه تصل تكلفة النقل إلى السعودية وما شابه إلى ضعف المادة المصدرة، وإلى 3 أضعاف الاستيراد من الأردن، والدولة يجب أن تحل هذا الأمر بأي طريقة كانت، لأن الحل يكون على مستوى دولة لا على مستوى أشخاص وتجار، لتحقيق التنافسية بسعر الخدمات قبل تنافسية السعر، وفق الدكتور أكريم.
وكشف الدكتور أكريم أن الصناعات الغذائية والنسيجية في سورية تعافت تصديرياً نوعاً ما، أما الصناعات الهندسية والكيميائية فوضعها خطر، لأنه توجد مشكلة أساسية بارتفاع التكاليف التي تحدّ من التنافسية.
ماذا عن اليد العاملة؟
وبيّن الدكتور أكريم أن الصناعة السورية تعاني من نقص اليد العاملة وهجرة الكوادر، فهجرة الشباب كارثة للصناعة، فالصناعة السورية اليوم ترتكز على الإناث كون أغلبية الشباب تهاجر والسبب الرئيسي لهجرتها هي مدة خدمة الجيش لـ6 سنوات، فنحن بحاجة إلى جيش قوي، ولكن أيضاً الجيش اليوم هو جيش إلكتروني وجيش علوم ومعرفة، يجب أن يخضعوا لدورات كل سنة لشهر أو لشهرين ضمن خدمتهم الإلزامية، أما توقيف العمل الاقتصادي والالتزام بالجيش فقط فهذا غير صحيح، والدخل بسيط جداً، ويجب إعادة دراسة هذا الأمر على مستوى سياسة الحكومة.
ورأى الدكتور أكريم في ختام حديثه مع «الاقتصادية» أن الصناعة والتجارة وجهان لعملة واحدة، يجب تكاتف كل شيء لإنتاج قوة اقتصادية كبرى تسترجع رؤوس الأموال السورية المهاجرة وبالوقت نفسه تطور الرأسمالات الداخلية في السوق وهذا يعطي بنية اقتصادية قوية تساعد في استرجاع قوتنا الاقتصادية العالمية ونصحح ما تولد من أخطاء في الفترة الماضية.
قرارات حكومية غير مواكبة
من جانبه، كشف رئيس لجنة العرقوب الصناعية ونائب رئيس لجنة القطاع الهندسي بغرفة صناعة حلب تيسير دركلت لـ«الاقتصادية» أن الصناعة السورية تأثرت كماً ونوعاً، من خلال الحرب الظالمة التي تعرضت لها سورية، والتأثير كان كبيراً ومباشراً في المعامل الصناعية، حيث أدت لخروج عدد كبير من المعامل من الخدمة عبر تدمير وسرقة المعامل، بالإضافة للقرارات الحكومية التي كانت غير مواكبة للتغيير وللضرر الذي أصاب الصناعة التي فقدت جزءاً كبيراً من قدرتنا على التنافس لعدة أسباب، أولها: تدمير وخروج عدد كبير من المعامل من الخدمة والإنتاج الصناعي، وثاني الأسباب هو الأضرار التي أصابت الصناعة من وراء هجرة الصناعيين السوريين للخارج، وثالثها: ارتفاع وتضخم غير مسبوق بأسعار المواد الأولية لعدة أسباب منها المنصة والتمويل وغلاء المحروقات والكهرباء، والتي بدورها أدت لضعف التنافسية بالسوق المحلية وبالأسواق الخارجية التي فقدنا جزءاً كبيراً منها بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج للصناعي السوري.
وأردف: والصناعة السورية كانت تتميز بأمرين، أحدهما انخفاض تكاليفها، وبالتالي يكون سعر المنتج مناسباً ومنافساً داخلياً وخارجياً، والأمر الثاني أن الصناعة السورية كانت مقبولة جداً وتفي بالغرض بمنطقتنا العربية وبعض الأحيان تجاوزنا المنطقة العربية وبدأنا التصدير لدول أوروبية كمنتج نهائي إن كان بقطاع الألبسة أو الآلات أو خطوط الإنتاج.
ونحن كصناعيين نعاني منذ ثلاث سنوات نقص اليد العاملة، وخاصة من قلة اليد العاملة المدربة، للأسف فالهجرة مستمرة ونزيف الهجرة مستمر، بسبب انخفاض الأجور والتضخم السعري وارتفاع أسعار المعيشة في سورية، فالعامل يسافر للخارج لكونه يأخذ ويحصل على رواتب عالية، والصناعيون اليوم بسبب انخفاض مبيعاتهم وارتفاع التكاليف لا يستطيعون أن يعطوا للعامل حقه، ونحن لم نقم فقط بإعلاء صوت المشكلة بل قمنا بعدة مبادرات عن طريق التدريب الجامعي للطلاب، لكوني عضواً بالمجلس التقني بوزارة التعليم العالي وعضو مجلس إدارة بالتعليم المزدوج في وزارة التربية- نحاول دائماً ربط الخريجين بسوق العمل من خلال التدريبات والزيارات العلمية وعبر المحاضرات لتوصيل فكرة متطلبات سوق العمل الحالي في سورية، ومستوى التغيير الذي سيطرأ بين الحياة الدراسية والعملية، حسب ما قاله دركلت.
يجب الحد من هجرة الشباب
وأضاف: وكغرفة صناعة منذ 2017 بدأنا ببرنامج تدريب لطلاب المعاهد والكليات التطبيقية، ونحن حريصون على تأمين أكبر فائدة بمحتويات التدريب بالإضافة لمراكز تدريب مهنية تابعة لوزارة الصناعة، ونشرف على مسؤولية تأمين فرص عمل لهم بعد التخرج، ونحاول عمل مبادرات مجتمعية بهذا الخصوص، ولكن الفجوة مازالت كبيرة، ودخول سوق العمل ليس أمراً سهلاً، وخاصة اليوم لا نستغني عن العلم بأي معمل أو بأي قطاع صناعي، فنحن بحاجة لعمال مؤهلين علمياً ولديهم خبرة مهنية، من خلال ربط المحتوى العلمي الجامعي بالتطبيق الموازي لكسب الخبرات وزجهم بسوق العمل، وهذه مشكلة أساسية تتطلب قرارات جديدة تحد النزيف الحاصل بهجرة الشباب السوري، لكيلا نصل لمرحلة نقول فيها إن المجتمع كهل، وانقطاع السلسلة العلمية والفنية للعمالة ونضطر حينها لتوقيف المصانع.