العناوين الرئيسيةشؤون محلية

الشــركــات المســاهمــــة ركـيـــزة لاقتصــاد نــاجــح … الحلاق: تحديد هوية الاقتصاد أولاً وتحسين بيئة الاستثمار وإعادة النظر بالتشريعات … كنعان: لماذا لا يتم طرح شركات القطاع العام لشركات مساهمة؟

| شادية إسبر

بين ماضٍ وحاضر تتوالد الأفكار لاستشراف مستقبل اقتصادي، قراءةٌ في تجاربَ اقتصادية سوريّة رائدة، واستطلاع للأحوال السوقية الراهنة وإمكاناتها في المستقبل، يحتاجه كل اقتصاديٍّ ومشرِّعٍ وصاحب رأس مال ومستثمر وصاحب مشروع يبحث عن آفاق في بلد كسورية؛ بات الحديث عما تعرض له اقتصادها خلال سنوات الحرب شيءٌ من الماضي، لأن الأهم اليوم هو كيف نرمم ما دُمّر، ونبني من جديد اقتصاداً فيه من المزايا التفضيلة والكلية ما يؤهله للنهوض والنمو، مع ظهور وتلمس حقيقةٍ باتت واقعاً في تحسنٍ أمني وانفتاح سياسي يُبنى عليه اقتصادياً؛ لقادمٍ مبشّرٍ يحتاج إلى أسسٍ متينة كي نستثمر الإمكانيات وننطلق من الدمار إلى الإعمار بخطوات واثقة.

لساعتين من الزمن احتضنت قاعة المركز الثقافي العربي-أبو رمانة «ندوة الثلاثاء الاقتصادية» التي حملت عنوان «الشركات المساهمة بين الماضي والحاضر» قدمها عضو مجلس إدارة غرفة تجارة دمشق محمد الحلاق، الذي شرحَ وقارنَ وفصّلَ وأوصى، فاتحاً نقاشاً لحاضرين من مختلف الشرائح العلمية والعمرية والاقتصادية العامة والخاصة، إذ اتفقت الآراء حيناً واختلفت أحياناً في تفصيل هذه الشركات وما تحتاجه للنجاح، ولتكون أحد أركان الاقتصاد السوري.

في معرض طرحه أكد الحلاق أن الشركات المساهمة تُعدّ ركيزة أساسية لتنمية الاقتصاد الوطني السوري، وعودتها إلى سابق عهدها ضروري لتحقيق التنمية المستدامة.

التشابكات لا تسمح بالشفافية

الباحث الاقتصادي الحلاق قال: تجب الإشارة إلى القانون رقم 11 لعام 2023 والخاص بتحول الشركات إلى شركات مساهمة (قبله المرسوم التشريعي رقم 61 لعام 2007) الخاص بالتّحول أو الاندماج للشركات من أجل أن تُصبح مساهمة، والخاص بإعادة تقييم الأصول الثابتة.

مضيفاً: القانون مهم جداً وهو رغبة مجتمع الأعمال، ورغبة أصحاب المدخرات البسيطة من أجل استثمارها بالشكل الأمثل وعدم ضياعها.. جرت إعادة صياغته وإقراره ولكنه -على ما يبدو- لم يأخذ بأسباب عدم تحول الشركات سابقاً، ومن أجل نجاحه في تحويل شركات الأشخاص إلى شركات مساهمة، فهو يحتاج إلى تعديل منظومة العمل بالكامل، إذ أن التشابكات الحالية، لا تسمح بالشفافية الكاملة مع الدوائر المالية والتجارة الداخلية والتأمينات الاجتماعية وسواها.

ورأى الحلاق أن إحدى الثغرات الحالية، هو عدم القدرة على إجراء إعادة تقييم لأكثر من مرة واحدة، كما أن القانون لم يتطرق لموضوع تعديل قيم الملكية المعنوية، وتعديل قيم المخزون (السّلعي ومخزون الآلات ومخزون قطع الإصلاح….. إلخ)، وتابع: كما تجب الإشارة إلى أهمية قانون الشركات رقم 3 لعام 2024، والذي يتضمن أحكاماً عصرية تدعم عمل الشركات المساهمة، والذي يهدف إلى الإسهام في تنمية القطاع العام الاقتصادي، من خلال تنظيم إحداث الشركات المساهمة العمومية والشركات المساهمة العمومية القابضة والشركات المشتركة، التي تدخل فيها الدولة ممثلة بالخزينة العامة أو المؤسسات والشركات العامة في ملكية أو إدارة تلك الشركات.

التحديات والفرص

من وجهة نظر الحلاق وهو عضو مجلس إدارة جمعية العلوم الاقتصادية السورية، فإن التحديات التي تواجه الشركات المساهمة في سورية حالياً هي نقص التمويل، بمعنى صعوبة الحصول على التمويل من البنوك أو المستثمرين، والوضع الاقتصادي الصعب، والعقوبات الدولية، إضافة إلى ما سماها «البيروقراطية المعقدة» موضحاً أن عملية تأسيس شركة مساهمة في سورية يتطلب العديد من الإجراءات الإدارية المعقّدة والمُكلفة، ناهيك عن موضوع الحصول على التراخيص اللازمة، ونقص المهارات إذ يفتقر أصحاب الأعمال وبعض رواد الأعمال السوريين إلى المهارات والخبرة اللازمة لإدارة شركات مساهمة ناجحة، وصعوبة العثور على موظفين ذوي خبرة، مع النقص في برامج التدريب والتطوير.

ووفق الحلاق، فإنه يمكن للقطاع الخاص لعب دور مهم في تحفيز إنشاء شركات مساهمة في سورية من خلال الاستثمار في الشركات الناشئة السورية، ما سيوفر لهم رأس المال اللازم للنمو، كما يمكن للشركات الكبيرة تقديم الدعم الاستشاري للشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم، لمساعدتهم على تحسين أدائهم، والمشاركة في برامج المسؤولية الاجتماعية التي تهدف إلى دعم رواد الأعمال السوريين.

الخطوة الأولى تحديد هوية الاقتصاد

في حديثه عن الآليات لتجاوز التحديات، أكد الحلاق أنه من خلال العمل معاً، يمكن للحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدني تحفيز إنشاء شركات مساهمة في سورية، ما يسهم في إعادة بناء الاقتصاد السوري وخلق فرص عمل جديدة، وقال: كي نتجاوز هذه التحديات، يجب على الحكومة العمل على تحديد هوية الاقتصاد السوري، وتحسين بيئة الاستثمار، وإعادة النظر بالكثير من التشريعات بناءً على الهوية الاقتصادية، إضافة إلى دعم الشركات الصغيرة والمتوسطة من خلال برامج متعددة، وتطوير البنية التحتية، ومعالجة الفساد.

مضيفاً: من خلال هذه الجهود، يمكن للشركات المساهمة في سورية أن تلعب دوراً مهماً في إعادة الإعمار وتحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة.

ماضياً وحاضراً

منذ عدة أيام أعلنت غرفة صناعة دمشق بدء العمل على تأسيس شركة مساهمة مغفلة لتوليد الكهرباء عبر الطاقة الشمسية، كما أعلن بنك سورية الدولي الإسلامي عن حصوله على موافقة مجلس النقد والتسليف؛ للمساهمة في تأسيس مصنع للإسمنت (شركة مساهمة) برأسمال يصل إلى 6 تريليونات ليرة سورية بنسبة 5 بالمئة أي بمبلغ يصل إلى 300 مليار ليرة سورية، وسيطرح البنك هذا الموضوع على اجتماع الهيئة العامة المقبلة للبنك للحصول على موافقتها، وفق الحلاق الذي فتح دفاتر الماضي الاقتصادي في سورية بالقول: ظهرت الشركات المساهمة في سورية لأول مرة في أواخر القرن التاسع عشر، تزامناً مع بداية النهضة الاقتصادية، وكانت أهم الشركات المساهمة (شركة التبغ والتنباك العام 1907، شركة النسيج السورية 1927، الشركة الخماسية مطلع الأربعينيات 1945، شركة مصانع الحديد والصلب 1957)، وفي مرحلة لاحقة (العام 1976 ظهرت الشركة العربية السورية للمنشآت السياحية كشركة مساهمة عامة، ومن ثم شركات الأهلية في حماة)، بعدها عام 2004 ظهرت (المصارف العادية والإسلامية كشركات مساهمة عامة، وشركات صناعية وخدمية وتأمين)

ولفت الحلاق إلى أن تعداد الشركات المساهمة المدرج أسهمها ضمن سوق الأوراق المالية (بورصة دمشق) يبلغ 28 شركة (إحصائيات 30 /4/ 2024) يشكّل القطاع المصرفي 71 % من القيمة السوقية الإجمالية للأسهم، ومن ثم الصناعي فالاتصالات والتأمين، وبينما لا يشكل الخدمي والزراعي سوى 1%، مشدداً على أن ما يميّز هذه الشركات هو الإدارة، بمعنى أهمية عقلية القطاع الخاص بالإدارة.

وهنا أضاف الدكتور عبد الرزاق قاسم رئيس مجلس مفوضي هيئة الأوراق والأسواق المالية في سورية إيضاحاً حول وجود شركات مساهمة عامة، لكنها غير مدرجة في سوق دمشق للأوراق المالية.

وعاد الحلاق للحديث عن أن الشركات المساهمة واجهت تحديات كبيرة خلال الأزمة السورية، ما أدى إلى تراجع دورها في الاقتصاد الوطني، كما لم يتم إنشاء شركات مساهمة جديدة خلال فترة الأزمة، إذ يعتمد مستقبل الشركات المساهمة وعودتها للازدهار على تحقيق الاستقرار السياسي والأمني وتحسين بيئة الاستثمار، وخلق فرص ربحية عالية وجذب الاستثمارات الأجنبية.

الحوكمة الصحيحة والتكافؤ التنافسي

في مداخلة أخرى ورداً على بعض الطروحات والاستفسارات أكد الدكتور قاسم أن مخاطر الأزمة التي مرت بها سورية تنعكس على الجميع، لافتاً إلى أن مؤشر سوق دمشق للأوراق المالية منذ عام 2017 إلى اليوم يرتفع سنوياً بمعدل 50 بالمئة، وهو بالشكل الطبيعي يلحق حالة تضخمية سابقة ويقوم بالتصحيح، وهذا وضع طبيعي، مبيناً أنه يجب النظر إلى هذا السوق حالياً، والسؤال إذا دخل الشخص إليه واستثمر فهل هو مجزٍ أم لا؟ معتبراً أن لتفعيل الشركات ودخولها السوق يجب العمل بطريقة أو بأخرى لتحويلها إلى شركات مساهمة عامة تملك الدولة حصة فيها.

وعن الحوكمة والشفافية، بين الدكتور قاسم أنه خلال الفترة الماضية لم يكن هناك وعي من المساهم بحقوقه في شركات المساهمة العامة، ولم يكن هناك تفعيل لآليات الحوكمة، حيث كانت عبارة عن هياكل أكثر منها جوهراً، مؤكداً أن هيئة الأوراق والأسواق المالية تعمل حالياً على تحويل الحوكمة إلى حوكمة صحيحة بنظام فعال يؤمن المساهم أو المستثمر ويضمن حقوقه، مشدداً على أن العامل الأساسي المتمثل بعدم التكافؤ التنافسي بين الأشكال القانونية للشركات، يجعل الناس تتجه إلى الشركات المساهمة الخاصة والمحدودة المسؤولية أكثر من شكل المساهمة العامة.

وطرح الدكتور قاسم تساؤلاً حول أسباب عدم نجاح القانون في تحويل الشركات العائلية إلى شركات مساهمة عامة؟ وأجاب بالقول: من وجهة نظري هناك عاملان أساسيان أولهما عدم العدالة الضريبية الحقيقية على أرض الممارسة الواقعية، والعامل الثاني هو تسجيل العمال في التأمينات الاجتماعية، إضافة إلى وجود ثقافة سائدة بعدم الذهاب إلى شركات مساهمة عامة، لافتاً إلى وجود شركات مساهمة عامة أديرت بعقلية أخلاقية ووطنية وأثبتت نجاحاً وموجودية واستقراراً، وكان لها بعد إستراتيجي.

من جانبه الأستاذ في كلية الاقتصاد بجامعة دمشق الدكتور علي كنعان أكد أن التجربة السورية بالأسواق المالية في خمسينيات القرن الماضي كانت رائدة تحتذي بها الدول الأخرى، وذلك بفضل 60 شركة مساهمة كانت موجودة في سورية عام 1956، وهيمنت كبريات الشركات على مستوى الوطن العربي، لافتاً إلى أن هذه التجربة انكفأت بسبب التأميم، معتبراً أن الصعود الآن يحتاج إلى تعديل الأنظمة والقوانين.

الدكتور كنعان أشار إلى حلول بخصوص شركات القطاع العام بأن تصبح شركات مساهمة، ويجري طرحها للاكتتاب العام، إذ في سورية لا يقل عن 150 شركة قطاع عام، فكم سيكون لها إثر إيجابي كبير في الاقتصاد في حال تحولت إلى مساهمة عامة؟ معتبراً أن الاطلاع على تجارب الدول الأخرى في المجال الاقتصادي، وخاصة تلك القريبة إلينا، ونتشارك معها بعض الصفات أمر مهم وضروري، حيث الدولة في ماليزيا مثلاً أسست 70 شركة مساهمة قطاع عام، ومعيداً تأكيد وجوب تعديل الأنظمة والقوانين لتشجيع رؤوس الأموال باتجاه الاستثمار.

توصيات

بعد استفاضة في المقارنة بين الماضي والحاضر؛ خرج الحلاق بتوصيات تضاف إلى ما ذكرناه آنفاً أبرزها أهمية تناغم التشريعات بين بعضها بعضاً، وقال: مدخلات صحيحة تؤدي إلى مخرجات صحيحة ضمن خط سير عمل واضح المعالم قابل للتطبيق موافق عليه من عناصر العملية التجارية والصناعية والسياحية والزراعية كافة وجميع قطاعات الأعمال، معيداً تأكيد أهمية تحديد هوية الاقتصاد السوري، وأن يكون اقتصاداً حراً مع بعض التدخل، إضافة إلى أهمية تعديل قانون حماية المستهلك بخصوص ممارسة الأعمال والتسعير وهوامش الربحية، وتسهيل عملية بيع وشراء الأسهم وتداولها بأبسط الإجراءات وأقلها تكلفة، ودعم إنشاء شركات مساهمة، تساهم بالبنى التحتية وتطويرها، من طرق وجسور وطاقة والكثير من الأمور الاستراتيجبة، وذلك من خلال تسهيل تأسيس الشركات المساهمة وتأمين كل ما يلزم من أجل إنجاحها.

ورأى الحلاق أنه لا بد من تشجيع تأسيس شركات مساهمة في القطاعات الصناعية وغيرها مثال الطاقة والأدوية والمراكز الصحية، والتركيز على مميزات الشركات المساهمة، إذ أنها تتمتع بمعدلات ضريبية أقل من الشركات الأخرى، وفيها الوضوح والشفافية أعلى، وعليه يجب إعادة النظر بشكل حقيقي بالأسباب التي لا تزال تُعيق تحوّل الشركات العائلية إلى شركات مساهمة، كما لا بد من زيادة الوعي والمعرفة بأهمية هذه الشركات ودورها المهم بالمرحلة الحالية، وخاصة مع صدور القانون رقم 40 وإلزام الشركات الزراعية بزيادة رأس مالها إلى 50 ملياراً.

الحلاق أوضح أن تشجيع وإلزام تأسيس شركات مساهمة، سوف يتيح إمكانية خلق أدوات استثمارية وتمويلية جديدة أمام الجهات الراغبة بالحصول على مصادر تمويل وأمام صغار المستثمرين، ومنها على سبيل المثال الصناديق الاستثمارية، وبرامج الاستثمار الجماعي، وغيرها من الأدوات المنتشرة والمستخدمة حالياً في الدول الأخرى، ولاسيما دول الخليج، إضافة إلى زيادة التعريف بالحوكمة للشركات الحالية (العائلية وسواها) ورفع كفاءتها وتطوير أعمالها من خلال الغُرف والنقابات وسواها.

ولفت الحلاق أيضاً إلى أهمية رفع كفاءة التحليل المالي والمحللين الماليين وخلق كيان خاص لهم من أجل تقديم المشورة من خلال تقييم الواقع والنتائج وإبداء الرأي بمستقبل الشركات المساهمة (مؤشرات علمية عملية)، وخاصة باجتماعات الهيئات العامة، وإدخال ثقافة الشركات المساهمة وشراء الأسهم والادخار أو الاستثمار بها في المناهج المدرسية.

وكان الاقتصادي السوري بدأ حديثه بالتأكيد على رأيه بأن الربح هو المحرك الأساسي لأي شيء في الاقتصاد وفي الحياة وفي المجتمعات، بخلاف ما هو دارج بمفهوم المجتمع بأن سعي الشركات إلى الربح هو مأخذ عليها، موضحاً أن الربحية عامل استمرار لكل شيء على الصعيدين الخاص والعام.

وخلصت النقاشات إلى أن الاقتصاد السوري يتسع للجميع، ولكل دوره، فالشركات المساهمة لها دور مهم، فهي تتعلق برؤوس أموال كبيرة ومشاريع إستراتيجية كبرى، في حين المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر التي تشكل اليوم بحدود 97 بالمئة من القطاع الخاص السوري، منها 60 بالمئة متناهية الصغير، لكون المتناهي الصغر يتناسب مع تفكير ورغبة الأفراد بالعمل بشكل حر ومنفرد.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى