واجهت مختلف دول العالم تحديات تضخمية كبرى، قللت تأثيراتها على نسب نمو اقتصاداتها وتراجع مستواها بحدود متفاوتة على معيشة مواطنيها، فيما هناك دول لا تزال تجهد وتحاول التقليل من تلك الآثار الحادة للتضخم، فما زالت هذه التحديات مستمرة حتى وقتنا الحالي تعصف بمؤشرات الاقتصاد، وعلى المستوى المحلي فقد وصلت نسب التضخم إلى معدلات عالية يصعب على الحكومات تحديد مقاديرها بدقة!
التضخم، هذا التحدي الكبير يعرف بأنه الزيادة العامة في قيم الأسعار، ما يترتب على ذلك انخفاض في القيمة الشرائية للنقود، فينعكس مباشرة على انخفاض في مستوى معيشة الأفراد، وصعوبات جمة على خطط الحكومات لمجابهته، ويتم حساب معدل التضخم بالنسبة لسنة معينة تعتبر كنقطة أساس، وتكون المقارنة على أساسها، وعلمياً هو مصطلح اقتصادي شهير، فهو مرتبط لدى العامة بالارتفاع في الأسعار.
يعد التضخم من أهم المشكلات التي تواجه الجميع، وقطاع الأعمال على حد سواء، وهو من أخطر المشكلات التي تواجه الاقتصاد وخططه، ويمتد تأثيره على جميع مناحي الحياة، ولذلك يعد تخفيض معدل التضخم من أهم التحديات التي تواجهها جميع حكومات العالم.
اقتصادياً، هو زيادة في حجم النقود في السوق، الذي ينتج عنه فقدان القيمة الحقيقية للعملات، ويقابله ارتفاع في سعر السلع والخدمات في الأسواق التجارية، فهو ارتفاع مستمر ومؤثر في المستوى العام للأسعار يمتد لفترة قد تطول كثيراً، وبالتالي فإن الزيادة السعرية المؤقتة لا تعتبر تضخماً، كما أن التضخم يعمل على تقليل القوة الشرائية للأفراد، ما يعني انخفاض كمية السلع والخدمات التي يمكن شراؤها بالمبلغ نفسه!
أما عن أسباب التضخم فهو يحدث لعدة عوامل بعضها اقتصادي نتيجة اختلال قوى العرض والطلب، فيحدث في كثير من الأحيان أن يكون الطلب كبيراً ولا تستطيع قوى العرض تلبية الزيادة، وسبب آخر مهم وهو التضخم الذي يأتي جراء أحداث مختلفة كالحروب والأزمات المالية وغيرها، إضافة إلى أنه يتأتى من جراء بعض السياسات المالية التي تقرها دولة ما إلى حدوث التضخم وخاصة السياسات المالية المتعلقة بالرسوم والضرائب، وهذا هو التضخم المختلق، وليس التضخم الطبيعي العائد لعوامل اقتصادية مرتبطة بأحداث على الصعيد العالمي.. وبالانتقال إلى الحديث عن التضخم في سورية، فالواقع هناك آثار شديدة طالت كل المفاصل، من موجات عالية للأسعار وما رافقها من مفرزات، إلى فقدان قيمة الأموال، في وقت كانت الدخول متواضعة وقليلة، لا تفي بالاحتياجات الأساسية للفرد، ولا الظروف مساعدة لعمل المؤسسات الإنتاجية أيضاً، وكل ما قامت به الإدارات والمؤسسات الرسمية مجرد ترقيعات بسيطة أمام هذا التحدي الكبير، الأمر الذي سيحتم إجراء تغيرات في جل السياسات المتبعة، وهذا قد ينتج عنه ضغط معيشي ومعاناة يدفع فاتورتها المواطن..!
وهنا ما الخيار وما الطريق للتخفيف قدر الإمكان من هول ذلك؟ إن اتباع سياسات مالية واقتصادية تعزز من الإنتاجية والتشاركية، وإطلاق يد القطاع الخاص وبشكل أوسع للمظلة الاستثمارية تحت صيغ وتفاهمات مؤطرة ذات صبغة جديدة، مع سن خطوات تحافظ على الاستقرار النقدي وسعر صرف، والتوسع بكل مايعزز جاذبية الودائع وتسخيرها خدمة للمشاريع بكل أنواعها، مع الدعم الحقيقي لمنافذ الإنتاج وتقويته، وهذا ما قد يفسر جزئياً الحفاظ على نسب التضخم في حدود معقولة وربما تراجعها.
التوقعات اليوم تشير إلى أن الضغوط التضخمية سوف تتواصل، وهذا يعني استمرار تباطؤ النمو الاقتصادي وارتفاع الأسعار وتراجع مستوى معيشة المواطنين وارتفاع نسب البطالة والفقر، لذلك المقاربات كانت على كل الجبهات كخلق منافذ أكثر إنتاجية، عبر بلورة رؤى استثمارية وتفاهمات متنوعة مع القطاع الخاص، لأن الاكتفاء بإجراءات السياسة النقدية والمالية لا يبدو كافيا على أهميته، لمواجهة مختلف التحديات المرتبطة بالتضخم، وخاصة أنها ترتبط أحياناً مع عوامل خارج نطاق سيطرتها، لذلك فمساهمة السياسات المالية وسياسات الاقتصاد الكلي في هذه المواجهة تبدو ضرورية إلى حد كبير، وخاصة أنها تخفف الضغوط الناجمة، فالسياسات المالية يمكن أن تسهم بفاعلية في التأثير على الطلب إضافة إلى العمل على حماية الفئات المحتاجة والضعيفة في المجتمع عبر الدعم الموجه بحصافة وتعزيز شبكات الأمان والسياسات الضريبية التي تراعي الأوضاع الاقتصادية، يضاف إلى ذلك المساعدة على توفير الخدمات للمواطنين، وخاصة تلك التي تسهم في زيادة الاستثمار في رأس المال البشري، ما يمكّن الاقتصاد مستقبلاً من تحقيق نمو مستدام، مع مراعاة ضبط الإنفاق وتوجيهه نحو الأولويات وتلبية الاحتياجات التنموية..!!