لماذا كل هذا العداء للتشاركية..؟! … ليست «بعبعاً» ولا بيعاً للبلاد وقبض ثمنها.. بمقدار ما هي طريق إنقاذ للمؤسسات الغارقة
| خاص
لا تزال المشاريع التي تم التوقيع عليها أو التي تتم دراستها تخضع لنقاش عام في الأوساط الاقتصادية السورية، مع وجود العديد من التساؤلات، البعض منها محق والآخر يراد منها باطل..!
«الاقتصادية» تبدأ اليوم بطرح ملف «التشاركية» بين القطاعين العام والخاص، ولا نعني هنا التشاركية بصيغتها القانونية البحتة، بل كل ما يمكن وصفه بالسلامة بين القطاعين العام والخاص مثل عقود الاستثمار أو عقود الإدارة، وتحاول الإجابة عن التساؤلات، مع الإشارة إلى أن التشاركية لا تعني بأي حال من الأحوال «الخصخصة»، حيث تبقى الملكية الكاملة للدولة لكن بإدارة القطاع الخاص الذي سيوفر المرونة الإدارية اللازمة لحسن سير المؤسسة وضخ المزيد من الأموال الخاصة، ولاسيما في الظروف التي تمر بها سورية، وبما يضمن استمرارية العمل.
منذ أيام نشر أحد كبار طياري مؤسسة الطيران العربية السورية منشوراً على صفحته على مواقع التواصل الاجتماعي، يطالب من خلاله بالإسراع في توقيع عقد التشاركية» بين مجموعة من المستثمرين والمؤسسة قائلاً: «نعم للتشاركية للخطوط «السورية» وهذا الكلام مخصص لأعداء «السورية للطيران»، مرجعاً كلامه إلى تعطل طائرتين للمؤسسة قبل العيد بيومين، في وقت كانت الحاجة ملحة لوجود قطع غيار تم توفيرها بعد أيام، الأمر الذي تسبب بتأخير عدد من الرحلات.
وأضاف الطيار القائد في منشوره متسائلاً: «هل يعقل أن الشركة الوطنية الأولى التي تمثل سورية تبقي على طائرة واحدة فقط في أول أيام العيد وتوقف جميع الطائرات بسبب الصيانة، وفي الوقت نفسه لدينا شركة رديفة وطنية ناجحة تشغل 4 طائرات في الوقت المحدد مع خدمة ممتازة، لكن الفارق أن الشركة الرديفة خاصة وقرارها من رجل واحد أو مجلس إدارة، ولا وجود للجان مختصة بالسرقة، مطالباً الإسراع في توقيع عقد الشراكة، لتبقى السورية تحلق في الأجواء وتكون قادرة على المنافسة.
هو مثال من عدة مقالات ومنشورات تحدثت عن هذه الشراكة، وهي رد مباشر من هذا الطيار القائد على من سماهم أعداء «السورية» والمقصود بهم كل الذين عرقلوا هذه الشراكة منذ أشهر بحجج واهية مستخدمين الشعارات الوطنية وحرصهم على المصلحة الوطنية والناقل الوطني، متجاهلين عمداً أو دون قصد حالة الترهل التي وصلت إليه المؤسسات السورية نتيجة العقوبات من جهة وسوء الإدارة من جهة ثانية وحجم الفساد الذي أصاب كل مفاصل الدولة.
ومن الأسئلة التي يتم طرحها حول «التشاركية» بمفهومها العام أنها تحتاج إلى شفافية مطلقة ودفتر عروض فني ومالي، ودراستها حيث تذهب للعارض الأفضل.. هو سؤال محق لو أننا في ظروف اقتصادية سليمة ولا نخضع لأي عقوبات دولية، ولدينا إقبال كثيف على الاستثمار في سورية، لكن اليوم في الوضع الراهن، لا يمكن لأي مؤسسة الإعلان عن اسم مستثمر واحد، لتعرضها لعقوبات دولية فورية، كما أنها غير قادرة على طرح الموضوع للاستثمار، لكون عدد المستثمرين قد لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة، ممن يملكون القدرة والرغبة والشجاعة على الاستثمار وضخ الأموال في مؤسسات الدولة، حيث من الأفضل بالنسبة لأي مستثمر هو التأسيس لشركة جديدة تكون خالية من المشكلات الإدارية والوظيفية (مثال التوظيف الاجتماعي)، إضافة لما سيكسبه من إعفاءات ضريبية من خلال مرسوم الاستثمار الأخير.
حين يتعلق الأمر بمؤسسات الدولة، فالشراكة مع القطاع الخاص قد تعني بكل بساطة «الإنقاذ» حيث يدخل مجموعة من المستثمرين لانتشال قطاع أو مؤسسة من مستنقع العقوبات والقوانين غير المنصفة، لضمان استمرارها على حين تحتفظ الدولة بكامل الملكية وتتعاون في إدارة جديدة تمتلك المرونة الإدارية والمالية اللازمة لإدارة الشركة أو المؤسسة مع الحفاظ على كامل عمالها وأرباحها المالية التي تسدد للخزينة العامة للدولة.
الشراكة.. ضرورة والسورية للطيران مثال
في مثال «السورية» للطيران، وبعد دراسات واجتماعات استمرت لأشهر، كانت بنود الاتفاق واضحة حيث تحتفظ السورية بكامل أرباحها ليس في زمن الحرب أو الأزمة، بل كما كانت في أوج عملها قبل الحرب، يضاف إليها نسبة كبيرة من الأرباح التشغيلية، والحفاظ على العمال كافة من كل الفئات، مع أولوية لتعديل الرواتب والأجور حيث تصبح مرضية للجميع وخاصة بعد تسرب عدد كبير من الطيارين والفنيين، نتيجة تدني الرواتب المقدمة، كما يتضمن عقد الإدارة الذي جرى التصديق عليه الأسبوع الماضي من قبل رئاسة الحكومة بإضافة عدد من الطائرات للأسطول، حيث يكون قادراً على تلبية كل محطاته القديمة والجديدة وإصلاح ما يمكن إصلاحه من طائرات متوقفة عن العمل نتيجة حاجتها للتعمير أو لقطع غيار أو إصابتها بشظايا الحرب.
واللافت اليوم، أن كل من عارض عقد الشراكة مع السورية لم يقدم أي خطة إنقاذ بديلة، بل اكتفى بالحديث عن سوء الإدارة ومصادرة الصلاحيات، ناسياً أو متناسياً حجم الفساد الذي يمكن أن تسببه اللجان المكلفة شراء قطع الغيار -وبشكل طارئ للمؤسسة- والرواتب المتدنية للطيارين والمهندسين والضيافة والفنيين وموظفي الخدمات الأرضية وغيرهم، وكل ذلك نتيجة القوانين التي تحكم مؤسسات الدولة عموماً.
كل التساؤلات قد تكون مشروعة عندما تكون المؤسسة التي تدخل في شراكة مع القطاع الخاص ناجحة ورابحة وتتمتع باستقلال مالي وإداري تام، وآنذاك يمكن لنا أن نسأل ما الفوائد والميزات التي يمكن للقطاع الخاص إضافتها إذاً؟
في سورية ونتيجة الحرب والعقوبات والترهل الإداري والقوانين الملزمة لعمل المؤسسات، باتت التشاركية بمفهومها العام فرصة لإنقاذ المؤسسات ورفع مستواها وأدائها إلى مستوى القطاع الخاص الناجح من دون المساس بملكيتها، وهذا ما تم العمل عليه في كل عقود الشراكة حيث بقيت الدولة هي المالكة لكن منحت الإدارة للقطاع الخاص الذي أثبت في تجارب سابقة أنه قادر على النهوض بالمؤسسات، وإعادة هيكلتها بشكل رشيق خالٍ من «فرص الفساد» يستند إلى الكفاءة وتعيين الشخص المناسب في المكان المناسب ومنحه ما يستحق من تعويضات تبقيه داخل سورية.
الآن وبعد تصديق عقد الإدارة لشركة قطاع خاص، ستبدأ «السورية» بعملية جرد كبيرة قبل تسليم الشركة الجديدة الإدارة وتلزمها بالعديد من الشروط التي تم التباحث حولها لمدة أشهر بهدف الحفاظ على كامل حقوق مؤسسة الطيران والعاملين فيها، وضمان تحسين جودة الخدمات الأرضية والجوية، وبناء مطبخ جديد للسورية قادر على تقديم 10 آلاف وجبة يومياً، وآليات جديدة للخدمات الأرضية، والعديد من البنود التي جميعها تؤكد أن «السورية» ستدخل قريباً مرحلة جديدة ستحلق بها عالياً لتحافظ على شعارها التاريخي بأن السورية تعني «الأمان» ليس فقط للرحلات الجوية بل أيضاً لكوادرها ولمالكها الأساس -الدولة- بحيث تصبح رافداً أساسياً للخزينة.