لا رفع للدعم ولا خصخصة لمنشآت قطاعي الصحة والتعليم كما يُشاع … وزير المالية لـ«الاقتصادية»: بزيادة 115 بالمئة عن العام الماضي .. تطور حجم الموازنة العامة للدولة لعام 2024 لتصل إلى 35.5 ألف مليار ليرة سورية
| هني الحمدان- بارعة جمعة
من دون أي حسابات مُسبقة، وبشفافية واتزان حملا معهما الكثير من المكاشفات، التي فَرضت نفسها في عالم الأرقام والإحصائيات لما يُرسم من سياسات مالية واقتصادية من شأنها النهوض باقتصاد ما بعد الحرب، لتكون الوجهة اليوم ومن دون أي تردد وبتجاوب فعال كان اللقاء مع وزير المالية الدكتور كنان ياغي نقطة البدء في الخوض بنقاش أقل ما يمكن أن نصفه بالإيجابي والمثمر لجهة الأخذ بكل الاعتبارات المالية والاجتماعية، التي نشأت بفعل التبدلات الحاصلة في ميدان عمل الوزارة، وبما ينسجم مع حالة التراجع في مصادر رئيسية لإيرادات بلد عانى سنوات طويلة من هزات اقتصادية عنيفة محلية وعالمية، أخذت به إلى زوايا جديدة من العمل وفق مؤشرات وظروف لا تعد مثالية، بل حولت سياساتنا الاقتصادية لسياسات دفاعية عن حق المواطن بالعيش الكريم وفق الإمكانات المتاحة.
عناوين عريضة لم نستطع تجزئتها بين مهم وأهم، فاستمرار العمل والسعي لتحقيق التوازن كان الطابع الغالب على حديث الوزير كنان ياغي، انطلاقاً من عمق المسؤولية والإدراك الدقيق لحيثيات الواقع الحالي، من دون أي تهرب أو إنكار لوجود الصعوبات، التي باتت واضحة وأكثر ملامسة لمعيشة المواطن، المُتضرر الأول منها، حسب تأكيدات الوزير، لتبدو لنا الإجراءات أكثر وضوحاً ضمن صيغة تقديم التفاصيل لحيثيات كل خطوة تخطوها الوزارة، من دون إغفال لأي عثرات وقعت ضمن التفاصيل، والبحث فيما يمكن العمل على تلافيها مستقبلاً.
حوارٌ كان الفرصة لتبيان كل مايدور في هواجس مجتمع بات الأكثر انتقاداً لأي إجراء حكومي، والأكثر تطلباً لتحسين معيشته، آخذاً بالوزير ياغي لتوظيف جميع الطاقات والإمكانات المتاحة في سبيل خدمة الاقتصاد والوطن بآن معاً.
الموازنة العامة
كيف يتم توزيع الاعتمادات الخاصة بالموازنة العامة لمواكبة التضخم؟
تشكل الموازنة العامة حجر الأساس للاقتصاد الوطني، وتوزع ضمن خمسة أبواب، أولها وأكثرها أهمية ملف الرواتب والأجور، فمن كتلة تبلغ ٣٥٥٠٠ مليار ليرة سورية، تم تخصيص 6145 لهذه الكتلة، وضمن هدف واحد هو زيادة اعتماداتها المالية بشكل مستمر، إلى جانب النظر بمسألة النفقات التي تضم من بينها: ( الدعم الاجتماعي، الرواتب والأجور، نفقات إدارية وتحويلية، والإنفاق الاستثماري، ووو) غيرها الكثير. كما يشكل التضخم ضغطاً كبيراً على عمل الوزارة بل يحملها جهوداً مضاعفة، مع الأخذ بالحسبان أن الإيرادات العامة ليست بالمرونة التي تمكنها من مواجهة ارتفاع معدلات التضخم الكبيرة والمتواصلة، وبالتالي تلبية النفقات العامة للدولة.
ما نسبة الزيادات والمنح الأخيرة على الرواتب والأجور؟
لقد تطور حجم الموازنة العامة للدولة لتصل إلى 35.5 ألف مليار ليرة سورية، وكانت نسبة الزيادة على الرواتب والأجور الصادرة في الشهر التاسع من العام الماضي قد بلغت ١٠٠%، شملت قرابة مليونين و٦٠٠ ألف عامل في القطاع الحكومي، ومن ثم صدرت زيادة أخرى في الشهر الثاني من العام الحالي بنسبة ٥٠%، لتشكل بعد ذلك كتلة الرواتب والأجور حوالى مليار ليرة تقريباً، أي بما يعادل ربع الموازنة العامة للدولة اليوم، في حين كانت سابقاً تشكل ١٧% منها فقط. وهو ما يؤكد سعي الحكومة الدائم بالعمل على زيادة كتلة الرواتب والأجور، بالإضافة للمنح المالية التي تصدر بشكل متواتر، والتي بلغ آخرها قيمة تصل لما بين ٩٠٠ وألف مليار ليرة سورية.
وحول زيادة رواتب وأجور جديدة حالياً لم ينف أو يؤكد الوزير حصول ذلك حالياً، ، تاركاً الأمر رهن الوفر المالي المتحقق والظروف الاقتصادية التي يمر بها البلد.
وحالياً هناك دراسة لدى الحكومة لمراجعة قيمة التعويضات الممنوحة للعاملين في الدولة، أي متممات الراتب، بإضافة فئات جديدة ورفع قيمة التعويض هي قيد الدراسة، كما هو حال فتح السقوف للراتب.
التهرب الضريبي
كيف يتم التعامل مع مطالب الصناعيين في داخل وخارج سورية؟ وهل من خطوات لتهيئة المناخ للمستثمرين الراغبين في العودة؟
وسط شكاوى كثيرة يقدمها الصناعيون في الداخل عن صعوبة العمل الحالية، نجد في الطرف الآخر وجود نشاط صناعي كبير وخاصة في المدن والمناطق الصناعية التي توليها الحكومة كل اهتمام. كما لتحسن المناخ الاستثماري وخاصة بعد صدور قانون الاستثمار رقم /18/ لعام 2021 وتعديلاته بالقانون رقم /22/ لعام 2023، والذي أعطى محفزات ضريبية وجمركية للمستثمرين أثراً إيجابياً القطاع الصناعي. وحالياً تتفوق الصادرات الصناعية على الصادرات الزراعية منذ عام 2023، إذ بلغت حصة الصادرات الصناعية 55% من إجمالي الصادرات، في حين بلغت حصة الصادرات الزراعة 22% وهو دليل وحجة لتطور الصناعة في الداخل، إضافة إلى تزايد عدد المنشآت الصناعية العاملة في المدن الصناعية بشكل كبير، فمثلاً ارتفع عدد المنشآت العاملة في مدينة الشيخ نجار من 50 منشأة في عام 2016 إلى أكثر من 1000 منشأة في عام 2024 ويمكن القياس على ذلك في باقي المدن والمناطق الصناعية. كما يؤكد الوزير ياغي على وجود رغبة لدى العديد من الصناعيين السوريين العاملين في الخارج مثل «مصر» بإعادة تأهيل منشآتهم الصناعية في سورية، وذلك خلال اللقاء الذي جمعهم به في القاهرة بداية الشهر الجاري.
النظام الضريبي في سورية «مستنسخ وغير صالح» ولم يعد له وجود في العالم، كما أضر بالخزينة العامة والاقتصاد، ولم يحدث إصلاح ضريبي وإنما «تصليحات».. الكثير من الخبراء أكدوا ضرورة إصلاحه.. ما الخطوات المتبعة من قبلكم في إطار تعديل القوانين؟
فيما يتعلق بإصلاح النظام الضريبي، تتجه وزارة المالية بخطوات محددة ومترابطة نحو إصلاح النظام الضريبي من خلال تعديلات جذرية قائمة على الانتقال بشكل مدروس وموثوق إلى الضريبة على القيمة المضافة والضريبة الموحدة على الدخل من خلال اعتماد منهجية واضحة ومترابطة ومتكاملة بإجراءاتها وخطة عملها على أكثر من مستوى بهدف إصلاح حقيقي للنظام الضريبي وتفعيل الدور السياساتي له وتحقيق العدالة بالتكليف والحد من التهرب الضريبي وزيادة التزام المكلفين فمن إنجاز التراكم الضريبي إلى الحد من دور العنصر البشري تدريجياً وأتمتة العمل الضريبي وتحسين كفاءة الخدمات المقدمة وبناء قواعد بيانات مؤتمتة يمكن من خلالها اتخاذ قرارات علمية أكثر دقة وكفاءة بالعمل الضريبي.
كما أنجزت وزارة المالية المسودة الأولى لمشروع قانون الضريبة على القيمة المضافة عن طريق لجنة فنية متخصصة، ومن المخطط أن يكون نافذاً من بداية عام 2025، وتم إرسال نسخة منه إلى اتحادات غرف التجارة والصناعة والسياحة والزراعة ونقابة المهن المالية والمحاسبية وجمعية المحاسبين القانونية ليبدأ نقاش هذه المسودة معهم مع نهاية هذا الشهر، وتترافق هذه الخطوة مع استلام الإدارة الضريبية بنهاية شهر حزيران الحالي للبرمجية الخاصة بالفوترة الإلكترونية والتي هي تطوير رئيسي ومدروس بدقة لمنظومة الربط الإلكترونية التي عملت عليها الإدارة الضريبية.
الجمارك وحالة الرعب
لا تزال الجمارك تشكل حالة رعب لدى الكثير من الفعاليات الاقتصادية وخاصة عند دخولهم المنشآت بشكل «استفزازي» على حين كان هناك مطالب بمنع دوريات الجمارك من دخول الأسواق والاكتفاء بمراقبة الحدود والطرق العامة، هل وصلنا إلى حل لهذه المعاناة؟ أو هل يمكن أن نصل إلى حل قريباً؟
بالنسبة للجمارك وما يثار من تساؤلات حول علاقتها مع الفعاليات التجارية والصناعية، يؤكد الوزير ياغي أنه وبالاستناد إلى القانون النافذ الذي يَسمح للجمارك بمكافحة التهريب على مساحة الوطن في الداخل والخارج يعد نشاطها قانونياً لا لبس فيه. ولضبط ذلك تقتضي التعليمات عدم دخول الدوريات الجمركية لأي مكان (منشأة – مستودع – محل…..) دون أمر تحر صادر عن مدير الجمارك أو آمر الضابطة أو المفوض بذلك، وعدم السماح للدوريات بدخول أي منشأة دون وجود مندوب ممثل عن الجهة التابعة لها كغرف الصناعة والتجارة أو النقابات.
ولتطوير وضبط العمل قامت مديرية الجمارك بالعديد من الإجراءات التقنية التي تهدف إلى زيادة دقة الإجراءات والحد من الأخطاء والتجاوزات، وقد شملت هذه الإجراءات تنظيم ومراقبة البيانات الجمركية من حيث المستندات والنوع والقيمة. وأتمتة عمل مستودعات البضائع المحجوزة، وتطوير نظام الإدخال المؤقت للسيارات وغيرها.
كما تعمل الإدارة بشكل مستمر على تدريب وتأهيل العاملين لديها وزيادة التواصل مع التجار والصناعيين والمواطنين للتدقيق في حالات الخلل والفساد التي قد تظهر، كما تم التشدد في العقوبات المفروضة بحق العناصر غير المنضبطة والمقصرة وتأمين بدائل لهم وفرض العقوبة المناسبة بحقهم حيث تم فرض عقوبات مختلفة بحق عناصر الجمارك بدء من العقوبات الخفيفة (إذ تم فرض أكثر من 120 عقوبة خفيفة خلال الفترة الماضية إضافة إلى 76 حالة كف يد عن العمل). كما انعكست هذه الإجراءات على العمل الجمركي من خلال تضاعف الإيرادات الجمركية التي ارتفعت من 362 مليار ليرة سورية في العام 2020 إلى 2600 مليار في العام 2023.
اقتصاد الظل
الجميع يؤيد فكرة تنظيمه وإخضاعه لمبدأ الضريبة.. هل من قرارات جديدة تنظم عمله وتجعل منه مورد للخزينة العامة؟
يتمثل اقتصاد الظل أو الموازي بالأنشطة الاقتصادية المُنتجة التي تمارس دون اطلاع ورقابة الأجهزة الحكومة المعنية، وهي مخفية بشكل مقصود عن السلطات العامة (من أجل تفادي دفع الضرائب مثلا أو دفع اشتراكات الضمان الاجتماعي أو الالتفاف حول معايير أو متطلبات معينة). ويشكل اقتصاد الظل في سورية حجماً كبيراً وهو ناتج بجزء كبير منه عن الحرب الإرهابية على سورية، ويجب العمل على تقليل حجمه لأسباب اقتصادية واجتماعية أهمها تحقيق العدالة في المنافسة في الاقتصاد وتعزيز الاستثمار، وفرض الرقابة الحكومية على منتجاته وخاصة الرقابة الصحية والطبية التي تمس معايير السلامة العامة في المجتمع.
هي مسألة مهمة، لناحية إعادة النظر بالإطار التشريعي الناظم لممارسة الأعمال في سورية، من ناحية سهولة الترخيص والوصول للتمويل وتأمين حوامل الطاقة والعمالة وغيرها. إضافة إلى منح محفزات ضريبية ومالية لترخيصها أولاً، كما تعمل بعض الدول على اتباع الحلول الرقمية لمعالجة اقتصاد الظل من خلال تطبيق أنظمة الدفع والفوترة الالكترونية. وحالياً يوجد برنامج حكومي لتنظيم قطاع الشركات الصغيرة والمتوسطة والمتناهية الصغر يهدف إلى تطوير بيئة الأعمال الخاصة بهذا القطاع والذي يُعد مدخلاً مهماً لمعالجة اقتصاد الظل في سورية.
تقديم الخدمات
هل من إلغاء لقرار الحوافز الذي بات يمثل أهمية كبرى بالنسبة للعاملين في القطاع العام؟
كل ذلك لا يلغي مبدأ العمل بالحوافز أيضاً، الذي لم تنته الجهات المعنية من إعادة دراسته والبحث بطرق تطبيقه، لكون تحسين مستوى المعيشة هو من الأهداف الرئيسية للحكومة. وإن تحسين مستوى المعيشة يتجاوز موضوع تحسين الرواتب والأجور لتضاف إليه قيمة الدعم الاجتماعي المقدم، والإنفاق على تحسين مستوى الخدمات الحكومية المقدمة عبر رصدها الاعتمادات المالية اللازمة (صحة – تعليم – تربية – نقل…. ) فمثلاً تم رصد 3٠٠٠ مليار ليرة في موازنة العام 2024 للقطاع الصحي فقط، نافياً وجود أي خطة لرفع الدعم عن القطاع الصحي كما يشاع، إذ تشكل الصحة العامة أولوية إلى جانب التربية والتعليم أيضاً، أسوة بالخبز، الذي يعاني هدراً كبيراً لإبقائه ضمن السعر الحالي لكون السعر المنخفض يشجع على الهدر والاستخدامات الخاطئة وتحويله علفاً للمواشي دون الأخذ بعين الاعتبار الصعوبات التي تعترض الحكومة لتأمين القمح، مقابل إمكانية تقديمه بسعر يناسب المواطن ويخفف الهدر منه، أو إيجاد طرق وآليات أفضل لإيصال هذا الدعم لمستحقيه.
مفهوم الهدر لم يقتصر على الأفران، بل يمتد للقطاع الصحي، ما يجعل من فكرة توفير الخدمات الصحية للشرائح الهشة في المجتمع أفضل من تقديمها للجميع بغض النظر عن المستوى المادي للمواطن وهذا ليس بالعدالة بشيء. كما أن تحسين إيرادات المشافي سيحسن نوعية وجودة الخدمات في المشافي العامة إضافة إلى تحسين مستوى دخلها وكوادرها بشكل أفضل.
والسؤال اليوم.. لم لا نسعى لتحقيق التوازن المالي للوحدات الصحية من خلال إعادة النظر بأجور الخدمات الصحية المقدمة وتقسيمها لشرائح تتناسب والإمكانات المالية لطالب الخدمة الصحية (مجاني– بالكلفة– مأجور وبربح بسيط)؟ الأمر الذي سينعكس بشكل إيجابي على هذه الوحدات وخدماتها المقدمة.
تمويل العجز
ما توصيفك للوضع المالي اليوم؟ وهل سيستمر تمويل العجز بالعجز؟
نعم الواقع يفرض الكثير من الأمور التي نتجت بفعل ظروف كثيرة، ومنها عجز الموازنة العامة، وبشكل عام تعاني معظم الدول مشاكل في موازناتها العامة بسبب التزايد في حجم الإنفاق العام ومحدودية الإيرادات، إن عجز الموازنة المستهدف ينسجم مع طبيعة الدورة الاقتصادية، ويكون عادةً ضمن الحدود الآمنة والصحية في حال لم يتعد نسبة 2-3 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي أو 8-10بالمئة من اعتمادات الموازنة، ولكن مع الظروف الاقتصادية الصعبة يزداد هذا العجز ويتحول إلى مشكلة هيكلية تحتاج إلى معالجة في حال تجاوزه لهذه النسب.
واليوم يشهد عجز الموازنة العامة للدولة تراجعاً من 30 بالمئة في العام 2023 إلى ٢٦ بالمئة من إجمالي اعتمادات الموازنة العامة للدولة، وستستمر الجهود تبذل باتجاه تخفيضه تدريجياً وصولاً إلى العجز المستهدف بحدود الـ20 بالمئة كما كان قبل الحرب الإرهابية على سورية.
السؤال اليوم.. كيف نمول العجز؟
لا تكاد وزارة المالية توفر جهدا لتأمين التمويل اللازم للإنفاق العام من مصادر حقيقية، وبالتالي لتخفيف العجز ما أمكن. ولكن نتيجة لغياب المصادر المالية الرئيسية للموازنة العامة للدولة (الصادرات النفطية) وتزايد حجم الدعم الحكومي (وخاصة المحروقات) فستضطر وزارة المالية للاقتراض من المصرف المركزي لتأمين التمويل المطلوب. إلى جانب الاعتماد على الاقتراض الداخلي من القطاع المالي عن طريق إصدار سندات الخزينة، التي تعد بنظرنا إجراء صحياً باعتبارها أدوات مالية توفر التمويل ولا تسهم في زيادة الضغوط التضخمية.
فاليوم علينا التفكير كيف لنا أن نزيد من إيراداتنا وسط تراجع الإنتاج، وغياب الإيرادات النفطية التي كانت تمثل أحد أهم الموارد المالية للموازنة العامة والتي كانت تمثل ما لا يقل عن 25 بالمئة من الإيرادات العامة وبالقطع الأجنبي؟ مع العلم أن النفط أصبح عبئاً كبيراً على الخزينة بسبب احتلال آبار النفط من العصابات الإرهابية.
كل ذلك يقودنا لضرورة العمل على ضبط الإنفاق العام من جهة، وزيادة الإيرادات الحكومية من جهة أخرى وذلك من خلال التفكير خارج الصندوق. ويأتي تراجع الإيرادات الاستثمارية التي كانت تشكل ٣٠ بالمئة من الإيرادات في حين لا تتجاوز اليوم ١٠ بالمئة منها، فهناك تحدٍ كبير للموازنة العامة للدولة نتيجة للصعوبات الكبيرة التي تواجه عمل القطاع الاقتصادي نتيجة النهب والتخريب والاستهداف الممنهج له من العصابات المسلحة. ولتحسين الإيرادات العامة تعمل الحكومية ضمن ثلاثة مسارات وهي: تحسين العائدات من الضرائب والرسوم، تعزيز الفوائض من مؤسسات القطاع العام الاقتصادي، زيادة العائدات من استثمار أملاك الدولة، التي تشكل نحو 9٠ ألف أصل، ولم تتجاوز إيراداتها الفعلية الـ15 ملياراً عام ٢٠٢٣، لذا علينا إدارة هذه الأصول بطريقة اقتصادية تحقق دخلاً مهماً للخزينة العامة. وعليه فقد تم فصل ملف إدارة الأصول بين وزارتي الزراعة والمالية بموجب القانون رقم ٢٦ لعام ٢٠٢٣، حيث تعنى وزارة الزراعة باستثمار الأصول خارج المخططات التنظيمية ومنها الأراضي الزراعية، وتقوم وزارة المالية باستثمار الأصول المصادرة بموجب أحكام قضائية مكتسبة الدرجة القطعية داخل المخططات التنظيمية كالشركات والعقارات وغيرها، بهدف تعظيم العوائد المتحققة من استثمار هذه الأصول.
ترشيد الإنفاق
ما الخطوات المتبعة من قبلكم لتأمين الإيرادات وزيادة الإنفاق؟
خطوات مكملة، تخطوها وزارة المالية في سبيل ضبط العجز المالي بالتوازي مع تحسين الإيرادات وهي ترشيد الإنفاق العام، واتباع آليات عمل جديدة تضمن نتائج أفضل بعيدة عن الهدر والفساد، ليأتي الربط الإلكتروني من خلال نظام الإدارة المالية المتكاملة لمراقبة وضبط الاعتمادات المالية المخصصة للجهات العامة وحركة السيولة وإدارتها في سبيل رفع كفاءة الإنفاق العام وترشيده، وإبعاد العنصر البشري ومن ثم تخفيف المحسوبيات والفساد أيضاً، هذه الآلية ستعتمد على الربط بين الخزينة المركزية والجهات العامة المرتبطة بالموازنة العامة للدولة بهدف مراقبة الإنفاق العام (الجاري والاستثماري) الداخلة ضمن أبواب الموازنة العامة للدولة، إذ بلغ الإنفاق الجاري في موازنة العام 2024/26500 مليار ليرة سورية موزعة منها 3620 ملياراً كنفقات إدارية، و6800 مليار كدعم اجتماعي داخل الموازنة العامة للدولة، والديون والالتزامات ضمن حدود ١١٥٠٠ مليار ليرة. في حين ارتفع الإنفاق الاستثماري من 3000 إلى ٩٠٠٠ مليار ليرة، وهو الإنفاق الوحيد المنتج والذي سينتج حتماً دخلاً مستقبلياً إضافياً للدولة.
وللتخفيف من الضغوط التضخمية يجب أن يوجه الاقتراض من المصرف المركزي لتمويل المشاريع الاستثمارية ضمن الموازنة العامة، الأمر الذي يعيد التوازن للأسعار من خلال زيادة عدد السلع والخدمات في الاقتصاد الوطني، وهو إجراء صحي لا يؤثر في نسبة التضخم على المديين المتوسط والطويل كما يظن البعض. واليوم يشكل الإنفاق الاستثماري 25 بالمئة من الموازنة العامة وستعمل الوزارة على زيادته بشكل تدريجي لأن الإنتاج هو الحل الوحيد لحل مشاكل الاقتصاد السوري.
الدعم بين الوفرة والنقد
سياسة الدعم.. حديث الشارع السوري بكل فئاته.. كيف تنظرون لمبدأ الدعم مستقبلاً؟
لعل أكثر ما يجول في أذهاننا اليوم مشكلة الدعم، لما لحق بها من تبدلات في الخطط والسياسات المرهونة لها، وصولاً لفكرة استبعاد فئات غير مستحقة للدعم لم تتجاوز الـ7 بالمئة حسب التقديرات الحكومية، ولا تزال الشريحة الكبرى من البطاقات الإلكترونية (4٫7 ملايين بطاقة ) تتلقى الدعم الحكومي بمختلف أشكاله.
وبالتالي الحديث عن وجود وفورات مالية كبيرة ناتجة عن هذا الإجراء فيه من عدم الدقة الشيء الكثير، كما صدر العديد من المراسيم والقرارات لتحسين مستوى المعيشة امتصت كل وفر مالي تم تحقيقه، إضافة إلى زيادة كلف الدعم الناتج عن زيادة أسعار المواد المدعومة كالقمح والمحروقات وغيرها ما جعل من الوفر غير مؤثر أمام فرق الأسعار الكبيرة.
ويجب أن يتمثل الهدف الحقيقي من إعادة هيكلة الدعم بتوجيه الدعم لمستحقيه وتحقيق العدالة ودعم الشرائح الأكثر حاجة، إضافة إلى التخفيف من عجز الموازنة العامة ودعم الإنتاج وتحسين القدرة الشرائية. وبالتالي لابد من البحث عن آليات جديدة وعادلة لإيصال الدعم لمستحقيه، إذاً أصبح الدعم بشكله الحالي يشكل خطراً على الموازنة العامة للدولة. فكلفة ربطة الخبز اليوم تصل إلى 8500 ليرة، بسبب رفع سعر كيلو غرام القمح المستلم من الفلاح إلى ٥٥٠٠ ليرة، فيما وصل دعم الكهرباء قرابة ١٧ ألف مليار وهي خارج الموازنة، فيما يبدو الخطأ الأكبر برأي الوزير ياغي هو توجيه الدعم للسلعة أي للجميع (مستحق وغير مستحق)، لذا اليوم هناك نقاش مفتوح بين الأكاديميين والإعلاميين والحزب والدولة، للوصول إلى صيغة جديدة لتقديم الدعم متفق عليها من جميع الأطراف في المجتمع.
التأمين الصحي
مشاكل التأمين كثيرة.. ما خططكم لتحسين محفظة التأمين للعاملين في القطاع العام؟
في ضوء أهمية التأمين الصحي ومطالبات الطبقة العاملة لتحسين الخدمة ما يتناسب مع الظروف، أكد الوزير كنان ياغي أن هناك تقييماً دورياً لمحفظة التأمين الصحي للعاملين في القطاع الإداري ويتم رفع التغطيات كلما توافرت الإمكانية المالية لذلك، فبعد زيادة الرواتب والأجور الأخيرة تم رفع التغطيات للإجراءات داخل المشافي الخاصة إلى /5/ ملايين، وداخل المشافي العسكرية والعامة إلى /10/ ملايين، ورفع الإجراءات خارج المشفى إلى /750/ ألفاً، وإلى /900/ ألف لمن لديه دواء مزمن، كما أشار الوزير ياغي إلى اعتماد العديد من الإجراءات التي تسهم في معالجة الصعوبات التي تواجه التأمين الصحي ومنها اعتماد تعرفة طبية تقارب الكلف الحقيقية لمزودي الخدمة ما يسهم في حسن استقبال حاملي بطاقة التأمين الصحي، ومشروع البصمة الإلكترونية الذي يسهم في الحد من استخدام بطاقة التأمين لغير الغاية المخصصة لها.