الحكومة بدأت جدياً بدراسة الدعم النقدي.. والعنوان مكافحة الفساد والهدر
| بارعة جمعة
بعد 3 أشهر من الآن، ستتم إعادة هيكلة الدعم في سورية باتجاه الدعم النقدي، نعم أصبح القرار جدياً، وكل دعوات الخبراء والأكاديميين لقيت آذاناً مُصغية، ما يدعو قليلاً للتفاؤل الممجوج بحذر، فالعمل ليس سهلاً، والتوجه الجديد اليوم يتطلب استعدادات خاصة، ومن نوع مختلف، ولاسيما أن الدفع الإلكتروني بات بوابة كل خطوة اقتصادية جديدة، لكن.. ماذا عن البنية التحتية؟ دعونا نفكر قليلاً بخطوات العمل، ضمن رؤى تحليلية لكل ما يحويه القرار من ثغرات استخلصتها وزيرة الاقتصاد سابقاً الدكتورة لمياء عاصي بمضامين نقدية لبعضها، والتأييد لنقاط أخرى استوجبت وجودها بعد انتظار طويل.
خطوة ضرورية
أتت بعد نقاشات كثيرة ومطالبات مدروسة من خبراء في الاقتصاد، كنوع من التشاركية بينهم وبين الحكومة في صنع قرار إيجابي يعود بالنفع على المواطن أولاً، وما تم من تصديره من دعوات ضمن قرار مجلس الوزراء ما هو إلا تمهيد للخوض في عملية استبدال الدعم عبر السلع بالنقدي، والذي أكده الأستاذ في كلية الاقتصاد جامعة دمشق علي كنعان ضمن حديثه مع «الاقتصادية»، واصفاً المشهد بالإيجابي نوعاً ما.
سيتم منحة إعانة مالية للفقراء، ممن يستحقون الدعم وذلك عبر حسابات مصرفية، بتقديرات مالية بالحد الوسطي، تبدأ من 150 وصولاً لـ200 ألف «شهرياً»، للأسرة الواحدة حسب تأكيدات الدكتور كنعان، وبعملية حسابية بسيطة لعدد الأسرة التي هي ضمن مظلة الدعم، البالغة 3 ملايين أسرة، سنجد أن التكلفة المالية لهذه الخطوة تبلغ 6 تريليونات ليرة من الخزينة العامة للدولة، لذا فكل ما يشاع عن وصول مبالغ الإعانة للمليون، هي خاطئة وبعيدة عن الواقع وغير منطقية برأي الدكتور كنعان، لكون التكلفة ضمن هذا المنظور تصل حد الـ30 تريليوناً من الميزانية العامة للدولة البالغة 35500 تريليون ليرة سورية.
توافر المواد
يتزامن هذا الإجراء مع تغير المناخ السياسي والاقتصادي، بانتهاء مدة قانون «قيصر» وعدم تجديدها من دول الغرب، ما يسمح باستيراد المواد، يضاف لذلك التوجه الحكومي لتحرير الأسعار وخلق منافسة تؤدي لتوافر المواد بأسعار مناسبة، معطيات يراها الدكتور علي كنعان مبشرة، لعودة الحياة لما كانت عليه ووضع حد للفساد في الهدر ولاسيما في رغيف الخبز، إلا أنه وبالرغم من الإيجابية الكبرى لهذه الخطوة، يرى كنعان أن هناك عوائق تبدأ من الفروع المصرفية التي لا تتجاوز 900 فرع في سورية، ما يدعو أهالي الريف للمدينة لتسوية أمورهم المالية وبالتالي وقت أكبر قد يصل لأشهر، على حين تبدو فكرة البدء بتسليم هذه المبالغ النقدية ضمن البلديات أقل تكلفة وأكثر استثماراً للوقت، الذي لا يسمح بالتأخير أكثر، أمام كميات الفساد والهدر الكبيرة في المواد المدعومة وبشكل يومي.
بطاقات مصرفية
كفيلة بتحويل الدعم إلى مبلغ مالي يُضاف عبر البطاقة المصرفية لصاحب بطاقة تكامل، أي كل من يملك ميزة امتلاكها، إلى جانب بيع المواد التي أزيل عنها الدعم بسعر التكلفة، حيث سيحصل المستفيد على الدعم نقداً مباشرةً، هو مبدأ العمل لهذا القرار، بالتزامن مع استمرار الحكومة في تنفيذ سياستها المتعلقة بالدعم والهادفة إلى ترشيده وتوجيهه إلى مستحقيه فقط، حسبما أوردته الدكتورة لمياء عاصي ضمن توضيحها للقرار، الذي شمل تخفيض كتلة الدعم المالية الكبيرة في الموازنة العامة للدولة في مسعى للسيطرة النسبية على العجز المالي برأيها.
وتؤكد عاصي مطالب الحكومة من الإخوة المواطنين حاملي البطاقات الإلكترونية المتعلقة بالسلع المدعومة حكومياً، المبادرة إلى فتح حسابات مصرفية، واستبدال عملية الدعم الحالية، التي عرفت بمساهمتها في فتح مجالات واسعة للفساد ناجمة عن تعدد الأسعار للسلعة الواحدة وفروقات السعر بين المدعوم أو الحر، فمثلاً.. خلال العام الماضي اكتشفت حالات فساد كثيرة في موضوع الدقيق التمويني والمطاحن وأسطوانات الغاز وغيرها من السلع المدعومة.
القضاء على الهدر
يتضمن القرار نقاطاً إيجابية، ذكرت بعضاً منها الدكتورة عاصي، والمتمثلة بالقضاء على الهدر والفساد والربح غير المشروع، عبر إلغاء الحلقات الوسيطة في تطبيق وإيصال الدعم، ما يوفر إمكانية أكبر لضبط المستفيدين من الدعم، ولكن تلك الخطوة ستحتاج إلى نظام معلوماتي قوي ومتكامل وآليات محكمة وقواعد بيانات دقيقة، يتم تحديثها وتدقيقها وتعديل المستجدات فيها يومياً، لكن قد تعتري عملية الدعم النقدي حالات فساد كبيرة برأيها، في حال لم تكن مستندة إلى نظام صارم ودقيق، وهو ما حدث عام 2009، عندما قررت الحكومة توزيع «شيكات» بعشرة آلاف ليرة مقابل رفع سعر المازوت، ولأن الأمر تم دون وجود آلية صحيحة ومعتمدة على قاعدة بيانات، نجم عن ذلك حالات فساد كانت تكلفته أكبر من حجم الوفر الذي حققته الدولة جراء رفع سعر المازوت.
ليبقى السؤال اليوم.. هل سيتم رفع الدعم عن كل المواد والسلع المدعومة، مثل مازوت التدفئة والخبز، وتحويلها إلى حسابات المستحقين بالمصارف كدعم نقدي؟
تجيب الدكتورة عاصي بقولها: «من الواضح أن الدولة حسمت أمرها باستبدال الدعم السلعي بالدعم النقدي للسلع المدعومة، كما أنها خطوة باتجاه معالجة حجم العجز المالي الذي تعاني منه الموازنة العامة للدولة، ويؤثر في حجم الإنفاق العام وفي سائر الأنشطة الاقتصادية في البلاد، أما بالنسبة للسلع المدعومة التي سيشملها تحويل الدعم إلى نقدي، لم يتم الإعلان عن السلع التي سيشملها المقابل النقدي، وما إذا كانت ستتضمن الخبز أيضاً».
خدمات الصحة
البعض ذهب أيضاً للحديث عن قطاع الصحة، لما تقدمه المشافي العامة من خدمات، متسائلين.. هل سيشمل رفع الدعم بقية الخدمات الحكومية؟
تعود الدكتورة عاصي لتوضيح هذه الجزئية بتبيان الغاية منها ضمن بعض الدراسات الأولية والاقتراحات بأن تقدم الخدمات الطبية بشكل مجاني فقط لمن يستحقون الدعم والفئات الأقل دخلاً، مع بقائها مأجورة لباقي الناس، وبذلك تحصل مشافي الدولة على دخل يمكنها من تحسين مستوى جودة الخدمات الصحية المقدمة، فالمشكلة الأساسية اليوم عدم وجود معايير دقيقة للاعتماد عليها في تحديد المريض المستحق للعلاج مجاناً، وخاصة أن الأغلبية العظمى من السوريين هم تحت خط الفقر.
لكن ما آلية تحديد البدل النقدي؟ وهل سيتم حساب عدد أفراد الأسرة؟
تؤكد الدكتورة عاصي أنه بالطبع سيتم تحديد البدل النقدي بناء على الحصص المخصصة لكل أسرة، وبناء على عدد أفراد تلك الأسرة بالنسبة للخبز والمواد الاستهلاكية الأخرى، أما بالنسبة للغاز والمشتقات البترولية، فتكون حصة الأسرة ثابتة بغض النظر عن عدد أفرادها، في حين سيواجه تحديد البدل النقدي عدة نقاط إشكالية أخرى مثل: سعر السلعة، متسائلةً.. هل سيكون ثابتاً أم متغيراً؟ وإن كان متغيراً، فما الإطار الزمني لتغيير سعر المادة أو الحصة منها؟
تحديد الشرائح
وتضيف د. عاصي شارحةً نقطة المستبعدين عن الدعم بقولها: «صدرت سابقاً قرارات كثيرة تم من خلالها تحديد الفئات أو الشرائح التي رفع الدعم عنهم، بالتأكيد لن يتم تحويل أي مبالغ نقدية لحسابات من رفع الدعم عنهم».
مؤكدة أن تحويل الدعم السلعي إلى دعم نقدي سيكون محاطاً بصعوبات كثيرة منها لوجستية وتقنية لها علاقة بتحديث المعلومات في قاعدة البيانات وتحديث أسعار المواد بشكل دوري، وأخرى لها علاقة بالبنية التحتية للبنوك، إضافة إلى أن صرف المستحقات النقدية ستسبب ازدحاماً شديداً أمام الصرافات.
وفي العودة إلى السؤال الأهم.. هل الدعم النقدي سيكون أكثر عدالة للأسر؟
ترد د. عاصي «ليس بالتأكيد، وخصوصاً أن التنفيذ لتحويل الدعم إلى نقدي، قد يظهر مشاكل غير محسوبة الآن، الهدف الرئيسي للتحويل إلى الدعم النقدي هو محاولة مكافحة الفساد والهدر الناجمة عن تعدد الأسعار لسلعة واحدة وبالتالي القدرة على توجيه الدعم إلى مستحقيه فقط».
أن تأتي متأخراً خير
لابد من الانتباه إلى أن التحول إلى الدعم النقدي دون طرح آليات الاستفادة منه بشكل واضح لن يكون في مصلحة الناس والاقتصاد، وقد يحدث صدمة في الأسواق أيضاً، هكذا علق التاجر عاصم أحمد على حيثيات القرار، مبيناً أن مثل هذه القرارات تتطلب دراسة شاملة وتخطيطاً دقيقاً لضمان تحقيق الفوائد المرجوة منه.
ومن زاوية أخرى، يرى أحمد بأن القرار جيد من ناحية الكفاءة الاقتصادية، وتقليل البيروقراطية واحترام كرامة الأفراد، وتعزيز القدرة الشرائية، ومواجهة تقلبات الأسعار، وتقليل التلاعب، ما يعني أن الدعم النقدي يساهم في تحسين كفاءة النظام الاقتصادي للدولة والمعيشة للمواطن.