هيكلة الاقتصاد.. أم زيادة الرواتب..؟!
| هني الحمدان
أي حديث حول زيادة الرواتب والأجور يطرب الأغلبية بلا شك، لما قد ينعكس على تحسين أوضاعهم الاقتصادية والمعيشية حسب اعتقادهم.. ولكن أي زيادة يجب أن تقابلها كتلة مالية متوافرة لتغطية نسبة الزيادة.. وبحال صعوبة تأمينها فيبقى أي حديث ضمان الوعود وتدوير الأماني!
من فينة لأخرى تنشر أخبار « فيس» وربما تكون إشاعات مغرضة عن قرب صدور قرارات برفع الرواتب، أو خلافه من الإشاعات التي تهدف إلى رفع سقف التوقعات ومن ثم الإحباط وخلق صورة تشاؤمية لأفراد المجتمع في حال عدم تحقق تلك التوقعات المغلوطة..!
وتأتي مثل هذه الإشاعات من بعض من يدعون أنهم أصحاب قلم وفكر وتخصص، للأسف الشديد، بغية كسب الشعبية والجماهيرية على حساب أرقام الواقع.
فمن ينظر لواقع الأجور والرواتب في ميزانية الحكومة المالية يدرك الصعوبة البالغة في رفع الأجور في ظل أوضاع اقتصادية صعبة كهذه، حيث تأثيرات طالت العملية الإنتاجية وتباطؤ تالٍ بكل مؤشرات النمو وسواها.. واليوم تشكل كتلة الرواتب والأجور ربع الموازنة العامة للدولة.
وقياساً للإيرادات الكلية المتحققة، فإن فاتورة أي زيادات في الأجور خلال هذه الفترة، ستشكل عبئاً ضخماً على موازنة الدولة، سيصعب إيجاد حلول لها إلا بتكاليف عالية على الدولة والأفراد كالاقتراض مثلاً أو فرض ضرائب ورسوم عالية مع رفع أسعار الكهرباء والماء والوقود وإلغاء الدعم الذي سارت به الحكومة كخيار يقلل الهدر ويحقق الوفر…!
الطرح ليس ضد أي زيادة، بل تبيان واقع الحال، حتى رأي وزير المالية كان واضحاً، لم ينف ولا يؤكد أن هناك أي زيادة على الأجور حالياً، وترك ذلك لمدى تحقق أي وفر وفوائض اقتصادية تسد متطلبات أي زيادة..!
أمام حجم التحديات وثقلها، رفع الأجور ليس حلاً أو فكرة مستساغة وغير قابلة للتصديق في الفترة الحالية.. لها ارتباطات وحسابات، وإن لم تكن العوائد الناتجة إنتاجياً ونمواً جيداً، فستفاقم الوضع وستبقى الأزمات الحالية كالتضخم والغلاء مسيطرة..
بالعرف الاقتصادي هناك من يفضل أولاً إحلال البدائل لرفع الأجور، وهذا خيار يقلص من شدة حالات كالتضخم والغلاء وغيرها.. ومن تلك البدائل تشجيع القطاع الخاص على توظيف المزيد من الأيدي العاملة وتوسيع مروحته الإنتاجية، وجعل بيئة العمل فيه بديلاً مفضلاً للمواطن عن طريق تحسينها من ناحية السياسات والإجراءات التي تمكن الموظف معرفة خط تدرجه الوظيفي كما هو الحال في الحكومة مع ما يشمل ذلك من علاوات ومكافآت سنوية. ويضاف إلى هذا الحل تشجيع المبادرات الفردية بتشجيع المنشآت الصغيرة والمتوسطة للمواطنين وتذليل كل صعاب المشروعات الصغيرة، وتنظيم أسواق التجزئة والخدمات لتجعلها تتلاءم مع بيئة المجتمع.
إن تحسين سوق العمل أول الخيارات لرفع الدخول للمواطنين، يليها تحسين سوق الإسكان مثلاً، الذي ينبغي أن يعطى الاهتمام الكافي، فحصول المواطن على مسكن مريح وبأقل التكاليف الممكنة قد يرفع عن كاهله نحو 50 بالمئة من دخله.
وأيضاً الإنفاق على قطاعات البنى التحتية كلها، وتحسين بيئات العمل في القطاعين، ودعم أكبر للمصدر والمستورد والصناعي لتوفير السلع والمواد، ودعم كل العمليات الإنتاجية والتصنيعية لتوفير منتجات وفوائض متاحة للتصدير من أجل توليد العملات الصعبة، كلها قد تكون بدائل أفضل بالإطار الكلي من زيادة الرواتب، هو طرح يحقق النفع للأجيال القادمة، ولا يطرب آذان الذين ينحون نحو زيادات على الأجور من دون دراسة أثر الزيادات في قوة أو تراجع المسببات للأزمات الحاصلة..!
الدعم الحقيقي الموجه ليس فقط للمستحق من المواطنين، بل الدعم الرسمي تجاه اقتصاد تنموي هادف هو من يقلل فاتورة معالجة الأزمات الحالية ويفتح مجالاً للحظ زيادات متواترة أيضاً.