إعادة هيكلية نُظم الاقتصاد ضمن أفق مفتوح … الرئيس الأسد يطرح خريطة عمل اقتصادية موحدة أساسها التشاركية ودعم الإنتاج
| بارعة جمعة
نمط تفكير متوازن، وطرح جملة من الأفكار التي يمكن أن تساعد في تخطي الصعوبات والعقوبات، وتحليل عميق لمؤشرات اقتصادية بدت واضحة بعد دراسة الحالة العامة للاقتصاد المحلي، والخروج برؤى عصرية منوعة تحمل في طياتها حلولاً بواقعٍ أفضل، كل ذلك تضمنته كلمة السيد الرئيس بشار الأسد خلال ترؤسه الشهر الماضي الاجتماع الموسع للجنة المركزية لحزب البعث، طرح من خلاله عناوين عريضة للمشهد الاقتصادي، وما يمكن أن يحمله من تبدلات في سياسات أثبتت عدم نجاعتها في إفراز نتائج وظواهر، لا بل انعكست في بعض الحالات سلباً على الواقع المعيشي والاقتصادي للأسر عامة والاقتصاد المحلي خاصة.
الأفكار التي طرحت وتمت مناقشتها مطولاً خلال لقاءات متعددة لسيادته مع عدد من الخبراء والاقتصاديين وأصحاب الشأن، الهدف منها الانتقال من حالة الركود والجمود والعمل التقليدي والإسعافي الذي كان سائداً خلال سنوات الحرب إلى عمل مرن ومُنظم ضمن صيغ أبرزها: تحقيق العدالة الاجتماعية بمختلف جوانبها والتشاركية لدعم الإنتاج، وهي صيغ ليست بعيدة عن قدراتنا التي برزت سابقاً في معالجة الأزمات، لكن وتمهيداً لواقع جديد يتسم بالانفتاح السياسي الأخير على سورية إقليمياً ودولياً، خاصة في المحيط العربي، الذي وفق قراءة الخبير الإستراتيجي وفيق نصور يجب أن يشكل طريقاً وبيئة للعمل الاقتصادي مع الإخوة العرب وغير العرب ممن يرغب، لجهة التعامل أولاً مع العقوبات المفروضة على سورية وكيفية الالتفاف عليها، والبدء بمشروعات غير مشمولة بالعقوبات وقد تكون في إطار مشاريع التعافي المبكر التي نصت عليها قرارات مجلس الأمن.
تحديات كبيرة
إلا أن المُضي قُدُماً في هذا النهج لن يخلو من العقبات الكثيرة برأي نصور، التي ستعترض عملية الإنتاج والاستثمار، أبرزها واقع الكهرباء الرديء وحاجة كل المشاريع الاقتصادية إلى الطاقة، ولتفادي ذلك يجب العمل سريعاً ومن دون أي تراخٍ لتأمين مصادر للطاقة وإبرام اتفاقيات مع الإخوة والأصدقاء، لتأمين مصادر الطاقة والتسريع في بناء المحطات الكهربائية لتوليد الطاقة وتوفير ما أمكن منها للمشاريع الاقتصادية، من خلال الإسراع في تنفيذ مشاريع الطاقة المتجددة المنزلية وغيرها.
كما أن تحسن الحالة الاجتماعية للمواطن السوري وتقوية قوة سوق الشراء يؤديان إلى تنشيط سوق التجارة المحلية وتطويرها باستمرار، هنا يؤكد نصور ضرورة الإسراع بتحسينها، لكونه يعتبر معاملاً ملحاً ويتطلب تدخلاً حكومياً سريعاً، عبر البحث عن صيغ تشاركية حقيقية بين القطاعات الإنتاجية المختلفة (العام والخاص والمشترك)، لبناء سوق إنتاج مناسب ومتوازن، الذي بدوره يفرض إعادة تنشيط القطاع الاقتصادي العام عن طريق التسريع بتأهيل المباني وتأمين آلات الإنتاج التي دمرتها آلة الإرهاب، وخاصة معامل مواد الغذاء والدواء، التي تشكل تحديات خطيرة على الواقع المعيشي والاجتماعي السوري.
توطيد الثقة
هي حلقة متكاملة، لن تتم إحداها من دون الأخرى، والتي استوجب تعزيز الثقة بثقافة العمل الجديدة، والرغبة بالنهوض واسترجاع الخبرات واليد العاملة التي هاجرت واستوطنت دولاً مجاورة، إلى جانب الاهتمام بعنصر الشباب، المعامل الأساس للبناء والنهوض، الذي لم يعد يملك أي خيارات للمضي قدماً في دورة الحياة برأي الخبير نصور، لذا ما علينا فعله اليوم هو تقديم قروض ميسرة، تساعده للانطلاق مجدداً وتعالج حالة البطالة والركود التي يعاني منها قطاع الشباب.
كل ذلك، كان حاضراً وبقوة على طاولة الاجتماعات الأخيرة في برنامج النشاطات الحزبية الأخيرة في دمشق، إلا أنه يحتاج إلى وضع مشاريع حقيقية وسريعة لمكافحة حالة الفساد الإداري القائمة، لأنها تشكل السوسة التي تأكل وتخرب كل ما يمكن فعله أو إنتاجه مما سبق، والتي باتت تشكل معاملاً واقعاً سلبياً جداً وعائقاً على طريق بناء الثقة بين المواطن ومؤسساته المختلفة.
فكر جديد
نعم ما نحتاجه اليوم هو اعتماد عقليات وثقافات اقتصادية جديدة والخوض في تجارب جديدة ومناسبة للمشهد الحالي وفق توصيف الخبير وفيق نصور، فالواقع الاقتصادي الاجتماعي الحالي الذي تشكل على خلفية المعركة الاقتصادية التي نخوضها، يستوجب إيقاف كل مظاهر الهدر مهما كانت بسيطة وصغيرة وتدوير كل مقدرات الدولة ومؤسساتها لمصلحة المعركة الاقتصادية التي نعيشها، والعمل بفكر وثقافة فكر إداري مختلف وجديد، يتناسب مع الحالة العامة للبلاد، والانتقال من عقلية وثقافة العمل المكتبي ومغادرة الطاولات المستديرة والاتجاه إلى الحقول وميادين العمل واستبدال الفعل سنعمل بفعل عملنا بالصورة والصوت.
لأنه وفي النظر للحالة الاقتصادية والاجتماعية التي أفرزتها الحرب على سورية، نجد أنها تستوجب المضي قدماً وسريعاً بتنفيذ برنامج وخطط متكاملة اقتصادية وتعليمية وتثقيفية في آن معاً، إضافة للإسراع والاستعجال في التصرف الحكومي وتغيير مسارات التحرك، الذي بات أمراً ملحاً جداً، للقضاء على حالة الركود والتردي الفكري الذي يفرض حالة من العجز وقلة الحيلة أيضاً.
هذه المطالب لم تأتِ عن عبث، بل نتيجة الترابط والعلاقة الجدلية بين السياسة والاقتصاد وظهور معطيات جديدة على خلفية الصراع العالمي الدائر وظهور قوى اقتصادية وسياسية جديدة برأي نصور، الذي يضعنا أمام خيارات إيجاد آليات التشبيك الاقتصادي مع هذه القوى على طريق الاستثمار الأمثل للواقع الجغرافي السياسي الاقتصادي لبلدنا، تحت بند الفهم الدقيق والعميق للحالة والمشهد العالميين الجديدين الذي نشهد ولادته.
الإنتاج أولاً
هو نوعٌ من الاستخدام العميق والإستراتيجي للاقتصاد كأداة أساسية وفعالة في الصراعات الدولية، يخلق تحديات كبيرة وخطيرة جداً أمام الشعوب والحكومات من جهة ويزيد حدة التوترات الدولية من جهة أخرى وفق رؤية الخبير نصور، وبالتالي استخدام الولايات المتحدة الأميركية للاقتصاد في صراعها مع الشعوب وكسر إرادتها ومصادرة سيادتها عن طريق فرض العقوبات الاقتصادية والحصار الاقتصادي، يخلق تحديات تستوجب وضع خطط ومناهج اقتصادية مختلفة لتأمين الحفاظ على حالة الاستقرار الاقتصادي، وتحقيق الأمن الاقتصادي للشعوب والدول، من هنا كان التوجه إلى الاهتمام بالقطاع الزراعي، عن طريق وضع الخطط الزراعية التي تضمن تقديم التسهيلات السريعة للفلاح، باعتباره رافداً وعاملاً أساسياً ورئيسياً لدعم الاقتصاد وتأمين المنتجات التي نستوردها بالعملات الصعبة، والتي بمقدورنا- نحن السوريين- إنتاجها من زراعاتنا، في حال تقديم المساعدات وتهيئة الظروف والأسباب للإنتاج.
كل ذلك يفرض إيجاد صيغة تشاركية داعمة ومساندة للمزارع والمواطن السوري في تنفيذ المشاريع الاقتصادية الإنتاجية الاجتماعية الصغيرة برأي نصور، التي تعتبر حلولاً نسبيةً لحالة البطالة وقلة الإنتاج الاجتماعي للمواطن السوري، عن طريق تقديم قروض ميسرة للنهوض بالمشاريع الأسرية المختلفة، والتي تخلق قطاعاً إنتاجياً إسعافياً – إذا صح التعبير -، ولن يتم ذلك إلا بدعم وإسناد من قطاعات الدولة المعنية، عن طريق الإشراف وتقديم المساعدات الإرشادية.
أبعاد اقتصادية عامة
هي نقلةٌ اقتصادية نوعية واضحة المعالم والأهداف، رُسمت ملامحها من خلال خطاب السيد الرئيس بشار الأسد، الذي وضع الخطوط العريضة، مما سينعكس بشكل متسارع على الاقتصاد العام والوضع المعيشي وفق قراءة الصناعي عاطف طيفور للمشهد، الذي يتطلب تشكيل مكتب مالي وتفعيل دور لجنة الرقابة والتفتيش المرتبطة بشكل مباشر بالأمين العام، الذي عده طيفور أنه ليس هدفاً داخلياً للحزب فقط، وإنما يحمل أبعاداً اقتصادية عامة، أهمها ضبط نسبة الهدر ومكافحة الفساد، الذي ساهم بإضعاف الدولة والمؤسسات اقتصادياً، ولاسيما في الملف الزراعي وآليات الدعم، على اعتباره أمراً يمس الأمن الوطني، داعياً لإعادة هيكلة الدعم الزراعي التقليدي من دعم (المدخلات) إلى دعم (المخرجات)، وذلك بتحويل الدعم من مستلزمات الزراعة إلى دعم المنتج النهائي، مما قد يمنح وفرة مالية لشراء المحاصيل بالسعر العالمي، ويضاف إليه نسبة حوافز، ما يكافح الفساد بتوزيع المخصصات، ويسهم بتوسيع الرقعة الزراعية بشكل تلقائي، ويكافح الهدر بالمردود الزراعي للهكتار، ويرفع من نسبة الجودة بالمنتج مما يسهم برفع نسبة الإنتاج الصناعي للمادة الأولية الزراعية.
التركيز على هذه الملفات ليس وليد اللحظة، كما تنبع أهمية هذه الملفات من وجهة نظر طيفور لكون المنتجات الزراعية تشكل نحو ٨٤ بالمئة من المواد الأولية للصناعات المحلية، كما أن التوجه لدعم هذه المنتجات والتوسع بالرقعة الزراعية، قد يرفع نسبة الإنتاج للقمة ويسهم بتخفيض فاتورة المستوردات، علماً أن المواد الأولية تشكل وسطياً 35 بالمئة من المنتج ما ينعكس على تخفيض التكلفة وانخفاض نسبة التضخم والأسعار بالأسواق.
شراكة رابحة
ما ذكر سابقاً يأخذنا لنتيجة مفادها هو التوجه لتفعيل مبدأ التشاركية بين القطاعات بما يضمن تحقيق العدالة الاجتماعية، التي أشار إليها الخطاب، بالتأكيد على ضرورة استمرار واستقرار التوظيف الاجتماعي بالقطاع العام، لارتباط نجاح هذا الملف بشكل مباشر مع منظومة التشاركية.
هي ملف مهم جداً برأي الصناعي طيفور، وأهم أهدافه إعادة إعمار القطاع العام المدمر، وتوسعة رأس المال التشغيلي، ورفع نسبة التوظيف الاجتماعي لمكافحة البطالة، فالقطاع الخاص يمتلك المرونة اللازمة لرفع نسبة الإنتاج العام، والقدرة على رفع مستوى الرواتب، لدعم القوة الشرائية للمجتمع ورفع نسبة الطبقة الوسطى ومكافحة الفقر، لذا فإن إعادة هيكلة منظومة التشاركية هو موضوع مهم وبحاجة لدراسة إسعافية، من خلال حصر التشاركية بالمشاريع الضخمة، التي تستهدف رؤوس الأموال الضخمة فقط، وكبح فرص التشاركية المتوسطة والصغيرة، ما يستدعي التدخل الفوري لتجزئة المشاريع إلى مقاسم متنوعة الكم والنوع، وبالتالي جذب رؤوس الأموال الصغيرة والمتوسطة.
توسيع مروحة الاستثمار
هنا علينا التوقف قليلاً، والبحث في شروط التشاركية، التي ذكر الصناعي عاطف طيفور أهم بنودها ضمن منظور تحويل المشروع إلى شركة مساهمة مغفلة لعدة أسباب أهمها استهداف رؤوس الأموال الصغيرة والمتوسطة والأفراد، إضافة إلى الالتفاف على العقوبات عند جذب رؤوس الأموال الخارجية، وأهمية نظام الشركات المساهمة بتوطيد الثقة لدى المستثمر والمكتتب بالإدارة والمحاسبة والجودة، وأهميتها بدعم حركة سوق الأوراق المالية.
ربط قانون الشركات الجديد بمنظومة التشاركية أمر مهم جداً، ويساهم بتطوير الشركات العامة والعمومية عبر نظام الشركات المساهمة العصري برأيه، كما أن مشاريع منظومة التشاركية مدروسة بعناية لاستهداف قطاعات متعددة، أهمها الصناعة والطاقة، لرفع نسبة الإنتاج والصادرات، لذا علينا استهداف المشاريع التي تسهم بتوظيف أكبر عدد من المواطنين لتعزيز مبدأ التوظيف الاجتماعي الذي أكد عليه السيد الرئيس في الاجتماع.
ويُضيف طيفور«دعم مشاريع التشاركية بحاجة لاستهداف أكبر كتلة نقدية داخلية، عبر تعزيز التعاون بين الشركات العامة والعمومية وبين المصارف، وتعزيز ثقافة الاستثمار الصناعي والتجاري والزراعي للمصارف، لتحريك رأس المال المجمد وتخفيض نسبة هدر الكتلة المالية المتهالكة بالتضخم، وتعزيز منظومة الاحتياطي الكسري بالمصارف، ورفع نسبة الأرباح المصرفية، ما يفتح آفاقاً واسعة لتوسعة دائرة القروض والتسهيلات لدعم الاقتصاد العام».
من يعتقد أن جذب رؤوس الأموال للاستثمار بمشاريع التشاركية ليس محدوداً بطرح مشاريع مميزة وتقديم الأرض والمبنى فهو مخطئ، فهي بحاجة لتقديم تسهيلات وحوافز غير تقليدية برأي طيفور، عبر توفير المادة الأولية المحلية وتسهيلات خاصة لتمويل المستوردات وحوافز خاصة للتصدير، مما يجذب رأس المال الخاص إلى منظومة التشاركية، بدل التفكير بمشروع خاص.
كما أن التشاركية ليست محدودة بترميم معمل مدمر أو تأسيس مصنع جديد، وإنما مفتوحة الأفق لدعم المشاريع القائمة لرفع نسبة الإنتاج والصادرات ودعم استقرار التوريدات والموارد عبر قرار التشغيل للغير رقم- 1664-، هنا علينا التنويه بأن القطاع العام الإنتاجي بحاجة لإدارة مرنة تتناغم مع الوضع الاقتصادي الحالي، في حين يمتلك قرار 1664 القدرة على التدخل الإيجابي بالأسواق من دون موازنات واستنزاف للخزينة، فانخفاض الإنتاج للحد الأدنى بأغلب مصانع القطاع العام الإنتاجي هو كارثة اقتصادية وانعكاساتها اجتماعية، وبحاجة لإعادة هيكلة إدارية وقانونية.
تداعيات واقتراحات
أمام هذه العوائق والتعقيدات في العمل، يدعو الصناعي عاطف طيفور إلى فك الارتباط بين قرار 1664 (التشغيل للغير) وبين قانون العقود 51 للخروج من العقلية التقليدية والتعقيدات والشروط والتأمينات، مطالباً بفتح الاستيراد بطرق أكثر مرونة للمواد الأولية لعقود التشغيل الموقعة مع القطاع العام الإنتاجي، ومنحها الأولوية بالإجازة والتمويل، حيث إن تخفيض الأسعار يتم خلال مدة زمنية قصيرة، وإخراج المواد المفقودة والمحتكرة يتم بالعلم وليس بالغرامات، فالتاجر المحتكر لا يهاب القانون، لكونه خارجاً عن القانون، وإنما يهاب السوق، الذي يقوم بدراسته والقرارات ونسبة العرض والطلب الحالية والقادمة، ويدرس واقع الأسواق بالخارج، ويقرر وضع إستراتيجية أكثر ربحاً للتداول، طالما أن القراءة من مصلحته، فلن نتمكن من السيطرة مهما تشددنا بالعقوبات والغرامات.