التجار يدقون ناقوس خطر نفاد المواد من الأسواق … الجلاد: طالبنا بتعليمات تنفيذية مكتوبة توضح آلية التمويل للمستوردات والكلام الشفهي لا يحمينا
زيود: اللوم تحمله الحكومة لتغيّبها عندما مولت المستوردات بسعر المركزي وبيعت بسعر السوق السوداء
| محمد راكان مصطفى
شهدت الأسواق مؤخراً جموداً لجهة حركة الاستيراد على خلفية القرارات الحكومية الأخيرة، ما دفع بعض التجار إلى دق ناقوس الخطر بأن تؤدي هذه الإجراءات وعدم وجود تعليمات تنفيذية واضحة للمرسوم رقم 3 لعام 2020 الخاص بتشديد العقوبة على المتعاملين بالليرة السورية إلى بدء نفاد المواد من الأسواق.
عضو غرفة تجارة دمشق منار الجلاد أكد لـ «الاقتصادية» أنه لا أحد من التجار المستوردين أو المصدرين يريد مخالفة القوانين، مضيفاً: طالبنا منذ صدور المرسوم رقم 4 لعام 2020 بتعليمات تنفيذية توضح آلية التعاملات التجارية، وهذا الشيء لم يحدث. وقال: نحن نريد قرارات مكتوبة، لأن التعليمات الشفهية لا تجعلنا مطمئنين بأننا غير مخالفين، ولا تحمينا أمام القضاء، ولكوننا لا نريد الوقوع في شبهة المخالفة.
وقال الجلاد: المطلوب من الجانب الحكومي أن يصدر توضيحات، كما عليه التفريق بين الذي يتعامل بالدولار لدولرة الاقتصاد والمضاربة، وبين من هم في الأساس صلب عملهم يتضمن التعامل بالقطع الأجنبي، وتابع: إلا أننا لم نحصل على إجابات، وقالوا لنا ليس هناك حاجة إلى تعليمات تنفيذية.
وأردف عضو غرفة التجارة قائلاً: لاحظنا من خلال الممارسات على الأرض أنه ليس هناك شيء واضح، بل هناك عشوائية بالتنفيذ.
وأشار الجلاد إلى أنه في السوق محال تجارية تعتمد على الزبون من الزائر من خارج البلاد الذي يأتي بعشرة آلاف دولار مثلاً ويقوم بشراء أشياء متفرقة، منوهاً بوجود نحو 50 إلى 100 شخص من المغتربين أو السائحين يقومون بعمليات شراء يومياً، معتبراً أن قرار حجب التعامل بالدولار أدى إلى صعوبة بالتعامل معهم. فمثلاً يأتي شخص لبناني للشراء لا يملك إلا عملة صعبة، وبالطلب منه أن يذهب ليصرف نقوده، وبسبب فرق السعر يجد أن سعر القطعة لم يعد يناسبه، ما يدفعه إلى صرف النظر عن الشراء، مطالباً بوضع تعليمات خاصة بهذا النوع من المعاملات، مضيفاً: وذلك مهم جداً لكون طبيعة عملنا تفرض احتكاكاً بالأجنبي، وهو يتعامل بالدولار فقط، أسوة بالتعليمات الناظمة لعمل منشآت الإقامة الفندقية مع السائحين.
وعن موضوع تمويل المستوردات بيّن الجلاد أنه وحتى في حال كانت البضاعة مشملة (بالتمويل) فالمشكلة بأن البنك لا يغطي للمستورد كل المبلغ، مضيفاً: ناهيك عن العمولات العالية المتقاضاة، وعما يترتب على التاجر من انتظار ريثما تتوافر الأموال لتمويله من البنوك التي ليس لديها الكفاية لكل ذلك، منوهاً بوجود البعض ممن لا يلتزمون بالتسعيرة النظامية، إضافة إلى وجود مواد غير مشمولة بقرار التمويل، والتي يطلب من التاجر أن يغطيها بمصادره الخاصة، ليجد التاجر نفسه لا يعرف كيف أو من أين يستطيع أن يغطيها؟
وعاد الجلاد ليؤكد التزام التجار بالقوانين، وبرأيه بأن من يتعامل بالقطع الأجنبي هم المهربون الذين يجلبون بضاعتهم بالأساس تهريباً وهم مخالفون وخارجون عن القانون.
ولفت الجلاد إلى أن الاعتماد على المدخرات الخارجية ليس حلاً، إذ إنه ليس الجميع لديه مدخرات، وحتى التاجر الذي لديه مدخرات يستطيع أن يستورد من مدخراته مرة أو مرتين، ثم يتوقف ويصبح بحاجة إلى تأمين القطع، وهذا يعطي أولوية لضرورة صدور تعليمات تنفيذية واضحة، حتى لا يقع التاجر المصدر أو المستورد بالمخالفة، لكون التاجر لا يريد التعامل بالدولار في السوق السوداء.
ودق الجلاد ناقوس الخطر خشية من بدء نفاد المواد من الأسواق، منوهاً بأنه يتم التركيز على البضائع الاستهلاكية الأساسية، على حين هناك مواد أولية تدخل في الصناعة، والخوف أن ينتهي هذا المخزون.
وقال الجلاد: نسمع من الناس عن شخص بالطريق وجد في حوزته عملة صعبة تم توقيفه، كما سمعنا عن وجود حالات كثيرة حصل فيها تجاوزات في التطبيق للمرسوم رقم 3 لعام 2020، وتم تداول أحاديث أن هناك أشخاصاً تم توقيفهم.
وجواباً على سؤال «الاقتصادية» إن كان بعض الأشخاص من التجار فوق المحاسبة، أضاف: ليس لدي معلومات عن وجود تجار لديهم وضع خاص، مضيفاً: ونحن جميعنا ضد المضاربة والتعامل بالدولار في الأسواق المحلية، لكن نريد حماية من يريد ممارسة النشاط الاقتصادي وهو فعلاً غير مضارب.
وأشار الجلاد إلى وجود مصدّر لكميات كبيرة من المنتجات لديه وكيل في الخارج يمكن أن يستثمر له ثمن البضاعة المصدرة بشراء مواد أولية لكن هؤلاء قلة وعددهم بالعشرات فقط، أما المشكلة بأن هناك آلاف المصدرين الذين ليس لديهم وكلاء في خارج القطر وهؤلاء يعتمدون على الزبون الزائر من خارج البلد الذي سدد ثمن البضائع التي يريدها أو لجزء منها، ويطلب منه أن يرسلها بالشحن ليتم تسديد بقية المبلغ مرة أخرى أو بعد شهر، والكثير من المحال التجارية والورشات الصغيرة والحرف جميعها لا تملك وكلاء في الخارج، ونحن نتحدث عن العدد الأكبر، التي تضع قاطرة للناتج المحلي على الطريق الصحيح، وهذه النسبة كبيرة توقفت عن العمل تماماً، وآلاف المحال تعيش على التصدير الجزئي الصغير الذي يعتمد على الدفع النقدي.
مسؤولية المصرف المركزي
من جانبه أكد الصناعي أسامة زيود عدم وجود آلية واضحة لتمويل المستوردات، سواء للمواد التجارية أم للمواد الأولية، مضيفاً: المرسوم الجمهوري 4 الهادف إلى منع التداول بغير الليرة السورية والحد من تهريب الدولار، لم يكن المقصود به محاسبة الأشخاص الذين بحوزتهم 100 دولار أو ألف دولار، والمرسوم كان موجهاً للأشخاص الذين يستغلون الأوضاع لتجميع الدولار، وتهريب القطع الأجنبي إلى خارج البلاد، وتابع: المشكلة أن الآلية لتمويل المستوردات لم يوضحها البنك المركزي ولا الجهات المسؤولة عن مكافحة تهريب الدولار، مضيفاً: إن التعليمات التنفيذية لم تكن واضحة بهذا الشأن.
وأكد زيود ضرورة التعامل فقط بالعملة الوطنية والتسعير بها، محملاً المسؤولية للبنك المركزي الذي يجب أن يوضح آلية عملية التمويل وأولويات تمويل المواد الأولية.
وطالب زيود بضرورة حصر التعامل بالدولار بالمصارف الخاصة والعامة والمكاتب المرخصة نظامياً، منوهاً بأن فتح الأبواب للتعامل بالقطع الأجنبي لأي شخص لكي يقوم بالتصريف يوصلنا إلى دمار وارتفاع في أسعار أكثر، وكذلك الأمر مادام التهريب موجوداً هنا وهناك يرافقه تصريف للدولار بالسوق السوداء.
وعاد ليشدد على ضرورة توضيح آلية التمويل بشكل مباشر، وعلى اقتصار التمويل للمواد الأولية غير الموجودة في سورية، أما المواد التي فيها إحلال استيراد فيجب منعها من التمويل.
ورأى زيود أن تأخر صدور التعليمات التنفيذية سيسبب ضرراً بنسبة 20% فقط ليس أكثر، لكونه بالإمكان تصدير بضاعة بالرغم من الحصار الاقتصادي الجائر على الشعب السوري، واستقدام قطع أجنبي للبلد.
ووجّه زيود اللوم للجهات المسؤولة لتغيبها عندما تمّ تمويل المستوردات بسعر صرف المركزي، وتمّ بعد ذلك بيع البضائع وفقاً لسعر الصرف في السوق السوداء، مطالباً بوضع قائمة بأسماء من تمّ تمويلهم بسعر المركزي، ومحاسبة من أخذوا التمويل وباعوا بسعر السوق السوداء، وحققوا أرباحاً كبيرة.
زيود رأى إن كانت الحكومة ترغب فعلاً في دعم الاقتصاد الوطني فعليها تخفيف رسوم المواد الأولية التي لم تصنع في سورية، مؤكداً إمكانية تأمين الاحتياج من المواد الأولية محلياً إذا أجاد الفريق الصناعي عمله.
وكان عضو مجلس الشعب أحمد الكزبري أكد في مداخلة له خلال إحدى الجلسات مؤخراً أن تطبيق المرسوم 3 الخاص بفرض عقوبات التعامل بغير الليرة غير سليم على الإطلاق، موضحاً أن الأجهزة المعنية تفتش المواطن في الشارع، على الرغم من أن ذلك ممنوع، مضيفاً: حتى إن هناك أشخاصاً تم توقيفهم ومعهم فقط 25 دولاراً، علماً أن الحيازة ليست جرماً يعاقب عليها.
ولفت الكزبري إلى أن بعض الشركات المشتركة لم تعد تستطيع أن تستورد قطع غيار وهي تعمل بقطاعات خدمية مهمة، على الرغم من أنهم يملكون في حساباتهم مبالغ بالدولار، معتبراً أن هذه مشكلة كبيرة، وإذا بقي هذا النهج فإنه بعد ثلاثة أشهر لم يعد هناك شيء اسمه دوران للحركة الاقتصادية.
لا توقيف للحائزين
من جانبه بيّن قاضي الإحالة المالي الأول بدمشق حسان سعيد أنه وعند وجود شبهة بارتكاب جرم تعامل بغير الليرة السورية، لابد من التفتيش والتحري للمكان الذي يتم به ارتكاب المخالفة، مضيفاً: إلا أنه لا يتم توقيف أو تفتيش أي شخص في الشارع بحوزته عملة أجنبية.
وأكد سعيد أن جميع الضبوط التي تحال إلى القضاء يجب أن تكون منظمة بحضور ضابط من مصرف سورية المركزي، كما أنه يجب أن تكون الأقوال مثبتة ومقترنة بالدلائل.
وقال: بعد صدور المرسومين 3 و 4 لعام 2020 لم تردنا أي قضية بالتعامل بغير الليرة السورية وتكون الأدلة غير كافية.
رئيس فرع الأمن الجنائي في دمشق وليد عبدللي بيّن أنه تم الاعتماد كأسلوب عمل على جمع المعلومات والتقصي الدقيق لجميع الحالات التي تمّ بها التجاوز والتلاعب في سعر الصرف وعمليات التداول غير المشروعة، مؤكداً أن الفرع حقق نتائج مرضية وجيدة في هذا المجال، وتمّ تنظيم العديد من الضبوط العدلية بهذا الخصوص وتوقيف الأشخاص المخالفين وتقديمهم إلى القضاء عن طريق إدارة الأمن الجنائي.
وأشار إلى أنه تم تعزيز نشر الدوريات بأمرة ضباط وبالتنسيق التام مع إدارة الأمن الجنائي ضمن مدينة دمشق ومهمة تلك الدوريات رصد ومتابعة جميع الحالات والارتكابات التي تمت بما يخالف نص المرسومين 3 و4 لعام 2020.
وقال عبدللي يتم العمل بجميع المعلومات والتأكد منها بعد ورود معلومات عن ارتكاب نشاط مخالف للمرسوم، مضيفاً: ويتم ضبط المخالفة بحضور ومؤازرة دورية من مصرف سورية المركزي.
وأكد رئيس الفرع إعطاء تعليمات مشددة للدوريات بعدم تفتيش أي شخص لمجرد الشبهة، مشددا ًعلى أن حيازة الدولار ليس فيها أي مشكلة بالنسبة لشخص يملكها بقصد ادخارها، وليس بقصد الاتجار أو المضاربة بها.