كورونا يقود اقتصاد العالم نحو «الهاوية»!! سقوط حرّ لأسواق المال العالمية وانهيار أسعار النفط و20 دولة تطلب تمويل من صندوق النقد الدولي
خسائر الاقتصاد العالمي قد تسجل 347 مليار دولار منها 237 ملياراً للصين وحدها
| علي نزار الآغا- محمد راكان مصطفى
يتلقى الاقتصاد العالمي صدمات قوية من تفشي فيروس كورونا، والانخفاض الحاد في أسعار النفط، بنحو ثلث قيمته، والتي سجلت أمس أكبر خسائر يومية منذ حرب الخليج عام 1991، أدت إلى سقوط حرّ لأغلب مؤشرات أسواق المال العالمية والعربية.
وطلبت20 دولة قروضاً من صندوق النقد الدولي لتمويل برامجها الخاصة بكورونا، وأكد الصندوق استعداده لمنح ترليون دولار، وبأنه يقوم بدراسة طلبات التمويل.
ووفقاً لتقديرات بنك التنمية الآسيوي سيتكبد الاقتصاد العالمي خسائر كبيرة جداً نتيجة تفشي وباء كورونا، حيث تتدرّج الخسائر المالية على مستوى العالم من حوالي 77 مليار دولار في الحالة المتفائلة إلى ما يقارب 156 مليار دولار في الحالة المتوسطة وتصل إلى 347 مليار دولار في الحالة المتشائمة، وتتحمّل الصين وحدها الجزء الأكبر من هذه الخسائر من حوالي 44 إلى 103 إلى 237 مليار دولار حسب السيناريو.
كما أنّ موقع الصين في الاقتصاد العالمي كمُنتج لعددٍ كبير من السلع الوسيطة التي تستخدمها المصانع حول العالم في عمليات إنتاجها، إضافة إلى دورها كمُنتجٍ لقائمة طويلة من سلع الاستهلاك النهائي، يجعل تراجع مستوى النشاط الاقتصادي فيها مولداً حلقة تتسع طرداً من الآثار السلبية على اقتصادات الدول الأخرى.
وأعلن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية عن توقعات متشائمة فيما يتعلق بتدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر على مستوى العالم، فبعد أن كانت التوقعات تشير إلى ارتفاع هذه التدفقات بنسبة 5% في عامي 2020-2021 حذّر المؤتمر من احتمال تراجع هذه التدفقات إلى أدنى مستوياتها منذ فترة الأزمة المالية العالمية 2008-2009 وذلك في حال استمرار الوباء في الانتشار خلال العام الحالي.
وقد يكون قطاع النقل الجوي أحد أكثر القطاعات الاقتصادية تضرراً بفعل انتشار وباء كورونا.
تبين تقديرات الاتحاد الدولي للنقل الجوي «الأياتا IATA» أنّ خسائر إيرادات حركة المسافرين الدوليين تتراوح بين 63 و 113 مليار دولار تبعاً لنطاق انتشار الوباء، كما تراجعت أسعار رحلات الطيران بحوالي 25% منذ تاريخ تفشي الفيروس.
صدمة النفط
من صدمة كورونا إلى أسعار النفط، تزداد خسائر الاقتصاد العالمي، ويزداد الذعر، وتحول النفط من إحد آثار تفشي كورونا نتيجة انخفاض الطلب عليه، إلى أزمة بحدّ ذاته، بعد تحول دول مصدرة كبرى كالسعودية إلى زيادة الانتاج لتعويض إيراداتها النفطية الناجمة عن تراجع الأسعار، لذا، تراجعت العقود الآجلة لخام برنت بداية الأسبوع الماضي 22 بالمئة عند 37 دولاراً للبرميل بعد أن نزلت في وقت سابق 31 بالمئة إلى 31 دولاراً للبرميل وهو أدنى مستوى منذ 12 شباط 2016، وتراجع خام غرب تكساس الوسيط الأميركي أكثر من 24 بالمئة إلى 33.2 دولاراً للبرميل بعد أن هوى في البداية 33 بالمئة إلى 27.34 دولاراً وهو أيضاً أدنى مستوى منذ 12 شباط 2016.
وذكرت وكالة الطاقة الدولية أن الطلب العالمي على النفط يتجه للانكماش في عام 2020 للمرة الأولى منذ عام 2009، وخفضت توقعاتها السنوية بمقدار نحو مليون برميل يومياً، ما يشير إلى انكماش قدره 90 ألف برميل يومياً.
وخفض غولدمان ساكس أيضاً توقعاته لخام برنت إلى 30 دولاراً في الربعين الثاني والثالث من عام 2020، ترافق ذلك مع انخفاض حاد في مؤشرات أسواق المال في العالم، ما يعيدنا إلى مشهد الاقتصاد العالمي عند بدء أزمة 2008.
وبحسب غولدمان ساكس ريسيرش «يفترض الآن أن إنتاج النفط الأميركي سينخفض بأكثر من مليون برميل يوميا من المستويات المرتفعة المسجلة في الربع الثاني من 2020 بحلول الربع الثالث من 2021، ونعتقد أن الشركات التي تعلن عن تخفيضات في الإنفاق الرأسمالي تستعد بوجه عام لسعر نفط يتراوح بين 30 و35 دولاراً للبرميل لفصول كثيرة».
ونقلت رويترز عن خمسة مصادر تجارية أن السعودية تغمر أوروبا بالنفط عند أسعار منخفضة تصل إلى 25 دولاراً للبرميل، مستهدفة بشكل خاص شركات التكرير الكبرى التي تعتمد على النفط الروسي، في تصعيد للصراع مع موسكو على الحصص السوقية.
وتطبق السعودية خفضاً كبيراً على أسعار البيع الرسمية لنفطها، وقال متعاملون إنه يجري عرض الخامين العربي الخفيف والمتوسط بسعر بين 25 و28 دولاراً للبرميل.
وقال مسؤول اقتصادي كبير في المفوضية الأوروبية: «من المرجح للغاية أن يصبح الاتحاد الأوروبي ومنطقة اليورو في حالة ركود اقتصادي هذا العام بسبب تفشي فيروس كورونا».
وقال مارتن فيرفي، مدير الشؤون الاقتصادية بالذراع التنفيذية للاتحاد، متحدثاً خلال مؤتمر صحفي في بروكسل «من المرجح بدرجة كبيرة أن يهبط النمو بالنسبة لمنطقة اليورو والاتحاد الأوروبي ككل إلى الصفر هذا العام بل ربما بانخفاض كبير عن الصفر».
أسواق المال حمراء
انخفضت مؤشرات أسواق الأسهم العالمية والعربية بنسب كبيرة، إثر اتساع مخاوف تفشي الفيروس عالمياً، واستمرار القلق في سوق النفط وزيادة المعروض، وسط انخفاض في الطلب إثر تراجع الانتاج والتشغيل.
وبالأرقام، سجل مؤشر البورصة الإيطالية أكبر انخفاض خلال الفترة بين 9 و13 آذار، بنسبة 13.68%، تلاه مؤشر داكس للبورصة الألمانية بنسبة 13.11% للفترة نفسها، ثم مؤشر كاك 40 للبورصة الفرنسية بنسبة 12.52%، ومؤشر نيكي الياباني بنسبة 11.51%، ومؤشر فوتسي 100 البريطاني بنسبة 10%.
في حين انخفض زخم هبوط مؤشرات البورصات الأمريكية والصينية خلال الأسبوع الثاني من آذار بعد أن سجلت انهيارات سابقة، حتى علّق التداول ربع ساعة في بورصة نيويورك، ولم ينجو مؤشر الداو جونز من تخطي مستوى 24 ألفاً، منخفضاً 2.79% خلال الفترة بين 9 و13 آذار، كما انخفض مؤشر إس آند بي 500 بنسبة 1.29%، والناسداك بنسبة 0.95%، في حين انخفض مؤشر شانغهاي المركب للبورصة الصينية بنسبة 1.9%.
أما عربياً، فكان أكبر هبوط لمؤشر بورصة أبو ظبي بنسبة 10.73% خلال الفترة بين 8 و13 آذار، تلاه مؤشر بورصة دبي بنسبة 10.36%، ثم المؤشر العام للسوق السعودي بنسبة 7.15%، وقد سجل مؤشر أرامكو انخفاضاً حاداً دون قيمته وقت الطرح الأولي (32 ريالاً) بنسبة تزيد على 13%.
وخلال الفترة نفسها، انخفض مؤشر بورصة مصر بنسبة 5.53%، ومؤشر بورصة تونس بنسبة 4.32%، والمؤشر العام للسوق الأردني بنسبة 3.3%، ومؤشر بورصة الكويت بنسبة 1.39%.
وخلافاً لهذا الاتجاه الهابط، سجل مؤشر سوق دمشق للأوراق المالية ارتفاعاً بمقدار 7.62 نقاط وبما نسبته 0.12% خلال الأسبوع الثاني من آذار، كما ارتفع مؤشر الأسهم القيادية بمقدار 9.60 نقاط، وبما نسبته 0.87%.
وعلّق خبير الأسواق المالية الدكتور سليمان موصلي على الموضوع بأن تفشي فيروس كورونا والإجراءات الاحترازية المرافقة أدت إلى انخفاض الطلب على النفط، لتراجع مستويات الإنتاج والتشغيل والتصدير، وخاصة لدى الصين، ما أدى إلى انخفاض أسعاره إلى مستويات قياسية، تعزّز بعدم الاتفاق على تخفيض مستويات الإنتاج، إذ تتأذى الدول المصدّرة للنفط من انخفاض أسعاره، وللحفاظ على حصتها السوقية قد لا تخفض الإنتاج، بل تسعى أحياناً لزيادته من أجل تعويض إيرادات انخفاض الأسعار، فتنخفض الأسعار أكثر.
ولفت إلى أن الأمر مختلف بالنسبة للدول المستوردة، وفي حالة سورية، يعدّ الانخفاض الكبير في أسعار النفط فرصة لتخفيض تكاليف استيراده، لكونها تعتمد على الاستيراد بشكل رئيس لتلبية الطلب المحلي على المشتقات النفطية، كما تنخفض فاتورة الدعم إلى ما يقرب النصف، وبالتالي من المهم جداً أن تنتبه الحكومة لهذا الواقع، وتعمل على زيادة تعاقداتها لتوريد المشتقات النفطية، وخاصةً أن التوقعات تشير إلى مزيد من الانخفاض في أسعار النفط في الأفق المنظور.
وزارة الاقتصاد مستعدة
صرحت معاونة وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية رانيا أحمد لـ«الاقتصادية» بأنه لا يمكن تجاهل تأثر حركة التجارة الخارجية في سورية، استيراداً وتصديراً، سلباً بتداعيات تفشي فيروس كورونا المستجد على المستوى العالمي، إضافة إلى الصعوبات المفروضة أساساً إثر الإجراءات القسرية أحادية الجانب الجائرة التي تفرضها أمريكا ودول غربية أخرى على الشعب السوري، وهذا ما من شأنه أن يؤخر انسياب المواد.
وأمام الواقع، بينت أحمد أن الوزارة تستعد بحزمة من الإجراءات والتدابير للحدّ من الآثار السلبية المستجدة من تفشي فيرو كورونا عالمياً، وتأمين البدائل المناسبة، وبشكل سريع، من أجل ضمان انسياب المواد إلى السوق المحلية وتلبية احتياجاتها.
أثار موجعة
من جانبه رأى الخبير الاقتصادي عابد فضلية أن الآثار الاقتصادية لوباء الكورونا أكبر بكثير من الآثار الصحية له، معيداً ذلك إلى إمكانية السيطرة عليه صحياً، في حين لملمة آثاره اقتصادياً تعد أمراً غير سهل، وسوف تكون آثاره مزلزلة وموجعة جداً وسوف يعاني منها العالم لمدة عشر سنوات على الأقل.
ولفت إلى أن الآثار الاقتصادية عالمياً بدأت فعلياً فمثلاً في بريطانيا تم تخصيص 30 مليار جنيه إسترليني للوقاية، فبدلاً من استثمار هذه المبالغ في التنمية والرعاية والنفع العام، يتم استخدامها لتجارب مرضية كالكمامات مثلاً التي يتم رميها في حاويات القمامة، إضافة إلى عشرات المليارات التي تهدر في سبيل الوقاية من الوباء، معتبراً أن هذه المحاولات تعتبر غير مجدية اقتصادياً، وأثره سيستمر حسب المعطيات.
وأكد فضلية أنه يؤثر أيضاً في ظروف معيشة لكل المواطنين، لكونهم سوف يضطرون إلى التزام منازلهم، وعدم تمكنهم من تأمين مستلزماتهم، ما يعني أن له أثراً أكبر من كونه وباء مرضياً بحد ذاته.
وأضاف: سيكون هناك أثر على أمور الشحن والتجارة الخارجية نتيجة لإغلاق الحدود مع دول الجوار، مؤكداً ضرورة الاعتماد على الذات لتخفيف الآثار على السوريين، مع ضرورة تقليل الاعتماد على التجارة الخارجية والاستيراد، والعمل على زيادة الاكتفاء الذاتي والإنتاج المحلي وتأمين الاحتياجات من الداخل بقدر الإمكان.
واعتبر فضلية أن أحد الآثار الموجعة الأخرى هو أن جزءاً من مستلزمات الإنتاج من مواد أولية وغيرها يصل إلينا من دول أخرى عن طريق الاستيراد، وخاصة من الصين التي كان الاعتماد عليها بشكل أساسي خلال السنوات الماضية، منوهاً بأن انقطاع تمويل أحد مستلزمات الإنتاج من عشرة مستلزمات تدخل في صناعة منتج محلي سيؤدي إلى تعطيل إنتاج هذا المنتج، ما يؤدي إلى عرقلة أو تأخر أو غلاء، إضافة إلى وجود مواد يتم استيرادها بشكل كامل من الخارج كالرز مثلاً، مؤكداً أنه لن يكون هناك سلاسة في استيراده كما كان قبل، إضافة إلى ما سوف يترتب عليه من زيادة التكاليف.
وقال: لا يوجد لدينا أي إصابة بالمرض ونحن بألف خير صحياً، ولكن الدول الأخرى لا تستطيع مدّنا بأي شيء إن احتجنا، إذاً المشكلة باعتبار أن الحدود مغلقة ويوجد خوف وأن الناس محجوزة في منازلها.
وأضاف: ومن الآثار الاقتصادية المزلزلة الأخرى محلياً هو توقف السياحة وليس ضعفها، وتوقف النقل الجوي في عدة اتجاهات، ناهيك عن توقف النقل والشحن الجوي، ما يعيق انسياب البضائع، منوها بالإجراءات الحكومية حيث قامت باختصار ساعة من الدوام الرسمي فهذا ليس قليلاً وإلزام 60% من المواطنين بالجلوس في منازلهم وهم يقبضون رواتبهم من دون مردود، ما يشكل بالمجمل خسائر، إضافة إلى جولات مديريات الصحة وجلب الأجهزة والمعقمات وهذا يؤدي إلى الكثير من الخسائر.
وشدد فضلية على ضرورة زيادة الطاقة الإنتاجية في المنشآت التي تنتج مواد ضرورية كالمواد الغذائية والدوائية على سبيل المثال، لكون ذلك لا يعد من الأمور، مقترحاً أن يتم ذلك من خلال زيادة ساعات العمل للساعة الثامنة مساء عوضاً عن أن تبقى للساعة الرابعة فقط، وأن يتم غض النظر عن اقتصاد الظل المنتج غير المرخص إدارياً مع الحفاظ على النوعية، في حال كان إنتاجه يزيد من السلع المعيشية والضرورية والغذائية والدوائية والمعقمات والمنظفات، بمعنى عدم التشدد ومراقبتهم إلا فيما يخص الجوانب الصحية والمواصفات القياسية وذلك لأهمية إنتاجهم في هذه المرحلة بسبب الحاجة إلى مخزون إضافي، بمعنى التساهل مع الإجراءات الإدارية في حال عدم وجود ترخيص، بشرط الالتزام بالجودة والنوعية.
زيادة الإنفاق
الاستاذ في كلية الاقتصاد بجامعة دمشق الدكتور هيثم عيسى في دراسة رأى أن الآثــار الاقتصاديــة لفايــروس كورونــا ســتصيب اقتصادات كل الدول، بما فيها سورية، بنسب متفاوتة سواء وصل إليها الوباء أم لم يصل.
وبين أنه وعلى المستوى الكلي، سيحصل تغير في بنية الإنفاق الحكومي، حيث ترتفع قيم بعض البنود مثل الإنفاق الصحي والدعم الحكومي وكذلك التمويل المخصص للطوارئ وغيرها. في مقابل ذلك، من المؤكد حصول تراجع في إيرادات الحكومة من مصادر مختلفة مثل عوائد الرسوم الجمركية مع تراجع قيم المستوردات وركود التجارة الدولية، وحصيلة الإيرادات الضريبية بفعل الركود الاقتصادي. بالمحصلة، من المتوقع أن يزداد عجز الميزانية الحكومية تحت تأثير تضخم جانب الإنفاق الحكومي وتراجع جانب الإيرادات الحكومية، وستتحدد قيمة هذا العجز بناءً على فعالية إجراءات مكافحة التهرب الضريبي التي تنشط في تطبيقها وزارة المالية السورية خلال الفترة الأخيرة.
واعتبر عيسى أن ذلك يفرض ضرورة ترشيد الإنفاق الحكومي ووضع سلم أولويات في الإنفاق والالتزام به ما أمكن وتخصيص جزء أكبر من هذا الإنفاق لدعم الأنشطة الاستثمارية والإنتاجية.
وتوقع حصول اضطراب وعرقلة في بعض المجالات الإنتاجية التي تعتمد على مدخلات مستوردة، وإن يكن بعد شهر أو أكثر، وذلك تبعاً لحجم المخزون الذي تحتفظ به الشركات المحلية من تلك المدخلات. مع احتمال أن تكون مسألة توفير القطع الأجنبي «الدولار» اللازم لتمويل مستوردات تلك الشركات مشكلة إضافية تتطلب عناية واهتمام الجهات الحكومية صاحبة العلاقة، بحيث تصبح معالجة الحكومة لهذه المشكلة ذات أهمية فائقة بالنسبة للشركات التي تُنتج سلعاً أساسية في مثل هذه الأزمة كالمواد الغذائية والأدوية والأجهزة والتجهيزات الطبية ومواد التنظيف والتعقيم وغيرها.
ولفت عيسى إلى أن ذلك قد يؤدي لصعوبات في التسويق الداخلي أو الخارجي وإلى تعرض الشركات إلى صعوبات مالية تتسبب بدورها في زيادة عدم استقرار مستويات الإنتاج وتراجعها، متوقعاً تأثر بعض الفروع الإنتاجية أكثر من غيرها حتى في حال عدم وصول الوباء، مشيراً إلى ما تضمنته الإجراءات الوقائية الحكومية مثل وقف الدوام في المدارس والجامعات وإلغاء النشاطات الاجتماعية والثقافية والرياضية والإغلاق المؤقت لصالات المناسبات العامة وغيرها. منوهاً بأنه وفي مثل هذه الحالات ولاسيما فيما يخص القطاع الخاص سينخفض حجم الإنتاج ومستويات العمل وسيفقد بعض العاملين في هذه الفروع أعمالهم على الأقل جزئياً وبالتالي سيحدث تراجع في دخولهم الأمر سيجعلهم في حاجة ماسة للحصول على إعانات أو قروض مالية ميسرة. ما يستدعي تطوير سياسات التسليف الحكومية بما يراعي خصوصية الحالة المؤقتة وبما يمكن الأفراد من تجاوز هذه الصعوبات المالية بأقل الخسائر وعدم تقويم الأمور من منظور منفعي ضيق يعتمد حسابات الربح والخسارة المحاسبية.
وبالنسبة للجانب التسويقي، أكد عيسى أنه وما لم تتطور الأمور وتطلب فرض حظر تنقل قد تستمر أنشطة السفر والتسويق ونقل المنتجات المختلفة داخل سورية بصورتها الطبيعية، لكن في حال حدوث أمر طارئ وظهور الوباء في منطقة ما فقد يصبح من الضرورة حظر الانتقال إلى تلك المنطقة في سياق احتواء المرض ما يتطلب الاستعداد لاتخاذ إجراءات عاجلة.
واقترح عيسى في هذا المجال ضرورة أن تكون السورية للتجارة مستعدة للتدخل كذراع للحكومة يساعد في مجال التسويق والبيع غير الروتيني في صالاته تبعاً لتطورات الحالة.
واستعرض الباحث تأثيرات الأزمة في المستوى الفردي، متوقعاً حدوث تراجع في مستوى المعيشة سببه الأول ارتفاع الأسعار، إما كنتيجة منطقية لأسباب موضوعية مرتبطة بأزمة وباء كورونا وإما نتيجة استغلال الوضع من بعض المنتجين والبائعين، إضافة إلى تراجع كمية العرض من بعض المنتجات المستوردة بسبب صعوبات الشحن والنقل من الدول الأخرى ولاسيما إذا كانت الدول المنتجة لتلك المنتجات تعاني انتشار الوباء فيها.
ولفت عيسى إلى أن بعض الأفراد سيفقد جزءاً من دخولهم نتيجة توقف الأنشطة التي يعملون فيها. ما يستدعي تنسيق العمل بين مؤسسات الحكومة المختلفة المعنية بمراقبة الأسواق وحماية المستهلك وتفعيل المنافسة ومنع الاحتكار من أجل تشديد وتكثيف العمل لمنع حالات استغلال الوضع ومعالجتها في حال حدوثها.
وافترض الباحث أنه على الحكومة السورية مراسلة الأمم المتحدة والمؤسسات الدولية وشرح خطورة الحصار الاقتصادي المفروض على سورية بموجب العقوبات القسرية الأحادية الجانب المفروضة من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وأن هذا الحصار يحد فعلياً من قدرة سورية على التأهب والاستعداد المناسب لوبــاء وفـــق إرشادات منظمة الصحة العالمية وبالتالي أهمية رفع الحصار.
معتبراً أنه يمكن في هذا المجال التركيز والاستناد إلى الدعوات المتكررة التي وجهتها أكثر من منظمة دولية مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي من أجل حدث الدول على عدم اتباع سياسات حمائيــة تضــر بالتجــارة الدولية وبيان أن الحصار يؤثر في التجارة الدولية كما السياسات الحمائية التي تدعو تلك المنظمات إلى الابتعاد عنها.
مضيفاً: أكثر من ذلك، يصنف البنك الدولي حالياً سورية ضمن مجموعة دول الدخل المنخفض وهو خصص مساعدات مالية لمجموعة الدول هذه، وبالتالي يجب أن نطالب كما الدول الأخرى بالمساعدة المالية والعينية والفنية.
أما بالنسبة للأثر الإيجابي لتراجع أسعار النفط في السوق الدولية على الاقتصاد السوري بينت الدراسة أن سعر برميل النفط حالياً وصل إلى نحو نصف سعره عند بداية عام 2020 ومن المتوقــع أن يتابع اتجاهه الهابط. منوهاً بأنه وعند إعداد موازنــة الحكومة لعام 2020 كان سعر برميل النفــط يتجاوز الـ66 دولاراً وعلى أساس هذا السعر تم تخصيص المبالغ اللازمة لدعم شراء المشتقات النفطية، الآن مع تراجع أسعار النفط الدولية قد تصل قيمة الوفورات عند شراء تلك المشتقات إلى ما يقارب النصف. مضيفاً: منطقياً، يتوقع في حال حصول تلك الوفورات أن تتراجع أسعار المشتقات النفطية في سورية التي يتم تحديدها إدارياً، الأمر الذي له انعكاس مباشر على مستوى المعيشة وانعكاس آخر غير مباشر نتيجة تراجع تكاليف الإنتاج بنسب مختلفة تتعلق بمقدار تخفيض أسعار المشتقات النفطية وكذلك بنسبة مساهمة هذه التكاليف من التكلفة الكلية.