اجتماعات تخفيض الأسعار… كلام كثير… وفعل قليل! … عضو مجلس الشعب: التنافس يخفض الأسعار.. التموين: القرارات والإجراءات تخفض الأسعار
شعيب: الإجراءات الحكومية الأخيرة سيكون لها أثر مهم في السوق ... «تجارة دمشق»: الاقتصاد لا يخضع للرغبات وهناك من يبحث عن «متهم»
| سيلفا رزوق
حفنة من القرارات المتتالية والتشريعات والتعليمات واللوائح أصدرتها الحكومة مؤخراً على سبيل تقديم الحلول للمعضلة الأصعب وهي تخفيض الأسعار، والنتيجة واحدة، أسعار جنونية اكتوى منها الجميع، حولت حياة السوريين إلى حالة من اللهاث وراء تأمين المتطلبات الرئيسية لحياتهم اليومية.
ارتفاع الأسعار الجديد الذي جاء على خلفية تطورات أثرت في سعر صرف الدولار، لامس حدود اللامعقول، مقارنة بدخل السوريين، الموظفون منهم وغير الموظفين.
كثرة الاجتماعات والوعود والقرارات حتى اللحظة لم تأتِ بخبر سعيد، والجنون استمر على حاله، ولسان حال السوريين اليوم يقول: متى ستنخفض الأسعار؟ وأين الحلول؟
«الاقتصادية» بحثت في أروقة الجهات المهتمة والمعنية، وحاولت الحصول على إجابة «للسؤال المعضلة» اليوم.. واستمعت لوجهات النظر من عدد من المطلعين على هذا الملف، إن صح التعبير.
الحاجة للفكر الإبداعي والتشاركية
عضو مجلس الشعب معين نصر، قدّم رأياً وحلاً في آن معاً، وقال في حديثه لـ«الاقتصادية»: إن وجهة نظره التي قدمها للجهات المعنية، تقوم على مبدأ بسيط، وهو تكريس التنافسية، والتي ستخفض الأسعار تلقائياً، واعتبر أنه مادامت السورية للتجارة لا تستطيع الاستيراد بسبب العقوبات الاقتصادية، فإن عليها فسح المجال واسعاً أمام المستوردين، وليس حصر الاستيراد بعدد محدود منهم، يحصلون على الدعم المادي من المركزي ويحددون الأسعار أيضاً، مؤكداً أن فتح باب الاستيراد ضمن شروط وروائز محددة سيحقق التنافسية بكل تأكيد، أما التجار فجزء منهم سيئ وجزء محترم، وهؤلاء مقيدون بأسعار المستوردين.
وبيّن نصر أنه ورغم تأكيدات الحكومة بشكل مستمر على دعمها للمستوردين، غير أننا مازلنا نرى أن الاستيراد محدد بأشخاص محددين، وكذلك التسهيلات، مذكراً أنه بدلاً من أن يكون عندنا شخص محدد للسكر والأرز والمتة وغيرها من المواد، لماذا لا يكون هناك عدة مستوردين لكل مادة؟
عضو مجلس الشعب أشار إلى أن البيئة التشريعية أيضاً عليها لعب دور إيجابي، مقترحاً إقامة مناطق حرة، داخل سورية، وبالتالي نهرب من القوانين الشائكة، مؤكداً أنها ستشكل حلاً في وقت نتعرض فيه للحصار والعقوبات، كما أنها ستمنع عمليات التهريب، وهذه المناطق الحرة لن تتقيد بالقوانين الحالية، وإنما تتقيد بقوانين المناطق الحرة، وهي لا تشبه المناطق الحرة الحدودية من حيث الدفع بالعملة الأجنبية، وإنما بالعملة السورية، وهي ستخفف على التاجر والمستهلك بآن معاً.
وتساءل نصر: كيف تدعم الحكومة القطاع الصناعي وهي لا توفر أدوات العمل الصناعي؟ فحتى الآن لا تزال الكهرباء تقطع في المناطق الصناعية، كما لا يتوافر العديد من التسهيلات التي تؤمن إطلاق المصانع بصورة صحيحة، لأن انطلاق هذا القطاع سيسهم بشكل كبير في تحريك عجلة الإنتاج وتخفيض الأسعار، مشدداً على ضرورة دعم الصناعيين.
نصر لفت أيضاً إلى ضرورة دعم الإنتاج الزراعي، مشيراً إلى أن أي بلد يتعرض للحصار فإنه يلجأ لدعم الزراعة، وهذا غير متوافر بالصورة اللازمة حالياً، مشدداً على أن الحكومة لا تعمل بصورة كافية على دعم الفلاح، ولا تجد حلولاً للمشاكل التي تعوق عمله.
واعتبر نصر أنه وضمن المعطيات المتوافرة فإن الحكومة تعمل بصورة جيدة، لكنها قادرة على العمل والإنجاز بصورة أكبر بكثير للوصول إلى نتيجة، معتبراً أن هناك تقصيراً، وهناك حاجة للإبداع، وتقديم حلول إبداعية للوصول إلى نتائج إيجابية، مجدداً تأكيد ضرورة التشاركية الحقيقية بين الوزارات المعنية، للوصول إلى مثل هذه الحلول.
لا شيء اسمه ضبط الأسعار
عضو مجلس إدارة غرفة تجارة دمشق محمد حلاق، اعتبر أن الخلاف الفكري القائم اليوم يقوم على مقولة القدرة على خفض الأسعار، إذ لا شيء اسمه ضبط الأسعار، بل الصحيح هو تشجيع بيئة العمل وإنجاز جملة من التشريعات، التي تؤدي إما إلى خفض الأسعار، أو قد تتسبب في ارتفاعها في بعض الأحيان، مبيناً أن القضية هنا ليست قضية رغبات، فالاقتصاد لا يخضع للرغبات، وإنما بيئة وأسباب تؤدي إلى نتائج.
وأكد حلاق أن تبدل التشريعات باستمرار يؤدي إلى انخفاض عدد العاملين بالقطاعات التجارية، ومن ثمّ يؤدي إلى عدم حدوث مناسبة، ويؤدي أيضاً إلى إما ثبات الأسعار العالية، أو عدم انخفاضها.
حلاق أوضح لـ «الاقتصادية»، أنه في حال استمر التحرك الحكومي على هذه الوتيرة، وعلى هذا النحو المستمر، فإننا مقبلون على ارتفاع أكثر في الأسعار، مشيراً إلى أن المبادرة التي جرى إطلاقها بخصوص الاستيراد، أدت إلى نتائج عكسية.
عضو غرفة تجارة دمشق، أشار إلى أن سورية حالياً أغلب موادها المستهلكة مستوردة، وبالتالي التشريعات التي تصدر بخصوص الاستيراد مشجعة على المنافسة وستؤدي بالضرورة لانخفاض الأسعار، مبيناً أن التعليمات التي تصدر حالياً بخصوص الاستيراد باتت تؤدي وبشكل واضح لتخفيض عدد العاملين بالاستيراد ومن ثمّ تقلل المنافسة.
واعتبر حلاق أن الحل واضح، مذكراً بسنوات ما قبل الأزمة، حيث كانت المواد موجودة وبأسعار منافسة نتيجة وجود التنافس بالسوق، لكن وضع بعض التشريعات والتعليمات المعيقة للعمل «أضاع البوصلة» على حد تعبيره، حيث يجري البحث عن متهم لتحميله سبب ارتفاع الأسواق، مؤكداً أنه ينبغي الجلوس وبحث كل هذه الأمور بين قطاع الأعمال والحكومة، وبكل تفاصيلها، وبشفافية للوصول إلى حلول واضحة المعالم.
رؤية حكومية غير متجانسة
ولفت حلاق إلى التضارب بين توجهات الوزارات في بعض الأحيان، فوزارة التجارة الداخلية تسعى لتأمين المواد للمواطن بأرخص الأسعار، بينما وزارة الاقتصاد تسعى لإعطاء أقل عدد من إجازات الاستيراد للحفاظ على القطع الأجنبي، أما وزارة المالية فهي تسعى للحصول على أعلى إيراد من الضرائب والرسوم كي تتمكن من الإنفاق، وهذه المعادلة الثلاثية تحتاج إلى حل، والحل هو بتحديد هدف موحد، ورسم خط واضح ليمشي عليه المستوردون، وألا يكون متعارضاً بين هذه الجهات، مشيراً على سبيل المثال إلى أن وزارة التجارة الداخلية تمنع المستورد من الربح أكثر من 6 بالمئة، بينما تحاسب وزارة المالية المستورد على 18 بالمئة من نسبة الأرباح، متسائلاً إذا كان القانون يمنع المستورد من الربح أكثر من 6 بالمئة فكيف تتم محاسبته على 18 بالمئة.
حلاق شدد على أن رؤية الحكومة اليوم غير متجانسة، رغم أن الهدف واحد وهو توفير المنتجات بأرخص الأسعار، منبهاً من بعض الأداء الذي تقوم به الجهات المرتبطة بالتهرب الضريبي، وكذلك الجمارك والمصرف المركزي وحماية المستهلك، والتي تصب جميعها اليوم في خانة صعوبة العمل التجاري، والتي لا تيسر هذا العمل، مشدداً على الحاجة للقوانين، لكن التي تيسّر بيئة الأعمال، وليس تصعيبها.
الوزارة المعنية تقدم أسبابها وحلولها
معاون وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك جمال شعيب، أكد أن ارتفاع أسعار الصرف أثرت بصورة مباشرة في ارتفاع الأسعار في السوق، معتبراً أن الإجراءات الحكومية الأخيرة سيكون لها أثر مهم في السوق، لكن بعد فترة قصيرة، لأن التجار يعتبرون أنهم اشتروا المواد بسعر الصرف القديم وعندما يتم نفاد هذه الكميات سيهدأ السوق تدريجياً.
شعيب أشار إلى أن المرسومين (3 ) و(4) سيسهمان في استقرار الأسعار، وتوازنها، وعندما سيتم استيراد مواد جديدة للسوق سيلاحظ المواطن الفرق فوراً، مشيراً إلى أن نشرات الأسعار التي تصدرها الوزارة، تلحظ أن تكون وسطية، حيث تمنع ارتفاع الأسعار بأكثر مما هي عليه في الأسواق.
شعيب ربط في حديثه لـ»الاقتصادية»، بين ارتفاع بعض المواد الغذائية وخصوصاً الخضار بالمواسم ، حيث ترتفع أسعار بعض الخضار في نهاية الموسم، أي إن الأمر بالنهاية مرتبط بالعرض والطلب، كما أن ارتفاع تكاليف الإنتاج من أيدٍ عاملة ونقل، انعكست على أسعار المواد فوراً، وكذلك رفع الدعم عن استيراد البذور، أسهم إلى حدّ كبير في التأثير على أسعار الخضار والفواكه أيضاً.
شعيب لفت إلى أن إنتاج الخضار شتاء منخفض بطبيعة الحال، وبالتالي ترتفع أسعارها، بينما تنخفض في الصيف نظراً لارتفاع الإنتاج، أما بالنسبة للحوم فأرجع ارتفاع أسعارها لعمليات التهريب المستمرة، وكذلك ارتفاع أسعار الأعلاف، مشدداً على أن المؤسسة السورية للتجارة تطرح كميات من اللحوم والخضار والفواكه بسعر يحافظ على توازن السوق قدر الإمكان.
شعيب لفت إلى أن الفترة التي ستلي صدور المرسومين 3 و4 ستكون مختلفة، حيث لم يعد بحسب قوله أي تاجر بعيداً من المراقبة والمحاسبة، وجرى إلزام الجميع بالإعلان عن الأسعار، الأمر الذي سيخلق منافسة تدفع تلقائياً لتخفيض الأسعار، مبيناً أن الوزارة أصدرت تعميماً بإغلاق أي محل تجاري لا يعلن عن الأسعار، ووصل عدد المحال التي جرى إغلاقها إلى نحو 250 إغلاقاً باليوم في بداية تطبيق هذا التعميم.
معاون وزير التجارة الداخلية، وفي معرض حديثه عن الحلول التي تنتهجها الوزارة لخفض الأسعار، أشار أيضاً إلى نظام «الفوترة» التي تشتغل عليه وزارته مع وزارة المالية، حيث سيجري تداول الفواتير بين التاجر المنتج أو المستورد، وتاجر الجملة، وتاجر نصف الجملة وتاجر المفرق، والذي سيعطي للمستهلك أيضاً فاتورة، وهذا النظام ستصدر القرارات اللازمة له قريباً جداً، مؤكداً أن الحكومة تعول على هذا النظام و تدعمه.
وبخصوص الآلية التي اعتمدت في تسعير المواد التي تدعمها الوزارة، وتقدمها وفق نظام البطاقة الذكية، أشار شعيب إلى أن مادة السكر خاضعة عالمياً للبورصة، مثلها مثل القمح، وهذا أدى إلى تسعيرها بـ350 ليرة للكيلو، بينما كان يباع السكر المنتج محلياً الأسمر بسعر 250 ليرة، كما أن المواد التي يجري بيعها عبر البطاقة الذكية تتكلف تعبئة، ما يزيد قليلاً في سعرها، مؤكداً أن الكمية التي جرى استيرادها تكفي السوق، ولن تتأثر بأي ارتفاع عالمي على السكر.
شعيب لفت إلى تأثير العقوبات الاقتصادية الجائرة على سورية، وكذلك الأحداث التي جرت في الدول المجاورة، والسعي الأميركي لتجفيف الدولار من المنطقة، الأمر الذي أثر بشكل كبير وأحدث صعوبة كبيرة أيضاً في تأمين المواد المستوردة، ما يضطر المستوردين لدفع عمولات إضافية لتأمينها، وهذا أيضاً ينعكس على سعر المواد أيضاً، معيداً أنه جرى تأكيد دعم السورية للتجارة من أجل تأمين هذه المواد، وبالسعر المناسب.