هل بدأت رحلة تعافي القطن؟
القاضي: نحتاج إلى 650 ألف طن من الأقطان لتشغيل معامل النسيج والزيوت والأعلاف
| محمود الصالح
شهدت زراعة القطن كباقي أنواع المحاصيل الزراعية تراجعاً كبيراً خلال سنوات الأزمة، حيث انخفضت كمية الإنتاج من نحو مليون طن في عام 2005 إلى نصف مليون طن في عام 2012، وبلغت ذروة الانحدار في الإنتاج في عام 2016، حيث لم تصل كميات الأقطان المسوقة إلى 1500 طن، وعادت مرحلة الانتعاش إلى هذا المحصول الإستراتيجي، حيث كانت الكمية المسوقة 2017 بحدود 28 ألف طن وزادت في عام 2018 إلى 52 ألف طن وفي الموسم 2019 يتوقع أن تكون كمية الإنتاج المسوق قد وصلت إلى 64 ألف طن.
مدير مكتب القطن في سورية وضاح القاضي بيّن لـ «الاقتصادية» أن محصول القطن يأتي في مقدمة المحاصيل الزراعية الإستراتيجية، وتطور المردود في وحدة المساحة من 1625 كغ/هـ عام 1970 إلى 4000 كغ /هـ في السنوات الأخيرة قبل الأزمة، مشيراً إلى أن سورية احتلت المرتبة الثانية عالمياً في المردود في وحدة المساحة، منوهاً بأن الإنتاج يمد معامل حلج الأقطان والغزل والنسيج ومعامل الزيوت النباتية والأعلاف بالمادة الأولية، لذلك يعتبر القطن سلعة رئيسية تسيطر على اقتصاديات دول عديدة.
وأوضح القاضي أن المساحة المزروعة بالقطن في سورية تشكل نحو 20-22% من مساحة الأراضي المروية المزروعة، ويعمل في إنتاجه زراعة وصناعة وتجارة ونقلاً بحدود 20% من السكان، مبيناً أن سورية تتميز بوجود كامل سلسلة إنتاج الصناعات النسيجية فيها، بدءاً من المادة الخام وحتى المنتج النهائي، ويعتبر القطاع النسيجي من أهم القطاعات الصناعية في سورية، إذ يساهم بنسبة 27% من صافي الناتج الصناعي غير النفطي، وبحوالي 45% من الصادرات غير النفطية، كما يعمل فيه 30% من العاملين في الصناعة، حيث توجد رسمياً حوالي 24 ألف منشاة مختلفة الحجم تعمل في الصناعات النسيجية عدا المنشآت غير النظامية، مضيفاً: كان استهلاكنا من القطن المنتج في عام 2007 يصل إلى 90% من الإنتاج، حيث تصل الطاقة الإنتاجية من معامل الغزل إلى 122 ألف طن، منها 54 ألف طن من المعامل القديمة و68 ألف طن من المعامل الجديدة.
وأشار إلى أن المساحات المزروعة بالقطن تختلف سنوياً حسب القدرة الإروائية لمصادر مياه الري، وكذلك حسب حاجة المحالج، مع ترك هامش بسيط للتصدير، مبيناً أن إنتاج القطن عام 2017 بلغ 28 ألف طن مقابل مليون طن عام 2005، لافتاً إلى أن المساحات المزروعة بالقطن بدأت بالتراجع، حيث كانت عام 2005/ 237 ألف هكتار، وأصبحت عام 2017 في جميع أنحاء القطر 9865 هكتاراً، وتابع: حاجتنا من ألياف القطن في عام 2009 كانت 215 ألف طن، أي ما يعادل 650 ألف طن من القطن المحبوب، مضيفاً: حرصت الحكومة قبل الأزمة على إنتاج 750 – 900 ألف طن سنوياً من القطن المحبوب والتي ينتج عنها 250- 300 ألف طن من القطن المحلوج وحوالي 500-600 ألف طن من البذور الصناعية لإنتاج الزيوت وهي كافية لسد حاجة تشغيل معامل الزيوت في القطاعيين العام والخاص.
وأوضح القاضي أنه وخلال الأزمة شهدت زراعة القطن تراجعاً كبيراً وصل إلى 63% في الإنتاج و84% في المساحة المزروعة، بحيث لم يعد الناتج يغطي حاجة السوق المحلية، وهذا أدى إلى اختناقات في تجارة القطن ونواتجه، كما تراجعت كميات الأقطان المحلوجة خلال الأزمة بنسبة 95% والبذور المنتجة بنسبة 96%.
لافتاً إلى أن متوسط المساحة المزروعة سنوياً كانت خلال سنوات الأزمة 70 ألف هكتار ومتوسط الإنتاج 100 ألف طن، أما متوسط السنوات السبع قبل الأزمة فكان المتوسط السنوي للزراعة 190 ألف هكتار ومتوسط الإنتاج 667 ألف طن من القطن المحبوب، ومتوسط سنوات الأزمة من شعر القطن 10 آلاف طن وبذور القطن 17 ألف طن، أما متوسط السنوات السبع قبل الأزمة فكانت 223 ألف طن من شعر القطن و400 ألف طن من بذور القطن.
ومن خلال مراقبة مبيعات ألياف الأقطان للقطاعين العام والخاص بيّن القاضي أن الكمية الأكبر كانت من نصيب القطاع العام، إذ وصلت في عام 2005 إلى147 ألف طن من شعر القطن وبدأت بالتراجع لتصل عام 2017 إلى 200 طن، بينما كانت في القطاع الخاص 34 ألف طن عام 2005، وبدأ بالارتفاع على حساب كميات القطاع العام، حيث كانت الكمية الأكبر في عام 2017 والتي وصلت إلى 9666 طناً.
أما لجهة التصدير فقال: كانت كمية الشعر المصدرة 145 ألف طن عام 2005 وتوقف تصدير ألياف القطن عام 2011، حيث كانت الكمية المصدرة 5240 طناً.
وعن الجدوى الاقتصادية من تصدير ألياف القطن أكد القاضي أن تصدير القطن المحلوج يعطي متوسطاً بين 1400-1800 دولار للطن الواحد، والقطن المغزول يعطي بين 2600-3600 دولار للطن، والقطن المنسوج 5000 -6000 دولار للطن، أما القطن المصنع ألبسة قطنية فيصل متوسط الإيراد إلى 15 ألف دولار للطن الواحد.
وبيّن مدير مكتب القطن أن إنتاج البذار الزراعي يتم في مواقع معزولة في المحطات البحثية ولدى المزارعين عبر مراحل متعددة وبشكل سنوي، ويبدأ في إدارة بحوث القطن من خلال مراحل الإنبات الفردي والأنجال والإيليت والنوية والأساس، وتقوم إدارة بحوث القطن بتسليم المؤسسة العامة لإكثار البذار سنوياً حوالي 100 طن من البذار مرحلة الأساس ولكل الأصناف المعتمدة لتستمر بدورها بإكثار مراحلها من أساس ومسجل ونقاوة ومولد، منوهاً بأن خطة زراعة القطن تحتاج إلى ما يقارب 15 طناً من البذور بمختلف مراحلها الإكثارية وأنواعها. على حين تحتاج معامل الزيوت سنوياً إلى 600 ألف طن من البذور الصناعية لاستخراج الزيت النباتي منه 70% للقطاع العام و30% للقطاع الخاص.
وعن الخطة الإستراتيجية لزراعة محصول القطن قال: نهدف للوصول إلى زراعة 180 ألف هكتار بمحصول القطن وذلك من خلال تحديد المناطق المناسبة للزراعة، وفي حال تطبيق الري الحديث يمكن أن نخفض المساحة إلى 130 ألف هكتار، وهذه الخطة تراعي تأمين حاجتنا من الأقطان المحبوبة والتي تقارب 600 ألف طن سنوياً، والتي تتم من خلال تأمين حاجة معامل الغزل والزيوت والأعلاف، وزيادة إنتاج وحدة المساحة لتصل إلى 4200 كغ /هــ، مضيفاً: نتوق إلى إدخال المكننة المتكاملة في عملية زراعة القطن بغية تخفيف التكاليف، وتطوير المعاملات الزراعية عن طريق نقل التقانات الحديثة، وتحسين الميزان التجاري لهذا المحصول وتأمين قيم مضافة عبر مراحل التصنيع والتسويق المختلفة، وتصل تكاليف إستراتيجية زراعة محصول القطن خلال السنوات المحددة من الآن وحتى عام 2025 إلى ما يقارب 14 مليار ليرة سورية جلُّها للمشروع الوطني للري الحديث.
وعن موسم 2019 أوضح القاضي أن الخطة كانت ترمي إلى زراعة 73680 هكتاراً لم يتم تنفيذ سوى 33285 هكتاراً أي بنسبة 45%، وكانت نسبة التنفيذ الأكبر في دير الزور 77% وفي حماة كانت صفراً، وقُدّر إنتاج المساحات المزروعة حسب العينة العشوائية بحدود 114 ألف طن بمعدل 3342 طناً / الهكتار.
وخلال رصد المحصول تبين وجود 6 آلاف هكتار في ريف الرقة خارج السيطرة قدر إنتاجها بحدود 20 ألف طن، وكانت الظروف الجوية مناسبة وخاصة لجهة درجات الحرارة، ولم يلحظ أي تسمم حراري في المحصول، وتعرض المحصول لآفات زراعية بنسب متفاوتة منها / المن – التربس- ديدان اللوز الأميركية – ديدان اللوز الشوكية – الذبابة البيضاء/، وقد وصلت الإصابة بشكل عام في البداية إلى 3-4% وانخفضت نتيجة المكافحة الحيوية في نهاية شهر تموز إلى 0.5%.
وعن أعمال التسويق بيّن أنه وحتى الثالث من الشهر الجاري بلغت الكميات المستلمة من الأقطان من المؤسسة العامة لحلج وتسويق الأقطان 64 ألف طن، ومازالت عمليات الاستلام مستمرة، مشيراً إلى أنه يتم تسويق الأقطان في الحسكة من خارج الحدود الإدارية للمحافظة وخاصة شمال وشرق الرقة، ومن المنطقة الشرقية لدير الزور، وتقدر الكميات الموردة بحدود 20 ألف طن، مشيراً إلى تدخل تجار القطاع الخاص بشراء كميات من الأقطان لدى المزارعين وتجميعها في الحسكة، ومن ثم نقلها إلى محالج المؤسسة العامة لحلج وتسويق الأقطان، وهذا يبيّن أسباب زيادة الكميات الموردة من محافظة الحسكة، والتي بلغت 35 ألف طن والمقدر لها كان 19 ألف طن.
وبالنسبة لمحافظة دير الزور أوضح أنه لم يتم تسويق أي كمية خارج الحدود الإدارية، وإنما تم كل التسويق إلى الحسكة، وفي الرقة هناك 6 آلاف هكتار خارج السيطرة، إنتاجها بحدود 20 ألف طن تركها الفلاحون في عين عيسى وسلوك من دون قطاف. أما في حلب فالأمور جيدة، وتم تسليم أكثر من 3200 طن من الأقطان.
وعن الصعوبات التي اعترضت محصول العام الماضي، فقد تمثلت في قلة الأيدي المطلوبة لقطاف القطن وصعوبة النقل من مواقع الإنتاج إلى مراكز التسويق، وشراء التجار في القطاع الخاص الأقطان من الفلاحين في حقولهم بأقل من أسعار المؤسسة بكثير، بسبب صعوبة النقل والتسويق من المحافظات الشرقية إلى المنطقة الوسطى.
الصناعي مهند دعدوش قال: قبل الأزمة لم نكن نستورد سوى النُمر المفقودة من إنتاجنا من الخيوط الوطنية على الرغم أن الأسعار في ذلك التاريخ كانت أعلى من الاستيراد، لكن تجنباً للمشاكل والتعب الذي يسببه الاستيراد، ولأننا نمتلك خيوطاً جيدة فقد كان الاعتماد شبه كلي على الإنتاج الوطني، اليوم هناك تراجع كبير جداً في إنتاج الخيوط، إضافة إلى نوعيتها السيئة، والصناعي السوري يحتاج إلى مواد جيدة ليتمكن من المنافسة الخارجية في صناعة الألبسة، لأننا لا نهتم في السوق المحلية على الرغم أن جزءاً من إنتاجنا يذهب للسوق المحلية، لكن الاعتماد هو على الأسواق الخارجية. اليوم يتوافر لدينا من الإنتاج الوطني الخيط المسرح لذلك لا يقوم الصناعيون باستيراده، أما الخيط الممشط والكومباكت فهو غير متوافر بالشكل المطلوب لا من ناحية الكمية ولا النوعية لذلك يقوم التاجر والصناعي باستيراده، وسورية لا تصدر الخيوط اليوم لأننا لا ننتج حاجتنا، أما كمية الخيوط المستوردة فهذا الرقم غير معروف ولا يمكن حصره إلا من خلال الاقتصاد.
وعن المقترحات والحلول المطلوبة لدعم الصناعة القطنية أكد دعدوش أنه على الحكومة دراسة الموضوع ابتداء من الزراعة والحلج والغزل لتحديد المشكلة ومعالجتها، لكن الأكيد أن الصناعي والتاجر السوري عندما يجدان في الإنتاج الوطني الخيط الجيد وبالسعر المعقول حتى لو أعلى من الخارج بقليل فسوف يستغنيان عن الاستيراد ويعتمدان على الخيط الوطني.