موازنة 2020 الرابعة لحكومة خميس والتاسعة في الحرب.. ما لها وما عليها
التقشف زاد.. لكن النفقات الإدارية زادت 23% !!
| د. رشا سيروب – علي نزار الآغا
بدأ مجلس الشعب بمناقشة مشروع الموازنة العامة للدولة للعام 2020، وهي الرابعة لحكومة رئيس مجلس الوزراء عماد خميس، والتاسعة خلال الحرب الإرهابية على سورية، والتي جاء فيها ذكر الحصار الاقتصادي وتداعياته وتقلبات سعر الصرف ما «استدعى ذلك اتخاذ جملة من الإجراءات الحكومية ضمن الإمكانيات المتاحة للحدّ من الآثار السلبية للعقوبات الأحادية الجانب ومواجهة الحصار الاقتصادي وانعكس ذلك على الموازنة العامة للدولة».
أمام تلك الاستحقاقات نسأل: هل فعلاً استطاعت موازنة 2020 استغلال الإمكانيات المتاحة الاستغلال الأمثل؟ وهل الموازنة تقشفية أم توسعية؟ والاقتصاد السوري يعاني جموداً وبطئاً في عودة الحيوية إلى القطاع الإنتاجي والخدمي عموماً، والقطاع الخاص على وجه التحديد، رغم التحسن المتسارع للأوضاع العسكرية على الأرض.
تقشف!
رغم تخصيص 4 تريليونات ليرة سورية (4000 مليار ليرة) للإنفاق في العام 2020، أي بزيادة قدرها 3% عن عام 2019، ومع ذلك لا يسعنا القول إلا التأكيد أن موازنة 2020 موازنة تقشفية بامتياز، ليس فقط من خلال الأرقام الحقيقية (حيث إن نسبة الزيادة 3% هي أقل من معدلات التضخم)، لكن أيضاً من خلال القيم الاسمية للاعتمادات الجارية والاستثمارية؛ إذ انخفضت الاعتمادات الجارية بمقدار 82 مليار ليرة، من 2782 مليار ليرة عام 2019 إلى 2700 مليار ليرة، أي بانخفاض نسبته 2.95%، ويعود سبب الانخفاض إلى تخفيض مخصصات الدعم (مساهمة الدولة في تثبيت الأسعار) التي انخفضت بنسبة 54% عن العام السابق.
ورغم هذا التقشف في الإنفاق، إلا أنه لم ينعكس على التقشف في النفقات الإدارية والتي تعتبر نفقات غير منتجة، إذ ازدادت بمقدار 23%، وهي من أعلى نسب الزيادة في بنود الإنفاق بشقيه الجاري والاستثماري، باستثناء الديون والالتزامات واجبة الأداء، والتي تعود إلى زيادة تسديد ديون الأدوية والكهرباء للجهات العامة، أي إنها عبارة عن سداد ديون لخدمات تم تقديمها في الأعوام السابقة وليس عن العام القادم.
ووفقاً للبيان المالي للحكومة «فقد تركز معظم الزيادة لبند الأدوية والمستلزمات الطبية والمخبرية والأدوية السرطانية»، علماً بأنه إذا استثنينا هذا البند من النفقات الإدارية؛ فسوف تصبح نسبة الزيادة 17.22%، وهي نسبة مرتفعة لموازنة حكومة تعاني نقص الموارد.
يبين الشكل أدناه تطور النفقات الجارية خلال موازنات الحكومة الحالية الأربع 2017 – 2020
ورغم إظهار الشكل وجود زيادة في كتلة الرواتب والأجور بمبلغ 19 مليار ليرة، في العام 2020 مقارنة بالعام 2020، غير أن هذه الزيادة تمثل الترفيعات الدورية بمقدار 7 مليارات ليرة، و12.6 مليار ليرة المتبقية تشمل فرص العمل الجديدة في القطاع العام الإداري، والبالغة 65474 فرصة عمل، أي بوسطي أجر شهري 16000 ليرة فقط لا غير.
وهكذا نجد أن شق الموازنة القائم على الإنفاق يؤكد تقليص النفقات العامة وليس ترشيدها، وإلا لانعكس الترشيد على النفقات الإدارية (من غير المستلزمات الطبية والمخبرية).
أما من حيث الإنفاق الاستثماري، والذي يبين وجود زيادة بنسبة 18% بين عامي 2019 و2020، حيث ارتفعت الاعتمادات الاستثمارية من 1100 مليار ليرة عام 2019 إلى 1300مليار ليرة عام 2020 أي بزيادة مقدارها 200 مليار ليرة، لكن هذا لا يلغي دمغة التقشف في الإنفاق الاستثماري العام، وهذا سنبينه في الشكل البياني أدناه:
تتكون الاعتمادات الاستثمارية في الموازنة العامة للدولة من المخصصات الاستثمارية للوزارات المختلفة، واعتمادات احتياطات استثمارية (التي تضاف إلى الجهات العامة خلال عام 2020 في حال عدم كفاية الاعتمادات المرصدة لها وارتفاع نسب التنفيذ لديها)، إضافة إلى مخصصات إعادة الإعمار ورأس المال العامل.
وكما معظم الموازنات السابقة فإن اعتمادات مخصصات إعادة الإعمار ثابتة على مبلغ 50 مليار ليرة، ورؤوس الأموال العاملة لأول مرة يتم رفعها من مليار ليرة في السنوات السابقة إلى 5 مليارات ليرة في موازنة عام 2020.
ما يظهره الشكل أعلاه أن الاعتمادات الاستثمارية رغم ارتفاعها بمقدار 200 مليار ليرة، إلا أنها عبارة عن زيادة فقط في الاعتمادات الاحتياطية، والتي اعتدنا على عدم استخدامها بسبب انخفاض مستويات التنفيذ، إذ بلغ حجم الاعتمادات الاحتياطية للمشاريع الاستثمارية 740 مليار ليرة، بزيادة مقدارها 306.6 مليارات ليرة عن عام 2019، بالمقابل انخفض حجم الاعتمادات الاستثمارية من 615 مليار ليرة عام 2019 إلى 504.52 مليارات ليرة عام 2020، أي بانخفاض مقداره 110.57 مليارات ليرة، ما يعطي إشارة إلى تراجع دور الحكومة فيما يتعلق بالنشاط الاقتصادي المتزامن مع الإعلان عن لجنة عليا لإصلاح القطاع العام، والتي يُخشى أن تكون بوابة لإغلاق العديد من مؤسسات القطاع العام الاقتصادي.
استثمارات الوزارات!
يوضح الشكل أدناه معدل نمو مخصصات الإنفاق الاستثماري للجهات الحكومية عن عام 2020 مقارنة بعام 2019:
ويبين الشكل أن معدل النمو لمخصصات جميع الجهات الحكومية كانت سالبة (باستثناء وزارة الإدارة المحلية والبيئة)، وقد بلغت أعلى نسبة انخفاض 42.63% في المخصصات الاستثمارية لقطاع الكهرباء، إذ انخفضت اعتمادات هذا القطاع بما يقارب 40 مليار ليرة، ما يفتح باب التساؤلات حول أسباب ذلك التخفيض، ونتائجه، التي قد تشمل انقطاعات أكبر في التيار الكهربائي، أو اتساعاً لدور القطاع الخاص، أو أن الشبكة الكهربائية والبنية التحتية استكملت نسبة كبيرة مع أعمال التأهيل والتوسع والصيانة؟! إلا إذا كان المبلغ المخصص للعام 2019 بنحو 92.7 مليار ليرة مبالغاً فيه جداً، فتم تخفيضه بشكل واقعي عام 2020!
أيضاً انخفضت مخصصات الاستثمار للأشغال العامة والإسكان بمقدار 12.44 مليار ليرة، بنسبة مقدارها 37.5% عن عام 2019، علماً بأن البنى التحتية والسكنية والتجارية بحاجة إلى مزيد من مساهمة هذه الوزارة في إعادة البناء والإعمار، وسط ارتفاع في كلف الإنشاء والتعمير في القطاع الخاص، وهنا نتساءل، هل ستترك مساحة أكبر من عملية البناء والتشييد للشركات الخاصة؟
ورغم أن جميع الدراسات الدولية والمحلية تؤكد أن التعليم والصحة أفضل استثمار لتنمية أي دولة، إلا أن مخصصات التربية والتعليم والصحة الاستثمارية انخفضت بنسبة 25% عن عام 2019، بمبلغ مقداره 27 مليار ليرة، تركز القسم الأكبر في التربية التي انخفضت مخصصاتها بمقدار 34.8%.
إلى ذلك، نجد أن الطابع العام للسياسة الحكومية يضمر انسحاباً نسبياً من أداء الدور الاقتصادي والاجتماعي، لمصلحة مزيد من تدخل القطاع الخاص، وتلك الإشارات تنطلق من أرقام موازنة 2020، بما فيها تقليص حقيقي لمجمل الإنفاق العام بشقيه الجاري والاستثماري، من دون أن يترافق بانخفاض في النفقات غير المنتجة المتمثلة في الإنفاق الإداري!
عجز وهمي!
رغم التقشف في الإنفاق، إلا أن ذلك لم ينعكس على عجز الموازنة العامة للدولة، فقد ازداد العجز بنسبة 54% في العام 2020 مقارنة بالعام 2019، بمبلغ قارب 510 مليارات ليرة، وهنا نسأل: لماذا ازداد العجز؟ وهل قيمة العجز منطقية في ظل سياسات التقشف المتبعة؟
يعتبر معدل النمو في عجز الموازنة عام 2020 ثاني أعلى معدل نمو للعجز في موازنات سنوات الحرب التسع، إذ كان أعلى معدل نمو للعجز في الموازنة الأولى التي تم وضعها في الحرب وهي موازنة 2012، حيث قارب معدل نمو العجز 194% عن العام السابق لتنخفض تدريجياً في السنوات اللاحقة.
يبين الشكل التالي تطور عجز الموازنات الأربع للحكومة الحالية:
ارتفع العجز بشكل دراماتيكي في موازنة 2020، بحيث شكل 36.38% من إجمالي اعتمادات الموازنة، وهو بذلك يعيدنا إلى مؤشرات موازنات السنوات الأولى للحرب، فهل حال اقتصادنا اليوم يوحي بالصدمات الاقتصادية التي كانت في السنوات الأولى؟
بجميع الأحوال، الواقع الاقتصادي اليوم والمتغيرات السياسية والعسكرية والأمنية توحي بغير ذلك، لذا لا بد لنا من التحقق في حقيقة وواقعية هذا الرقم.
إن حجم الاعتمادات الاحتياطية للمشاريع الاستثمارية بلغ 740 مليار ليرة، وهي تستخدم في حالة ارتفاع نسب التنفيذ في المشروعات الاستثمارية، وهو ما لم يحدث في جميع سنوات الحرب، بل على العكس من ذلك، إذ توضح تصريحات المعنيين في الشأن، وخاصة رئيس لجنة الموازنة وقطع الحسابات في مجلس الشعب حسين حسون التي نشرتها الزميلة «الوطن» في وقت سابق، بأن نسب التنفيذ لا تتعدى 60% من الاعتمادات الاستثمارية، وعليه، يمكن اعتبار مبلغ الاحتياطي نفقة مضخمة يمكن تنزيلها من حجم الاعتمادات الاستثمارية.
ووفقاً للبيان المالي الحكومي، فإن الانخفاض في الإيرادات الجارية عام 2020 مقارنة بعام 2019 يعود إلى «عدم إدراج فروقات أسعار المشتقات النفطية خلال عام 2020 والمقدرة بحوالي 1054 مليار ليرة، بينما قدرت بعام 2019 بمبلغ 775 مليار ليرة والاحتفاظ بها لدى شركة محروقات»، وكما جرت العادة سابقاً، فإن هذه الإيرادات كانت تدخل في الموازنات السابقة، وبذلك في حال إدراجها في موازنة 2020 لغايات المقارنة مع عجوزات السنوات السابقة، سوف نجد أن مقدار العجز الحقيقي لن يتجاوز 372.38 مليار ليرة في موازنة 2020، وهو موضح على النحو التالي: العجز الحقيقي= عجز الموازنة + دعم الطاقة الكهربائية (غير الظاهر في الموازنة) – اعتمادات احتياطية لمشروعات استثمارية – إيرادات فروقات سعرية.
وبالتالي فإن العجز الظاهر في الموازنة هو رقم وهمي، بعيد عن الحقيقة، ومن غير الواضح لما لجأت الحكومة إلى هذا الخيار بتضخيم العجز!
أما الافتراضات للمبالغة بالعجز، فمرتبطة بطرق سداد العجز، وذلك عبر رفع الدعم أو زيادة الضرائب، وبالتالي فإن المبالغة بالعجز قد يشكل مبرراً للحكومة للاتجاه نحو رفع الدعم ضمن سياسات الشرائح المتبعة بالمشتقات النفطية، لتشمل بقية المواد، إضافة إلى التوجه نحو فرض مزيد من الضرائب، أو ربما لتبرير زيادة مستويات الدين العام الذي عاد ليطرح بقوة في موازنة 2020 من خلال طرح سندات وأذونات الخزينة.
الإيرادات!
للمرة الأولى يتم سحب أهم مكون من الإيرادات الجارية، ما أدى إلى انخفاضها بشكل ملحوظ في موازنة العام 2020، وهي فروقات أسعار المشتقات النفطية، والناجمة عن الفرق بين تكلفة المشتقات وأسعار المبيع، وهي كانت تستخدم سابقاً لتمويل زيادات الرواتب.
بالأرقام، قدّرت الإيرادات الجارية بمبلغ 1430.87 ليرة سورية عام 2020، بانخفاض 450.73 مليار ليرة عن العام 2019، بعد أن تقرر عدم إدراج فروقات أسعار المشتقات النفطية بنحو 1054 مليار ليرة، على اعتبار أن هذا الإجراء أكثر اقتصادية، بحيث يتم الاحتفاظ به في حساب شركة «محروقات».
من المعروف أن فروقات الأسعار هي الركيزة الرئيسة في الإيرادات الجارية، وتشكل نحو 40% منها تقريباً، كما أن إدراج الفروقات ضمن بند الإيرادات الجارية يضمن تحصيلها من وزارة المالية أول بأول، بشكل شهري، أما نقلها إلى حساب «محروقات» وهي شركة ذات طابع اقتصادي، فهذا يعني أن تحصيلها سوف يتم على مبدأ الصوافي، في نهاية العام، في حال كانت محققة ربحاً.
من حيث المبدأ، من المفيد أن يتم تحويل فروقات الأسعار إلى المؤسسات الاقتصادية، لمنحها مزيداً من المرونة، وهو بالفعل إجراء أكثر اقتصادية، بحيث تصبح تلك المؤسسات مسؤولة عن تمويل عملياتها وتأمين المواد الخام التي تحتاجها، بشكل سلس، وفي النهاية سوف تصب أرباحها في الخزينة وفق مبدأ الصوافي، ولكن هذا «الإصلاح الانتقائي» للموازنة يفترض أن ينسحب على كامل البنود، حتى في جانب الإنفاق، الذي يتضح أنه مبالغ فيه جداً، ما يقتضي إعادة النظر ببنود الموازنة، وإصلاحها بشكل كامل، وليس اقتصار ذلك على «محروقات» فقط، إضافة إلى ضرورة تحديد أهداف كمية تكون أساس المحاسبة، مثل استهداف رقم محدد للنمو الاقتصادي وعبر هامش واضح لسعر الصرف والتضخم، بدل الأهداف الوصفية الإنشائية التي لا يمكن قياس الأداء وفقها.