معجزة اقتصاد التنين الأصفر الصيني … الصين أقوى محرك للنمو الاقتصادي العالمي
مشاريع الاستخراج والصناعة الثقيلة والبنية التحتية الضخمة تشكل الأساس في بناء المعجزة الاقتصادية في الصين
| د. قحطان السيوفي
خلال 70 عاماً انتقلت الصين الشعبية من إحدى أفقر الأمم إلى واحدة من أعظم القوى الاقتصادية في العالم.
عندما تسلم الحزب التشيوعي مقاليد الحكم في الصين، كانت البلاد فقيرة جداً، ولم يكن لديها أي شركاء تجاريين ولا علاقات دبلوماسية واسعة.
في العقود الماضية، اعتمدت الصين سلسلة من الإصلاحات الاقتصادية كان من شأنها فتح الطرق التجارية والسماح بالاستثمارات، وهي خطوات أدت في نهاية المطاف إلى إخراج الملايين من دائرة الفقر.
كيف أصبحت الصين معجزة اقتصادية؟
• بعد وفاة ماو في عام 1976، بدأت الإصلاحات التي قادها الزعيم دنغ تشياوبينغ في تغيير وجه الاقتصاد الصيني، فتحت الأبواب للاستثمارات الأجنبية. وتدفقت الأموال على الصين من المستثمرين الذين كانوا يتوقون للاستفادة من العمالة الرخيصة والإيجارات المنخفضة في الصين، ويقول ديفيد مان، كبير الاقتصاديين الدوليين في بنك ستاندارد تشارترد، (من نهاية السبعينيات إلى الآن، رأينا أكبر المعجزات الاقتصادية في التاريخ).
أثار ذلك إعجاب العالم بالتحول خلال 40 عاماً من كونها واحدة من أفقر البلدان في العالم إلى ثاني أكبر اقتصاد فيه، مع إجراء إصلاحات وقدوم الاستثمارات الأجنبية، ما أتاح الفرصة أمام 700 مليون شخص في الصين للتخلص من الفقر.
يُبدي المحللون والاقتصاديون قدراً متزايداً من التفاؤل حيال الآفاق الاقتصادية للمارد الآسيوي.
عندما تعطس الصين، يصاب الاقتصاد العالمي بالزكام، نظراً إلى ديناميتها وحجمها الاقتصادي، التفاؤل يتماشى مع الأدلة التي ظهرت في أوائل عام 2019 لدى الصين بالأرقام.
اقتصاد جمهورية الصين الشعبية هو ثاني أكبر اقتصاد عالمي بعد اقتصاد الولايات المتحدة، وقد سبق اقتصاد اليابان في عام (2010) وثاني أكبر اقتصاد بعد اقتصاد الولايات المتحدة بناتج إجمالي يقدر بـ8.8 تريليونات دولار (2009) حسب مقياس تعادل القدرة الشرائية. تعدّ الصين بذلك أسرع اقتصاد كبير نامٍ والأسرع في الثلاثين سنة الماضية بمعدل نمو سنوي يتخطى الـ 10% تندرج الصين ضمن المرتبة 97 من أصل 178 دولة حسب نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي وقدره 5943 في 2008 تبعاً لتصنيف صندوق النقد الدولي، لذلك الصين هي أكبر دولة تجارية وأكبر مصدّر، وثاني أكبر مستورد في العالم.
عززت الصين موقعها، كثاني أكبر لاعب في الاقتصاد العالمي بعد الولايات المتحدة، بمتوسط ناتج إجمالي محلي تجاوز 45.09 تريليون يوان (6.5 تريليونات دولار أميركي) في النصف الأول 2019.
• نما الاقتصاد الصيني بنسبة 6.2% في الربع الثاني 2019 مقارنة بـ6.4% في الربع الأول من العام ذاته على أساس سنوي، على حين نما بنسبة 6.3% في النصف الأول من 2019.
وتعتبر الصين أكبر مستورد للنفط الخام في العالم بنحو 10 ملايين برميل يومياً، وثاني أكبر مستهلك له بواقع 12.5 مليون برميل يومياً، أي بنسبة 14% من حجم الطلب العالمي على النفط يومياً، وثاني أكبر اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة.
وصعد اقتصاد الصين من 4% من الناتج الإجمالي العالمي في عام 2000 في المرتبة السادسة، بقيمة 1.2 تريليون دولار، إلى المرتبة الثانية في 2018 بقيمة 12.3 تريليون دولار، تشكل نسبتها 15% من الاقتصاد العالمي، وبحسب بيانات منظمة التجارة العالمية، تعتبر الصين أكبر مصدر للسلع في العالم، بقيمة 2.3 تريليون دولار في 2017، تشكل نسبتها 13% من مجمل الصادرات العالمية.
كما تعتبر الصين ثاني أكبر مستورد للسلع على مستوى العالم، بقيمة 1.8 تريليون دولار، تشكل نسبتها 10% من إجمالي الواردات العالمية في 2017.
كذلك تستحوذ الصين 59% من الطلب العالمي على الإسمنت اللازم للبناء، و50% من الطلب العالمي على الصلب.
«التنبؤات الآنية» التي أجرتها شركة فولكروم تُظهر معدلات نمو حديثة، تتماشى مع هدف الحكومة في أن يراوح معدل نمو الاقتصاد الصيني بين 6 و6.5 في المئة خلال هذا العام.
من أسباب التفاؤل تخفيف سياسة الاقتصاد الكلي، ويشمل ذلك إصلاح ضريبة القيمة المضافة التي من المتوقع أن تخفف العبء الضريبي بنحو تريليوني رينمينبي (نحو 300 مليار دولار) سنوياً تشجيع القطاع الخاص في خطاب ألقاه في كانون الأول عام 2018، لم يثن الرئيس الصيني تشي جين بينج على الزعيم الراحل دنج تشياو بينج، الذي أطلق سياسة «الإصلاح والانفتاح» الصينية فحسب، بل وعد بدعم القطاع الخاص أيضاً وتشجيع الجهات الفاعلة في القطاع الخاص على المشاركة في الابتكار، وجذب مزيد من رأس المال الخاص.
في أواخر العام الماضي، أدلى تتشي بتعليقات قوية لدعم الشركات الخاصة.
وكتب في رسالة: «أي كلمات أو أفعال لإبطال أو إضعاف الاقتصاد الخاص هو خاطئ». استدعى عشرات من رؤساء الشركات الخاصة لحضور اجتماع، وقال لهم:
«يجب أن تشعر جميع الشركات الخاصة وأصحاب المشاريع الخاصة بالاطمئنان التام».
هذا العام، تعهدت الحكومة المركزية بتخفيض ضرائب الشركات بمبلغ 298 مليار دولار، وأمرت المصارف بزيادة القروض للشركات الصغيرة والمتناهية الصغر بنسبة 30 في المئة.
قال رئيس مجلس الدولة الصيني: «سوف نتبع مبدأ الحياد التنافسي، عندما يتعلق الأمر بإمكانية الوصول إلى عوامل الإنتاج، والوصول إلى الأسواق والتراخيص، والعمليات التجارية، والمشتريات الحكومية، والمناقصات العامة، وغيرها، إذ سيتم التعامل مع الشركات التي تخضع لجميع أشكال الملكية على قدم المساواة، حيث كان القطاع الخاص هو القوة الدافعة لنمو الصين، ومن المفيد هنا الإشارة إلى ما يلي:
أولاً: من غير الواضح إذا ما كان سيتم التوصل إلى اتفاق بشأن التجارة مع الولايات المتحدة.
حتى إذا تمّ التوصل إلى مثل هذا الاتفاق، فإن الولايات المتحدة تبدو مصممة على مراقبة السلوك الصيني، بقصد فرض عقوبات (أي الرسوم الجمركية).
إذا تمّ التوصل بالفعل إلى مثل هذا الاتفاق، فلن يتم تجاوز الحرب التجارية، بل سيتم إضفاء الطابع المؤسسي عليها.
ثانياً: من المرجح أن تبقى عملية التحكم في نمو الائتمان والديون إلى الاقتصاد، في الوقت الذي يتم فيه تعزيز الطلب.
ثالثاً: واقعياً الرئيس الصيني تشيء محاط بأشخاص يؤمنون بالدور الأساسي للقطاع الخاص.
لكن يبدو أنه وضع ثقة أكبر إلى حدّ ما في الشركات المملوكة للدولة، ويحتاج ذلك للمزيد من الجهد لتعميق الثقة داخل القطاع الخاص.
يمتحن انخفاض مبيعات الأراضي تماسك رواية انتعاش اقتصاد الصين أخيراً في الوقت الذي تتعرض فيه الموارد المالية للحكومات المحلية في البلاد، لضغوط طويلة الأمد، مع زيادة الاستثمار في البنية التحتية.
جلبت مبيعات الأراضي مبلغ 6.5 تريليونات رنمينبي (970 مليار دولار) إلى خزائن الحكومات المحلية العام الماضي، ما يمثل رقماً قياسياً بنسبة 27 في المئة من إجمالي الإيرادات.
الطاقة المتجددة
ألغت بكين بشكل مؤقت الإعانات لمعظم مشاريع الطاقة الشمسية في الصين في حزيران (يونيو) من العام الماضي في خطوة تهدف إلى كبح النمو الهائل في صناعة الطاقة الشمسية التي كانت قد ازدهرت في ظل الإعانات السخية.
إنهاء الإعانات تسبب في مخاوف تباطؤ مفاجئ في نشر مشاريع الطاقة الشمسية في أكبر دولة ملوّثة في العالم.
شكّلت الصين 29 في المئة من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية العام الماضي، وذلك وفقاً لوكالة الطاقة الدولية، مع ارتفاع انبعاثاتها بنسبة 2.5 في المئة بالمعدل السنوي.
من الناحية العملية سيتم تذكر عام 2019 على أنه العام الذي وصلت فيه الصين إلى تكافؤ الشبكة الكهربائية في صناعة الطاقة الشمسية».
سعى الرئيس تشي جين بينج إلى تحويل مئات الكيلومترات المربعة من الأراضي الرطبة بالقرب من داتشانج إلى «مدينة بيئية» تسمى تشيونج آن، ومن المفترض أن يعمل مشروع تشي المفضل هذا على الطاقة المتجددة وأن يجتذب في نهاية المطاف نحو 300 مليار دولار من استثمارات التكنولوجيا المتقدمة.
إفريقيا
بين عامي 2000 و2014، ارتفع حجم الاستثمارات الصينية في إفريقيا من 2 في المئة من المستويات الأميركية إلى 55 في المئة. وتُتشير تقديرات وكالة ماكينزي إلى أنه بحسب الوتيرة السريعة الحالية فإن الصين ستتجاوز المستويات الأميركية خلال عقد من الزمن.
بين عامي 2000 و2015، سجّلت الشركات الصينية أكثر من ألف عرض تصنيع إفريقي مع وزارة التجارة في مجال الزجاج والصُلب المُعاد تدويره، والسيراميك، وألواح الجبس، والمنسوجات، والصبغ، والدباغة، ومصانع الأحذية، وذلك على سبيل المثال لا الحصر.
بعد عقدين من التوسع بأرقام قريبة من خانتين في الناتج المحلي الإجمالي منذ أوائل التسعينيات، بات الاقتصاد الصيني أكثر هدوءاً خلال معظم هذا العقد.
الحرب التجارية مع الولايات المتحدة عمقت مشكلات رواد الأعمال الصينيين.
تمثل الشركات الخاصة 90 في المئة من الصادرات، وقرار واشنطن بفرض رسوم جمركية على الصادرات الصينية أثار الأعصاب في أسواق الأسهم في البلاد، ما زاد من تآكل قدرة الشركات الخاصة على جمع الأموال.
بالنسبة إلى كثير من الاقتصاديين، كان النموذج الذي تم إنشاؤه خلال فترة النمو السريع المدفوع بالصادرات في الصين شكلاً من أشكال رأسمالية المحاسيب.
أدت حملة شرسة لمكافحة الفساد أطلقها الرئيس تتشي في عام 2013، التي شهدت ملاحقة عشرات الآلاف من المسؤولين في جميع أنحاء الصين، إلى زيادة التدقيق في العلاقات السياسية والتجارية.
الرقابة المشددة على المسؤولين سمحت لإدارة تتشي بالمضي قدماً في تشديد القبضة على مستوى الصين على الصناعات الملوثة، التي شهدت إغلاق آلاف الشركات، وحملة لإغلاق الطاقة الإنتاجية الزائدة في الصناعات الثقيلة.
القضية الأساسية في الاقتصاد الصيني هي أنه اعتمد على الصادرات والاستثمارات لفترة بالغة الطول، ويمر الآن بمرحلة تحول نحو نموذج مختلف للنمو، ولأن الصين أكبر مصدر في العالم، فليس من الواقعي أن تنمو صادراتها بمعدل أسرع بكثير من نمو التجارة العالمية، وقد كان نمو حجم الصادرات الصينية منخفضاً أخيراً في حدود الرقم الواحد، على غرار معدل نمو التجارة العالمية.
وقد كانت تدابير التنتشيط التي اعتمدتها الصين في أعقاب الأزمة المالية العالمية عامي 2008 و2009 تركز إلى حد كبير على تشجيع الاستثمار؛ ما وصل بمعدل الاستثمار إلى 50 في المئة من إجمالي الناتج المحلي. وأدى ذلك إلى الحفاظ على النمو لفترة، ولكنه أسفر عن طاقة زائدة في كل قطاعات الاقتصاد، وبسبب الطاقة الزائدة، فمن الطبيعي أن تتباطأ وتيرة الاستثمار ويتأثر النمو الاقتصادي الكلي.
لا بد أن يؤدي تباطؤ الاستثمار إلى بعض التداعيات على توظيف العمالة والدخل والاستهلاك.
تباطؤ الاستثمار المحلي في الصين يعني أن الصين لديها حالياً رأسمال أكبر يمكن أن تستثمره في الخارج. ورغم أنه من المتوقع لمعدل الاستهلاك أن يرتفع بالتدريج في الصين، فمن المرجح بعض التداعيات على توظيف العمالة والدخل والاستهلاك أن تتوافر لديها مدخرات تتجاوز الاستثمار في المستقبل المنظور، ما يعني أنها ستواصل تقديم رأس المال لبقية العالم. وقد وضعت السلطات مجموعة من الإصلاحات الطموحة التي يتوقع أن تيسّر التحول من النمو الذي يقوده الاستثمار إلى نموذج أكثر اعتماداً على نمو الإنتاجية ونمو الاستهلاك، وتتضمن الخطط الموضوعة عدداً من الخطوات لتشجيع النموذج الجديد. فعلى سبيل المثال، للسماح بمزيد من المرونة في حركة العمالة، كما تنوي السلطات إدخال إصلاح مالي لتحسين تسعير رأس المال وتوجيهه لأكثر الاستخدامات كفاءة، وفتح قطاع الخدمات، ومن المتوقع أن يؤدي التحول السلس إلى تمكين الصين من مواصلة النمو بمعدل يتراوح بين 6 و7 في المئة في العقد القادم.
البنك المركزي
يُمارس البنك المركزي الصيني سيطرة صارمة على قيمة الرنمينبي. مثلاً، لا يسمح لسعر صرف الرنمينبي في الداخل بالتحرك إلا ضمن نطاق تداول يبلغ 2 في المئة على جانبي نقطة الوسط اليومية التي يحددها البنك.
مع ذلك، انخفض الرنمينبي 8 في المئة تقريباً منذ حزيران (يونيو)، معوضاً في الأغلب تأثير الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترامب العام الماضي.
بنك الشعب الصيني قام بتخفيض بلغ 50 نقطة أساس من نسبة الاحتياطي المطلوب، وهي مستوى الودائع التي يتعين على المصارف حيازتها، محرراً بذلك نحو 900 مليار رنمينبي (127 مليار دولار) في النظام المالي.
لمواجهة أحدث زيادة في الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب في الخامس من أيار (مايو)، والتي زادت الرسوم من 10 في المئة إلى 25 في المئة على بضائع بقيمة 200 مليار دولار، يجب أن تنخفض العملة الصينية إلى أقل من سبعة رنمينبيات بكثير مقابل الدولار.
القضاء على الفقر
تعكف المقاطعات النائية بشكل مكثف على بناء الطرق والمباني السكنية ومراكز التدريب المهنية، من أجل تثبيت القاطنين في البلدات القريبة. والهدف هو خفض عدد الأشخاص الذين يعانون الفقر المدقع من 30 مليون شخص في عام 2017، إلى صفر في عام 2020.
القضاء على الفقر المدقع هو السياسة المحلية الأبرز التي يتبعها الرئيس تتشي جين بينج، وهو مشروع يحظى بمكانة رئيسة بين الخطط الصينية من حيث الحجم والطموح المتمثل في التحويل الكامل للمجتمع.
يقول البنك الدولي: إن أكثر من 850 مليوناً من الصينيين تمكنوا من الخروج من دائرة الفقر، وإن البلاد تسير حثيثاً للتخلص من الفقر بشكل كلي بحلول عام 2020.
وفي الوقت ذاته، تسارعت مستويات التعليم بشكل هائل، ويتوقع بنك ستاندارد تشارترد أن تكون 27 بالمئة من القوة العاملة في الصين تحظى بتعليم جامعي بحلول عام 2030، وهو معدل يساوي وضع ألمانيا الآن عندما بنت شركات قطع الأخشاب المملوكة للدولة مدناً كبيرة في وادي نوجيانج.
حيث مشروع تتشي المتمثل في «التخفيف من حدة الفقر». وستنفق عشرة مليارات رنمينبي (1.5 مليار دولار) لنقل 100 ألف شخص من القرى الريفية إلى ضواحي المدن بحلول نهاية العام.
الاقتصاد الذي توسع رسمياً بنسبة 6.2 في المئة في الربع الثاني، من المرجح أن ينمو عند الحد الأدنى للهدف الرسمي البالغ 6.5 في المئة هذا العام بفضل زيادة متواضعة في الإنفاق على البنية التحتية.
مشاريع الاستخراج والصناعة الثقيلة والبنية التحتية الضخمة تشكل الأساس في بناء المعجزة الاقتصادية في الصين. الآن، على الرغم من أنها ما زالت محركة للنمو، إلا أن أهميتها النسبية تتراجع مع تحول الاقتصاد نحو الخدمات. ما يؤدي لتغيير بنية القوى العاملة كذلك، بدءاً من منتصف التسعينيات، تجاوز عدد الصينيين العاملين في الخدمات عدد العاملين في الصناعة.
اعتبارا من عام 2018، يوظف قطاع الخدمات نحو 125 مليون شخص أكثر من القطاع الصناعي الأساسي في البلاد.
تمثل معركة هونغ كونغ واحدة من أهم معارك التخوم في عالمنا المعاصر:
معركة حدود الليبرالية والديمقراطية من ناحية مع حدود التنمية الصينية المبنية على شرعية الإنجاز، وواضح في هذه المعركة أن العالم الغربي الذي يدعي أنه منارة للديمقراطية أخفق في موقفه من الموضوع.
هذا الإخفاق ناتج عن قوة الصين البازغة كقوة كبرى على الساحة الدولية من ناحية، ونتيجة موجة عدم الاستقرار التي تجتاح الديمقراطيات الغربية؟
هل بروز الصين كقوة عظمى هو نتيجة لنجاح التجربة التنموية الصينية أم إنه نتيجة لضعف الديمقراطيات الغربية الكبرى، أم إنها لحظة أفول الرأسمالية المتمثلة في الديمقراطية الليبرالية؟
أياً كانت الأسباب فواضح أن العالم أمام قرن آسيوي هو العصر الصيني؟
ووفقاً لتقارير إعلامية، فإن اقتصاد الصين سيتفوق على نظيره الأميركي من حيث حصته من الناتج المحلي الإجمالي، بحلول عام 2029 بقيمة ناتج محلي
تبلغ 25.6 تريليون دولار، مقابل 24.5 تريليون دولار للولايات المتحدة.
أصدرت كلية لندن للاقتصاد الأرقام التالية: ففي عام 1978، بلغت قيمة صادرات الصين 10 مليارات دولار فقط، أي أقل من 1 بالمئة من حجم التجارة العالمية. ولكن في عام 1985، بلغت قيمتها 25 مليار دولار، وبعد عقدين فقط ارتفعت قيمة الصادرات الصينية إلى 4.3 تريليونات دولار.
كانت الحكومة الصينية تحاول منذ عدة سنوات تحويل نمو اقتصادها من الاعتماد على الصادرات إلى الاعتماد المتزايد على الاستهلاك المحلي.
وبرزت في الآونة الأخيرة تحديات جديدة منها انخفاض الطلب الدولي على منتجاتها والحرب التجارية مع الولايات المتحدة إلى 6 أو 5 بالمئة، وستبقى الصين أقوى محرك للنمو الاقتصادي العالمي.
ستبقى الصين تسهم بـ35 بالمئة من النمو الاقتصادي العالمي، وأهميتها للنمو العالمي تبلغ 3 أضعاف أهمية الولايات المتحدة أكبر مشروع اقتصادي في التاريخ، كما تعكف الصين على تأسيس جبهة جديدة في مجال التنمية الاقتصادية العالمية. فالفصل الجديد في تخطيطها لتنمية الدول الأخرى يظهر من خلال موجة تمويل أكبر مشروع بنى تحتية في التاريخ، يطلق عليه اسم «مبادرة الحزام والطريق، وتهدف هذه المبادرة، إلى ربط نصف سكان الأرض تقريباً بعضهم ببعض، ودمج خمس الناتج الوطني الإجمالي العالمي من خلال تأسيس ارتباطات تجارية واستثمارية تمتد إلى كل زوايا الكرة الأرضية، وصولاً إلى سورية، عبوراً إلى أوروبا وإفريقيا.
الأساس في بزوغ الصين كقوة عالمية يتمثل في نجاح التجربة التنموية الصينية (التنين الأصفر) والتي تقترب من حالة المعجزة الاقتصادية.
المؤكد أن المشهد العالمي يبشّر بعصر الصين، ويكشف عورة النظام العالمي الحالي، وإضعاف الهيمنة الاقتصادية الأميركية، ويؤذن بنظام عالمي جديد.