هل يصحّ أن يكون المصرف المركزي مستقلاً كلياً في الزمن الصعب؟
رئيس لجنة الموازنة في مجلس الشعب يطلب هيكلة مجلس النقد وإعادة حاكم المركزي لوضعه الطبيعي.. ورئيس الحكومة: للدراسة
| علي نزار الآغا
دعا رئيس لجنة الموازنة وقطع الحسابات في مجلس الشعب حسين حسون مؤخراً الحكومة إلى العمل على تعديل قانون مجلس النقد والتسليف رقم 23 لعام 2002 وتعديلاته، بحيث يتم فصل رئاسة مجلس النقد والتسليف عن حاكمية مصرف سورية المركزي، «إذ لا يعقل أن يكون حاكم مصرف سورية المركزي هو رئيس مجلس النقد والتسليف، وهو في الوقت نفسه حاكم مصرف سورية المركزي، أي هو من يصدر القرارات وهو من يقوم بتنفيذها، أي هو الحَكم وهو الفصل».
كما دعا الحكومة إلى توسيع قاعدة عضوية مجلس النقد والتسليف بحيث تشمل جميع المديرين العامين للمصارف العامة، أي مدير عام المصرف التجاري ومدير عام المصرف العقاري ومدير عام مصرف التسليف الشعبي ومدير عام المصرف الصناعي ومدير عام مصرف التوفير ومدير عام المصرف الزراعي، إضافة إلى زيادة عدد الخبراء والمختصين في مجال النقد والمال.
جاء ذلك الطرح وسط معلومات تنتشر في الوسط الاقتصادي بأن مصرف سورية المركزي، حالياً، استقلّ نسبياً في تنفيذ مهامه عن الحكومة، مقارنة بالفترات السابقة.
حسون أكد لـ«الاقتصادية» أن غاية طرحه إعادة الحاكم إلى دوره ومكانه الطبيعي، وتصحيح ما هو قائم، والذي وصفه بالمخالف، حتى قانونياً، فمن غير المقبول –برأيه- أن يجمع الحاكم بين إدارة مجلس النقد والتسليف والمصرف المركزي.
وبيّن أن المطلوب هو إعادة هيكلة كاملة لمجلس النقد والتسليف بحيث يضم اختصاصيين في السياسة النقدية، وتعيين رئيس له من الأعضاء الاختصاصيين، ذوي الخبرة والكفاءة العالية في السياسة النقدية، ويتولى مهمة وضع السياسة النقدية للبلد، على حين يقوم حاكم المصرف المركزي بتنفيذ السياسة النقدية، والاهتمام بالمستوى العام للأسعار والتسليف، واستقرار سعر الصرف وإصدار السندات، ويكون مرتبطاً بمجلس الوزراء.
وأشار إلى أن مجلس النقد والتسليف يضم 11 عضواً، منهم معاونو وزراء غير مختصين في السياسة النقدية، لذا يجب استبدالهم باختصاصيين في النقد.
وكشف حسون عن اهتمام حكومي بطرحه، إذ أكد رئيس مجلس الوزراء عماد خميس أنه سيتم دراسة الموضوع بالتفصيل، لاتخاذ ما يلزم في ضوء نتائج الدراسة.
مراقبون رأوا أن الفصل بين إدارة مجلس النقد والتسليف والمصرف المركزي أمر مقبول، وهناك تجارب في هذا الشأن، بشرط أن يتم تعيين رئيس للمجلس من ذوي الخبرة والكفاءة العالية في تخصص السياسة النقدية، ومن أصحاب العمر المتقدم، بحيث يكون لديه خبرة طويلة في العمل النقدي، ولا يكون له أي غايات أخرى باستلام مناصب غير المجلس، بما يمكنه من تقديم رأيه بموضوعية، من دون أي تأثير، منوهين بأن الأهم هو استقلالية المصرف المركزي.
وعن أن يشتمل المجلس على مديري المصارف، بيّن المراقبون أنه يمكن أن يكون هناك ممثل واحد على المصارف، لإبداء رأيهم في القرارات والموضوعات التي تخصهم، وليس أن يتم تمثيلهم بالكامل في المجلس.
استقلالية
أيّد رئيس قسم المصارف في كلية الاقتصاد في جامعة دمشق الدكتور علي كنعان طرح الفصل بين إدارتي مجلس النقد والتسليف والمصرف المركزي، وتوسيع عضوية المجلس لتضم بين 20 و30 عضواً، يكون أعلبهم من المختصين في السياسة النقدية، إلى جانب ممثلين عن المصارف والوزارات ذات الطابع الاقتصادي والفعاليات الاقتصادية، لإبداء الرأي، وتجنب الاعتراضات على القرارات النقدية بعد صدورها، لضمان انسجامها مع السياسة الاقتصادية، بشرط أن يكون حاكم المصرف المركزي عضواً في المجلس، وليس رئيساً له.
ورأى كنعان أن رئيس المجلس يجب أن يكون من المتخصصين المرموقين في السياسة النقدية، ومن أصحاب الخبرة الواسعة، «وأن يكون متقدماً في العمر»، وأن يتم إعطاؤه صلاحيات واسعة، وتفريغه بشكل كامل لعمله، مع دخل عالٍ، وألا يكون له أي دور أو علاقة مع أي جهة حكومية.
وأشار إلى ضرورة أن يعتمد المجلس على الدراسات النقدية في كل قراراته، بشكل حقيقي، ليكون أي قرار يتخذه مسوغاً، نقدياً واقتصادياً، وتأخذ بالحسبان دور النقد في الإنتاج والخدمات.
رفض
الخبير المصرفي سليمان بري رفض ذلك الطرح، جملة وتفصيلاً، إذ بيّن لـ«الاقتصادية» أن مجلس النقد والتسليف يتولى مهمة العمل على تنظيم مؤسسات النقد والتسليف في الجمهورية العربية السورية وتنسيق فعاليتها لتحقيق عدة أهداف في حدود صلاحياته، وضمن التوجهات الاقتصادية العامة للدولة التي يقرها مجلس الوزراء، وتتضمن هذه الأهداف وضع السياسة النقدية وإدارتها وفقاً للإستراتيجية العامة للدولة وحاجات الاقتصاد الوطني، بما في ذلك السياسات المتعلقة باستقرار الأسعار والقوة الشرائية للنقد الوطني وسياسات التسليف والفائدة والادخار المصرفي وأسعار الصرف.
ما يعني أن قانون النقد الأساسي قد أعطى مهمة وضع السياسات النقدية لمجلس النقد والتسليف على أن يتولى مصرف سورية المركزي تنفيذ السياسة النقدية التي يقررها المجلس، وهو يعمل تحت إشراف الدولة وبضمانتها وضمن التوجهات العامة للسياسة الاقتصادية المعتمدة من مجلس الوزراء، وكل ذلك منصوص عليه في قانون النقد الأساسي.
وعليه، فإن ضمان استقلالية المصرف المركزي يقتضي أن يشكل المصرف المركزي الثقل الأكبر ضمن مجلس النقد والتسليف، وبشكل أساسي أن يكون رئيس المجلس هو حاكم المصرف المركزي، فمن غير الممكن أن يطلب من المصرف المركزي أن يمارس عمله باستقلالية وتقوم جهة أعلى بتوجيه عمله.
وأضاف: «من الواقع العملي الحالي، توصل المصرف المركزي إلى العمل باستقلالية بعيداً عن وزارة الاقتصاد ليكون على اتصال مباشر مع رئاسة مجلس الوزراء، إذ يتم إصدار القرارات ذات التأثير الواسع بتوقيع رئيس مجلس الوزراء، فهو يقوم بدوره بتطبيق السياسات النقدية بما يحقق أهداف الحكومة، من دون وجود تناقضات واضحة مع تطبيق السياسة المالية من وزارة المالية».
وتابع القول: «لا يمكن الحفاظ على موضوعية مجلس النقد والتسليف بتوسيعه ليشمل جميع مديري المصارف العامة، إذ لا يمكن أن يضم المجلس مديري مؤسسات يقوم بالإشراف عليها ومراقبتها».
برأي بري، السؤال المطروحة يجب أن يكون: «هل يجب تعديل قانون النقد الأساسي؟»، مبيناً في سياق الإجابة، أنه من المنطقي، بل المطلوب اليوم؛ إجراء إعادة نظر للقانون، وتعديله ليتناسب مع التطورات التي حصلت منذ عام 2002 ولتاريخه، بحيث يشمل أيضاً جميع التعديلات الصادرة بقرارات منفصلة مثل رأس المال المطلوب، والمراقبين المصرفين الداخليين… إلخ، أو القرارات التي أثبت الواقع العملي وجوب تعديلها مثل الارتباط مع وزير الاقتصاد، وآلية الترخيص ..وغيرها.
أما بالنسبة لمدى استقلالية المصرف المركزي والتطورات الحاصلة على هذا المفهوم عالمياً، انطلاقاً من بقائه مرتبطاً برئيس مجلس الوزراء نوعاً ما في سورية، فأوضح بري أن الموضوع إشكالي حتى لشخص مثل بن برنانكي رئيس مجلس الاحتياطي الاتحادي الأميركي، إذ يرى أن السياسة، بمعنى التدخل الحكومي، تهدد مصداقية البنوك المركزية بمحاربتها للتضخم، من أنها قد تؤثر في قرارات السياسة النقدية، ويقول: «ميزة البنك المركزي المستقل تتمثل في قدرته على قول لا للحكومة».
ليعود ويؤكد لاحقاً بوجود نوع من التعاون بين السياسة والسياسة النقدية في حال وجود أزمات معينة حيث أكد وجود تعاون لا يتعارض مع استقلالية البنك المركزي بأي حال من الأحوال.
وشرح هذه النقطة بأنه لا يؤيد بأي حال من الأحوال الاستقلالية غير المشروطة للبنوك المركزية، فهو يعني مسؤولية البنك المركزي أمام الجمهور عن أفعاله، لكن أهداف السياسة تحددها الحكومة وليس المصرف المركزي وهو عليه التأكد من أن الحكومة تسعى بشكل صحيح إلى تحقيق الأهداف المنوطة بها، فلا ينبغي أن نفترض أن المصارف المركزية تتحكم دون حق بأمور خارج نطاق وظائفها النقدية.
وأضاف: «بكل الأحوال، إن استقلال البنك المركزي، حتى وإن كان مكرساً من خلال النصوص فهو ثمرة توازن قوى»، موضحاً أنه لا يوجد استقلال مطلق، بما أن استقلال فرد أو مؤسسة يندرج ضمن بيئة داخلية وخارجية تحكمها دائماً موازين قوى».
وفي المحصلة، رأى بري أنه لا يمكن نسخ تجارب البلدان الأخرى لتطبيقها لدينا، بل يجب الاستفادة منها للتوصل إلى معادلة تتناسب مع الظروف الحالية الاستثنائية للوضع الاقتصادي السوري.