الفساد السائد!! … الجهات الرقابية في عيون أعضاء مجلس الشعب.. خلل في التبعية وضعف في الأداء
طعمة: غير قادرين على إطلاق حملة لمكافحة الفساد حالياً ... الخطيب: الحل بالحكومة الإلكترونية للحدّ من الهدر والفساد
| محمد راكان مصطفى
بينما رأى عضو مجلس الشعب خليل طعمة أننا غير قادرين في الوضع العام الراهن ومن جميع النواحي على إطلاق حملة لمكافحة الفساد، وأن ما نستطيع تحقيقه في هذه المرحلة هو تنظيم إدارة الفساد حتى يتحول من منافع شخصية إلى منافع عامة، لكون الفساد أصبح منظومة متشابكة مترابطة لديها أدواتها وآلياتها ولديها القدرة والقوة على تعيين ووضع المسؤولين في مفاصل لإقراره وتعديله وفق مصالحهم، وأن المجتمع وخاصة المواطنين الصالحين أضعف من أن يحاربوا الفساد حالياً، أكد زميله سمير الخطيب أن الحل بالحكومة الإلكترونية، فهي تساعد على الحد من الهدر والفساد والرشاوى وتحفظ كرامة المواطن التي قد تذل بسبب سلوك موظف خاطئ أو مستهتر، معتبراً أن جزءاً كبيراً من المشكلة في سورية هو أن إحساس الموطن بمواطنته أصبح صفراً، إلا أن النائبين اتفقا على ضعف أداء الجهات الرقابية وعلى وجود خلل لجهة تبعيتها إلى رئاسة مجلس الوزراء.
الموضوع الأهم
واعتبر عضو مجلس الشعب سمير الخطيب أن موضوع الفساد هو الموضوع الأهم في البلاد اليوم وأنه لا يوجد موضوع أهم منه، ووصف أداء الجهاز الرقابي بالبطيء وغير الفعال بالشكل المناسب والجيد.
وشدد على تسريع العمل على إنجاز مشروع الحكومة الإلكترونية لكونها تساعد على التخفيف من الهدر والفساد والرشاوى، وتحد من علاقة المواطن بالموظف، مضيفاً: إن عمل الأجهزة الرقابية الضبط والمحاسبة، أي ضبط الهدر ومحاسبة الفاسدين، ولكون الحكومة الإلكترونية تختصر 50 بالمئة من المشكلات خطوة واحدة، فهي توفر المال والتكاليف الإدارية من قرطاسية ومستلزمات، إضافة إلى أنها تحد من الاحتكاك مع الموظف، إذ يتم وضع المعاملة في الاستقبال ليعود المواطن ويستلمها وفق موعد محدد جاهزة ما يعني الحدّ من تعرضه للابتزاز، هذه الخطوة هي بدء محاربة الفساد والقضاء على الروتين، والأهم هو الحفاظ على كرامة المواطن التي قد يذل بسبب سلوك موظف خاطئ أو مستهتر، معتبراً أن جزءاً كبيراً من المشكلة في سورية هو عدم إحساس الموطن بمواطنته الذي أصبح صفراً، إذ أصبح لديه استعداد أن يربح مئة ألف وإن تسبب بخسارة الدولة 100 مليون ومن دون تفكير.
الفاسدون متقدمون
ورأى الخطيب أن الفاسدين متقدمون على القوانين بما يزيد على 10 سنوات، إذ إن الفاسد يقوم بالفساد ولا يستطيع أحد محاسبته لكون القوانين بالأساس قابلة للخروقات، وأعاد السبب إلى أنه حين يعطي مجلس الشعب التشريع ويصدّق على القانون لا يتدخل بالقائمة التنفيذية، إذ إن من يضع اللائحة التنفيذية هي الحكومة أو الوزارة المختصة، مضيفاً: ونحن نفاجأ عند صدور اللوائح التنفيذية بأنها مخروقة، وفي كثير من الأحيان حتى مفرداتها غير صحيحة مثل يجوز للمدير أو للوزير، ويجمعها مصطلحات للتلاعب على النص الأساسي.
ولفت الخطيب إلى الوضع المعيشي للمواطن قائلاً: بصراحة اليوم عند منح رب عائلة راتب 30 ألف ليرة ليعش هو وأسرته، لا يمكن محاسبته فهو عليه دفع فواتير الكهرباء والهاتف والماء، وعليه تأمين متطلبات عائلته المعيشية، مضيفاً: الخلل الأساسي موجود بأن هناك فروقات بين الواقع المعيشي ومصدر الدخل للمواطن وخاصة الموظف في الدولة، فالفروقات هائلة جداً.
وأشار الخطيب إلى أن القطاع الخاص مسحوب اليد تقريباً من مسؤوليته في تشغيل اليد العاملة ولا يساعد الدول، منوهاً بأن جميع دول العالم غير معنية بتوظيف جميع المواطنين ، فالدولة توظف جزءاً والقطاع الخاص يشاركها ويوظف جزءاً إضافة إلى المهنيين ما ينتج تكافلاً في العملية، تضمن للمجتمع بأن ينهض، وهذا السبب بأنه المطلب الأكبر في أوساط المواطنين بالعموم هو الحصول على وظيفة.
وذكر عضو مجلس الشعب قصة الفساد التي تم طرحها مؤخراً عبر وسائل التواصل الاجتماعي والتي تخص وزارة التربية، معتبراً أن مثل هذه الممارسات تحمل إهانات وتشهيراً لأشخاص من الممكن أن يكونوا في النهاية مظلومين، والسبب في ذلك صمت الحكومة، مشيراً إلى أن رئيس الحكومة لم يخرج عن صمته إلا بعد 10 أيام واقتصر حديثه في الموضوع على أن المبالغ مبالغ فيها. مضيفاً: إن صحة الاتهامات لوزير كان موجوداً في حكومته، وكان مرتكباً لكل هذه المخالفات، فذلك يستوجب محاسبته هو أيضاً.
فساد متراكم
واستغرب أن يكون هناك فساد متراكم في ظل وجود أجهزة رقابية تدقق سنوياً في حسابات وصرفيات الجهات العامة؟ متسائلاً: أين كانت هذه الأجهزة؟ وأردف قائلاً: المحزن هو ترك المجال لفوضى بما يسهل الارتكابات الفاسدة في ظل الشعور بعدم وجود محاسبة، ما يتسبب لنا بخسارات الشباب والكفاءات بسبب عدم وجود ضوابط، والواجب أن يكون هناك محاسبة بالأساس وعدم ترك الفساد لينتشر ويدفع الثمن الوطن والمواطن.
وشدد على ضرورة وضع ضوابط تكون أشد صرامة في المتابعة بدقة، والعمل على تنفيذ الرقابة الاستباقية وعدم الانتظار لوقوع الخطأ للوصول إلى نتائج خاطئة، مشيراً إلى نتائج هذه الأمور على المجتمع والتي بعد الوصول إلى الفساد تتسبب بسجن الموظف وتؤدي إلى تفكك أسرته وضياعها، وأكد ضرورة البحث ضمن النقاط المالية وإيجاد حلول ومن بينها الحكومة الإلكترونية.
وتساءل الخطيب إن كان القابض على مفاصل السلطة من وزراء ومديرين عامين بالمستوى المطلوب للمرحلة الحالية مشيراً إلى وجود معاناة كبيرة في المفاصل الإدارية والتنفيذية لكونها غير مؤهلة، وقائمة على المحسوبيات والشللية التي يلجأ إليها المسؤولون فور توليهم المناصب من دون مراعاة للكفاءات.
واعتبر الخطيب أن إطلاق الكثير من الإشاعات عن مكافحة الفساد وملاحقة رجال الأعمال سوف يدمر الاقتصاد الوطني، إذ إنَّ إثارات الأحاديث العشوائية حول محاسبة وملاحقة رجال الأعمال والتجار لن يشجع المستثمر في الخارج بالقدوم والاستثمار في البلاد.
خلل في التبعية
وختم الخطيب قائلاً: كثير من الفاسدين ومنهم من عمل في التهريب مثلاً يركب السيارات الفارهة ويحظى بحياة رغيدة على حين إن الشرفاء ومنهم أساتذة الجامعات لا يستطيعون تأمين ثمن بنزين لسيارتهم لكامل الشهر، مضيفاً: هناك فرق كبير بالمستوى المعيشي وهناك تناقضات في المجتمع، والحكومة بحاجة لإعادة النظر ببعض القوانين التي تسمح بالفساد والتلاعب وإعادة النظر بهيكلية الإدارات وتعديل نمط أداء مديريات الرقابة المعدومة النتائج، كما يجب أن الجهات الرقابية تابعة لرئاسة مجلس الوزراء ويجب أن تتبع لمجلس الشعب، فمن غير المنطقي أن تحاسب الحكومة نفسها وهذا يعتبر خللاً!
هذا ما أيده فيه زميله عضو مجلس الشعب خليل طعمة الذي تساءل: هل يمكن أن تراقب جهات تراقب، مضيفاً: اليوم تتبع هذه الجهات إلى المؤسسة التنفيذية وهي الحكومة، ومهما كان فهناك استقلال بالقرار إذا فرضنا ذلك فهل من المنطق أن تراقب الحكومة الحكومة، وتابع: ما يعني وجود مشكلة في تبعية هذه المؤسسات التي يجب أن تتبع إلى مجلس الشعب أو إلى رئاسة الجمهورية أو كمؤسسة قائمة لها استقلاليتها الكاملة عن الحكومة بالدرجة الأولى.
مفهوم هلامي
ورأى طعمة أن الفساد مصطلح فضفاض، وإن تداول شعار محاسبة الفساد من جميع أفراد المجتمع يتم من دون أن يكون هناك معرفة واضحة بتعريف الفساد لديهم، ومفهوم الفساد هلامي غير واضح للجميع حتى تتم محاربته، معتبراً أنه لا يمكن محاربة عدو من دون معرفته والإعلان عن مواصفاته، ومعرفة ما الحالات المندرجة تحت هذا المفهوم حتى يتم البدء بمحاربته. مضيفاً: ويصادف أنه ليس هناك مفهوم معترف عليه لدى الحكومة والمجتمع للفساد ولا ماهية واضحة وكل شخص ينظر له كما يحب.
وأشار طعمة إلى أن بعض الموظفين يطلق مصطلحات وتسميات كإكرامية وفنجان قهوة على الرشوة، وجميعها في النهاية مصطلحات للفساد يتحايل عليها الفاسدون حتى يبرروا فعلتهم.
ولفت طعمة إلى أن الفساد من ناحية المضمون له أشكال عديدة، فالهدر وضياع المال هما فساد وليس بالضرورة أن يكون الفساد بسرقة المال العام فقط، مضيفاً: حتى الفساد المالي مفهومه هلامي، ففي علم الاقتصاد فوات الربح هو خسارة، كما يجب السؤال ما المعايير التي يجب تطبيقها لمعرفة أداء وزارة بأنها تعمل بالطاقة المطلوبة أو لا؟ فإذا أردنا قياس شيء يجب أن يكون له مواصفات واضحة.
ورأى طعمة عمل المؤسسات الرقابية غير مؤدى بطريقة صحيحة، ويمكن القيام بأضعاف ما يتم حالياً.
مشكلة في أداء مجلس الشعب
وعن دور مجلس الشعب في القيام بدوره الرقابي، قال طعمة: هناك نظرة سلبية من المواطن لمجلس الشعب، وذلك بسبب عدم عرض عمل المجلس بطريقة صحيحة عبر وسائل الإعلام، فصورة المجلس خاطئة لدى المواطنين لكونهم لا يرون ما ينجز، وما لا يُرى أو يلمس فمن الصعب أن يؤمن به والحق معهم.
وتابع طعمة: صحيح أننا نقر المشاريع في مجلس الشعب إلا أنه لا في الدور الحالي ولا أعتقد في الدور السابق تم تقديم أي مقترح لقانون من المجلس إلى الحكومة، كما أنه يوجد خلل في آلية الأداء، فمثلاً طرحت أسئلة حول موضوع الموازنة إلا أنني لم أحصل إلى الآن على إجابات تساءلت إن صادفنا ونحن نقر قانون الموازنة مادة غير واضحة أو تحوي لغطاً، فهل يتم التوقف حتى إقرارها، أم يتم تجاهل المادة والاستمرار، مضيفاً: وهذا الأمر غير واضح في قانون المجلس، علماً أن مواد الموازنة تضم أرقاماً مرتبطة ببعضها، وتغيير رقم يؤدي إلى تغيير أرقام أخرى ضمنها.
وأعتبر أن هذا يعني وجود مشكلة وخلل في آلية الأداء، ففي مناقشة الموازنة خلال العام الماضي كان هناك فرق كبير في أحد الأرقام وأعاد الوزير ذلك إلى خطأ في الطباعة، وطالب معاونيه بالتدقيق في الرقم، ولم نعلم إن كان علينا إيقاف المناقشة أو الاستمرار، وبعد انتظار نحو ربع ساعة تقرر متابعة بقية المواد ريثما يتم الانتهاء من التدقيق! ولنفترض أنه لم يستطع الوصول إلى نتيجة حول الرقم قبل نهاية الجلسة أو كانت النتيجة أن الرقم خاطئ وبحاجة لإجراء تعديل للموازنة، فهل نستطيع الرجوع إلى ما أقر من مواد؟ تابع قائلاً: وهذا معناه أن يصل المواطن إلى أن القانون بمجرد وصوله إلى المجلس إما يقر كما هو ولا يتم إجراء أي تعديل فيه وتركه كما هو، أو أن يتم التعديل بفاصلة أو نقطة. وهذا يعتبر ضعفاً في أداء المجلس في مثل هذه الحالات، فكيف يمارس المجلس صلاحياته بالكامل، إن كان لا يستطيع المحاسبة على الخلل فكيف سوف يستطيع المحاسبة على الفساد؟
واشتكى طعمة من عدم الحصول على إجابات واضحة من الوزراء، واعتبر أن ضبط الفساد يحتاج إلى إدارة في مكافحة الفساد بعيدة عن الانتقائية، وألا يتم الاكتفاء ببناء القضايا بالاعتماد على بلاغ أو معلومة أو على المصادفة.
وأكد طعمة وجود إرادة لمكافحة الفساد، ويجب أن تكون من أعلى السلطات إلى آخر السلم الإداري، وأن يتم العمل بعيداً من الشعارات، كما أنه من الضروري أن يوجد أحد يحاسب الجهة التي سوف تكون مسؤولة عن المحاسبة عن الفساد، وأن تكون مؤسسة مستقلة على رأسها مدير تنفيذي تكافح الفساد، وتقدم نتائجها إلى الجهة المسؤولة عن مراقبتها، فإن كانت النتائج إيجابية تتم مكافأتها وإن كانت سلبية تعاقب، منوهاً بضرورة وجود تنسيق بين هذه الجهة والجهات التنفيذية، مشدداً على ضرورة أن تكون تقارير هذه الجهة واضحة بعيدة من الإنشاء وتتضمن نتائج القضايا المكتشفة، وصولاً إلى القضاء وما ينتج من أحكام وما تم تحصيله مقرونة بإيصالات نظامية، كما طالب بأن يتم الإعلان عن النتائج عبر مجلس الشعب ووسائل الإعلام.
وقال طعمة: طموحي أن تقوم المؤسسة الدينية مستقبلاً بتقديم الرادع الأخلاقي وأن تشرح الفساد بطريقة علمية دينية بما يحقق رادعاً دينياً أخلاقياً ونفسياً لدى المواطن.
وختم طعمة حديثه قائلاً: نحن غير قادرين في الوضع العام الراهن ومن جميع النواحي إطلاق حملة لمكافحة الفساد، وما نستطيع تحقيقه في هذه المرحلة هو تنظيم إدارة الفساد حتى يتحول من منافع شخصية إلى منافع عامة، مضيفاً: لأن الفساد الآن منظومة متشابكة مترابطة لديها أدواتها وآلياتها ولديها القدرة والقوة على تعيين ووضع المسؤولين في مفاصل القرار وتعديله وفق مصالحهم، ووصلت إلى مرحلة من تقاطع المصالح، يستطيعون عبرها تنفيذ ما يريدون، أعترف بأن المجتمع وخاصة المواطنين الصالحين أضعف من أن يحاربوا الفساد حالياً.
حصانة نظرية
رأى أكاديمي فضّل عدم ذكر اسمه أن الأجهزة الرقابية ليست بالوضع الذي يمكنها من أن تقوم بالدور الكامل لمكافحة الفساد، معيداً ذلك لعدة أسباب، منها قانونية تتمثل بعدم توافر الاستقلال الكامل لهذه الأجهزة، إلى جانب أسباب بنيوية تتمثل بعدم وجود الكوادر الكافية والمؤهلة بالشكل الأمثل، إضافة إلى عدم وجود حصانات كافية للمفتشين في هذه المرحلة وخاصة الحصانة المالية للمفتش.
وبيّن أن المفتش في الجهات الرقابية نظرياً يتمتع بحصانة القاضي، ولكن فعلياً هي شبه غير متوافرة، مشيراً إلى أن الضعف المالي للمفتش، والذي أدى إلى انتقال الفساد للأجهزة الرقابية في ظل وجود مفتش دخله لا يكفيه للمعيشة الشهرية ما يجعله غير محصّن، واعتبر أن الآليات المتبعة في الأجهزة الرقابة لا تزال آليات تقليدية تعتمد على أساليب لم تعد تناسب المرحلة الراهنة، مضيفاً: ما يستوجب على الجهازين الرقابيين الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش والجهاز المركزي للرقابة المالية إعادة النظر في تكوين كل منها وفصل الاختصاصات، إذ هناك تداخل كبير بالاختصاصات بينهما.
وأوضح أن هناك خصوصية في عمل الجهاز المركزي للرقابة المالية بأنه مدقق حسابات الدولة يدقق الموازنة العاملة للدولة والموازنات المستقلة على مستوى المؤسسات الاقتصادية والوحدات المحلية، وتابع: تبقى الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش والتي ما زالت مهامها غير مؤطّرة وواسعة بشكل كبير غير متناسق ومتوافق، وبشكل يتداخل مع اختصاصات الجهاز، ما يجعل الهيئة تعمل بشكل عشوائي كبير جداً. مطالباً بأن يتم تحديد اختصاصات الهيئة بشكل واضح.
وأشار الأكاديمي إلى وجود مطالبات كثيرة للتصريح عن الذمة المالية للقائمين على بعض المواقع مضيفاً: لكن لم يتحدث أحد عن وجود قانون لا يزال نافذاً منذ عام 1958 هو قانون الكسب غير المشروع، وقانون الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش رقم 24 لعام 1981 والذي أعطى الهيئة وظيفة تطبيق قانون الكسب غير المشروع، وهو أمر يساعد على تبسيط البحث عن الثروات التي قد تتكون بشكل غير مشروع بطريقة سلسة ومن دون تعقيدات.
مؤكداً ضرورة العمل على زيادة أعداد المفتشين وإعادة النظر في تأهيلهم بالشكل المناسب، مع ضرورة تدعيم استقلالية الأجهزة الرقابية.
تبعية
وأضاف الأكاديمي: بالنظر إلى تجارب كثيرة من دول العالم ولاسيما الدول التي يشبه وضعها وضعنا، وفي ضوء المناداة بتبعية الأجهزة إلى السلطة التشريعية الممثلة بمجلس الشعب، ولكون المجلس غير مؤهل لإدارتها بسبب طبيعة عملها، نقترح أن تكون تابعة لأعلى سلطة إدارية في الدولة، وهي مقام رئاسة الجمهورية، مضيفاً: في ضوء تطبيق هذه العوامل يمكن للجهات الرقابية البدء بأن يكون لها الدور المناسب في مجال مكافحة الفساد والإصلاح الإداري والمالي.
وعن وجود فساد متراكم غير مكتشف لدى الجهات العامة رغم قيام الجهات الرقابية بالتفتيش دورياً على حسابات هذه الجهات، أكد الأكاديمي ضرورة الفصل بين الجانب المالي وهو الحسابات الختامية للموازنة العامة للدولة والتي قد تكون على الورق صحيحة من حيث مقدار الصرف والإيرادات، ولكن الممارسات الفاسدة قد تكون قبل أن تتحول إلى أرقام، كالمخالفات المرتكبة أثناء إبرام العقود.
وفي كثير من المواقع لا يظهر الفساد من خلال الأرقام وتدقيق حسابات الموازنة، كما أن الرقابة غير شاملة لجميع عمليات الصرف والجباية في ظل وجود نقص ما، فيتم الاعتماد على استخدام أسلوب العينة، ما يؤدي إلى وجود بعض الممارسات البعيدة عن أعين الرقابة والتي قد تتراكم، ولا يتم اكتشافها إلا بالمصادفة أو شكوى.
منظومة قانونية
ورأى الخبير أن سورية من الدول التي تحوي منظومة قانونية جيدة وصلت إلى مرحلة من التكامل، مضيفاً: قد يكون هناك ثغرة هنا أو هناك بحاجة إلى تعديل ولكن المنظومة القانونية تغطي جميع النشاطات الإدارية والاقتصادية والتجارية، وذلك يعتبر جانباً مهماً في التأثير إيجاباً على المستثمرين من الخارج، إذ يتم دائماً قبل الدخول إلى أي دولة البحث في المنظومة القضائية فيها.
وعما يثار من أحاديث عن وجود تحقيقات طالت شخصيات تجارية وحكومية في ملفات فساد قال: هناك قاعدة في الأمور الجزائية تنص على أن أي متهم بريء ما لم تصدر إدانته بحكم جزائي مكتسب للدرجة القطعية، وتوجيه اتهام لأي شخص أو مباشرة أي جهاز أو جهة بتحقيق مع أي شخص يترافع مع تشهير كبير عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وبالتأكيد لذلك أثار سلبية كبيرة.
وأضاف: يجب ألا يتم الحديث عن هذه الأمور قبل صدور حكم قضائي يجرم الأشخاص أو يبرئهم، وهنا يجب أن تكون العلانية في نتائج الأحكام كما هي العلاقة ضمن جلسات المحاكمة، لتحقيق عامل الردع لكل من تسول له نفسه ارتكاب الأخطاء، وإعطاء عامل الطمأنينة للشرفاء، وذلك يعتبر ضمانة حقيقية لتحقيق الطمأنينة لأي رجل أعمال أو موظف حكومي، بألا يتم الإعلان عن أي حادثة إلا وفقاً لأحكام قضائية، سواء بالإدانة أم بالبراءة مرفقة بالمعطيات التي استند إليها في التحقيق.
كما يجب أن يعمل على القضاء ليكون مستقلاً ومحصناً ليؤدي الدور المطلوب منه، وأن يحترم مبدأ الفصل بين السلطات القضائية والتنفيذية.
رقابة مجلس الشعب
وحول الأداء الرقابي لمجلس الشعب قال: هؤلاء من انتخبهم الشعب، فإن لم يؤدوا المطلوب منهم ينبغي على المواطنين في المرحلة القادمة، وخاصة أننا قادمون على انتخابات لمجلس الشعب في الأشهر القادمة، انتخاب الكفاءات، وفي الوقت نفسه على الكفاءات ألا تحجم عن المشاركة في الشأن العام.
وأشار إلى أن جميع المجالس التشريعية في دول العام في الأغلب لا يكون لديها جميع الكفاءات والخبرات ولاسيما في الجانب المالي والإداري في الدولة، وتتم الاستعانة بكوادر ومستشارين متخصصين لديهم الخبرة اللازمة لتواكب التطور الحاصل في مجال التقنيات والأنظمة، مؤكداً أنه لا يوجد ما يمنع ضمن الأنظمة والقوانين الخاصة بالمجلس في هذا المجال.
وأكد الأكاديمي في ختام حديثه أن مجرد طرح مسألة مكافحة الفساد هو عامل ارتياح لدى الجميع، ولكن مسألة مكافحة الفساد وإطلاق حملة أو مشروع وطني لا بد أن يكون ضمن نقاط إستراتيجية متكاملة على المستويات كافة، وأن يترافق مع تحسين الوضع المعيشي للعاملين في القضاء وللمفتشين لدى الجهات الرقابية، وأن يترافق بعملية حزم في مكافحة الفساد، سواء للقائمين على مكافحة الفساد أم للمرتكبين.
مفهوم الفساد
هذا وأكدت الإستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد للأعوام 2019-2021 أن الوقاية من الفساد ومكافحته تتطلب جهوداً كفوءة وفاعلة، بمشاركة جميع أجهزة الدولة والمجتمع، ويستلزم وضع إستراتيجية تقوم على تشخيص المشكلة ومعالجة أسبابها، من خلال دراسة أشكال الفساد في سورية والوقوف على أسبابه، ومن ثم صياغة الغايات والأهداف ووضع خطة تنفيذية لهذا الإطار الإستراتيجي، يضم آليات للتنفيذ والجهات القائمة على تنفيذه، ضمن إطار زمني قابل للتطبيق.
وأشارت الإستراتيجية إلى أن الفساد في سورية كشأن الفساد في الدول النامية الأخرى– أشكالاً وانتشاراً وآثاراً ضارة – مع فروق نسبية، ومن أجل مكافحة الفساد في سورية بُذلت جهود حثيثة لكن لم ترق إلى المستوى المطلوب، وأكدت الإرادة السياسية بضرورة التصدي لهذه الآفة واجتثاثها عبر سياسة وطنية واضحة المعالم والرؤى، انطلاقاً من ذلك كانت هذه الإستراتيجية الوطنية أولى المحاولات التنظيمية لتعزيز العمل الحكومي ووضع أُطر إستراتيجية مرنة وقادرة على التأسيس لمنهجية عمل وطنية لمكافحة الفساد تمتد إلى السنوات القادمة تنسجم وتتواءم مع متطلبات المشرع الوطني للإصلاح الإداري.
ولفتت الإستراتيجية إلى أن الفساد يعتبر مفهوماً عاماً وعريضاً، فهو يدخل في كامل جوانب العمل الحكومي، حيث يترسخ بطرائق وممارسات تؤدي حكماً إلى انتقاله إلى العمل الخاص وبالتالي انتشاره في كامل شرائح المجتمع، فأي خلل في آلية عمل الدولة قد يؤدي إلى فساد، الوقوع في حالة فساد بصرف النظر عن نية صاحبها سواءً كانت جيدة أم سيئة، ويصرف النظر عن وجود مصلحة شخصية من عدمها.
وأشارت إلى أنه لا يوجد تعريف ثابت ومعمم عالمياً للفساد، بل تختلف تعريفات الفساد باختلاف الزاوية التي ينظر منها إليه، نظراً إلى الطبيعة المعقدة والمتعددة لعمليات الفساد، فيُعد فساداً كل سلوك يهدد المصلحة العامة، وكذلك أي إساءة لاستخدام الوظيفة العامة لتحقيق مكاسب خاصة.
أنواع الفساد
وقسمت الإستراتيجية الفساد من حيث الطبيعة إلى فساد السياسي ويعني استغلال السياسيين مناصبهم بطريقة غير مشروعة لتحقيق مآرب شخصية ومصالح خاصة تحت شعار المصلحة العامة، وفساد مالي يعني مخالفة القواعد والأحكام المالية التي تنظم سير العمل الإداري والمالي في المؤسسات الحكومية، ويتمثل في مجموعة من الإجراءات والقرارات التي ترجّح المصلحة أو المنفعة الخاصة على المصلحة العامة من أجل الحصول على مكاسب مادية ولو على حساب المنشأة.
ورأت الإستراتيجية أن الفساد المالي يتجلى في كثير من الأمور منها صرف نفقات كبيرة وبجدوى اقتصادية ضعيفة جداً أو من دون جدوى أحياناً، كأن يتم شراء مواد بكميات كبيرة من دون أي استخدام لها، وبإبرام عقود توريد خدمات وهمية أو بأسعار مرتفعة بالاتفاق مع المتعهد ودون اتباع الأصول القانونية، واستثمار أملاك المنشأة العامة بأسعار زهيدة بالاتفاق مع المستثمر مقابل مبالغ للمصلحة الخاصة.
أما الفساد الإداري وفقاً للاستراتيجية فيعني مجموعة من القرارات والإجراءات الإدارية التي تؤدي إلى عرقلة عملية التنمية والحيلولة دون تحقيق أهداف الإدارة، وتهدف إلى تحقيق منافع خاصة تتجلى مظاهره في الابتعاد عن العمل المؤسساتي واتخاذ قرارات ارتجالية من المدير إرضاء لأهوائه الشخصية ومن أمثلتها عدم تعيين الرجل المناسب في المكان المناسب، وقرارات بقصد الإساءة إلى عاملين بدافع المزاجية أو الكيدية، وعدم احترام الأنظمة والقوانين من المعنيين بتطبيقها، وغياب الشفافية والمصداقية في التعامل وتفشي المحسوبية والنفاق الإداري.
ووفقاً للإستراتيجية تتجلى صور الفساد ومظاهره في العديد من القطاعات الحكومية، وفيما يخص هذه الإستراتيجية يمكن تحديد مظاهر الفساد إجرائياً بأفعال منها، الرشوة بجميع وجوهها في القطاع العام والخاص، استغلال النفوذ وإساءة استخدام السلطة، واختلاس الأموال العامة، والوساطة والمحاباة والمحسوبية، والتهرب الضريبي والتهرب الجمركي، وعدم الالتزام بالقوانين والأنظمة النافذة واحترامها، وتطبيق القوانين وفقاً للمصالح الشخصية، والروتين والتعقيدات الإداري والفوضى والتسيب في القطاع العام، وانتشار ظاهرة البطالة المقنعة في القطاع العام، والكسب غير المشروع، وعدم وجود أسس متينة وواضحة لاختيار أصحاب المراكز الإدارية والوظيفية، وإقصاء أصحاب الكفاءات والمؤهلات بشكل عمد، والتلاعب والتزوير، وعرقلة سير العمل وغياب العدالة والمساواة.
وحددت الإستراتيجية الجهات المشاركة في تنفيذ الإستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد، انطلاقاً من أن وضع أي إستراتيجية لمكافحة الفساد في سورية يتطلب مشاركة أجهزة الدولة المختلفة، وهي مجلس الشعب، والسلطة القضائية بأجهزتها المختلفة، والحكومة بأجهزتها المختلفة (وزارات- هيئات- شركات- مؤسسات)، والمجالس المحلية في المحافظات، ووسائل الإعلام المختلفة، ومنظمات المجتمع الأهلي والفئة الشابة، والمؤسسات الدينية على اختلافها، والقطاع الخاص، والمنظمات الدولية المعنية.