مبادرة دعم الليرة… هل لديها فرص نجاح؟!
حاكم المركزي حازم قرفول: المبادرة ترتبط بمستوى التحديات التي يواجهها الاقتصاد السوري
| فادي بك الشريف – وفاء جديد- راما محمد
خرج المصرف المركزي بعد أيام من إطلاق مبادرة دعم الليرة السورية «الأهلية» ليعلن أخيراً إشرافه المباشر على الآلية التنفيذية للمبادرة التي تبناها قطاع الأعمال للوصول إلى مستوى مقبول لسعر الصرف بحكم المهام المنوطة به قانوناً.
وتقتضي المبادرة قيام رجال الأعمال والمصدرين والتجار والصناعيين المستوردين بإيداع الأموال بالقطع الأجنبي «الدولار الأميركي» من فائض أموالهم الادخارية في حساب خاص بهذه المبادرة لدى المصرف التجاري السوري وفروعه بالمحافظات كافة وذلك تحت إشراف المركزي.
حاكم المصرف المركزي حازم قرفول اعتبر أن المبادرة ترتبط بمستوى التحديات التي يواجهها الاقتصاد السوري والقطاع الخاص كجزء من الاقتصاد الوطني المعني بمواجهة الحرب الاقتصادية فعلاً وليس قولاً، مشيراً إلى أنها تأتي لتأكيد دور قطاع الأعمال في تعزيز قوة العملة الوطنية، وهي مبادرة جدية، وهناك عوامل ستنعكس بشكل إيجابي إن تم استثمارها، موضحاً أن التأثر على الأرض مرتبط بمدى مساعدة الجميع والتفافهم حول هذه المبادرة، ودعمها بشكل صادق.
وحول مدى تأثير المبادرة على الأسعار، لفت قرفول إلى أنها مسؤولية جماعية تبدأ بقطاع الأعمال والشركات حتى تصل الأجهزة الرقابية والجهات الحكومية متمثلة بمصرف سورية المركزي، مضيفاً: إنه لا يمكن لأي جهة أن تتصدى لارتفاع الأسعار بشكل إفرادي.
وبين أنه بالقدر الذي سنحقق فيه ثقة واستقراراً في الاقتصاد والعملة الوطنية بقدر ما نشجع رؤوس الأموال للقدوم إلى سورية، منوهاً بأن تحسن الاقتصاد والقطاع المصرفي بشكل خاص يشجع الجميع للمبادرة وإيداع أموالهم في سورية.
وعن المبادرة، وصف الباحث الاقتصادي محمود العرق اجتماع وتكتل غرف التجارة والصناعة والحملات التي أطلقتها والصندوق الناتج عنها، بأنه حالة من حالات التكافل الاجتماعي، وبأنه ليس حلاً جذرياً لمعالجة مشكلة الدولار، مضيفاً: إن هذه الحالة تأتي تحت بند التكافل الاجتماعي، وهو عامل مهم لكن تأثيره سيكون محدوداً، كما أنه ليس حالة علاج دائم، وأهم ما فيها إظهار حالة من التكافل الاجتماعي بتأثير طفيف، موضحاً أن الوضع يحتاج إلى ضخ رأس مال أكبر من الذي تم ضخه، منوهاً بأن العلاج ليس هنا .
وعن دور المركزي في هذه المرحلة كشف العرق أن بيت القصيد يتجسد لدى المركزي، فهو القادر على تحريك السوق والتخفيف من التضخم الحاصل، أما العامل الأساسي فيرتبط إجراءات لتحريك العجلة الإنتاجية، وبالنهاية هناك أمور خارجة عن الإرادة إضافة إلى الضغط الخارجي.
أما عن المنعكس الحقيقي لسعر الصرف فقد شدد العرق أن المنعكس اليوم على المواطن وصاحب الشكوى الأساسي هو المستورد والطرفان محقان، مضيفاً: نحن نحتاج لخطة مدروسة متكاملة مبنية على إعادة هيكلة وبناء اقتصاد حقيقي، ولدينا اختصاصان اقتصاديان مهمان قادران على إيجاد حل حقيقي، معتبراً أننا قادرون على توظيف كل ليرة في الحركة الإنتاجية وهي مفيدة في المرحلة الحالية، ليكون لدينا هوية منتج تساعدنا على خلق توازن بين ما نستورده ونصدره، إضافة إلى أنه لدينا مواد وخامات لم تستهلك بعد ومهملة لابد من استثمارها، لأننا في ظل الواقع الحالي ونمط الإدارة القائم نحن نسير إلى الأسوأ؟
من جهته، رأى نائب رئيس اتحاد غرف التجارة عبد الناصر الشيخ فتوح أن مبادرة دعم الليرة السورية والوقوف إلى جانبها عمل وطني بامتياز سينعكس بشكل إيجابي على كل من التجار والحكومة والمواطنين، مبيناً أنه من الملاحظ وجود اندفاع كبير للتجار للمساهمة بشكل صادق بهذه الحملة، معتبراً ذلك إحدى الخطوات الجدية.
وأضاف: «في هذه الظروف، يلزم أن يكون الواجب هو عنوان المرحلة، وهذه فرصة ثمينة للتجار وقطاع الأعمال ليثبتوا للمشككين وطنيتهم وهي فرصة استثنائية ولا تتكرر».
وتابع بالقول: لا ننكر أن هناك جزءاً من التجار الفاشلين والمفشلين، لكن الجزء الأكبر منهم وطنيون وصمدوا في بلدهم طوال سنوات الحرب على سورية، لافتاً إلى أنه من الأفضل عدم إعطاء المشككين بالمبادرة وفعاليتها أي آذان مصغية تجاهلهم، فالأيام القادمة ستريهم الرد الحقيقي من التجار والصناعيين.
وكشف فتوح عن قيام بعض التجار من ذوي النفوذ بسحب قروض ومبالغ كبيرة من المصارف خلال العامين الماضيين، بزعم إنفاقها على المشاريع في منشآتهم ، ليتضح أن هذه المشاريع وهمية، إذ قاموا بتهريب أموالهم بالدولار إلى لبنان للاستفادة من معدلات الفائدة، حيث رفعت الحكومة اللبنانية معدل الفائدة على الدولار ليصبح 8 بالمئة، مشدداً على ضرورة محاسبة هذه الفئة من التجار.
وأشار إلى أن قطاع الأعمال ومن خلال المبادرة سيضمن ثبات سعر الصرف على المستوى القريب، لكن على المستوى المتوسط والبعيد يجب على الحكومة أن تتخذ إجراءات من نوع آخر، مضيفاً: جميعنا مسؤولون عن الحالة السلبية التي وصل إليها سعر صرف الليرة السورية، وجميعنا مسؤولون عن دعمها.
وقدم جملة من المقترحات للحكومة في هذا المجال، مثل ضخ المتحصل من القطع الأجنبي في العملية الإنتاجية، وتجريم كل من يقوم بالتداول بالدولار خارج القنوات الرسمية ومحاسبته، واتخاذ الإجراءات الجزائية بحقه.
كما اقترح زيادة وتيرة تنفيذ سياسة إحلال المستوردات، وتشجيع الصناعات الوطنية الصغيرة والمتوسطة، وخاصة المتوقفة منها، لأن تكاليف تأهيلها قليلة جداً، فيجب دعمها بتعويم ديونها والفوائد المتراكمة عليها والتي تشل حركتها، وتنشيطها من جديد بفوائد مدعومة.
واقترح كذلك زيادة حجم القروض الإنتاجية والاستهلاكية لتشجيع تأسيس منشآت فعلية وحقيقية، وإيقاف إقراض المتنفذين، وتشجيع كل مصادر القطع الأجنبي، ودعم المشاريع والمنشآت السياحية والصناعات التصديرية بالقروض والتسهيلات اللازمة، إلى جانب مكافحة التهريب بشكل جدي.
إلى ذلك، لفت نائب رئيس لجنة صادرات غرفة تجارة دمشق فايز قسومة إلى أن المبادرة أخذت طابعاً رسمياً وجدياً فقطاع الأعمال جاهز للتمويل حتى لو تطلب ذلك 500 مليون دولار، مبيناً أن التحويل بدأ بأرقام كبيرة، إذ تبرع أحد رجال الأعمال بـ 10ملايين دولار، وآخر بمبلغ أكبر مع الاستعداد التام للدفع مرة أخرى.
ورأى أن رجال الأعمال متحمسون، وأن المبادرة ستأخذ طابعاُ كبيراً قبل نهاية هذا الأسبوع، وأن التدخل بمستوى عال جداً، متوقعاً انخفاض سعر صرف الدولار إلى ما دون 500 ليرة، كاشفاً عن تعهد التجار بوضع 250 مليون دولار قبل نهاية أسبوع من المبادرة.
ولفت قسومة إلى الإجراءات التي سيتم اتباعها بعد هذه العملية الإسعافية، مثل تنشيط المعامل وزيادة الإنتاج ودعم التصدير، مشدداً على ضرورة مكافحة التهريب والقضاء عليه في سبيل تثبيت سعر صرف الليرة السورية.
وتابع بالقول: الأيام القادمة ستثبت أن التجار والحكومة في خندق واحد، رغم أن الحكومة في بعض القرارات مقصرة بدعم التصدير وزيادة الإنتاج، وعندما تنتهي المبادرة سنلتفت للحكومة واللجنة الاقتصادية ونطالبهم بخطوات جدية لتثبيت سعر الصرف لسنوات.
بدورها رأت عضو مجلس إدارة غرفة صناعة دمشق وريفها مروة الإيتوني أن نتائج الحملة ستظهر في القريب العاجل, مؤكدةً أن هذه النتائج ستكون إيجابية ومؤثرة, مضيفةً: الدليل على ذلك أن الكثير من التجار سيبادرون لوضع إيداعات مجمدة بحسابات لدى المصارف المحددة وهذا واجب وطني.
وأكدت الإيتوني أن الهدف من الحملة تقوية القطع الأجنبي لتجنب أي ارتفاع بسعر الصرف كالارتفاع غير المبرر الذي حصل مؤخراً, معتبرة أن إيداع أي مبلغ مهما كان بسيطاً سيكون له أثر إيجابي, مضيفةً: هذا كله سيعود بالفائدة على البلاد، لأنه بارتفاع قيمة الليرة تنخفض أسعار المنتجات وبالتالي تأمين مستوى معيشي أفضل للمواطن.
وتابعت: كان هناك حوار مفتوح مع حاكم مصرف سورية المركزي سيتبعه اتخاذ إجراءات حكومية متعلقة بالمواطن وتختلف عن الإجراءات التي سيقوم بها التجار والصناعيون، أي الاقتصاديون بشكل عام لدعم هذا العمل الوطني.
ورأت الإيتوني أن من يلجأ لرفع الأسعار غالباً عند ارتفاع سعر الصرف هم تجار البيع المباشر, على حين إن التاجر الذي يستورد ويصنع يقبل بالأرباح القليلة لدعم منتجه، وبالتالي خلق الطلب عليه, وقالت: الأمر عبارة عن سلسلة فعندما يكون المنتج سعره مناسباً يجد رواجاً واستهلاكاً أكثر من المنتج ذي السعر المرتفع، والذي يبحث المستهلك عن بديل له ما يخلق نوعاً من المنافسة.
إلى ذلك, اعتبر الصناعي فراس تقي الدين أن دور المصدرين في دعم العملة الوطنية يكون من خلال التفاني في عملهم وإنتاجهم وسعيهم إلى فتح أسواق جديدة وبإنتاج البضاعة المناسبة ذات الجودة العالية, مضيفاً: دور المصدرين إنتاجي وتسويقي بحت.
وأوضح تقي الدين أن صميم عمل المصدر يتركز في أن ينتج ويسوق بطريقة صحيحة ويستفيد، وبمجرد تحقيق ذلك فهذا يعني إدخال القطع الأجنبي إلى البلاد، وبالتالي دعم الليرة السورية, منوهاً بأنها علاقة متبادلة وطبيعية, مؤكداً أن أكثر ما يدعم القطع الأجنبي هو التصدير.
وتابع: المصدر هو داعم للعملة الوطنية بالإنتاج وعندما تتهيأ الظروف التي تمكنه من استعادة دوران عجلة الإنتاج وتقديم السعر المنافس والتصدير فهو يسهم بشكل طبيعي بإدخال القطع الأجنبي إلى البلاد؛ لكون إعادة القطع ضرورية ليتمكن المصدر من شراء مواد جديدة وتصديرها.
ولفت إلى ضرورة دعم التصدير من خلال تهيئة الظروف بدءاً بالتصنيع ومنح الدعم اللوجستي والتسهيلات الخاصة بالمصدرين ودعم الصادرات, مضيفاً: دعم التصدير الصناعي يكون بشكل أساسي من خلال دعم الصناعي.
واعتبر تقي الدين أن الحملة التي أطلقتها غرف التجارة والصناعة مكسب للجميع, متمنياً أن تظهر نتائجها بشكل سريع، مضيفاً: قوة العملة الوطنية هي قوة للجميع وفقدان قيمتها يعني إفقار الشعب بالكامل وليس فئة معينة منه، أي إن تضررها سينعكس على الجميع من دون استثناء.