فنون التزوير تزدهر في الأسواق .. تعبئة عبوات بماركات أجنبية بعد الحصول عليها من حاويات القمامة
المواد الغذائية والمنظفات والكابلات أبرز المواد المغشوشة
| راما محمد
ازدهرت صناعة التزوير في سورية خلال سنوات الحرب الثماني، متخذة من المناطق النائية والبعيدة عن أعين الرقابة ورشاتٍ لإنتاج بضاعة مزورة ومقلدة تحمل أسماء علامات تجارية عالمية ومحلية معروفة، أو لتزوير لصاقات ومدد الصلاحية لمواد غير معروفة المنشأ أو منتهية الصلاحية، وفي بعض الأحيان وصل الأمر إلى تصدير البضاعة المزورة للخارج تحت اسم العلامة التجارية الأصلية.
مدير حماية المستهلك في وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك علي الخطيب أكد أن حالات التزوير والتقليد موجودة منذ فترات طويلة وفي أماكن كثيرة، إلا أن البعض استغل ظروف الحرب والفوضى التي حصلت ما أدى إلى زيادة انتشارها، منوهاً بأن سنوات الحرب ليست السبب الرئيس في انتشارها.
وكشف الخطيب عن تنظيم الوزارة 250 ضبطاً لمواد منتهية الصلاحية في النصف الأول من العام الحالي، إلى جانب تنظيم 424 ضبطاً للغش في الصناعة من ضمنها منتجات مزورة خلال الفترة نفسها، مبيناً أن المنتجات التي ضبطت كانت متنوعة ما بين منظفات ومواد غذائية وأسلاك كهربائية.
وقال: ضبطت دوريات حماية المستهلك أسلاكاً كهربائية مقلدة -في كل من دمشق وريف دمشق واللاذقية- لمنتجات شركة الكابلات التابعة للقطاع العام؛ لكون إنتاجها يعتبر ذا نوعية ومواصفات جيدة، وتم تنظيم الضبوط اللازمة وإحالة المخالفين على القضاء وحجز الكميات المضبوطة.
كثير من المخالفين سجنوا
وأوضح مدير حماية المستهلك أن ضبط المنتجات المزورة يكون من خلال إما تقدم صاحب العلامة أو المنتج الذي تعرض منتجه للتزوير بشكوى بعد ملاحظته وجود منتجات تحمل الماركة والاسم نفسيهما ولكن ليست من إنتاجه، أو من خلال عمل الدوريات المتمثل بمراقبة المواد المطروحة في الأسواق وبطاقة البيان التي من المفترض أن تكون مع كل مادة، منوهاً بأن القضاء هو المعني بتطبيق العقوبة وتحديد إذا ما كانت غرامة مالية أو سجناً وذلك حسب خطورة المادة المزورة.
وتابع: هناك الكثير ممن سجن وفرض عليه غرامات، إلى جانب الإجراءات الإدارية الخاصة بالوزارة التي خولها القانون بها وهي عقوبة إغلاق المحل إدارياً من ثلاثة أيام إلى شهر كحد أقصى وهذا يختلف عن الإغلاق القضائي.
وأكد الخطيب أنه بعد ضبط أي علامة تجارية مزورة يجري تعميمها على مديريات حماية المستهلك في المحافظات كافة؛ لوجود احتمال بأن تكون مطروحة في محافظات أخرى وخاصة إذا كانت خطرة على الاقتصاد الوطني وصحة المواطن، مشيراً إلى أن تغيير لصاقات انتهاء الصلاحية نادراً ما يحصل وفي حالات خاصة كالمواد الكاسدة التي ليس عليها طلب، أو نتيجة صعوبة وصول البائع لمستودعات التخزين خلال فترة من الفترات ما يدفعه لتغيير لصاقة انتهاء الصلاحية بأخرى جديدة.
ولفت مدير حماية المستهلك إلى عدم إمكانية تحديد منطقة معينة تنتشر فيها ظواهر تقليد وتزوير المنتجات، مشيراً إلى أنها إجمالاً ما تنتشر في الأماكن البعيدة عن أعين الرقابة كالمناطق النائية والريفية وتحديداً في البيوت والورشات الصغيرة كريف دمشق مثلاً، ومن ثم طرح هذه المنتجات المزورة في الأسواق الرئيسة، منوهاً بأنه وعند ورود معلومات من الممكن مداهمة مكان التصنيع على الفور أو ضبط المادة بعد طرحها في الأسواق.
غرامات حتى 500 ألف ليرة
كشف مدير حماية الملكية التجارية والصناعية في وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك شفيق العزب عن تنظيم 156 ضبطاً بحق محال تبيع منتجات مزورة ومقلدة لعلامات تجارية معروفة، وذلك بعد تقدم وكيل العلامة التجارية بشكوى.
وأضاف العزب: يجري أولاً فحص فني للعلامة التجارية لمعرفة ما إذا كانت صحيحة وسارية المفعول وضمن مدة الحماية القانونية، ثم تشكيل دورية لتنظيم الضبوط من حماية الملكية، مشيراً إلى أنه تجري إحالة الضبوط مع العينات المأخوذة على النيابة العامة لتحريك الدعوى القضائية.
ولفت إلى اختلاف آلية عمل مديرية حماية الملكية التجارية والصناعية عن آلية عمل دوريات التموين التي يمكن أن تكتفي بإغلاق المحال، على حين أن الدعوى القضائية من الممكن أن تنتهي بالتنبيه أو السجن أو الغرامة التي قد تصل إلى 500 ألف ليرة.
وفي السياق كشف العزب عن ورود 60 شكوى إلى المديرية عن تقليد علامات تجارية منذ بداية العام الحالي، منوهاً بضرورة أن يكون مقدم الشكوى مسجلاً لعلامته التجارية لدى مديرية حماية الملكية، مؤكداً العمل على تفعيل عمل الضابطة العدلية لحماية العلامات التجارية من التقليد والتزوير.
منتجات منتهية الصلاحية ومقلدة في كل المناطق
عضو مجلس الإدارة بغرفة صناعة دمشق الصناعي أيمن مولوي رأى أن الحرب ساعدت على تفاقم تزوير وتقليد بعض السلع، عازياً ذلك إلى انقطاع الكثير من المنتجات في الأسواق خلال فترة الحرب، ما دفع البعض إلى تقليدها ثم طرحها في الأسواق.
وقال: المستهلك أضعف ما يكون في هذا المجال فعندما يتحصل مثلاً على عبوة شامبو من ماركة معينة بسعر رخيص يلجأ لشرائها على الفور، مؤكداً أن تقليد وتزوير المنتجات الأصلية موجود في كل دول العالم سواء في الماركات أم الألبسة وغيرها من المنتجات، معتبراً ذلك ضعف نفس وتوقاً للربح السريع.
وأوضح مولوي أن العديد لجؤوا للحصول على العبوة الفارغة للمنتج الأصلي من حاويات القمامة لتنظيف العبوات ثم تعبئتها من جديد، على حين إن البعض الآخر لجأ إلى تقليد العبوات الأصلية وملآها بمنتجات سيئة لتحمل اسم الماركة الأجنبية وأحياناً المنتجات المحلية المشهورة بعد أن أصبح للمستهلك ثقة فيها، مؤكداً وجود حالات كثيرة لتقليد منتجات محلية سورية.
ولفت مولوي إلى أن مسؤولية بائع المفرق بالدرجة الأولى عند شراء المنتج من الموزع تتمثل في حصوله على فاتورة نظامية ليحمي نفسه، إلى جانب أنه عند معرفة البائع بأن الشخص الموزع ليس صاحب المنتج بل المنتج يتبع لشركة أخرى -لكون العديد من المنتجات أصبحت معروفة أسماء شركاتها وهي التي تقوم بتوزيعها- فمن المفترض أن يتنبه لذلك ويتجنب الشراء منه لكيلا تقع المسؤولية عليه.
وأضاف: الفاتورة هوية المنتج فإذا كان يرغب البائع في تبرئة نفسه فليحمل فاتورة شرائية، إضافة إلى معرفة عنوان الموزع ومعلوماته الشخصية الأخرى، حتى لا يقع تحت هذه المسؤولية الخطرة وخاصة ما يتعلق بالمواد الغذائية.
وشدد على خطورة أن يتعرض المنتج السوري -ذو السمعة الجيدة والمطلوب خارجياً للتصدير- للتقليد ثم تصدير الكميات المقلدة، مؤكداً حدوث حالات مشابهة حتى قبل سنوات الحرب، مضيفاً: هذا يسيء بشكل أكبر إلى سمعة المنتج لكون هذه البضاعة مختلفة عن البضاعة الأصلية والمطلوبة، وبرأيي يجب تشديد العقوبة على من يصدر بضاعة مقلدة لعلامة تجارية سورية إلى بلد ما.
وتابع: بالنسبة لي فبضاعتي التي كنت أرغب في تصديرها لدول الجوار ودول الخليج بمرحلة من المراحل جرى تقليدها في الصين ووضع اسمي عليها وإرسالها لهناك ومن غير الممكن السفر لملاحقتهم قضائياً وهذه صعوبة أخرى تواجه الصناعي.
وأشار مولوي إلى وجود صعوبة على المُنتِج الحقيقي للبضاعة في الوصول للمقلد، إلا أن البعض يلقى القبض عليهم في الأسواق، إلى جانب أن الصناعي صاحب المنتج الذي يتعرض منتجه للتقليد من المفترض أن يلاحق هذا الأمر قضائياً، منوهاً بوجود مسؤولية جزائية في هذا الموضوع من الممكن أن تصل للسجن.
واعتبر أن حل هذه المشكلة بشكل كامل هو أمر صعب، وأن المسؤولية الكبرى تقع على المقلد، لافتاً إلى وجود لصاقات ليزرية أصبحت توضع على المنتجات الأصلية، إلا أن هناك صعوبة بتأمين هذه اللصاقة لكونها مكلفة.
وبخصوص تزوير لصاقات انتهاء الصلاحية، حذر مولوي من ذلك خصوصاً ما يتعلق بالمواد الغذائية والطبية وغيرها من المواد التي فيها تماس مباشر مع جسم الإنسان، مؤكداً أن الرادع موجود ففي قانون حماية المستهلك هناك عقوبات لمثل هذه الحالات، إلا أن الرادع الأساسي يجب أن يكون الضمير.
وتابع: ليس لدي معلومات عن طرح منتجات غذائية في الأسواق بعد تزوير لصاقات انتهاء الصلاحية لكن الأمر لا يخلو من وجوده؛ إذ يوجد العديد من ضعاف النفوس، مشيراً إلى وصول بضائع مهربة منتهية الصلاحية إلا أن وزارة التجارة الداخلية ليست مقصرة في هذا الموضوع وهناك عقوبات صارمة للمخالفين تصل إلى التوقيف والسجن.
وأكد أن حالات طرح منتجات منتهية الصلاحية ومقلدة موجودة في كل المناطق السورية، مضيفاً: سمعت عن الكثير من الحالات، منوهاً باتخاذ وزارة التجارة الداخلية الإجراءات المناسبة بخصوص أي بلاغ يصل إليها عن هذه الحالات.
ولفت إلى أنه وفي مجال المواد الأولية فمن الممكن أن يحمل بعضها تاريخ صلاحية؛ نظراً لوجود تعميم بوضع تاريخ إنتاج وصلاحية على كل منها، منوهاً بوجود بعض المواد التي لا تتعرض للتلف كالعطورات والأصبغة، ورغم ذلك ليس هناك من داعٍ لتزويرها، فبدلاً من ذلك من الممكن أن يرسل صاحب المادة جدولاً ينص على امتلاك هذه المواد المنتهية الصلاحية التي لا تمس أو تضر بالصحة العامة، وبالمقابل تشكيل لجنة من وزارة التجارة الداخلية وهيئة المواصفات وغرف الصناعة لدراسة هذه الحالات في حال وجدت.
وشدد مولوي على ضرورة أن يكون المستهلك على وعي؛ فعند شرائه لأي منتج لا بد له من التأكد من نوعيته وسعته وغيرها من المواصفات، موضحاً أن مهمة توعيته تقع على عاتق وسائل الإعلام وجمعية حماية المستهلك وغيرها من الجهات.