العناوين الرئيسيةشؤون محلية

مدير مالية دمشق محمد عيد: الإدارة الضريبية مترهلة و تعاني ضعف النزاهة

مسؤولون اقتصاديون عن المرحلة السابقة ارتكبوا أخطاء فادحة أدت إلى هدر المال العام لم تتم مساءلته - ضعف الرواتب أدى إلى تفشي الرشوة والفساد في المالية

| عبد الهادي شباط

لا يزال ملف التهرب الضريبي من أكبر الملفات المتروكة بعيداً عن الاهتمام الجاد من الحكومة، ونقول هذا بناء على النتائج، وسط حديث دائر منذ اشتداد الحرب الإرهابية على سورية حول قلة الإيرادات، يترافق بشكوى أقطاب الحكومة كلما تحدث مطالب بزيادة الأجور والرواتب وتحسين الوضع المعيشي والمستوى الخدمي للمواطنين.
مدير مالية دمشق محمد عيد تحدث لـ«الاقتصادية» بحرقة عن هذا الملف الشائك الذي يحرم الخزينة من مئات مليارات الليرات المهدورة، ونحن بأمس الحاجة لكل ليرة زيادة في الخزينة.

عيد بيّن أن الخلل في ملف التهرب الضريبي يكمن في التشريع الضريبي والإدارة الضريبية على حد سواء، فالتشريع الضريبي الحالي لم ينجح في تأمين إيرادات ضريبية أكثر للموازنة العامة للدولة، والإحصائيات تشير إلى انخفاض الإيرادات قبل وأثناء الأزمة، وكذلك النظام الضريبي الحالي لم يستطع تحقيق العدالة الضريبية بين المكلفين، وخاصة بين مكلفي ضريبة الدخل على الأرباح والدخل المقطوع، لكون التدقيق يعتمد على المنهجيات القديمة في تقدير رقم العمل، ومن المساوئ كذلك اعتماد عملية الإصلاح التشريعي على التنفيذيين بشكل كلي، ما أدى ذلك التركيز على الاقتطاع من المنبع بسبب ضعف الإدارة الضريبية التي لم تكن أفضل حالاً، فهي إدارة ضعيفة تفتقد إلى الكفاءة وتعاني ضعف النزاهة إضافة إلى كونها مصابة بالترهل.

قامت الإدارة الضريبية خلال الفترة السابقة بالعمل على تقسيم مكلفي زمرة الأرباح الحقيقية إلى ثلاث شرائح: «كبار المكلفين، متوسطو المكلفين، صغار المكلفين»، وبعد مرور فترة زمنية طويلة نسبياً تبين –بحسب عيد- أن هذه الأقسام لم تحقق الغاية المطلوبة منها لجهة رفع كفاءة العاملين لديها، وبعد صدور المرسوم التشريعي رقم 64 لعام 2010 الذي أتاح للهيئة العامة للضرائب والرسوم استلامها العمل التنفيذي، وأصبحت تبعية مديرية المالية في المحافظات للهيئة، عدا أقسام الاستعلام الضريبي والخزينة إذ يتبعان لوزارة المالية.

وأضاف عيد: «ولكن، للأسف إدارة الهيئة لم تتمكن من المضي بالإصلاح الإداري لإصرارها على العمل بعقلية الإدارات السابقة، إذ تم تشويه فكرة الهيئة بإعادة تقسيم العمل الإداري من التقسيم النوعي إلى التقسيم الوظيفي من خلال حصر أغلب المهام في مديرية واحدة في الهيئة احتكرت العمل الفني بكل مفاصله على حساب بقية المديريات، وذلك بعلم ومباركة الإدارة العليا في الهيئة».

الأخطر من ذلك بحسب عيد كان فشل الهيئة في تنفيذ مهامها الأساسية، وهي الإشراف على عمل الماليات في المحافظات، ومن أهم عوامل فشل الهيئة العامة للضرائب والرسوم في أداء مهامها هو نقل العاملين المعاقبين إلى مفاصل إشرافية بالإدارة المركزية وذلك بدلاً من محاسبتهم.

وهنا تحدث عيد بشكل عام مبيناً أن غياب المحاسبة تاريخياً كان له انعكاس سلبي، «فالمسؤولون الاقتصاديون عن المرحلة السابقة الذين ارتكبوا أخطاء فادحة أدت إلى هدر المال العام لم تتم مساءلتهم».

رواتب وضرائب!

رأى عيد أن تدني مستوى الأجور التي يتقاضاها الموظفون لا تتلاءم مع متطلبات الحياة المعيشية فضلاً عن التفاوت الكبير في الدخل لأفراد المجتمع، وكذلك التفاوت في توزيع الثروة ما يشعرهم بالغبن.. كل ذلك يسهم بدفع بعضهم للتواطؤ مع المكلفين لسد الفجوة في دخولهم، فضعف الأجور وغياب المحفّزات المالية أدى إلى تفشي ظاهرة الرشوة، والفساد المستشري داخل الإدارة الضريبية أدى إلى ضياع حقوق الخزينة وزيادة معدلات التهرب الضريبي، في الوقت الذي فيه أغلب أصحاب الدخل المحدود ومن العاملين في الدولة والمسجلين في التأمينات الاجتماعية لا يستطيعون التهرب، لأن الضريبة تقتطع مباشرة من رواتبهم، نرى في المقابل أثرياء يملكون عشرات المليارات وهذه الثروات المتراكمة هي نتاج تهرب ضريبي عبر عشرات السنوات.

ظاهرة

تحدث عيد عن التهرب الضريبي كمشكلة عالمية قديمة قدم وجود الضريبة وحجمه يختلف بين دولة وأخرى، وتشير بعض الدراسات إلى أن حجم التهرب الضريبي في الاقتصاد الأميركي يقدر بنحو 10 بالمئة من الناتج القومي و16 في المئة في الاتحاد الأوروبي مع العلم أنها تمتلك إدارة ضريبية حديثة ومتطورة.

ومن المعلوم أن التهرب الضريبي يعني أن يتهرب المكلف من دفع الضريبة المستحقة عليه «كلياً أو جزئياً» وذلك من خلال اللجوء إلى الثغرات في القوانين الضريبية، وقد يلجأ المكلف إلى عدم التصريح بأرباحه للتهرب من دفع الضرائب.
وللتهرب الضريبي الكثير من المسببات أهمها أسباب أخلاقية، ففي كثير من دول العالم الشعور الأخلاقي تجاه الالتزام الضريبي ما زال ضعيفاً لدرجة أصبح فيها التهرب الضريبي لا يعتبر سرقة للمال العام في نظر الكثيرين ولا يعتبر إثماً.
وهناك أسباب تخص بالسياسات العامة تعود لاعتقاد البعض من المكلفين بعدم قدرة السلطات على القيام بوظيفتها، حيث يعتقد بأن إيرادات الضرائب لا تنفق بالوجه الصحيح.

بينما ثمة أسباب اقتصادية تتلخص أنه كلما كان مستوى المعيشة سيئاً زاد التهرب الضريبي، والعكس صحيح، حيث إن الوضع الاقتصادي الجيد ووفرة رؤوس الأموال تؤدي إلى عدم التهرب الضريبي، فالحالة المالية للمكلف هي التي تحدد حجم التهرب.
وتتمحور الأسباب الإدارية في الروتين وضعف الثقة بين المكلف والإدارة الضريبية، حيث ينظر بعض المكلفين إلى الإدارة الضريبية على أنها جهة تفرض الضرائب بشكل تعسفي عن واقع عمل المكلف، وكذلك بالمقابل تنظر الإدارة الضريبية إلى المكلفين على أنهم مجموعة من المتهربين، ويجب السعي الدائم إلى ضبطهم، وأن بياناتهم الضريبية المقدمة إلى الدوائر المالية هي دائماً غير صحيحة.

أما المسببات التشريعية فإنها تتمثل في كثرة التشريعات وتعددها والتغييرات الدائمة في التشريع الضريبي تؤدي إلى عدم الاستقرار وعدم ثقة المكلف بالنظام الضريبي، وبالتالي هذا يؤدي إلى زيادة ميول المكلفين للتهرب تزامناً مع ضعف الإدارة الضريبية الذي يشجع على التهرب.

ومن المسببات التي يمكن الحديث عنها هي الجزائية، ففي حال كان الجزاء كبيراً يقل التهرب والعكس صحيح، فإذا كانت قيمة العقاب أكثر من المنفعة التي تقود المكلف إثر تهربه من الضريبة في هذه الحالة يبتعد المكلف عن التهرب والعكس صحيح، حيث إن المجتمعات التي تتعرض إلى عقوبات جزائية شديدة تصل إلى السجن يقل فيها نسب التهرب الضريبي.

خطر اقتصادي

للتهرب الضريبي آثار خطيرة على الاقتصاد، لأن انخفاض الحصيلة يؤدي إلى خسائر في ميزانية الدولة ما يجبرها على تقليص المشاريع الاستثمارية، وكذلك يؤدي إلى استنزاف موارد الدولة، ما يؤثر سلباً في نوعية الخدمات (صحة، تعليم، رواتب.. وغيرها).

وهنا بيّن عيد أنه عندما لا تكفي سياسة التقشف لتغطية العجز المالي تضطر بعض الدول إلى القروض الخارجية، ما يخلق أزمة جدية تتعلق بالتسديد، وكذلك للتهرب الضريبي آثار اجتماعية، إذ يؤدي إلى إضعاف روح التضامن بين أفراد المجتمع، كما يؤدي إلى عدم المساواة بين المكلفين في تحمل عبء الضريبة، وبذلك تصبح الضريبة عاجزة عن تحقيق التكافل الاجتماعي بين أفراد المجتمع.

كما يشكل التهرّب الضريبي جريمة اقتصادية لما يحدثه من آثار ضارة على الاقتصاد الوطني من خلال انخفاض الحصيلة وحرمان الدولة من الحصول على الإيرادات المطلوبة وبذلك لا تستطيع ممارسة دورها الاقتصادي والاجتماعي على الوجه المطلوب.

بلا نتيجة!

شدّد عيد على ضرورة إعادة النظر بالتشريعات الضريبية الحالية، لكونها لم تحقق النتيجة المرجوة بتأمين وفرة في التحصيلات، ولا بالوصول إلى العدالة الضريبية، «ونرى ضرورة العمل على تهيئة البيئة التشريعية للعمل وفق مبدأ التوافق الذاتي في معالجة التكاليف الضريبية، إضافة إلى إعادة النظر في طرق الاعتراض والعمل بمبدأ المحاكم الضريبية».
وأضاف: «كذلك يجب العمل على سرعة إنجاز قانون الضريبة الموحد على الدخل مع العلم بوجود تجربة سابقة في سورية من خلال قانون الضريبة العام على الإيرادات العامة بالقانون رقم 130 لعام 1961».

وللحدّ من هذه الظاهرة يجب العمل على بناء نظام معلوماتي متكامل مؤتمت للإدارة الضريبية، بحيث يشمل الإجراءات الضريبية كافة وتسجيل جميع المعلومات المتعلقة بالأشخاص الطبيعيين والاعتباريين سواء كانوا مكلفين أو غير مكلفين ومنح رقم ضريبي لكل منهم لاستخدامه في جميع التعاملات في وزارة المالية والجهات العامة الأخرى.

ومن المهم تأهيل العاملين في القطاع الضريبي وتعزيز القدرات البشرية عبر زيادة التعويضات والمكافآت والحوافز المادية للعاملين في الإدارة الضريبية وزيادة عدد ونوعية الدورات المتخصصة، والاعتماد على مديرين خارجيين في بعض الاختصاصات «تأمين، مصارف، وغيرها».

عقوبات مشدّدة

يرى عيد أن الحد من التهرب الضريبي مرتبط أيضاً بتفعيل النص الجزائي، وذلك من خلال تشديد عقوبة المتهرب ضريبياً بحيث تصل إلى السجن، إذ إن فرض عقوبات غير متشددة على المتهربين لا يحقق الردع المطلوب، ما يشجّع الكثيرين على التهرب إذا كان العائد المتحصل أكبر من العقوبة المفروضة.

ومن العوامل المهمة جداً للحد من هذه الظاهرة منع العاملين في الإدارة الضريبية منعاً باتاً من العمل كمحاسبين لدى المكلفين وفرض أشد العقوبات على العاملين في هذه الحالة، إضافة إلى تفعيل عمل جهاز الاستعلام الضريبي وتطويره ليحقق الفائدة المرجوّة من وجوده.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى