الاقتصاد ببساطة

الاستثمار العقاري ليس سواه أولوية

|د. علي محمد

لطالما سمعنا عبر المنابر الإعلامية بضرورة توظيف السيولة المتوافرة في المصارف بالقطاع العقاري، وبأن قانون البيوع العقارية رقم 15 لعام 2021 والقرارات المتتالية الخاصة بالنسب الواجب تحويلها من المشتري للبائع عبر المصارف تحجم الاستثمار في العقارات وكأن الاستثمار العقاري هو ما ينقص اقتصادنا المتهالك المتراجع إبان حرب عسكرية واقتصادية ممنهجة عليه أحدثت ما أحدثته من تدني كافة المؤشرات الاقتصادية فيه، ومع ذلك تم إنشاء ما لا يقل عن 400 ألف وحدة سكنية مخالفة لغاية العام 2019 بحسب تقديرات بعض المطلعين على السوق العقاري في سورية، وبكل تأكيد فهذا الرقم مرشح ليكون أكبر بتاريخ اليوم.
فيما كانت الآراء المعارضة (وأنا منهم) للتوسع في منح القروض العقارية تتمحور حول جدواها والأولوية الاقتصادية في المرحلة الحساسة للاقتصاد السوري ولظرف الحرب والضائقة المعيشية للمواطن، وهنا نتحدث عن فكرة التسليف العقاري فقط، فكيف وعندما نتحدث عن سقوف عالية لهذه القروض والتي لن يستفيد منها غالباً سوى المليء مادياً وليس ذوي الدخل المحدود الأكثر حاجة للمأوى بكل تأكيد، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، فتوجيه الكتلة النقدية للاستثمار في القطاع العقاري يعني إطلاق العنان لشهية تحقيق الأرباح من المصارف بمنتج القروض العقارية تحت عناوين عديدة، فيما تكون كفاءة وفاعلية استثمار سيولة المصارف بلا شك منخفضة العائد للاقتصاد كله مقارنة مع توجيهها الصحيح، وعندما نقول منخفضة العائد فنحن هنا لا ننفي الأثر الإيجابي البسيط الذي قد يحدثه الاستثمار للعقاري، إلا أن توجيه كتلة مالية ضخمة لقطاع متضخم أصلاً لن يحل أي مشكلة اقتصادية تواجه الاقتصاد السوري والدليل حجم الأبنية الموجودة والفارغة، لا بل إن هذا التوجه غير قادر أصلاً على حل مشكلة تضخم أسعار العقارات بحد ذاتها، حيث لن يتم توفير مسكن لمن يحتاجه بتكلفة معقولة، فواقع تضخم التكاليف أكبر بكثير من مجرد زيادة العرض للعقارات تمهيدا لانخفاض أسعارها، فهذا القطاع كان الملاذ للاستثمار في سورية نتيجة انعدام الفرص الاستثمارية في البلد نظراً لغياب السياسات والاستراتيجيات الصحيحة حينها ما فاقم تضخم أسعاره خلال الفترة 2000_2010 مترافقا مع لجوء الإخوة العراقيين إبان غزو العراق، وكذلك تركز الاستثمارات الخليجية بالعقارات خلال الفترة 2007_2010 ولاسيما الفلل والمجمعات السكنية المترفة، فيما زادت معها مناطق السكن العشوائي لتتجاوز ربما 157 منطقة سكن عشوائي بحسب بعض التقديرات، فهل تبقى سياساتنا واستراتيجياتنا على حالها ولا نتغير قيد أنملة؟
في هذا الصدد وعلى الرغم من توزع القطاع العقاري في سورية بين القطاع العام 10بالمئة والقطاع التعاوني 12بالمئة والقطاع الخاص 78بالمئة، إلا أن هذا القطاع هو قطاع عقيم اقتصادياً، وتتعمق هذه الخلاصة رغم ما يحققه من فرص عمل للكثير من الورش والمشتغلين فيه، إلا أن هذه الدخول المتأتية عن طريقه (وعلى أهميتها لأصحابها) تتجه للاستهلاك فقط وتؤثر إيجابا في جانب الطلب بكل تأكيد، والذي يقابله ثبات العرض (إن لم ينخفض)، ما يعني أن العبرة بزيادة الإنتاج الذي له الأولوية المطلقة وأي كلام بخلاف ذلك فهو كلام أناني نابع من مصلحة شخصية أو قطاعية ضيقة لاترقى إلى مستوى مصلحة وطن ومصلحة الملايين من أبناء شعبنا الذين يرزحون تحت خط الفقر، وهذا ربما ما يقتنع به رئيس الحكومة د.الجلالي الذي قال خلال ترؤسه جلسة مجلس الوزراء منذ أسبوعين تقريباً إن توظيف الكتلة المالية الموجودة في المصارف والمخصصة للبناء والتشييد حاليا ربما يكون غير مجد، ومن الأفضل الذهاب للاستثمار في القطاعين الزراعي والصناعي، كما أنه أكد ما يقوله المنطق الاقتصادي: إن دوران عجلة الإنتاج يخلق فرص عمل ويحقق قيمة مضافة سريعة أفضل من الاستثمار في العقار في ظل الظروف الحالية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى