أين نحن.. لنبدأ؟
|عامر إلياس شهدا
البيان الحكومي رؤية إستراتيجية لها مسارات لتحقيق أهدافها ضمن منطق الممكن. فهي تحمل مجموعة من الوعود الحكومية التي تتناغم مع السياسة العامة للدولة، بحيث تكون شاملة كل المناحي الاقتصادية من خلال سياسات فرعيه تشمل الخدمات والمالية العامة والنقد والتي توضح أهداف اعتمادها من جهة الاستثمار، المستوى المعيشي، البطالة والفقر، حماية المستهلك، مكافحة الفساد والإصلاح الإداري، على أن تحترم مبدأ «بيان الممكن لا بيان المأمول».
حدد التوجيه الرئاسي للحكومة الخطوة الأولى التي وضحت المطلوب من البيان الحكومي حيث تم التشديد على التالي: (ألا نرفع سقف التوقعات فوق الممكن، ولا نقدم وعوداً غير قابله للتنفيذ) انتهى الاقتباس.
اعتقد أن الوقوف على معرفة الممكن تكمن في الإجابة عن سؤال وهو: أين نحن؟ للإجابة عن هذا السؤال لابد من القيام بعملية تحليل قواعد بيانات لنتائج أعمال سابقة وأهمها النمو الحقيقي للإنتاج المحلي الاسمي وهو حاصل جمع قيم جميع السلع والخدمات التي تنتج بالعملة المحلية ثم تحويله إلى الدولار بالسعر الرسمي. النتائج تعتبر مؤشرات حقيقة وهي نواة لصياغة البيان الحكومي. وتساعد على الخروج من سياسة الترقيع التي تعتمد النسخ واللصق لبيان سابق يكرر ولهذا تكون النتائج غير متوافقة مع وعود البيان.
هذه المهمة التي تحدد أين نحن تعفي الحكومة الجديد من تحمل إخفاقات سابقتها وعدم الواقعية في التعاطي مع الشأن الاقتصادي. ومثال ذلك وهنا نعتمد آخر إفصاح قبل الحرب نشره المكتب المركزي للإحصاء عام 2009 حيث تم الأخذ به دون التحقق من صحته حيث ذكر تراجع النمو في سورية بين عامي 2005 و2009 على حين ارتفع الناتج المحلي 90 بالمئة!
من المعلوم أن ارتفاع الناتج المحلي بنسبة معينه يعني ارتفاعاً في إنتاج السلع والخدمات بالنسبة نفسها – أو- أن سعر السلع والخدمات ارتفع بالنسبة ذاتها وهو ما أظهر زيادة في الناتج المحلي بالنسبة نفسها.
أما بالنسبة لاحتساب النمو فمن غير الواضح القاعدة التي تم الاعتماد عليها لاحتسابه، هل اعتمدت احتساب حجم النمو الحقيقي خلال خمسة أعوام سابقة للناتج المحلي، أم تم اعتماد حساب الناتج المحلي حسب مكافئ القوة الشرائية. purchasing power parity والذي يرمز له باختصار GDP PPP وهو حساب قيمة السلع والخدمات التي ينتجها بلد ما في عام بالسعر السائد لهذه الخدمات في أميركا. حيث تتم المقارنة بالأسعار هبوطاً أو ارتفاعاً ليوضح بشكل صحيح وضع الناتج المحلي الاسمي أي حجم الناتج المحلي وبالتالي نسبة النمو فيما إذا كانت مرتفعة نتيجة تحقيق زيادة في الإنتاج أو نتيجة ارتفاع الأسعار.
أعتقد من الضروري الإضاءة على ذلك وبالذات نحن نعيش حالة انتقالية للاقتصاد كما أعلن وهذا الأمر يقتضي صياغة سياسات جديدة من المفترض أن يتوافر لها قواعد بيانات صحيحة وبالذات المتعلقة بموضع الناتج المحلي ونسبة النمو الاقتصادي، هذه المؤشرات تعتبر ركائز لرسم سياسات وخطط تفضي لخلق اقتصاد تنموي مستدام. وتساعد بشكل كبير على الخروج من قوقعة اللاممكن، إضافة إلى أنها تقدم مؤشرات لاعتماد سياسة واقعيه تتناغم مع الحجم الحقيقي للإمكانيات.
إن الهدف الأساسي من عودتنا إلى تاريخ سابق لنوضح أن التداعيات بدأت من عام 2009 لعدم صحة احتساب الناتج المحلي الاسمي ونسبة النمو الاقتصادي وما ساعد في تعميق المشكلة بشكل كبير هو الحرب واعتباطية التخطيط وتضارب القرارات والإجراءات التي أحدثت خللاً كبيراً بالسياسات والنتائج. وللتوضيح نأخذ بيانات عام 2009 بشكل سريع حيث أظهرت هذه البيانات أن الناتج المحلي الاسمي بلغ 54,4 مليار دولار يقابله ناتج محلي وفقا لـPPP حيث بلغ 98,9 مليار دولار أي 182 بالمئة من الاسمي. وهذا يعني أن الأسعار بظل ضعف القدرة على الاستهلاك أي إن الدخل لا يتناغم مع النسبة العالية للناتج المحلي الاسمي، وإن الأسعار في سورية اقتربت من أسعار أقوى دولة اقتصادياً رغم أن دخل الفرد بتلك الدولة بذلك الحين يساوي 17 ضعفاً عن دخل الفرد السوري. فأين نحن من ذلك الآن؟
أعتقد أن طرحاً كهذا يعتبر منطقياً وموضوعياً إذا كنا جادين ولدينا إرادة حقيقية لإنجاز مرحلة الانتقال من خلال تصحيح وتغيير السياسات الاقتصادية والتي بالنهاية ستنعكس على المستوى المعيشي للمواطن.
من هذه النقطة الزمنية بدأت كرة الثلج بالتضخم حتى وصلنا إلى ما نحن عليه. فكيف وضعنا الآن؟ وما حقيقة نسب التضخم وانعكاسها على الناتج المحلي الاسمي ونسب النمو؟ وما تداعياتها بالنسبة للدخل والأسعار؟ وما السياسات التي ستعالج هذه المشكلات؟
كل ما سيطرح مرتبط نجاحه بالوقوف على حقيقة وشفافية الناتج المحلي ونسب النمو وأي وعد بالوصول إلى نمو اقتصادي مستدام بعيد عن معرفة وتوضيح هذه النسب يدخل في إطار المأمول ويبتعد عن إطار الممكن.