الاقتصاد ببساطة

لنمنح إجازات بلا أجر… بشرط!!!

|د. علي محمد

بعد قيام مجلس الوزراء السوري بتشكيل لجنة بموجب القرار 43/م. ولدراسة الهياكل الوظيفية والمسارات الزمنية لبعض المركز القيادية، وبعد أن طالت نتائج مشروع الإصلاح الإداري، ومع الوضع الاقتصادي في سورية المترافق مع تدني مستوى رواتب وأجور الموظفين في القطاع العام وعدم قدرة أي منحة أو زيادة على هذه الأجور من مجاراة غول التضخم الذي يضرب الاقتصاد السوري نتيجةً لعوامل متشابكة ببعضها بعضاً لا داعي للغوص فيها الآن.
وأمام ذلك، وأمام مستوى الرواتب والتي وإن خُطّط لزيادتها في العام 2025 إلا أنه لن يعيد ألقها وقوتها الشرائية، وفي ضوء الترهل الإداري في بعض مؤسساتنا العامة، وضعف الإنتاجية وتدهور الكفاءة التشغيلية لها، تظهر الخيارات التالية:
الأول: إبقاء الواقع على حاله على مبدأ (هذا أفضل ما يكون)، وأعتقد أن هذا الخيار غير إيجابي لجهة الموظف والحكومة والاقتصاد.
الثاني: العمل على مضاعفة كتلة الرواتب عدة أضعاف بما يجاري التضخم، وكذلك أعتقد أن هذا الخيار غير ممكن حكومياً (كما يُستشف من الأرقام المخصصة للإنفاق العام في عام 2025 حسب مشروع الموازنة العامة) وذلك لضعف موارد الخزينة العامة.
الثالث: تقليص عدد موظفي القطاع العام ولاسيما في الجهات التي لا تتطلب الكم الكبير من الموظفين، وصولاً لتحقيق الكفاءة الإدارية في المؤسسات، والاحتفاظ بالكفاءات الفعّالة المنتجة المشهود لها، والاستفادة من الفائض من الموظفين الباقين للعمل الحر المنتج، وذلك وفق مصفوفة دقيقة يتم العمل عليها حيث تبيّن الحاجة العددية الفعلية للموظفين وفق مجالات كل مؤسسة أو وزارة، مع ضمان التأكيد على سير أعمال القطاع العام دون أي تراجع.
هذا الإجراء يُحاكي بدرجة كبيرة مع ما طُرح في الإعلام منذ سنتين عن توجه حكومة الإمارات بداية عام 2023 والقاضي بمنح إجازة التفرغ للعمل الحر بهدف تمكين وتحفيز الكوادر والمواهب من الموظفين للدخول في عالم الأعمال وتأسيس مشاريعهم الخاصة بهم، بما ينعكس إيجاباً على الاقتصاد الإماراتي، حيث (وبمحاكاة هذه التجربة) تكون مدة إجازة التفرغ التي تمنح للموظف لتأسيس أو إدارة مشروعه الاقتصادي سنة واحدة مدفوعة الأجر، وقد تصبح بعدها إجازة دون راتب لأجل مسمّى، على أن يتم إصدار القوانين الخاصة بذلك والتي يفترض أن تنظم آلية وإجراءات منح الوزارات لهذه الإجازة، وهذا يتطلب أن تتضافر جهود جميع الوزارات المعنية بإعداد دليل للمشاريع الاقتصادية التي يحبّذ العمل بها من الموظف المتفرّغ والتي يتم اختيارها حيث تسهم في تنشيط الاقتصاد وبما يدعم التعافي الاقتصادي، وتكون هذه المشاريع هي (الأساس) الذي يساعد الوزارات بالبت في طلبات الموظفين للحصول على إجازة تفرغ لأعمالهم.
وكذلك يتطلب هذا الاقتراح تعاون كل الجهات والوزارات في إستراتيجية موحدة لذلك، سواء وزارة التجارة الداخلية من ناحية التراخيص والمستندات المطلوبة للمشاريع، أو من ناحية تسويق وشراء منتجات هذه المشاريع، أو وزارة المالية من ناحية الإعفاءات الضريبية، وغيرها من الوزارات الشريكة بنجاح هذه التجربة كالاقتصاد والصناعة والشؤون الاجتماعية والعمل.
بالطبع هذا تحدٍ كبير لبعض الموظفين ولاسيما الذين قضوا فترةً طويلة في العمل في القطاع العام، ولكن (قد) يتم التغلب على ذلك من خلال قيام الوزارات المعنية (الاقتصاد، التنمية الإدارية، الزراعة، الصناعة) ومؤسساتها بالأدوار المنوطة بها، سواء من ناحية بناء حاضنات أعمال أو من خلال الرعاية الكبيرة المقدمة من هيئة تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة بهذا الشق تحديداً، والعمل على بناء وصقل قدرات الموظفين للغوص في مشاريعهم الخاصة بنجاح، وبناء الأرضية اللازمة لذلك.
أيضاً هناك تحدٍ آخر والمتعلق بالتمويل، والذي (قد) يتم التغلب عليه أيضاً من خلال خلق منتجات مصرفية (قروض تنموية) من المصارف ومصارف التمويل الأصغر نحو هذه الفئة تحديداً، وقيام مؤسسة ضمان مخاطر القروض بتقديم الضمانات على هذه القروض لسقوف معينة تختلف باختلاف المشروع، وكذلك القيام بتقديم الدعم لهذه المشاريع من خلال برنامج دعم أسعار الفائدة بما يخفف من عبء الدَّين على الموظفين.
إن ما سبق قد يسهم في تقليص الأعداد الفائضة من موظفي القطاع العام، من خلال تعميم ثقافة العمل الحر وبناء الموظفين المتفرغين لمشاريعهم الخاصة خلال العام الأول على إجازتهم والتي هي مدفوعة الأجر حكماً حيث لا يتضرر هؤلاء ويحتفظون برواتبهم بالحد الأدنى، ما يسهم بتطوير وتوسيع القاعدة الإنتاجية وتأثير ذلك المباشر في مؤشرات الاقتصاد السوري، تمهيداً لفترة توطين هذه العمالة في مشاريع حيوية منتجة، ومن ثم توجيه كتلة الرواتب التي كانت مخصصة لهم (بعد انتهاء السنة الأولى) إلى باقي موظفي القطاع العام كزيادة في الرواتب.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى