برسم الحكومة – الهجرة واللاجئون الاقتصاديون؟
|عامر إلياس شهدا
باتت الهجرة ملفاً ساخناً على طاولة الحكومة، يستدعي الحوار لإيجاد حلول له. فالخسائر التي يتحملها الاقتصاد والمجتمع نتيجة هجرة وتسرب الكادر البشري السوري المتعلم والمهني أحدث فجوة خطرة في البنية الاجتماعية والاقتصادية، كما أنها تسبب خسائر كبيرة للدولة ما يجعل معالجته على درجه عالية من الأهمية، نظراً للحاجة الماسة لهؤلاء المهاجرين أو اللاجئين، وبالذات إذا كانت السياسات الكبرى للدولة ستهتم بالنهوض الاقتصادي والعمراني، لهذا فإن العمل على المعالجة وطرح الحلول من خلال تحليل الأسباب يعد عملاً إستراتيجياً ذا جدوى اقتصادية أكبر بكثير من جدوى اعتبارهم أقنية لتوريد القطع الأجنبي للبلد.
أعتقد من المهم تحديد الفئة العمرية الغالبة على موضوع هجرة السوريين وهي في معظمها شملت أعماراً بين الـ17عاماً إلى 40 عاماً، أي الشريحة الشبابية وهذه الشريحة العمرية تعد من أهم مراحل قوة الإنتاج في حياة الإنسان. وتتشكل هذه الشريحة العمرية المهاجرة في معظمها من الخريجين الجامعيين والمهنيين والخبرات العملية والمشكلة التي ستواجه الحوار أو الحلول تكمن في الافتقار لقاعدة بيانات تظهر خسائر كل قطاع من قوة العمل التي خسرها نتيجة الهجرة.
في الواقع موجات الهجرة في سورية مرت بمرحلتين الأولى إنسانية ناتجة عن الإرهاب والحرب دفع الأفراد لترك منازلهم والبحث عن أماكن أخرى حفاظاً على حياتهم حيث لم يجدوا خياراً آخر سوى الفرار من بلد يعاني الإرهاب بكل أشكاله بحثاً عن الأمان والاستقرار داخلياً أو خارجياً. امتدت هذه الموجة من عام 2013 ولغاية عام 2016. حيث دخلت الهجرة المرحلة الثانية والناتجة عن الظروف الاقتصادية الصعبة. وارتفع منسوبها في عام 2018 نتيجة لمفرزات وتداعيات العقوبات الاقتصادية الجائرة على المجتمع السوري.
أعتقد أن أسباب الهجرة في المرحلة الأولى زالت، ما يستوجب إيجاد حلول للمرحلة الثانية ووقف الاستنزاف. وهذه الحلول ترتبط بالسياسات الاقتصادية والتشريعات. بناء على ما تقدم نطالب الحكومة بإطلاق حوار جدي وسريع لمناقشة المحاور التي صعّدت من وتيرة الهجرة. ووضع الحلول التي تحقق مصلحة المجتمع ومصلحة الاقتصاد الوطني. وهذه المصالح مرتبطة عضوياً بمرحلة التعافي والنهوض بالاقتصاد الوطني. وكوجهة نظر أرى أن أهم المحاور التي يجب أن تطرح على طاولة الحوار.
أولاً: الافتقار للاستقرار الاقتصادي كقوة دافعة ناتجة عن العقوبات اقتصادية من جهة وعن سياسات وقرارات حكومية من جهة أخرى حيث تجلى عدم الاستقرار الاقتصادي في شكل ارتفاع البطالة وانخفاض الأجور والتضخم ونقص فرص الاستثمار، ومحدودية الوصول إلى الموارد الأساسية. هذه العوامل باتت دافعاً للمجتمع لترك الصعوبات الاقتصادية وبذل الجهود الجسدية والمادية لتأمين مستوى معيشي لائق دفعهم للبحث عن ملجأ في البلدان ذات الاقتصاديات الأكثر ازدهاراً.
ثانياً: العولمة التي أدت إلى خلق فوارق اقتصادية كانت الدافع للهجرة فالعولمة أفرزت نمواً غير متوازن أدى إلى توسيع الفجوة بين الأغنياء والفقراء ما رفع منسوب الاستغلال لقوة العمل الرخيصة الواردة من بلدان تعاني صناعاتها المحلية ارتفاعات متتالية بالتكاليف يقابلها تراجع في الطلب أدى إلى انتشار البطالة الناتجة عن السعي إلى تخفيض نسب التكاليف وتخفيض الإنتاج ليتوازن مع الطلب حتى وصل إلى مرحلة الانكماش الاقتصادي. وهو عامل مؤثر برفع منسوب الهجرة.
ثالثاً: العوامل الاجتماعية ومن أهمها الفساد وسوء توزيع الثروة وارتفاع نسب الفقر وتحويل الاقتصاد من تنموي إلى ريعي، ما أدى إلى اضطرابات اجتماعية أثرت بشكل عميق في النمو الاقتصادي ما جعل من الصعب على المجتمع تأمين سبل العيش المستدام، فشكّل الأمر دافعاً للتفكير بالهجرة باعتبارها أملهم الوحيد في مستقبل أفضل.
رابعاً: الأزمة الإنسانية واليأس حيث يعد اليأس من الدوافع القوية للتفكير بالهروب من الأزمات الاقتصادية والإنسانية وعلى رأسها الفقر والعوز وتراجع الأوضاع الصحية وانخفاض حصة الفرد الغذائية بشكل كبير.
اعتقد أن الكادر البشري نواة للنهوض الاقتصادي وتعافيه، فبنظرة سريعة على ما عرض أعلاه نجد أن معالجة الهجرة واللجوء الاقتصادي يعد نقطة الانطلاق الحقيقية لمعالجة حزمة من المشاكل التي يعانيها الاقتصاد والمجتمع السوري ومعالجتها ستحدث تغييراً كبيراً في البنى الأساسية للاقتصاد والمجتمع لجهة استثمار الكادر البشري ولجهة تشجيع المستثمرين الوطنيين للتفكير بعودة استثماراتهم لسورية.
السؤال: هل الحكومة والجهات ذات الصلة تملك الإرادة للعمل على بث روح الثقة ومحاربة اليأس. والإرادة في تصحيح السياسات واعتماد سيناريوهات حلول متنوعة لحزمة من المشكلات التي أدت إلى الهجرة واللجوء الاقتصادي؟ ننتظر الحوار.