عندما يكون التصدير هدفاً
|عامر إلياس شهدا
جهود مستمرة ومكلفة من أجل رفع وتيرة التصدير، معارض ومؤتمرات واجتماعات وسعي مشكور من القطاع الخاص واتحاد المصدرين لأجل زيادة موارد التصدير، ولكن عند قياس الجهود إلى النتائج نجد أن حجم التصدير متواضع لا يتجاوز مليار يورو سنوياً بحسب تصريح السيد وزير الاقتصاد.
هنا يُطرح سؤال: ما الأسباب التي تقف حائلاً بوجه تحقيق نتائج تتوازن مع الجهود المبذولة والتكاليف المدفوعة؟ ولماذا لا يكون التصدير عاملاً مؤثراً في مستوى الميزان التجاري والاقتصاد الكلي؟
لن نشير إلى ضعف سياسات التسويق، وإنما سنشير إلى بعض الأسباب، منها قد يتعلق بعمليات تصدير وهمية هدفها المضاربة على الليرة السورية والاستثراء السريع من دون الاهتمام بنسب النمو. وهذا السبب وارد بالنظر إلى ظاهرة الاستثراء في المجتمع، وإن كان بنسبة بسيطة، إلا أنه بالنهاية يعتبر أحد أسباب عجز الموازنة العامة، فالعجز في الموازنة هو فائض مالي لدى القطاع الخاص. لهذا يمكننا القول: إن التصدير يعاني بعض الانحرفات التي يجب معالجتها.
أما الشق الأهم من ذلك فيعود في الواقع إلى اتكال الحكومة بشكل عميق على القطاع الخاص، وبالأحرى على اتحاد المصدرين لرفع وتيرة التصدير، إلا أن هذه الاتكالية تخلق مشكلات أهمها الحماس في تصريحات بعض المصدرين لحد المبالغة في أرقام العقود، أو في نجاح معرض أو ملتقى، وهذه التصريحات تُحلل ويبنى عليها على اعتبارها صادرة عن مصدر معني، إلا أن هذا الحماس لا يهتم بالعوامل والمتغيرات الاقتصادية التي تكشف مدى صحة أو مصداقية هذه التصريحات التي غالباً ما تتصف بالمبالغ فيها.
هذا الأمر يحتاج إلى معالجة تبدأ من توضيح الأدوار والمهام المتعلقة بالتصدير، إذ تلعب السياسات الحكومية دوراً يصل إلى نسبة 80 بالمئة في عملية رفع وتيرة التصدير، و20 بالمئة يقع على عاتق اتحاد المصدرين. فالانطلاقة الصحيحة لاتحاد المصدرين ترتبط بمقومات تبنى على قواعد متينة، لا يستطيع الاتحاد بناءها رغم أنه يعتبر من أحد أهم المقومات التي تساعد في تحقيق أهدافها.
فمن مهام الحكومة تحليل المتغيرات والعوامل بشكل مستمر لإزالة العوائق التي يصطدم بها اتحاد المصدرين، فهناك العوامل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تولد ضغوطاً تضخمية، الحكومة عاجزة اليوم عن معالجتها نتيجة ضعف التمكين المالي الحكومي الذي يحول دون تمكن الحكومة من إحداث تغييرات مستمرة في هيكل الاستثمار والاستهلاك والإنتاج والتوزيع. (ضعف التمكين المالي الحكومي مرتبط بأسباب أهمها التهرب الضريبي وشح الموارد) أما بالنسبة للعوامل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية فهي التي تقف خلف زيادة كمية النقود أمام ضعف شديد في السياسة النقدية والمالية.
معالجة هذه المتغيرات والعوامل تقع على عاتق الحكومة، من خلال سياساتها وإجراءاتها المرتبطة بالأدوات الفعالة التي تستطيع معالجة المتغيرات بشكل يتناغم مع متطلبات التصدير.
أما بالنسبة لمهام القطاع الخاص واتحاد المصدرين، فهي مهام مكملة للمهام الحكومية، حيث ترتبط في إحداث متغيرات بمعدل الإنتاجية، وفي تفضيل المنتجات. فعندما تعتمد الحكومة سياسة دعم حقيقية للإنتاج يأتي دور القطاع الخاص في التعاون من أجل حل مشكلة التهرب الضريبي لرفع إمكانات الحكومة المالية، لدعم الإنتاج والتصدير كخطوة أولى، تليها الخطوة الثانية التي تقع على عاتق القطاع الخاص، وهي رفع معدل الإنتاجية وتحسين الميزة التنافسية وعدم المبالغة في احتساب التكاليف للخروج بمنتج ذي سعر مقبول ومنافس في الأسواق الخارجية. هذه الخطوة إن تحققت ترفع الطلب على المنتجات التصديرية، ما يؤدي إلى ارتفاع الطلب على العملة الوطنية، وبالنتيجة نحسن سعر الصرف مقابل العملات الأخرى.
لا تنتهي المهام عند هذه الخطوة، حيث تليها متطلبات تكمن في بذل الجهود لإحداث تغيير في تفضيل المنتجات السورية من خلال عرض المنتجات بجودة عالية وسعر منافس لرفع طلب المستهلكين في البلاد المستوردة لهذه المنتجات، وتعميق الرغبة في الحصول عليها، ما سيؤدي إلى تعاظم موارد التصدير التي ستؤثر في سعر الصرف ورفع منسوب الإنتاج للحد الأعظمي، ما يخفض تكاليفه، ويخلق سعراً منافساً تصديرياً، ما يرفع القدرة على فتح أسواق جديدة للمنتجات الوطنية، ويساهم تعاون كهذا من القطاع الخاص في معالجة التضخم والبطالة.
أعتقد من المهم مراجعة السياسات وتحليل العوامل والمتغيرات للخروج بمعطيات جديدة، تمكن القطاع الخاص من إحداث تغييرات بمعدل الإنتاجية، وتساعده في خلق الأدوات لتفضيل المنتج السوري. هذه الطروحات تتطلب أيضاً تعميق مشاركة اتحاد المصدرين، وتوسيع بعض من صلاحياته لجهة رفع معدل الإنتاجية وضمان جودة المنتج وسعره المنافس، إضافة إلى مراجعة سياسات الاتحاد لتضمينها مهام تفضيل المنتج السوري في الأسواق الخارجية، لنتمكن بالنهاية من تحقيق أهداف التصدير.