هل كان ترشيدنا للاستيراد والتصدير مدروساً تماماً وصحيحاً..؟!… السوريون يستثمرون في الخارج أكثر من 300 مليار دولار معاون وزير الاقتصاد لـ«الاقتصادية»: الصادرات السورية خلال الأشهر السبعة الأولى577 مليون يورو بزيادة تبلغ نحو 31 بالمئة وارتفاع المستوردات بنسبة 16 بالمئة
| أمير حقوق
الاستيراد والتصدير عمليتان متكاملتان لتحسين وتطوير التجارة الخارجية لأي بلد، لأهميتهما في تأمين المواد الأساسية للإنتاج بمختلف أنواعه، وكذلك تصدير للفائض من المنتجات والسلع والتي تساعد في تطوير ونمو وإنعاش الاقتصاد وخاصة في تأمين القطع الأجنبي لخزينة الدولة وتوفير فرص عمل في مختلف القطاعات الصناعية والزراعية وغيرها.
وفي سورية، ومع خروج العديد من المعامل والصناعات ومختلف قطاعات الإنتاج، يفرض الاستيراد أهميته لتأمين المواد والسلع الأولية وأيضاً لتصدير باقي قطاعات الإنتاج لتأمين مورد التكاليف وتوفير استمرارية العمل عبر تصريف المنتجات وتوفير فرص العمل، مع تأمين القطع الأجنبي للخزينة، فما هو واقع الاستيراد والتصدير؟ وما كمية الاستيراد والتصدير وما المعوقات وكيف يجب الحدّ منها؟
واقع الاستيراد والتصدير
وفي حوار خاص مع «الاقتصادية» أوضح معاون وزير الاقتصاد لشؤون التجارة الخارجية شادي جوهرة أن رؤية وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية تعتمد في مجال قطاع التجارة الخارجية عموماً (استيراداً وتصديراً)، على السعي للتأثير على مستوى الإنتاج والعمل بما يحقق معدلات نمو حقيقية قابلة للاستمرار وتصحيح الميزان التجاري جهة زيادة القدرة التصديرية بما يؤمن إمكانية تمويل المستوردات المحفزة للنمو وأهمها مستلزمات الإنتاج الصناعي والزراعي، وزيادة فرص العمل، وبالتالي فإن تخفيض عجز الميزان التجاري يستلزم تخفيض الطلب- ما أمكن-على القطع الأجنبي وفق إجراءات تكفل تحقيق هذا الهدف مع عدم الإخلال بأهداف أخرى للاقتصاد الوطني- كرفع مستويات العمل والإنتاج- من خلال وقف استيراد المواد الكمالية وغير الضرورية مع عدم المساس بالمستوردات من السلع الضرورية والمواد اللازمة للإنتاج الصناعي والزراعي، والتي وجهت بمجملها سياسة التجارة الخارجية للعمل تحت عنوان الترشيد، وذلك بالسماح باستيراد المواد الأولية ومستلزمات الإنتاج المحفزة في جوانبها إلى تدعيم الصادرات والمواد الأساسية لحياة المواطن من منطلق تخفيف فاتورة المستوردات وتحاشي الضغط على سوق القطع الأجنبي.
ارتفاع 16 بالمئة
وللوقوف على واقع قطاع التجارة الخارجية استيراداً وتصديراً على مستوى القطاع الخاص، نجد ارتفاع مستوردات القطاع الخاص خلال الأشهر السبعة الأولى من العام 2024 بنسبة 16 بالمئة قياساً بالفترة ذاتها عن العام 2023، وبالتزامن مع ارتفاع صادرات القطاع المذكور بنسبة 58 بالمئة في الأشهر السبعة الأولى من العام 2024 قياساً بالفترة ذاتها من العام 2023، حسب ما أشار إليه جوهرة.
المستوردات
وحول أبرز السلع المستوردة، بيّن جوهرة أن التوزع الهيكلي للمستوردات مُحدد وفق مقتضيات الدليل الإلكتروني المعتمد لمنح الموافقات لإجازات وموافقات الاستيراد، لاسيما لجهة كون المواد التي يشتمل عليها الدليل الإلكتروني تشكل مواد غذائية وضرورية لحياة المواطن، ومستلزمات إنتاج زارعي وصناعي ومواد لازمة للإنتاج بنسبة تفوق 85 بالمئة من إجمالي بنود الدليل الإلكتروني، إضافة إلى مواد غير مصنعة محلياً وتعتبر أساسية في مجالات الحياة اليومية، وضمن هذا السياق نجد أن مستلزمات الإنتاج تشكل النسبة الأكبر من قيمة المستوردات (كالحبيبات البلاستيكية، صفائح الحديد بأنواعها، والسكر الخام، وزيت عباد الشمس الخام، الورق والكرتون، خطوط الإنتاج والآلات، وكسبة فول الصويا، والذرة الصفراء العلفية، والأخشاب….. إلخ).
يفوق 577 مليون يورو بزيادة 31 بالمئة
وفيما يخص واقع التصدير؛ فإن الواقع الرقمي للصادرات السورية يُظهر بلوغ الصادرات في العام 2023 ما يفوق 954 مليون يورو، بارتفاع ملحوظ مقارنة بالأعوام السابقة، سواء من حيث القيمة أم الكمية، في حين بلغ إجمالي قيمة الصادرات خلال الأشهر السبعة الأولى من العام 2024 ما يفوق 577 مليون يورو وبزيادة تبلغ نحو 31 بالمئة مقارنة بقيمة الصادرات عن الفترة ذاتها من العام 2023، وضمن السياق ذاته يمكن القول إن التشكيلة السلعية للصادرات السورية متعددة كالخضار والفواكه والمنتجات العطرية والنباتية والألبسة والأحذية ومنتجات الصناعات الكيميائية والدوائية والمصنوعات المعدنية والبلاستيكية….. إلخ، وفقاً لجوهرة.
معوقات
وكشف جوهرة أن تناول معوقات الاستيراد والتصدير سيتم من خلال مفهوم الارتباط العضوي بين عمليات الاستيراد والتصدير، ومن دون الدخول في التفاصيل المتعلقة بكل عملية على حدة، وذلك على اعتبار ما ينطبق على الاستيراد هو ذاته متعلق بالتصدير مع بعض الخصوصيات ذات الصلة بكل عملية، وعليه يمكن القول إن الظروف المتعلقة بواقع الحصار والعقوبات قد فرضت جملة من التعقيدات التي كان لها بالغ الأثر على عمليات الاستيراد للمواد الداخلة في الصناعات التصديرية باعتبارها مستلزمات ضرورية للعملية الإنتاجية، فالتقييد المتعلق بالعمليات المصرفية مع سورية (استيراداً وتصديراً بالعموم)، وعدم وجود قنوات مصرفية آمنة أدى إلى ارتفاع تكاليف تحويل الأموال (تحصيلاً لقاء عمليات التصدير، أو تسديداً لقيم المستوردات)، لقاء استيراد مستلزمات الإنتاج وارتفاع تكاليفها مروراً بسلاسل التوريد وما يصاحب ذلك من صعوبات متعلقة بالشحن والتأمين وما لها من أثر سلبي متمثل في ارتفاع التكاليف، وبالتالي على أسعار المنتجات السورية وتنافسيتها في الأسواق الخارجية مقارنةً بمنتجات الدول الأخرى في أسواق التصدير، يضاف إلى ذلك عدم وجود خطوط شحن للصادرات السورية في بعض الأحيان وارتفاع التكاليف المتعلقة بهذا الموضوع.
وأكمل: ويضاف إلى التحديات المذكورة أعلاه، جملة من التعقيدات ذات الصلة بالعمليات التجارية (استيراداً وتصديراً) مرتبطة بالحواجز التجارية وتقلبات أسعار الصرف محلياً وفي بعض الدول، والسياسات الحمائية التي تفرضها بعض الدول لحماية منتجاتها الوطنية، الأمر الذي يضاعف الأعباء المفروضة على المستورد أحياناً والمُصدر في أغلب الأوقات.
الحدّ من المعوقات
وفي ضوء التحديات المتعلقة بأعمال التجارة الخارجية (استيراداً وتصديراً) كان التوجه للتخفيف من حدة التحديات والصعوبات من خلال العمل على تعزيز التعاون الدولي لتذليل الصعوبات ما أمكن، مع السعي لتوفير وسائل شحن وخطوط نقل تسمح بتسهيل سلاسل التوريد، بالإضافة على توجه السياسة النقدية لاختصار الوقت المتعلق بعمليات التمويل وضبطها زمنياً إلى جانب العمل على تخفيف الأعباء المالية التي يتكبدها المصدر في عمليات تحويل الأموال من خلال التوجه لشراء عوائد قطع التصدير وفق أسعار صرف مجزية تقارب أسعار السوق وتراعي عمولات التحويل التي يتكبدها المُصدر في ظل ظروف الحصار والعقوبات المفروضة وبما يشجع عمليات التصدير، حسب ما شرحه جوهرة.
تحريك عجلة الاقتصاد
وعن دور عمليتي الاستيراد والتصدير بتحريك عجلة الاقتصاد، تحدث جوهرة قائلاً: يمكن الحسم بشكل قطعي بالدور الحيوي لعمليات الاستيراد والتصدير في تحفيز النمو الاقتصادي، وتعزيز التبادل الثقافي والتكنولوجي بين الدول تأطيراً لمفهوم خلق وتشكيل العلاقات الدولية والتأثير على مستويات المعيشة؛ وعليه فإن استقرار عمليات التصدير واستدامتها تعني تحقيق موارد مهمة بالقطع الأجنبي تضمن تصحيح الميزان التجاري مع توفير مصدر مهم لتمويل المستوردات المحفزة للنمو(مستلزمات إنتاج صناعي وزراعي) والتي تستتبع زيادة في معدلات التشغيل وتحقيق فرص للعمل ورفع المستوى المعيشي للمواطن وتحسين مؤشرات النمو الاقتصادي، وضمن هذا السياق لا بد من التأكيد على ضرورة تحقيق مستوى مقبول من التوازن التجاري بين المستوردات والصادرات لاسيما أن تحقيق فوائض تجارية يعتبر مؤشراً على القوة الاقتصادية، وبالوقت ذاته لا يمكن أن ننفي بأن للمستوردات دور مهم في تحفيز الابتكار ونقل المعرفة والتكنولوجيا مما يعزز الإنتاجية والنمو الاقتصادي.
خطط وسياسات
وحول الخطط والسياسات التي تتبعها الوزارة لتسهيل عمليتي الاستيراد والتصدير فإن الرؤية المعتمدة في مجال التجارة الخارجية استيراداً تسعى للمواءمة بين حرية التجارة وتحقيق حماية وضوابط تتناسب مع الواقع الاقتصادي حالياً، وهذا ما يمكن تحقيقه من خلال التأكيد على سياسة ترشيد المستوردات وفق مبادئها العامة، من دون فرض أي إجراءات تقييدية على المواد المسموح استيرادها لاسيما بأن أي ترشيد إضافي للمستوردات قد يشكل تحفيزاً لعمليات التهريب ولمواد ممنوعة ومسموحة بالاستيراد، وفي المقلب الآخر نجد ضرورة تخفيف ضوابط عمليات تمويل المستوردات اللازمة لتحريك عملية الإنتاج عند مستويات تشغيلية مرتفعة تضمن تحقيق تخفيض في التكاليف الثابتة للعملية الإنتاجية ورفع معدلات تشغيل العمالة وتخفيض مستويات البطالة، حسب جوهرة.
وختم جوهرة حديثه مع «الاقتصادية» قائلاً: وفي الجانب الآخر المتعلق بالتصدير فإن التوجه في بناء البرامج قائم على تحفيز عمليات التصدير ودعمها باعتبارها الأساس لتشجيع العمليات الإنتاجية وما يترتب عن ذلك من عوائد بالقطع الأجنبي تحقق توازناً أو تصحيحاً لعجز الميزان التجاري وتحقيق تغطية مناسبة لقيم المستوردات المحفزة للنمو الاقتصادي، مع استهداف تبسيط إجراءات عملية التصدير بغية تعزيزها مع تحقيق بناء مفهوم علمي وتقني لعمليات التصدير من خلال برامج التأهيل في مجال التصدير.
هل كان مدروساً وصحيحاً؟
لا شك بأن واقع الاستيراد والتصدير والتجارة الخارجية عموماً هي المرآة لواقع الاقتصاد بسلبياته وإيجابياته، بالتالي لم يكن ولا يزال قطاع تجارتنا الخارجية بخير، للأسباب المعروفة للجميع ولكن هل كان ترشيدنا للاستيراد وللتصدير مدروساً تماماً وصحيحاً؟، ولكن لو كان صحيحاً لكانت أوضاعنا أفضل، فتدخل الجهات الحكومية بآلية غير مدروسة صحيحاً هو أسوأ من تدخلها التي تعتقد أنه مدروس لأن قوى السوق وقوى العرض والطلب وقوة السعر هي التي تحدد في الحقيقة ما يجب وما لا يجب وليست قوى الأفكار البيروقراطية المسيسة، وفق توصيف الأستاذ في كلية الاقتصاد بجامعة دمشق الدكتور عابد فضلية خلال حواره مع «الاقتصادية».
ولكن بكل الأحوال استوردنا وصدرنا خلال الفترة الماضية أكثر أو أقل مما يجب أحياناً، واستوردنا أكثر أو أقل مما يجب أحياناً أخرى، وهنا أحد مفاصل الخلل في سياساتنا وإجراءاتنا الاقتصادية، وفقاً للدكتور فضلية.
ويعتقد الدكتور فضلية بأنه لا يمكن أن تكون جميع البدائل المحلية كافية لجميع ما يلزم، وليس من الممكن أن تكون الصادرات بكل أنواعها هي الحل الأمثل للتجارة الخارجية، وما يتحكم بذلك ليس العقل الاقتصادي التصديري المنطقي ولا العقل الاستيرادي المنطقي، فنحن وغيرنا لا نعيش بمجتمع مثالي.
أكثر من 300 مليار دولار
من أهم معوقات الاستيراد هي الشح النسبي في مخزون القطع الأجنبي في سورية، وهذا الشح ليس سببه الوحيد الظروف الصعبة التي نتيجتها الشح النسبي للقطع الأجنبي (لأسباب تشريعات حكومية فقط)، نتيجة القرارات والرؤى السلبية الحكومية والرسمية لكيفية التعامل مع القطع، بل أيضاً لأسباب حقيقية أهم مظاهرها التقلص النسبي للاقتصاد السوري، نصفها لأسباب موضوعية مبررة ونصفها الآخر لأسباب ذاتية غير مبررة وغير منطقية وغير مسؤولة تختلقها أو تبررها بعض الجهات الحكومية، بحجة ندرة القطع الأجنبي، وسأبرر كل ما أقول بحقيقة أن السوريين يمتلكون ويستثمرون في كل أنحاء العالم أكثر من مئة مليار دولار (حسب احصاءات عمرها أكثر من 40 سنة) أي تقديراً أكثر من 300 مليار دولار اليوم)، والأهم أنه منذ الأزل يستثمر السوريون في دول الخليج العربي ودول كثيرة أخرى أكثر مما تستثمره كل الدول في سورية، حسب رؤية الدكتور فضلية.
بحاجة لمنظومة تشريعية متينة
وتابع: والخلاصة نحن بحاجة إلى بيئة استثمار حقيقية، بل لمنظومة تشريعية متينة ولجهات حكومية استثمارية واعية وفاهمة ومتفهة لكيفية جلب وإقناع وإغراء المستثمر السوري أولاً، وبعدها جلب المستثمر غير السوري، فكل إنجاز حكومي إيجابي حقيقي ملموس مهما كان نوعه وطبيعته تقوم به الدولة ونغذه بصدق وشفافية، سيكون مساعداً ومساهماً في خلق هذه الثقة ولو حتى كان في مجال حماية المستوردات المشحونة بالقاطرات من المطار، متسائلاً: ولكن أيلاحظ أحدكم أن مثل هذا يتم؟
تشريعات يومية متناقضة
وأيضاً من معوقات الاستيراد والتصدير هي التشريعات والقرارات اليومية المتناقضة التي تتخذها وزارة الاقتصاد، فاليوم يسمح تصدير كذا وكذا، وبعد أيام تقرر أن تصدير كذا وكذا صار ممنوعاً، والملخص: أن تشريعات التجارة الداخلية في الاستيراد والتصدير خصوصاً يجب أن تكون مستقرة وثابتة لفترة محددة، فمن المضر بالاقتصاد وبالشعب وبالمنتج السوري ما يحدث حالياً ومنذ عقود على أرض الواقع بأن نسمح اليوم باستيراد كذا وكذا ثم وبعد بضعة أسابيع أو أيام يصدر قرار عكسي بالمنع وكذلك الأمر في أنشطة التصدير، الأمر الذي يسحب مصداقية التاجر المصدر والتاجر المستورد السوري من ثقافة الأسواق الخارجية.