المشاريع الصغيرة والمتوسطة تعتبر خلايا عصبية في جسم الاقتصاد. وهذه الخلايا كي تكون مجدية تحتاج إلى دورة دموية تحمل الأوكسجين والعناصر الغذائية لأداء عملها، وهذه الدورة يعبّر عنها في حياة الاقتصاد بالنظام النقدي.
السؤال: هل النظام النقدي في سورية يتناغم مع متطلبات اعتبار المشاريع الصغيرة عصب الاقتصاد؟
إن البحث في تطوير النظام النقدي في سورية معقد وشائك ويتطلب خبرات مصرفيه قارئة للتاريخ المصرفي السوري الذي تخلف نتيجة تراكم سياسات عالجت قضايا اقتصادية وقتية انتهت إلا أن سياساتها استمرت حتى تاريخه. حيث عدّلت بعض الإجراءات إلا أن السياسات اعتبرت مقدسة رغم تخلفها.
في خمسينيات القرن الماضي ولغاية عام 1963 كانت المصارف الزراعية تموّل المشاريع الصغيرة والمتوسطة الزراعية وكانت تقدم قروضاً عينية وقروضاً نقدية مرتبطة بالإنتاج، هذه السياسة خلقت نواة لبناء المنظومة الزراعية في سورية التي استمر بناؤها وتطويرها لغاية عام 2010 تاريخ بدء انهيارها، رغم أنها كانت الدرع الحصين للاقتصاد السوري في مواجهة العقوبات الغربية والأميركية التي فرضت على سورية في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي وشكلت هذه المنظومة حالة صمود اقتصادي في حرب تشرين عام 1973، هذه المنظومة نسفت بالكامل لأنها وباعتراف كوندوليزا رايس كانت تفرغ العقوبات الأميركية على سورية من مضامينها.
ما أشير إليه أعلاه يؤكد أننا قادرون من خلال خبراتنا المصرفية أن نبني منظومة من المشاريع الصغيرة والمتوسطة، قوية وقادرة على مجابهة أي صعوبات أو مشاكل قد تعترض الاقتصاد السوري، إلا أن منظومة كهذه بحاجة لنظام نقدي متطور يحقق متطلبات بناء هذه المنظومة المهمة، فالمشاريع الصغيرة والمتوسطة من أهم روافد عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة والانطلاق ببناء هذه المنظومة يحتاج إلى خطوات أهمها الخطوة الأولى.
التعريف الموحد للمشاريع الصغيرة والمتوسطة من السلطة النقدية والجهاز المصرفي وجمعية البنوك التي تعثرت ولادتها رغم أهميتها بالنسبة للنظام النقدي. هذا التعريف يعتمد على تسهيل عمليات تبادل البيانات بين الأطراف ذات العلاقة، حيث سيخدم ذلك كل الأطراف المعنية بتحليل البيانات وإدارة المخاطر ورصد عمليات التطور ووضع الخطط الإستراتيجية لتطوير قطاع المشاريع الصغيرة والمتوسطة.
الخطوة الثانية: تمكين هذه المشاريع من رفع جاهزيتها من خلال توفير السبل المناسبة لها للوصول إلى روافد الاقتراض والتمويل من المؤسسات المالية والمصرفية والصناديق الاستثمارية وتذليل العقبات وخفض الشروط المصرفية لتسهيل عملية الإقراض لها. وللتوضيح، فمثلاً الاعتماد على قوائم مالية وتدفقات نقدية لمشروع قيد الإنشاء لمنحه تمويلاً، هذا الأمر معقد وغالباً نتائجه غير صحيحة وهذه النتائج يبنى عليها قرار المنح ما يخلق بالنتيجة تعثرات وفشلاً في المشروع وتوقفه.
لهذا أعتقد أن الاعتماد على التقييم الرقمي لتمويل مشروع صغير قيد الإنشاء ذي جدوى أكبر ومخاطر أقل حيث يعتمد التقييم الرقمي على سلوكيات العملاء وبياناتهم الاجتماعية ومعاملاتهم المالية وغير المالية وفق ضوابط ومعايير معتمده إضافة إلى دراسة عميقة لتقديراتهم للتكاليف المتوقعة على أن تكون شاملة لجميع المصاريف المباشرة وغير المباشرة. سياسة كهذه مقاربة للواقع أكثر من القوائم المالية تساعد في خلق نظام ضبط اجتماعي، من أهمها الالتزام بدفع مستحقات مؤسسات الخدمات والمؤسسات المالية بوقتها وبشكل منضبط.
الخطوة الثالثة: موضوع الجدولة للمشاريع الصغيرة والمتوسطة والتي تسببت بإغلاق عدد لا بأس به من هذه المشاريع، على سبيل المثال وجوب الدفعة المقدمة بنسبة معينة لإجراء الجدولة. إضافة إلى نسب فوائد التأخير. هذه الأمور تفرض على مشروع متعثر أي في طريق الإفلاس والإغلاق. بالواقع إجراء كهذا تسبب في إغلاق مشاريع وتسبب في إحجام أصحابها عن القيام بالجدولة ونقل البعض نشاطه لخارج البلاد. أعتقد أنه من المجدي بهذه الحالة الاعتماد على كشف التدفقات النقدية وذلك من أجل إعادة إحياء القرض إلى قرض عامل يترافق مع الحد من غرامات التأخير التي تثقل كاهل أصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة لدرجة الهجرة ونقل النشاط لبلاد أخرى. وكل ذلك يقع على عاتق هيئة ضمان القروض وضرورة وجود جمعية للمصارف تعتبر مهمة كمؤسسة فاعلة وشريكة لهيئة ضمان القروض وتعمل المؤسستان على وضع خطة عمل تمتد لعامين، وبعد هذه الفترة يتم تحليل البيانات للتحقق من نجاعة الاعتماد على كشف التدفقات النقدية في إعادة إحياء التسهيلات المتعثرة.
ما أشرنا إليه هو بعض ما يجب العمل عليه وليس الكل.
بالمحصلة، نحن بحاجة إلى إصلاح وتطوير النظام النقدي في سورية الذي يحتاج إلى خبرات مصرفية تمتلك الفكر المهني للعمل على تطوير النظام النقدي السوري كخطوة أساسية لأنها نواة الانطلاق لتمويل ودعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة.