شؤون محلية

في اقتصادنا.. شركات رابحة لكنها لا تستطيع دفع رواتب عمالها! … اتحاد العمال: عجز الشركات لعدم توافر السيولة .. الصناعة: طالبنا العمال فتح حسابات لتحويل رواتبهم!

| محمود الصالح

كشف رئيس الاتحاد المهني لعمال الغزل والنسيج محمد عزوز عن وجود عجز في شركات الغزل والنسيج عن تسديد رواتب العاملين فيها.

وفي تصريح لـ«الاقتصادية» بين عزوز أن الاتحاد العام لنقابات العمال يتابع مصالح العمال مع الوزارات المعنية وخاصة لجهة تأمين حقوقهم في الرواتب والتعويضات، وكل ما له علاقة بمصلحة الطبقة العاملة، مرجعاً السبب في عدم تسديد رواتب العمال لعدم توافر السيولة لدى عدد من الشركات في مؤسسة الصناعات النسيجية، وبسبب سياسة الحكومة في رفع أسعار الطاقة، من دون أي دعم لصناعة الغزل والنسيج لتخفيف التكاليف، ما أدى إلى قلة المبيعات وخاصة بالنسبة للخيط، وهذا انعكس على عدم توافر السيولة لتسديد التزامات الشركات ومنها رواتب العمال.

وأكد أن مجلس إدارة مؤسسة الصناعات النسيجية قام بتخفيض أسعار الغزول المخزنة قبل عام 2023 بنسبة 5 بالمئة وهذا التخفيض يتم للمرة الثانية خلال العام الحالي وأصبح التخفيض خلال عام واحد 15 بالمئة ولكن لم يتم حل المشكلة، ولم يكن هذا القرار مفيداً في تشجيع بيع الغزول، مشيراً إلى أن الاتحاد مهتم بمسألة بيع مخازين الشركات لتوفير السيولة وتخصيصها فقط لتسديد الرواتب للعاملين في تلك الشركات.

وبين عزوز أن هناك عوامل عديدة أثرت في حركة البيع وعدم استجرار القطاع الخاص من شركات الغزل في القطاع العام ومنها وجود غزول تدخل القطر بطرق غير نظامية وهذا أدى إلى معاناة معظم الشركات العاملة في الغزل والنسيج من ضعف السيولة، وعدم القدرة على تأمين رواتب عمالها، إضافة إلى أن المؤسسة العامة للصناعات النسيجية تقوم بدفع رواتب عمال الشركات المتوقفة عن العمل مثل الفرات بدير الزور وغزل الحسكة بعد أن توقفت وزارة المالية عن دفع رواتب عمال هذه الشركات.

وأشار رئيس الإتحاد إلى أن المشكلة الأساسية بدأت نتيجة رفع أسعار الغزول وجمود السوق وعدم تصريف الإنتاج وضعف القدرة الشرائية، يضاف إلى ذلك أنه سمح بوجود منافسة للمنتج الوطني من خلال منح موافقات استيراد الخيط للتجار، وهذا الخيط المستورد شكل منافساً لغزول شركات القطاع العام غير المصنع محلياً وهو خيط «الكومبكت».

وحول موعد تسديد الرواتب للعمال ذكر عزوز أنه تم منذ أيام تحويل رواتب العاملين عن الشهر السادس.

حلول مطروحة

ويرى عزوز أن الحل يكمن في وقف منح موافقات استيراد «الكومبكت» للتجار أو مراقبتها أو تقنينها لفترة مؤقتة لحين تصريف المخازين الوطنية، وإيجاد دعم لخفض تكاليف مستلزمات الانتاج وخاصة قيمة الكهرباء للشركات النسيجية، حيث تبلغ قيمة الطاقة مع سعر المادة الأولية أكثر من 70 بالمئة من قيمة المنتج وأيضاً ضغط التكاليف والنفقات الإدارية في الشركات العامة.

حاولنا التعرف على رأي وزارة الصناعة من خلال التواصل مع وزير الصناعة ورغم العديد من المحاولات لأخذ إجابات شافية على واقع الصناعات النسيجية، أرسل لنا المكتب الإعلامي في وزارة الصناعة رسالة مفادها أنه بالنسبة لموضوع استيراد خيوط «الكومبكت» فإنه تم بناء على توصية اللجنة الاقتصادية بجلستها رقم /47/ تاريخ 16/10/2017 بناء على طلب من الصناعيين لكون هذا النوع غير منتج محلياً، علماً بأن معامل الغزل بدأت بإجراء العديد من التجارب لإنتاج أصناف وأنواع جديدة من الخيوط وسيتم الإعلان عنها عند انتهاء تلك التجارب.

وبالنسبة لتصريف المخازين فإن المخزون الموجود حالياً لدى شركات الغزل ونسبة لقلة الأقطان المستلمة فهو مخزون إستراتيجي لتغطية احتياجات شركات النسيج بما يمكنها من تنفيذ عقودها المبرمة مع الجهات العامة وفي حال تم إقرار بيعه إلى القطاع الخاص فسيتم بيعه بأسعار اقتصادية لمعامل الغزل.

أما بالنسبة لموضوع الرواتب والأجور فكان جواب المكتب الصحفي في الوزارة أنه تم الطلب إلى جميع العاملين لفتح حسابات مصرفية ليتم تحويل رواتبهم ومستحقاتهم عليها تسهيلاً لعملية استلام الرواتب وحرصاً على حقوق العمال.

استفسارات

ويرى مراقبون أن هذه الأجوبة غير موضوعية، فإنها جاءت لاستفزاز الطبقة العاملة، لأن الحكومة لم تربط تسليم الرواتب لأي من العاملين في الدولة بعملية فتح حساب مصرفي للعامل، ويبدو أن وزارة الصناعة أرادت تغطية عجزها عن تسديد الرواتب لعمال الغزل والنسيج فأوجدت هذه الذريعة غير القانونية، الأمر الآخر أن هناك تناقضاً بين رأي الوزارة ورأي عضو مجلس إدارة المؤسسة النسيجية الذي أكد أنه تم تخفيض أسعار الغزول وهي متاحة للقطاع الخاص لكنه لا يشتريها لأن التجار لديهم فرصة الحصول على «الكومبكت» الأكثر جودة والأرخص، وموضوع التجارب التي ذكرتها الوزارة جرت وانتهت في شركة غزل الوليد على خيط البوليستر، ولا علاقة لها بالموضوع مطلقاً.

الأمر الآخر أن الموافقة للتجار لاستيراد «الكومبكت» صدرت قبل سبع سنوات عندما كانت أغلب أراضي البلاد المنتجة للقطن خارج السيطرة، وهذه الموافقات لتجار توقفت منشآتهم عن العمل ويقومون ببيع الخيط للصناعيين ممن لا يستطيعون الاستيراد، والآن هناك كميات هائلة من مخازين الخيوط في شركات الغزل العامة تحتاج إلى تصريف، وستفقد مواصفاتها الفنية بعد سنوات، وتصبح تالفة ولا يمكن الاستفادة منها، واليوم الفرصة متاحة للوزارة لتصريفها والحفاظ على القطع الأجنبي الذي يتم إنفاقه لاستيراد «الكومبكت» حتى لو كان من القطاع الخاص.

كما أشار المراقبون لقطاع النسيج أن أغلب شركات مؤسسة الصناعات النسيجية رابحة وفق ميزانياتها بنهاية عام 2023 وقد بلغت الأرباح وفق تلك الميزانية أكثر من 45 مليار ليرة سورية، وهي كافية لتسديد رواتب جميع العاملين في حال كانت تلك الأرباح حقيقية، ولم تكن ناتجة عن رفع أسعار الخيوط المخزنة وغير القابلة للتصريف، والتي بدأت المؤسسة في خفض قيمتها شيئاً فشيئا على أمل تصريفها لتسديد رواتب العمال المتراكمة لأشهر دون فائدة.

كلمة أخيرة

أخيراً: إن منهجية العمل المتبعة وخاصة السياسة الإنتاجية والتسويقية، حولت أغلب الشركات إلى مواقع إنتاج معطلة عن المشاركة في العملية الإنتاجية، وزاد في الطين بله قرارات الدمج الأخيرة، التي يقول بعض الخبراء في وضع الهياكل الإدارية الجديدة إن هناك الكثير من الوظائف الإدارية في الهيكلية المقترحة للشركة النسيجية المحدثة زيادة عن الهيكلية المناسبة، في وقت تنادي وزارة التنمية الإدارية التي تدير عمليات الدمج بترشيق الشركات المحدثة.

الأمر الآخر أن سياسة خفض نشرة أسعار الخيط لم تعط نتيجة وتشجع الصناعيين للشراء من معامل الغزل، وبالتالي يجب أن يتم العمل على ثلاثة محاور أساسية وهي سياسة التشغيل الاقتصادي وضغط النفقات من خلال ضبط المستلزمات السلعية، واتباع سياسة تسويقية تجارية متكاملة، وهذا سيؤدي حتماً إلى تحقيق التكامل الاقتصادي بين الخاص والعام، والاستمرار في هذه المنهجية الاقتصادية في الصناعة سيؤدي بمنظومتنا الصناعية إلى الانهيار تباعاً كأحجار الدومينو، والقرار الصائب يجب أن يتجه نحو البحث في أسباب توقف الشركات عن العمل.

والسؤال الأخير: من الذي يتحمل مسؤولية كل ما يجري في قطاع الصناعات النسيجية، وقبلها في الأقطان زراعة وتسويقاً وتصنيعاً؟ وبالتالي فإن التخلي عن هذه الصناعة التي افتخرت بها سورية منذ الأزل لا يشكل قيمة وطنية مضافة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى