قرار حكومي يفتقر للدراسة يتخذ من جهة ليست ذات اختصاص. تجعلنا نتساءل، هل يوجد في مؤسساتنا ما يدعى مجلس نقد وتسليف؟ ما علاقة هذا المجلس بالحسابات والدفع الإلكتروني والسياسة النقدية؟ من المسؤول عن إدارة الكتلة النقدية؟
وزارة العمل أم وزارة الصناعة؟ أليس غريباً أن يطرح مشروع فتح الحسابات بهذه السرعة ودون دراسة ومعرفة بالإمكانات للبنى التحتية، ما خلق فوضى وفساداً وظهر بشكل جلي ضعف شديد يفتقر للتمييز بين جدوى العمولة وجدوى نشر ثقافة الدفع الإلكتروني على المستوى النقدي وعلى مستوى الاقتصاد الكلي.
الفوضى الواضحة التي خلقها مشروع فتح الحسابات لدفع الدعم نقداً، أظهرت مدى البعد عن الواقع والمبالغة بما تم طرحه حكومياً من خلال اجتماعات متتالية، تكلمت عن قواعد بيانات وتصحيحها وعن الرقمنة والحكومة الإلكترونية. أين هي؟ أليس من المفترض في حال توافرها أن يكون هناك استثمار لها من خلال استخدام بياناتها وبالذات الرقم الوطني الذي يفتح على أساسه حساب صفري.
ما نعلمه أن المصرف عبارة عن منشأة تؤسَّس لغرض معيَّن، أو لمنفعة عامّة ولديها من الموارد ما تمارس فيه هذه المنفعة من خلال إنتاج الأعمال والخدمات لإشباع الحاجات، وكذلك في خلق الثروة، ففي طريق كفاءتها، وفعاليتها يتم توليد قيمه مضافة، فمن خصائصها السعي إلى تحقيق المرونة في العمل وتقليل التكاليف، ما يُساهم في التكيُّف مع التطوّرات في السوق. إضافة إلى التميّز بالفاعليّة والكفاءة عن طريق التأقلم مع الظروف التي تُساهم في تحقيق الكفاءة بفاعليّة. والمُساهمة في دعم التّنمية المحليّة والإقليميّة في كل المناطق. فهل ما تقوم به المصارف بظل وضوح الاختناقات، تعطي صورة واضحة عن تعريف حضورها في السوق الاقتصادي؟ توجهنا لأحد المصارف، ومن خلال حديث مع أحد الموظفين، حيث سمعنا منه كلاماً عجيباً غريباً قال في ختام حديثه:
(أنا عم احكي عن واقع عايشينو نحنا الموظفين برواتب أقل ما يقال عنها سخيفة وتجهيزات جداً ضعيفة الإمكانات محطوطين نحنا بالواجهة هيك عم نشتغل بالمتاح وعم نجاوب من أرض الواقع).
ما رأي من أطلق هذا المشروع؟ ألا يثبت ما أورده الموظف أن القرار غير مدروس ولا يستند لمعطيات واقعية؟ من يتحمل مسؤولية ذلك؟ وما مبرر إنهاك المواطن ونفوره من مؤسسات كهذه.
لنوضح المطلوب تقديرياً ٢ مليون حساب ولدينا ١٢ مصرفاً وسطي عدد الفروع الأعظمي ٥٠ فرعاً، وهو أقل من ذلك بكثير. أي لدينا ٦٠٠ فرع ومكتب خدمة. بهذه الحالة يقع على عاتق كل فرع أن يفتح ٣٣٠٠ حساب خلال فترة مقدارها ٧٥ يوم عمل، أي يومياً يجب أن يفتح ٤٤ حساباً بفرض أن كل فرع خصص لفتح الحسابات موظف عدد ٢، أي على كل موظف أن يفتح يومياً ٢٢ حساباً هذا مستحيل، لنشير إلى العمولات. وسطي العمولات المقبوضة من ١٢ مصرفاً في سورية تشكل ٣٩٥٠٠ ليرة سورية لكل حساب فإذا كان أول رصيد حساب يبلغ ٣٠٠ ألف، فالعمولة أكثر من ١٠%. لا أحد يملك مبرراً مقنعاً عمولات كهذه.
نسأل من تقدم بالمشروع ومن درسه واتخذ قراراً به؟ ماذا عن أبناء الأرياف الذين لا وجود لمكتب الخدمة في قراهم؟ ماذا عن العجز وكبار السن الذين لا يملكون معلومة بسيطة حول الحسابات والدفع الالكتروني؟ ماذا عن انتشار الصرافات وضعف الشبكات؟ ألم تسمعوا بالحساب الصفري الذي يفعل حين ورود التحويل له وبناء على الرقم الوطني. وعند ورود التحويل يتم اقتطاع العمولة؟ أين دور الوحدات الإدارية بالقرى؟ ألا تذكرون دور المخاتير في ثمانينيات القرن الماضي وهم الذين ضبطوا موضوع بونات التموين. أرى أن نعود للبونات ريثما يتم توفير البنى التحتية اللازمة لمشروع كهذا.
ختاماً.. مشروع فتح حسابات لدفع الدعم نقداً أظهر الكثير من الإخفاقات وبالذات التي تتعلق بالتحول إلى الرقمية والحكومة الإلكترونية. إخفاقات وعدم واقعية ما طرح من الحكومة عن تطوير الشبكة وعن موضوع صحة وتصحيح قاعدة بيانات من يستفيدون من الدعم. عمل كهذا أعطى صورة واضحة عن تخلف مصارفنا وتراجع الثقافة المجتمعية في التعامل مع المصارف. قرار فتح الحسابات لتحويل الدعم النقدي قرار فوضوي غير مدروس ولا يتماهى مع الإمكانات المتاحة، وسيطول العمل به لأكثر من عام، ما سيرفع من تكاليفه وبالتالي لن يحقق الجدوى الاقتصادية منه، لأنه بني على أسس هشة وضعيفة.