مـن يحـدد الأسعـار في الأسـواق السـوريـة؟ … آليـات غيـر مفهـومـة وهـي بـاب مـن أبـواب الفسـاد!
| غزل إبراهيم
فوضى التسعير وغياب الإستراتيجيات الواضحة والحلول لتحقيق التوازن بين الدخل والأسعار لا تزال المعضلة الأكبر التي تواجه الأسواق السورية، التي يتم التسعير فيها وفقا للكيف والمزاج وكله على حساب الفقير الذي اكتوى بنيران الغلاء، وأصبح شبح المجاعة يهدد قسماً كبيراً من السوريين الذين لا حول لهم ولا قوّة.
فإلى أين ستوصلنا السياسات التسعيرية المتبعة وهل البقاء على ما تناقله المسؤولون من أساليب وطرق أكل عليها الزمن وشرب ستحل المشكلة؟
آليّة التسعير
قد يبدو تسعير المواد والخدمات الضرورية من اختصاصات وعمل مديرية الأسعار في وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك فقط لكن في الواقع فإن هذه العملية تتم من خلال لجنة تسعير مركزية تضم وزاره التجارة الداخلية والمصرف المركزي والجمارك والاقتصاد وممثلين عن اتحادات التجارة والصناعة والزراعة والتي تقوم بالاجتماع أسبوعياً لتدقيق جميع البيانات المطلوبة وإصدار صك التسعير المناسب وفق ما صرّح للاقتصادية مدير مديرية الأسعار في وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك زين صافي.
لجان تحديد الأسعار تحدّد في كل محافظة وتضم عضو مكتب تنفيذي لمجلس المحافظة المختص ومدير التجارة الداخلية وممثل عن وزارة الزراعة وممثل عن غرف التجارة أو الصناعة أو السياحة أو اتحاد الفلاحين أو الحرفيين حسب الحال.
وتقوم اللجنة بتحديد أسعار المواد والمنتجات والسلع والخدمات المحلية وتحديد بدل أداء الخدمات التي لها تأثير في أسعار السلع والخدمات وتحديد بدل أداء الخدمات في الفنادق والمطاعم والمقاهي والملاهي وجميع المحلات التي تقدم الطعام والشراب.
وللبت في الاعتراضات المقدمة على القرارات الصادرة عن لجنة التسعير المركزية ولجان تحديد الأسعار في كل محافظة تشكل لجنة مركزية برئاسة معاون الوزير وعضوية ممثل عن وزارة الاقتصاد والجمارك وممثلين عن الاتحادات حسب نوعية الاعتراض المقدم وفقاً لصافي.
ولتحديد الحد الأقصى للربح في إنتاج أو استيراد المواد ولجميع حلقات الوساطة التجارية أوضح صافي أنه يجب على كل مستوردي ومنتجي المواد (السكر- الر- الزيوت والسمون بكل أنواعها- الشاي- المتة- البن بجميع أنواعه- الحليب المجفف معلبات الطون والسردين، والموز والأعلاف ماعدا المتممات العلفية) التقدم لوزارة التجارة الداخلية مديرية الأسعار بوثائق تكاليف استيرادهم أو إنتاجهم لتتم دراسة التكلفة وإصدار الصك السعري لكل حلقات الوساطة التجارية وذلك قبل طرحها بالأسواق وتفوّض مديريات التجارة في المحافظات بدراسة بقية تكاليف المواد والسلع.
وتقوم الوزارة- حسب صافي- بشكل مستمر بمتابعة استقرار الأسواق ووفرة المواد فيها وتوجيه مديريات التجارة الداخلية بالمحافظات لتشديد الرقابة على الأسعار ومراقبة الجودة والمواصفات.
مغارة علي بابا
كلام مديريّة الأسعار ينفيه الواقع المرير وقد ملّ الناس من الآليات والسياسات المتّبعة في كل المجالات ليس فقط بالتسعير
وخاصّة أنّ هذه الآليات متبدلة ومتغيّرة بسرعة وقائمة على التجريب فإن نجحت كان به وإن لم تنجح نغيّرها.
وآليات التسعير غير مفهومة وهي باب مشرع من أبواب الفساد.
إذا نظرنا إلى كثير من أسعار المواد في الأسواق نجدها غير منطقية ومبالغ فيها، وبعض المواد تحررت أسعارها ومع ذلك لا يزال مراقبو وزارة التجارة الداخلية يتابعونها ويتعاملون بعقلية وزارة التموين «عقلية قمع» يضعون ختم على باب المحل المخالف حسب توصيف الخبير الاقتصادي شفيق عربش.
فهي مديرية قمع الغش ولم تتمكن من محاربة الاحتكار أو القضاء عليه ولم تتوصل إلى آليات فعّالة للتسعير وليس بالضرورة أن ينتهي عملها عند التسعير بل أن تكون هذه الأسعار منطقية ومضبوطة في الأسواق.
نحاس: من الأجدى تخفيف التكاليف للصناعي والمستورد لخلق المنافسة والحد من التهريب!
التسعيرة مجحفة
هناك كلف غير منظورة ومنها فرق الأسعار والشحن والتخليص وموضوع منصة المستوردات وعدة اعتبارات لا تأخذها الوزارة بعين الاعتبار، وتكون التسعيرة غير عادلة ومجحفة بحق المستورد أو التاجر ويضطر إلى مخالفة تسعيرة الوزارة فالتاجر له وجهة نظر وهو محق أحياناً والوزارة همها تخفيض الأسعار لتكون بمتناول المواطن.
وبكل دول العالم الوزارات لا تحدد السعر وإنما العرض والطلب ووجود أكثر من مستورد للمادة يخلق منافسة، وتلقائياً تنخفض الأسعار حسب عضو مجلس غرفة تجارة دمشق مصان نحاس، الذي أكد حصول خلافات بين الغرفة والوزارة عند التسعير في كثير من الأحيان، فالغرفة تجد أنه من الأجدى تخفيف التكاليف للصناعي وللمستورد لخلق المنافسة والحد من التهريب الذي يضر بخزينة الدولة، وأن تكون هناك دراسة علمية وواقعية لمعرفة أسباب ارتفاع الأسعار ولماذا تكلفة المنتج السوري أغلى من دول الجوار ولماذا تزيد بضاعة الصناعي السوري بنسبة 30- 40 بالمئة من تكلفة المنتج نفسه في دول الجوار.
في هذه الحالة فقط تتدخل الحكومة:
التدخلات الحكومية في التسعير خطأ فالاقتصاد قوانينه والأسعار تنضبط في الأسواق من خلال تأمين مناخات المنافسة الحقيقية وهذا هو الدور المنوط بالحكومة من خلال تشريعات رشيقة وواضحة، وتتدخل الحكومة في حال وجود ضرورة، أي في حال الأزمات والاختناقات، أما أن تكون الحكومة هي التاجر وهي الضابط فالأمور ستسير بشكل سيئ لأن كل إجراءاتها لمصلحتها كتاجر.
بلا دور!
مع الأسف الأسعار غير واقعية وأحياناً تكون دون المطلوب لأن المسؤولين وحدهم الذين يعرفون ويضعون القوانين والإجراءات وفقاً لأهوائهم ومزاجهم وعلاقاتهم.
والأسعار بالأسواق لا علاقة لها بما يصدر عن وزارة التجارة وهذه الوزارة منذ أن أنشئت لم تستطع ضبط الأسواق وعندما أصبحت وزارة تجارة داخلية وحماية مستهلك أصبح المستهلك بلا حماية وعرضة للنهب وكل أشكال الاستغلال فإذا نظرنا إلى دول العالم أجمع ليس هناك وزارة اسمها وزارة حماية المستهلك لأن هذا دور المجتمع الأهلي ودور الحكومة في تأمين المنافسة وضرب الاحتكارات الموجودة، وكل إجراءاتنا تقود إلى احتكارات وتحكم بعض المتنفذين في الحياة الاقتصادية اليومية للناس ما تسبب بنتائج سلبية قد توصلنا إلى الهاوية ما لم نتدارك الأمر وفقا لعربش.
موضة المنصات لا دين لها
تقوم مديرية الأسعار وفقاً لصافي بقبول وثائق التكلفه وتدقيقها ومطابقتها مع برنامج الاسكودا وإدخال البيانات عبر برنامج تسعير للحصول على التكلفة وإضافة نسب الأرباح لها وفق القرارات النافذة ولكل حلقات الوساطة التجارية وإقرار هذه التكاليف في لجنة التسعير المركزية.
وحاليا بدأت المديرية بأرشفة جميع البريد الصادر والوثائق المقدمة للمديرية وسحب البيانات الجمركية من برنامج الاسكودا للمواد الأساسية وإرسالها للمديريات في المحافظات لمتابعتها والتأكد من قيامهم بتقديم وثائق التكاليف وفقاً لصافي.
فهل ستحل المنصة المشكلة وخاصة أن المنصات أصبحت موضة منصات لتمويل المستوردات منصة للعمل- منصة لكل شيء؟ والحقيقة هذه المنصات لا تغني ولاتسمن من جوع وآليات التسعير ستبقى باباً واسعاً للفساد وغير منطقية وغير موضوعية، البعض قادر كمنتج أو مستورد على فرض الأسعار بأساليب مختلفة ومديرية الأسعار ليس لها أي وجود في عمليات البيع والشراء، والأرشفة والأتمتة أصبحت موضة قديمة في الدول منذ أكثر من ٣٠ عاماً.
والكلام عن أتمتة ومنصة للأسعار كلام بلا معنى وهم يحاولون إيهام الناس بالمنطقية والعلم بإدارة الأمور ولكن الواقع أصدق من يتحدث عن نفسه، وواقع الأسواق مرير جداً والدليل تفاوت الأسعار من محل لمحل وسط غياب شبه كامل للرقابة سواء على الجودة أو على الأسعار وفقاً لعربش.
حجم المخالفات كبير
قضية لافتة للنظر جداً هناك خبر يومي عن حجم المخالفات بكل المحافظات، فالمديريات تقوم بتنظيم المخالفات والضبوط، وهذا يدل على حجم المخالفات الهائل بالأسواق، فالنتيجة تشير إلى أن نمطية التعاطي هي القائمة وربما التراجع في أداء بعض المهام كما أكد عربش.
هيئة احتكار ومنع المنافسة
الاقتصاد له قوانينه وأهمها العرض والطلب والمنافسة ومجرد توافر هذه العناصر تتوازن الأسعار وحدها والمواطن يعرف مصلحته لكن الحكومة لا تعرف مصلحته.
ويجب العودة إلى الأسواق وسحب مؤسسات القطاع العام منها لأنها الأغلى، وهنا يسوق الخبير الاقتصادي مثالاً على ذلك وهو هيئة المنافسة ومنع الاحتكار التي أحدثت منذ ١٦ عاماً وبكل أسف أصبحت مع الوقت هيئة احتكار ومنع المنافسة.
فما دام هناك حيتان في الأسواق تقف وراءهم مجموعة من المتنفذين لن تستطيع وزارة التجارة ولا اللجنة الاقتصادية حل المشكلة برأي عربش.
الواقع الحالي يؤكد أن حالة الفوضى لا تزال ضاربة أطنابها، والخشية أن يد التجار قد تطول قوائم التسعير وفرض كلمتها في أي دراسة قد تنجز. وحسب الوقائع فإن دراسة واقع أسعار أغلب السلع والمواد والخدمات في الأسواق السورية ومقارنتها بالتكاليف الحقيقيّة، تدل بما لا يقبل الشك أن التسعيرة الرسمية التي لا تكون حقيقيّة ولا تراعي التكاليف ونسب الربح المنطقيّة تؤدي إلى عكس الهدف منها، وأن هناك خللاً ما حتى الآن.
كما أن مسألة التسعير بأقل من التكلفة أتاحت المجال أمام من يمكن أن يكونوا بالمتلاعبين الذين ربما تربطهم علاقات مع بعض التجار وربما تصل العلاقة لدرجة الابتزاز، وهنا تكون النتيجة بسبب هذه السياسة «اختفاء المواد وتوقف الخدمات وارتفاع أسعارها». ومثل أساليب كهذه قد حصلت في وقت من الأوقات، في ظل عدم وضع المعايير والمحددات التي قد تضفي إلى واقع سوقي، بأسعار مقبولة ترصد المتغيرات كما يجب.
والجميع يعرف أن أسلوب التسعير القديم كان يخدم المحتكرين بشكل أو آخر، وهناك جهود لوزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك من أجل الخروج بآليات نظامية متكاملة وإعداد تسعيرة كاملة جديدة للبضائع والمواد والسلع تكون مبنية على التكاليف الحقيقيّة من جهة وعلى أهمية المادة من جهة أخرى، وهذه السياسة الواجب إتباعها وتنفيذها حرصاً على تحقيق الرضا لكل الأطراف.
تلزم الأسواق السورية اليوم أسس محددة وسياسات سعرية متكاملة بطرق ومفاهيم جديدة بالتسعير، طرق تمكن الوزارة من مراقبة الأسعار في الأسواق ومحاسبة المخالفين والمحتكرين وأي من تسول له نفسه التلاعب أو الابتزاز أو فتح قنوات جانبية هنا أو هناك..!
الأسواق وما يعتريها من فوضى يحتم الإسراع الجدي في المراقبة والمحاسبة والتقيد بكل الأسس، والمحددات التي تخرج عن الوزارة مع التطبيق الكامل، لعله يكون في ذلك الإجراء الوصول إلى معادلة سعرية مناسبة تسد كل قنوات الإهمال والأعمال المزاجية أو حصول أي تجاوزات.
فالصك التسعيري المناسب المبني على إجراءات شاملة هو الخيار الأمثل الآن وتشترك فيه كل الفعاليات متضمناً كل الأهداف والبيانات المطلوبة.