خلل إداري حال دون تحقيق الطموحات الاقتصادية والاجتماعية … تحقيق معدلات نمو مرهون بتحسين مستوى كفاءة النظم الإدارية
| بارعة جمعة
أولويات تفرض نفسها في ميادين العمل، الذي مازال يترنح بين فصول العقوبات الخارجية وضعف البنية الاقتصادية المحلية، ما دفع بالكثير من المعنيين لاتخاذ قرارات ربما كانت وليدة اللحظة أو ارتجالية -إن صح التعبير-، أخذت ببعض القطاعات لانحدار كبير في مستوى العمل، ولاسيما الإنتاجية منها، فيما ظهرت تيارات متعددة منها المُندد ومنها المُؤيد لهذه القرارات، وسط تقديم المبررات التي منحت الكثير من القرارات الإدارية صفة الشرعية، فيما الواقع يظهر عكس المأمول منها، هنا تبرز الحاجة للنظر مجدداً وفق رؤية الخبراء، ممن عايشوا فصول الحرب والعقوبات والتراجع الحاد بالاقتصاد، لدراسة الحالة الاقتصادية وعلاقتها بفن الإدارة الذي لطالما كان المحرك الأساس لكل القطاعات، والمُوجه الأول لها، والمسؤول أيضاً عن نجاحها أو فشلها، الذي أكده خبراؤنا اليوم ضمن تحليلات واقعية ومقترحات للخروج من هذا المأزق.
ضبط وتوجيه
حالتان متكاملتان من العمل، لا يمكن لإحداهما السير دون الأخرى، هي أسس الإدارة الصحيحة، القائمة بشكل رئيس على تقدير الأمور واستنباط الحلول وسط احتمالات عدة، تجعل من أي حدث طارئ ضمن الحسابات المتوقعة، لكن هل ما نقوم به اليوم يترجم ذلك حقاً؟
موضوع الإدارة واسع وكبير، وفي حال أردنا تعريفه يمكننا القول إنه فن الضبط، عن طريق تحليل الحالة ومن ثم ضبطها، وفق قراءة خبير الموارد البشرية الدكتور هاني حداد، الذي قدم تعريفاً للمدير ضمن نوعين، الأول هو امتلاك المعرفة والثاني امتلاك الفن والمهارة والتكنيك بإدارة موضوع معين، وهو ما أنشأ أنواعاً عدة للإدارة مثل: إدارة التسويق أو الموارد البشرية وغيرها.
خلال حرب الـ12 سنة، ظهر لدينا مفهوم جديد للعمل، يتطلب ضمن مفهوم الإدارة التعامل بطرق أكثر حنكة وذكاء ضمن مفهوم «إدارة الأزمات»، الذي وفق تحليل د. حداد هو الأداة الأنسب لمواجهة العقوبات المفروضة، عبر إدارة الأزمة بشكل إيجابي ومن ثم الحصول على انتعاش اقتصادي، إلا أن البعض يقول أيضاً: إنه من غير الممكن تطوير الاقتصاد في ظل العقوبات، والاكتفاء فقط بإدارة العجلة الاقتصادية بالشكل الصحيح ضمن مفهوم إدارة المخاطر في حياتنا اليومية.
ما يجهله البعض، أنه في الحديث وسط وضع اقتصادي متأزم ستكون نسبة المخاطر عالية جداً وفق قراءة خبير الموارد البشرية الدكتور هاني حداد للواقع، كما أن الحكومة اليوم تعمل على ثبات العجلة الاقتصادية ودورانها داخل البلاد ضمن مفهوم الاستنباط لما سيحدث مستقبلاً، لكون الواقع الحالي لا يسمح بتحسين الوضع الاقتصادي الحالي من وجهة نظر إدارية، بالمُقابل أن ندير العجلة من أجل المحافظة على الثبات وسير العملية الاقتصادية بشكل واضح وجيد.
أما في حال نشاط حركة الاستيراد والتصدير، هنا فقط بإمكاننا القول إن اقتصادنا قوي جداً ومن الممكن التفنن في إدارته ضمن علوم الإدارة، بالارتكاز على الوضع الحالي ومراعاة نسبة المخاطر المحيطة به والعقوبات المفروضة على البلاد، فالتكنيك الإداري يجب أن يكون فعالاً وأن يملك الصدى الإيجابي لرفد الاقتصاد وإنعاشه، بالتركيز على الأداة المستخدمة.
تشخيص وتحليل
دوره المباشر وعلاقته الوثيقة بالتنمية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية في كل سورية، جعل منه أولوية في أبحاث استشاري التدريب والتطوير وعضو جمعية العلوم الاقتصادية الدكتور عبد الرحمن تيشوري، الذي أصر على أولوية الإدارة وأولوية الإصلاح الإداري، الذي يحتاج إلى جهاز حكومي متخصص يكون قادراً على تنفيذ البرامج والمشاريع اللازمة، استجابةً لاستحقاقات المرحلة الراهنة من تاريخ سورية، وهو ما استدعى إحداث وزارة التنمية الإدارية في نهاية عام 2014، ومن ثم صدور القانون رقم /28/ تاريخ 14/7/2018.
إن المتتبع لاتجاهات وحركة التطور الاقتصادي والإداري في سورية، يستشعر بأن هناك خللاً إدارياً كبيراً على مستوى أجهزة الإدارة العامة، حال دون تحقيق الطموحات الاقتصادية والاجتماعية ووفق رؤية د. تيشوري التحليلية للواقع الاقتصادي، حيث كانت الحكومة ولا تزال تعمل للأثرياء ورجال الأموال، وابتعدت عن الفقراء والموظفين والعسكريين، من خلال عجز أجهزة الإدارة العامة عن إعداد وتنفيذ الخطط الاقتصادية، بشكل يتماشى مع متطلبات العقلانية الاقتصادية والترشيد الإداري، رغم أن الطاقات والإمكانات المتاحة مناسبة لتحقيق نتائج أفضل بكثير على صعيد الأداء الاقتصادي، حيث إن المؤشرات الاقتصادية تدل على عجز الحكومة عن إدارة موارد المجتمع بالكفاءة المنشودة.
كذلك عدم إخضاع الخطاب الاقتصادي والإداري للحكومات المتعاقبة لأي مساءلة أو مراجعة من السلطات، إلا في حدود ضيقة وفق د. تيشوري، ما أدى إلى تفشي ظاهرة الفساد الإداري والاقتصادي.
أمام هذه اللوحة غير المشجعة للأوضاع الاقتصادية والإدارية، كان لابد من التحرك على كل المستويات الرئاسية والسياسية والتشريعية والحكومية والمجتمعية، من أجل التدخل السريع لإيجاد الحلول الملائمة والكفيلة بدراسة وتشخيص المشكلات الإدارية والاقتصادية في سورية، وهو ما أشار إليه السيد الرئيس بشار الأسد في أكثر من مناسبة، وفق رؤية د. تيشوري، بالتأكيد على ضرورة معالجة المشكلات الإدارية التي تعوق حركة التنمية دون إبطاء، حيث أكد سيادته أثناء تأدية القسم الدستوري بتاريخ 17/7/2000 أن قصور الإدارة لدينا هو من أهم العوائق التي تعترض مسيرة التنمية والبناء، التي تؤثر بشكل سلبي في كل القطاعات دون استثناء، وعلينا أن نبدأ بالسرعة القصوى بإجراء الدراسات الكفيلة بتغيير هذا الواقع للأفضل من خلال تطوير الأنظمة الإدارية وهيكلياتها ورفع كفاءة الكوادر الإدارية والمهنية، وإنهاء حالة التسيب واللامبالاة والتهرب من أداء الواجب، ولابد من محاربة المقصرين والمسيئين والمهملين والمفسدين.
من ميدان العمل
لا يمكننا الخوض في تجربة إصلاح الإدارة دون توفر الدراسات الميدانية عن واقع عمل المنظمات والمؤسسات الحكومية، بالاعتماد على قاعدة معرفية نظرية معمقة في الإصلاح، وعلى بعض التجارب الناجحة في هذا المجال على المستوى العالمي، بما يتماشى مع طبيعة الوضع الاقتصادي والإداري في سورية، تأكيدات من خبير الاستشارة والتدريب د. عبد الرحمن تيشوري، ضرورة مواكبة التطورات، والوقوف قليلاً عند بعض الأسئلة مع محاولة الإجابة عنها وهي:
ما هوية وطبيعة النظام الاقتصادي السوري المستقبلي مع بيان محددات ومقومات تطويره، ومن هنا لابد من تحديد دور الدولة ومدى تدخلها في الحياة الاقتصادية والإدارية على المستويين الكلى والجزئي، بمعنى آخر ما النظرة المستقبلية لدور القطاع العام في ظل التحولات الدولية؟
وما الأشياء التي يجب علينا فعلها من أجل زج جميع الإمكانات البشرية والمادية وهي كثيرة ومتنوعة ومهمة جداً، من أجل تحسين مستوى كفاءة النظم الإدارية، وبالتالي تحقيق معدلات نمو تفوق معدلات النمو السكاني.