الأدوية المهربة… اتجار بأرواح البشر..! … تفاقم أوجاع الفقراء.. ضبطها أو السماح بالاستيراد! … الأدوية المهربة تنشط والمهربون يتحكمون بأسعارها..!
| أمير حقوق
يشهد واقع الأدوية -تخبطاً واضحاً- في الفترة الأخيرة، إذ إن العديد من الأصناف الدوائية تعاني النقص وعدم التوافر، سواء الوطنية أو المستوردة، ما يفرض تحكم بعض الصيادلة بأسعارها.
وتتمثل هذه الأصناف المقطوعة في الأدوية الأساسية كأدوية الضغط والسكري والقلب والالتهابات والأعصاب، وهذا الضعف الإنتاجي لدى شركات الأدوية المحلية بالتوازي مع انخفاض كميات الأدوية المستوردة أدى إلى تنشيط تهريبها دون ضبط محكم لهذه الأدوية وأسعارها، وغياب الرقابة الصحية عليها.
فيمكن ملاحظة التفاوت في سعر أصناف الدواء الأجنبي «المهرب» بين صيدلية وأخرى، إذ يتجاوز الفرق للنصف الواحد 10 آلاف وبعضها يصل لفوق 30 ألفاً، والأسباب تكون لارتفاع سعر الصرف ولتحكم المهربين بأسعار هذه الأصناف.
علاوة على تكرار انقطاع الأصناف الدوائية بوجود شركات الإنتاج والتصنيع الدوائي بشقيه العام والخاص، وإضافة للاستيراد، إلا أن احتكار الأدوية المهربة بات واضحاً للتحكم بأسعارها من قبل المهربين والصيادلة الذين يبيعونها، حيث إنه حسب قوانين نقابة الصيادلة، يمنع احتواء أي صيدلية دواء أجنبياً غير مرخص به من النقابة.
تباع بشكل حر
أحد الصيادلة، مفضلاً عدم ذكر اسمه، أوضح لـ«الاقتصادية» أن الأدوية الوطنية لم يطرأ عليها تغيير بالأسعار مطلقاً، منذ آخر زيادة وأن هناك أصنافاً وطنية كثيرة في الأسواق مقطوعة، وهناك بعض الأصناف الوطنية توزع بشكل حر، فهناك شركات تبيع الأصناف بأسعارها الحرة بكثرة، وإذا طلب الصيادلة هذه الأصناف بالأسعار النظامية ترجح الأعذار بأن الكميات قليلة ولا يوجد من هذا الصنف، وأيضاً الأدوية المستوردة نصف أصنافها مفقودة بسبب بطء التسعير وبطء تنظيم أمور الاستيراد.
وحول تباين الأسعار، بيّن أن أسعار الأدوية الوطنية والمستوردة بالشكل النظامي لم يطرأ عليها تغيير، فهي ثابتة، ولكن التفاوت يكون في أسعار الأدوية الأجنبية المهربة التي تختلف تكلفتها من صيدلية لأخرى حسب المهرب وحسب سعر الصرف، وهي مطلوبة بكثرة في الصيدليات من قبل الأهالي، وأغلبية الأطباء يشددون على المرضى لشراء الأدوية الأجنبية.
«متطلبات واقع الأدوية اليوم تكمن في دعمها صناعياً وتوافر المواد الأولية، والحدّ من جملة شركات الأدوية بأن هذا الدواء غير متوافر، فتحتاج الشركات لدعم كبير من وزارة الصحة»، بحسب الصيدلي.
انخفضت 70 بالمئة!
وأكد أن القدرة الشرائية لدى الأهالي سيئة جداً في الفترة الأخيرة، وانخفضت بنسبة تتجاوز 70 بالمئة، وبعض الأهالي ألغوا الأدوية الأساسية كدواء الضغط والسكري ويبحثون عن بدائل أرخص مادياً.
بدوره، عضو مجلس إدارة غرفة تجارة دمشق الدكتور المهندس ياسر أكريم قال لـ«الاقتصادية»: إن الواقع الاقتصادي للدواء مثله مثل أي سلعة صناعية، يجب توقيف احتكاره ويجب تقديم التسهيلات لتصنيعه، والتسهيل لا يكون فقط عبر إعطاء المنتجين القطع الأجنبي أو سعر صرف أقل من العادي، بل يجب أن يكون سعر الصرف عادياً ولكن مع تقديم التسهيلات، كإعانات في الإنشاء والطاقة البديلة بالسعر ذاته والإعفاء من الضرائب والرسوم والمعارض المجانية، وتشجيع الصناعة الدوائية هو وظيفة الحكومة، ويجب فتح الاستيراد للأصناف الدوائية المحلية لفتح باب المنافسة لتحسين أداء الإنتاج ووضع الأدوية، ويجب أن يكون ثمة جهاز رقابي عالٍ على قطاع الأدوية لتحميه وتراقبه.
خلل في الإدارة
«كل شيء رابح متوافر، والخاسر يحجم تصنيعه، وبالتالي لتوافر الدواء يجب إعطاء نسبة ربح جيدة للمنتجين وبالتكلفة العادية، وبالتالي يتوافر بالأسواق ويجب السماح بتصديره وهو ما ينشط الاقتصاد» بحسب ما أشار إليه أكريم، متابعاً: والنقص بالأدوية يعني أنه يوجد خلل في الإدارة، بما أنه توجد شركات ومصانع للقطاعين العام والخاص، وإدارة المنتج يجب أن تعرف مثلاً استهلاك 100 ألف كبسولة دوائية وتصنيع 50 ألف كبسولة، فيجب أن تتوافر إحصائية بوزارة الاقتصاد، لمعرفة النقص بالأصناف الدوائية لطرحها على المستثمرين، فالإحصائيات هي أساس تطور الشعوب.
ورأى أن الدواء المهرب كارثة، لأنه من الممكن أن يكون مقلداً ومنتهي الصلاحية وموضوع ضمن أغلفة جديدة، ويحوي على مواد مخربة اقتصادياً وعسكرياً واجتماعياً، وهذا الأمر يجب الانتباه إليه، ويجب البحث عن أسباب التهريب لمعرفة إن كان يوجد نقص بتوافر الأصناف المشابهة من الدواء الوطني فيشير ذلك إلى الخلل الإداري من خلال عدم توافر الإحصاءات في وزارة الاقتصاد، فمثلاً دواء المرض العضال، مطلوب وممنوع استيراده، وبالتالي ينشط تهريبه، فيجب السماح باستيراده.
محاربة التهريب بالسماح!
ويضيف: وتكون محاربة التهريب بالسماح، فاليوم المهربين يتقاضون أجوراً كبيرة أكثر من أجور الجمارك، ويجب النظر إلى السماح باستيراد هذه الأدوية وضم هذه الأجور للجمارك وإغلاق التهريب، والتهريب يكون بالعملة الأجنبية، وهذا يشير إلى خلل بالفكر الاقتصادي، لأنه سمح بالتهريب لعدم وجود العملة الصعبة، والدواء المهرب يأتي بالعملة الصعبة فوضع هذه العملة بيد المهربين خلل اقتصادي، ويجب إرجاع العملة الصعبة ليد الحكومة بأي طريقة عبر وضعها بالبنوك ورفع الفائدة عليها.
وأكمل: ما يحدث في قطاع الدواء يحدث في كل المنتجات، والخلل الإداري يعطي الفرق بين دخول المواد واستهلاك المواد، والإحصاء أهم خطوة والسماح بدخول المواد المقابلة وعدم هدر أموال الدولة بإعطاء سعر منخفض للعملة الصعبة ومراقبة المنتج والصيدليات للحصول على نتائج صحيحة وسليمة.
وضع حكومة اقتصادية!
وختم أكريم حديثه مع «الاقتصادية» مطالباً بوضع حكومة اقتصادية وخاصة في هذا الوقت، فما المانع من وضع وزير صحة اقتصادياً لديه المعرفة بالدواء والاستيراد والربح وكل أمور الاقتصاد؟
فرق في المقارنة
«في ظلّ هذه الحرب، فرضت علينا عقوبات أثرت بشكل كبير في القطاع الصحي، والمواد الخام الأولية التي يصنع منها الدواء أصبح من الصعب استيرادها، فتم الاعتماد على بدائل أخرى لتصنيع الدواء وهذا بدوره خفف فاعلية الدواء» بحسب ما أشار إليه الخبير الاقتصادي الدكتور هاني حداد لـ«الاقتصادية».
وتابع: عند مقارنة الدواء في الوقت الحاضر وقبل 20 عاماً نرى فرقاً كبيراً في المفعول، لاختلاف المواد الأولية إضافة لاختلاف أسعار استيرادها وتصنيعها وأجور اليد العاملة، فالواقع الاقتصادي لقطاع الدواء غير متوازن.
وعلل ارتفاع أسعار الدواء بأنه غير مقصود، لأن شراء المواد الأولية يتم بالنقد الأجنبي وبالتالي يؤثر ذلك في مستوى الشراء وفي القوة الشرائية، وأسعار أصناف الدواء تختلف حسب القوة والفاعلية ونوعها وهناك أدوية في الأسواق يتجاوز سعرها 400 ألف.
واعتبر أن الحكومة تقوم بضبط أسعار الدواء، ونقابة الصيادلة تضبط تسعيرة الدواء وتحدد نسبة ربح بهامش معين، والسوق مراقب في عملية تسعير الدواء.
تؤثر في الاقتصاد الدوائي
وفيما يتعلق بالدواء المهرب، اعتقد أنه يجب على الحكومة مكافحته لأنه يؤثر في الاقتصاد وتوازن الاقتصاد الدوائي، فعند شراء دواء معين يُلاحظ أنه من لديه قوة شرائية يطلب الدواء الأجنبي، لكون فاعليته قوية، ولكن حتى فاعلية الدواء الوطني جيدة وفعالة.
بينما نقص العديد من أصناف الدواء، يدل على أنه توجد مشكلة في الاستيراد وخاصة بعد الحرب والعقوبات المفروضة على سورية، والقطاعان العام والخاص يتوقف عملهما على المواد الأولية لتصنيع الدواء، وهذه المواد تستورد كالسيتامول مثلاً، وبالتالي تتأثر عملية الإنتاج، وعندما يكون الدواء المهرب سليماً ومصدره موثوقاً وصحيحاً وتاريخه جيداً، يكون له فوائد طبية، ولكن عند تهريب الأدوية يكون هناك نوع من تدمير الاقتصاد بشكل كامل، وينعكس على قطاع الدواء المحلي، وبالتالي وزارة الصحة ونقابة الصيادلة تحاولان تنظيم ضوابط وقوانين وأنظمة لضبط عملية تصنيع الدواء وبيعه وتسعيرته وكيفية استيراد المواد الأولية.
«قطاع الدواء يؤثر ويسهم بشكل سلبي أو إيجابي في موضوع الاقتصاد، والصناعات والمصانع الدوائية، فيها قدرة إنتاجية ولكن لا تحوي الكمية الدوائية الكبيرة التي تغطي كل أمراض الأهالي، فهناك بعض الأمراض ليس لها أدوية وطنية وبالتالي يضطر البعض للأدوية المهربة» بحسب ما ختم حداد حديثه.
أسعار فوق طاقة المرضى!
الخبير الاقتصادي أكرم عفيف رأى في حديثه لـ«الاقتصادية» أن ترافق غلاء الدواء تماشى مع حالة اقتصادية متردية لدى المواطنين، بالتوازي مع انتشار الأوبئة والأمراض وخاصة الناتجة عن فقدان النظافة والتلوث والتغير المناخي، وأسعار أصناف الدواء فوق طاقة الأهالي المادية، نظراً لقيمة الرواتب.
«الدواء المستورد غير منافس للدواء المحلي، لكن وجوده ضروري في ظل فقدان العديد من أصناف الدواء المحلي، ويجب ختم وزارة الصحة على الدواء المستورد وأن يتضمن سعره للمرضى» حسب عفيف.
منتج محارب!
وأرجح أن نقص العديد من أصناف الدواء الوطني على الرغم من وجود شركات تصنيع الأدوية بالقطاعين يدل على أن المنتج المحلي منتج قد يكون محارب أحياناً، ويشير إلى إبعاد المنتجين لمصلحة المستوردين وشركائهم من بعض المتنفذين، ومصلحتهم بعدم وجود المنتج المحلي، وهناك العديد من شركات الأدوية أغلقت بسبب الضغوطات التي واجهتها علاوة على الضرائب غير المنطقية والمحددة.
ومن المهم وفق عفيف، العمل على التشجيع وإعادة المبادرة للإنتاج الوطني للدواء، فهل من المعقول أن سعر ظرف دواء السيتامول 5 آلاف ليرة سورية، فوسطياً راتب الموظف يومياً 10 آلاف وهو يشتري بهذا الراتب ظرفين دواء سيتامول!
3600 عشبة!
وأضاف: يجب استغلال أن سورية تتمتع بوجود 3600 عشبة طبيعية وقابلة للزيادة، فيجب تحويلها بهذه الظروف لمنتجات دوائية وعشبية سورية، ولكن بموجب قوانين وزارة الصحة يمنع صناعة منتج إلا بموافقة الشركات المرخصة للدواء وبالتالي خرجت هذه الأعشاب من العملية الإنتاجية.
يشار إلى أن «الاقتصادية» حاولت التواصل مع نقابة الصيادلة إلا أن نقيبة الصيادلة اعتذرت وقالت إنها لا تجري أي حوار صحفي في الوقت الحالي، ولا يوجد شيء للحديث به.
وختام الحديث، يجب العمل من قبل وزارة الصحة على ضبط سوق الدواء من حيث الانقطاع المتكرر والمتعمد، وعلى أسعار الأصناف الدوائية ومخالفة المتلاعبين بالأسعار، وأيضاً العمل على التعاون مع جميع القطاعات والمستثمرين لتحقيق واقع دوائي أفضل والعمل على وفرة لجميع الأصناف الدوائية، والحدّ من الأدوية المهربة التي تغزو الصيدليات بأسعار تفوق طاقة الأهالي والمرضى، دون حسيب ورقيب على هذه الأدوية وأسعارها، كما يجب تنشيط الاستيراد لتحقيق الأمان الدوائي ولخلق المنافسة بين الأدوية الوطنية والمنافسة لها والتي تعود بالمنفعة على الأهالي.
كذلك الأمر، العمل على تحسين فاعلية الدواء الوطني والاهتمام بالمواد الأولية الداخلة في تركيبه لتحقيق منافسة الفاعلية بينه وبين الدواء الأجنبي.