الكرز يخالف قاعدة التسويق المعتادة ويحتفظ بزبائنه المحليين … الإنتاج وصل إلى قرابة 47 ألف طن في ريف دمشق وحدها
| بارعة جمعة
يبدو أن متوالية الخسارات التي تواجه المنتج السوري لن تنتهي، ولاسيما الزراعية منها، هنا حيث لكل شيء حساباته، ولكل حلقة حصتها من الربح ومن مستحقات اللعبة التصديرية لأي منتج، وفي الوقت الذي ما زال فيه مزارعو القمح والقطن والشوندر السكري يحصون خسائرهم السنوية، التي تلاحق محاصيلهم كل عام، بدأ مزارعو ريف دمشق ممن خاضوا لعبة التصدير في موسم الكرز بعد الخسائر لديهم أيضاً، حيث لا مكان لتلافي أي خطأ سابق، ولا مجال لتفادي العثرات المتكررة، ولا مراعاة خصوصية كل موسم يمر في هذه البلاد، والذي يعد السلة الغذائية لكل أبنائه، والمنفذ الوحيد للاقتصاد المحلي من أزماته وانتكاساته التي لا تنتهي.
تقديرات وصفت بغير المتوقعة لموسمي المشمش والكرز، أودت بأسعار الكرز مقابل المشمش الذي احتفظ بالقليل من أرباحه للفلاح، لتأتي التبريرات معظمها خاضعة لقانون السوق بالعرض والطلب، الذي بات يهوي تحت ذريعته أغلبية المنتجات المحلية، ما قصة موسم الكرز؟ وما كواليس عملية التصدير التي لا تزال محط جدل من الخبراء والمهتمين بالشأن الزراعي كله؟
معادلة غير متوازنة
لكل محصول أو موسم زراعي متطلبات وظروف عمل خاصة به، إلا أن الفواكه الصيفية ولاسيما التي تتأثر بارتفاع الحرارة، تخضع لشروط عمل معينة ومدة زمنية محددة، لتأثر الفاكهة بمرحلة النضوج، وبالتالي تعدد سعرها بين بداية الموسم ونهايته، كما هو حال الكرز، الذي وصلت تكلفته لمبالغ طائلة، فيما يبيعه الفلاح بسعر 3000 ليرة سورية، حالة من عدم التوازن تلحق بكل مرحلة تسويق أي منتج زراعي، التي باتت لا تخلو من حلقات وسيطة لها نصيبها من العملية، ليبقى المستهلك الحلقة الأضعف والفلاح الخاسر الأكبر وفق توصيف الخبير التنموي أكرم عفيف للواقع، والذي أكد في حديثه «للاقتصادية» تكرار المشهد في كل عام وكل موسم، من دون الأخذ بالاعتبار لأي مشكلة سابقة، والميل لتشجيع المستورد على حساب المنتج للأسف.
مشكلة الإنتاج الزراعي اليوم هي محاربة المنتِج، برأي عفيف، كما أن التسعير لموسم الكرز بمبلغ 3000 ليرة للفلاح هو خاسر وسيضطر بعد فترة لقلع أشجار الكرز كما قام سابقاً بقلع أشجار التفاح والحمضيات وو…. ، كما أن الظلم الذي يلحق به لكونه الحلقة الأولى من سلسلة التسويق هو أمر مجحف بحقه، وغير مقبول، ولاسيما أن مشكلتنا لا تكمن بالتصدير نفسه كسياسة متبعة من الحكومة، بل بعدم القدرة على إدارة الوفرة لدينا، بلدنا مملوء بالموارد، لكن ضعف القدرة الشرائية تؤدي بالوفرة الكساد ومن ثم الخسارة للأسف.
مشكلتنا لا تكمن بالتصدير بل بعدم القدرة على إدارة الوفرة لدينا
غير واضحة المعالم
حالة من عدم الرضا تشوب كل خطوة، بدءاً بموسم الزراعة وصولاً للقطاف، وما يترتب عليه من أعباء نفقات (تقليم، رش، سماد، أجور العمال) وغيرها الكثير، يدفعها الفلاح من جيبه بانتظار تعويضها لاحقاً، ليفاجأ فيما بعد بعدم التنسيق بين الجهات، ومن ثم بيع الموسم بسعر زهيد جداً، واليوم يروي الخبير الاقتصادي عبد الرزاق حبزة لـ«الاقتصادية» تفاصيل المشهد من الأرض، حيث موسم قطاف الكرز في منطقة سرغايا والمناطق الغربية من غوطة دمشق، مؤكداً أن الموسم ليس بالكبير جداً، لكنه جيد نوعاً ما، فيما تبدو مسألة تصديره منذ بداية القطاف معقدة ومتفاوتة، حيث بلغ عدد البرادات 125 براداً في البداية، ثم انخفض تدريجياً ليصل اليوم إلى 25 براداً فقط، والسبب من وجهة نظر حبزة عدم التنسيق المسبق بين الجانبين السوري والأردني، ليبدو المشهد فيما بعد على الحدود الأردنية مؤسفاً، إثر تعرض الموسم للنقل من البرادات السورية للأرض وبقائه قرابة عشرة أيام ومن ثم تحميله في البرادات الأردنية، وهو ما جعل منه عرضة للخسارة من جهة وتراجع بكميات تصديره من جهة أخرى، وبالتالي الوفرة في المحصول الذي تم طرحه ضمن السوق المحلية بسعر 10000 ليرة للمستهلك، بعد أن كان في البداية 25000 ليرة.
السماح بالتصدير من دون وضوح معالم الخطوة جعل من العملية فاشلة، حيث ما زلنا حتى اليوم نواجه خططاً اقتصادية وأخرى تصديرية تتسم بالعشوائية برأي حبزة، كما أن الخطوات مبهمة وغير مدروسة، وتحتاج التوضيح أكثر، لجهة معرفة انعكاس العملية على المُصدّر بالدرجة الأولى والفلاح الذي بات يبيع موسمه بسعر بخس جداً.
نعم.. الموسم وفير وجيد نوعاً ما، لكن هل نمتلك الإمكانيات لتخزينه ومن ثم طرحه بصورة متواترة ضمن الأسواق؟
يتساءل حبزة
بالطبع لا، كما أن أغلبية الفواكه تم طرحها بداية بسعر عال ثم انخفضت، لكن القدرة الشرائية للمواطن لم تسمح له بعد بشرائها، لذا لا يمكننا القول أن العملية لمصلحة المستهلك برأي حبزة، لأن الجميع يريد أن يضمن حقه من العملية، لذا بدا هذا الموسم شاذاً نوعاً ما، ليبقى الخوف اليوم على المواسم القادمة كالتفاح مثلاً.
نسب متقاربة
قد يبدو المشهد أكثر تعقيداً فيما لو تمت المقارنة بين إنتاج المحصول نفسه بين عام وآخر، والذي يؤكد وجود ثغرات عميقة يجب البحث فيها ومعالجتها، بحيث تغدو أتعاب الفلاح غير القليلة اليوم محقة أمام المردود القائم من الزراعة، لتأتي تأكيدات مديرية زراعة ريف دمشق بوصول كميات الإنتاج من الكرز لهذا العام بحدود 47 ألف طن، مع الإشارة إلى أن معظم الموسم بعل.
بينما عرضت مديرية الإحصاء والتخطيط في وزارة الزراعة ضمن تقريرها أن إجمالي إنتاج القطر من المشمش لعام 2023 بلغ 54686 طناً، منها 17541 طناً في ريف دمشق، في حين بلغ إنتاج الكرز للعام نفسه 72694 طناً، منها 46590 طناً في ريف دمشق في حين لم يتم إحصاء موسم 2024 للآن لعدم انتهاء الموسم.
مبينة أنه وفي حال غطّى إنتاج سورية حاجة السوق المحلية إلا أن التراجع قائم بنسبة 50 بالمئة تقريباً، خلال سنوات الأزمة، بعد أن بلغ الإنتاج 112,7 ألف طن من المشمش في عام 2010، محققة في ذلك الوقت المرتبة الثالثة عربياً والتاسعة عالمياً.