شؤون محلية

السياسات النقدية والمالية هل نحن في الطريق الصحيح؟

| فراس تيناوي

تعتبر السياسات النقدية والمالية أساس نمو أي اقتصاد سواء أكان نامياً أم ناشئاً أو متقدماً، ويكون دور هذه السياسات في جميع الأوضاع التي يمر بها الاقتصاد سواء كان بالسلم أم في الحرب، ولا يمكن لأي اقتصاد مهما علا شأنه وتوافرت فيه مقومات النهوض أن يحقق النجاح من دون أن تتناغم هذه السياسات فيما بينها، حيث تعمل السياسة المالية على رسم السياسة الضريبية والجمركية وتحديد نسبتها، بالإضافة لتحديد الموازنة العامة للدولة وسد العجز فيها عبر عدة طرق أبرزها إصدار سندات حكومية وغيرها من الأدوات التي يكون لها منعكساتها على الاقتصاد بجميع مستوياته وتقود هذه السياسة وزارة المالية، في حين تعمل السياسة النقدية على التحكم في إصدار الكتلة النقدية المحلية وحركتها بما يخدم المصلحة العامة والحفاظ على نسبة تضخم مدروسة ومستهدفة وتحقيق نمو اقتصادي مستدام مستخدماً عدداً من الأدوات، البعض منها تقليدي والبعض منها مبتكر حسب ظروف كل الدولة والهدف من هذه الأداة، وتكون هذه السياسة من اختصاص البنك المركزي.

يمكن لأي متابع للاقتصاد السوري أن يلاحظ أن السياسات النقدية والمالية خلال سنوات الأزمة غير واضحة المعالم نتيجة التغيرات اليومية المحلية والدولية كالعقوبات وغيرها، ويقتصر دورها على الحلول الإسعافية قصيرة المدى، فالسياسة النقدية اتسمت بالتشدد النقدي واحتباس الكتلة النقدية بعدة طرق تقليدية وغير تقليدية، كرفع سعر الفائدة على القروض وتحديد سقف السحب اليومي ووضع مبالغ مالية عند عمليات البيع والشراء كوسيلة لكبح جماح التضخم ورفع الطلب على العملة الوطنية وتحقيق التوازن في سعر الصرف وتأمين القطع الأجنبي، وكأن البنك المركزي والسوق السوداء كانا يسلكان سلوك القط والفأر طوال السنين الماضية، ونتيجة لذلك نجحت السوق السوداء في استنزاف الاحتياطي النقدي الأجنبي رغم غياب البيانات الاقتصادية الدورية كنسبة التضخم والبطالة وتكاليف الإنتاج وغيرها التي تعتبر البوصلة وأساس قرارات البنوك المركزية، فأضحت السوق السوداء اللاعب الرئيسي في السوق، واقتصر دور البنك المركزي على التدخل حين تشتعل الأسواق، أما على صعيد السياسة المالية فكانت أيضاً في سياق التشدد، أدى ازدياد ضرائب ورسوم والجمارك وغيرها من الرسوم إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج وتسبَّب في ضغط مالي كبير على المنشآت والمعامل الصناعية والتجارية من أجل سد العجز في الموازنة الحكومية، كما تم طرح سندات خزينة للتداول في الأسواق لأول مرة في تاريخ الاقتصاد السوري.

نتيجة لهذه السياسات نتج لدينا اقتصاد يميل نحو ‏الانكماش وليس للنمو، وأصبحنا نعيش اليوم حالة تسمى في علم الاقتصاد الركود التضخمي، التي تتصف بارتفاع أسعار قوي مصحوب بركود في الأسواق، كما نتج لدينا اقتصاد ظل مسيطر محفوف بالمخاطر وسوق ادخاري بأرقام ضخمة جداً.

ما نحتاجه اليوم إعادة النظر في السياسات النقدية والمالية وجعلها أكثر مرونة ومتناغمة لدعم النمو، السياسة النقدية تبنى على البيانات والأرقام، أما المالية فتبنى على جمع الأموال بحكمة، فلا يمكن محاربة التضخم على حساب النمو والإنفاق كما هو معروف اقتصادياً، ومن الضروري إصلاح النظام الضريبي بشكل يشجع على الاستثمار، وبدلاً من الاعتماد على الوارد الضريبي في الموازنة العامة بنسبة عالية يجب الاهتمام بالمشاريع الإنتاجية، وإعادة هيكلة القطاع العام بما يتناسب مع الوضع الراهن، وقبل أن نشجع رأس المال الأجنبي يجب تشجيع رأس المال الوطني ونقله من وضعية الادخار إلى الاستثمار علماً أننا نملك سوقاً ادخارية بقيمة عشرات مليارات الدولارات يصعب تحديد قيمتها ولكنها بالتأكيد كبيرة جداً، وإعادة النظر بما يسمى منصة الاستيراد على الرغم مما تحمله من إيجابيات هذه المنصة إلا أن الخلل في آلية عملها تسبب في حدوث تكاليف إضافية غير مبررة على الإنتاج، وبالتالي فقدت منتجاتنا قدرتها التنافسية في الأسواق الخارجية وأصبحت أغلى من نظيراتها في باقي الدول، وما علينا إعادة النظر فيه بما يخص منصة الاستيراد إيجاد طريقة لحماية أموال المودعين من الصناعيين والتجار والمستوردين حين الإيداع حتى نستطيع إنتاج سلع وبضائع منافسة محلياً وعالمياً، كما علينا إيجاد آلية أكثر انفتاحاً تجاه الحوالات الخارجية لكونها تعتبر اليوم شريان الحياة للاقتصاد السوري، علماً أنها قادرة على تغطية معظم المستوردات في حال استقطابها جميعها، على الرغم من اتخاذ عدد من الخطوات الجيدة منذ أكثر من عام، لكنها ما زالت تحتاج المزيد من المرونة.

الحلول لا تنتهي وموجودة ولكن تحتاج إرادة وعقلية منفتحة وجريئة بعيداً عن البيروقراطية والخوف من الانفتاح، ما ذكره السيد الرئيس خلال كلمته في اجتماع اللجنة الموسعة لحزب البعث العربي الاشتراكي وضع فيه سيادته النقاط على الحروف وأكد أننا بحاجة لبناء اقتصاد سوق ضمن قواعد اشتراكية كما في دول عديدة مثل الصين وغيرها، وهو ما نحن قادرون على فعله.

باعتباره أفضل أنواع الاقتصادات الحديثة وأكثرها قوة ومتانة اقتصادياً واجتماعياً، ولكن حتى نبني هذه الثقافة علينا التفكير بعقلية السوق وتعزيز الشفافية وإعادة بناء الثقة، والتخطيط لبناء اقتصاد منفتح ومتنوع برأس مال وطني وهذا هو التحدي الأكبر في المرحلة القادمة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى